الإسلام يلقن البشرية درسا في تحريم الخمر
لم يأتِ تحريم الخمر دفعة واحدة، بل انتهج الإسلام الحكيم منهج التدرُّج في تحريم الخمر؛ وذلك لولع الناس بِها، حتى وصل بهم إلى أن أراقوها في الطرقات، وتواصوا فيما بينهم على اجتنابها مدى الحياة.
لم يأتِ تحريم الخمر دفعة واحدة، بل انتهج الإسلام الحكيم منهج التدرُّج في تحريم الخمر؛ وذلك لولع الناس بِها، حتى وصل بهم إلى أن أراقوها في الطرقات، وتواصوا فيما بينهم على اجتنابها مدى الحياة.
على حين أنَّ أكثر الأمم حضارة وتقدُّمًا قد فشلت بعد محاولات مضنية في تحريم الخمر، بل زادت معدلات الإدمان أكثر وأكثر، حتَّى صار الكأس وخمرتُه وسحابات الدُّخان المتصاعد دلالات البهجة وعلامة التحضُّر! وهكذا غدتِ الصورة في معظَم القنوات المرئيَّة وصفحات الجرائد والمجلات عبر مُختلف وسائل الإعلام وعلى اختِلاف العقائد.
لقد فشلت جميع الجهود والتَّخطيطات، ولم تنجح في الحد من هذا السباق المحموم صوب احتِساء الخمر وتعاطي المخدرات.
ولم يَحفظ التاريخ العام أنَّ أمَّة استطاعت أن تَمتنِع عن الخمر نهائيًّا إلا أمَّة الإسلام، وذلك في زمان النبي العظيم - صلى الله عليه وسلم - فإذا هبت رياح الإيمان وافتْنا بالعجائب.
لقد قدَّم الإسلام التجربة العمليَّة والمقنعة للتخلُّص من هذا الوباء، واستِخْدام وسيلة الإقناع العقلي مع ربطه بالعقيدة المركوزة في القُلوب مع التدرُّج في التحريم؛ لأنَّ الزمن جزء من العلاج لمن يريد حقًّا الإقلاع عن الخمور والمخدرات.
فكانت أوَّل الآيات نزولاً في تحريم الخمر هي قولُه تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} [النَّحل: 67]، والثَّانية قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، فقال قوم: نشربُها لما فيها من المنافع، وامتنع بعض النَّاس عنها، حتى قام أحد المسلمين يصلِّي فخلط في صلاته وأخطأ، وقد اشمأزت نفوس كثيرة من الخمر إثْر هذا الموقف، خصوصًا بعدما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ثم كاد شرر الخصومة أن يتفاقم بين المسلمين بسبب احتسائهم الخمر، وهنا دعا عمر بن الخطاب ربه قائلاً: "اللهُمَّ بيِّن في الخمر بيانًا شافيًا"، فنزل الحكم النهائي في المرحلة الرابعة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَة وَالْبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90 – 91]، وعندئذٍ قالوا: انتهيْنا ربَّنا.
فقد اتبع الإسلام العظيم سياسة التدرُّج في التحريم وذلك لولع القوم بها، وهناك أسباب أخرى ساعدت في هذا التجافي والبغض للخمر، من أعظمها العقيدة التي يحتويها الإنسان في قلبه، وطهارة المجتمع الإسلامي الأول من التجاهر بالمعاصي، والحرص على طاعة الرحمن ومخالفة الشيطان.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يَحفظنا والمسلمين من هذا البلاء، والحمد لله في بدْءٍ وفي ختم.
______________________
المؤلف: الشيخ حسين شعبان وهدان
- التصنيف:
- المصدر: