كنوز نبوية - المقال السابع ..
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ»
{بسم الله الرحمن الرحيم }
كنوز نبوية 7
** روى أبو داود عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ» .
«الدُّلْجَةُ»: السَّيْرُ في اللَّيْلِ. ... قال الشيخ ابن عثيمين: أرشد أمته إلى أن يسيروا في الليل وأخبر أن الأرض تطوى للمسافر إذا سافر في الليل يعني أنه يقطع في الدلجة الليل ما لا يقطعه في النهار وذلك لأن الليل وقت براد فهو أنشط للرواحل وأسرع في سيرها ولهذا عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بأنه تطوى الأرض للمسافر إذا مشى في الليل
** عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: «دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، قَالَ: «فَرَآهَا لَا تَتَكَلَّمُ»، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالُوا: نَوَتْ حَجَّةً مُصْمِتَةً. فَقَالَ لَهَا: «تَكَلَّمِي، فَإِنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ» قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ، فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ. قَالَ: "أَنَا امْرُؤٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ. قَالَتْ: مِنْ أَيِّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: «مِنْ قُرَيْشٍ» قَالَتْ: فَمِنْ أَيِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: "إِنَّكِ لَسَئُولٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ: «بَقَاؤُكُمْ عليْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ». قَالَتْ "وَمَا الْأَئِمَّةُ؟ قَالَ: «أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُؤَسَاءُ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟» قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَهُمْ مِثْلُ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ» [رواه البخاري] .
- قال ابن قدامة في (المغني): (ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام، وظاهر الأخبار تحريمه واحتج بحديث أبي بكر وحديث علي، وإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به). وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي: ولا نعلم فيه مخالفًا. انتهى.
- في التاريخ الإسلامي غيّر الملوك الصالحون للمسلمين، كثيرا من واقع الناس وصححوا عقائدهم ونشروا السُنة وأطفئوا البدع والانحرافات، وقمعوا العدو وأصلحوا الناس ورفعوا وعيهم وأعطوا للعلماء دورهم ومكانتهم؛ فبقي تغيير كبير يؤجَرون عليه قرونا، وأخذوا أجر الملايين ممن أسلم أو صلح حاله، وأخذوا أجر العدل الذي أقاموه.
لكن هؤلاء الملوك لم يُحْدثوا التغيير بطاقاتهم الفردية بل بإطلاق الطاقات الخيّرة في الأمة وحشدها من أجل دينها.
الملوك وحدهم لا يصنعون شيئا، والجماهير والأفراد المتناثرة لا يصنعون شيئا بل يخاطَب الواحد منهم بتحرير القدس وإصلاح الأخلاق وتحكيم الشريعة..الخ فيقف عاجزا.
إن الصلاح الفردي قرار فردي للعبد يتخذه في لحظة، ولا يُعذر في التأخر.
أما الصلاح العام فهو ملأ يَصْلُح وأمة تسانده.
** روى الطبراني عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن أفضل عباد الله يوم القيامة: الحمادون»
الحمادون: صيغة مبالغة أي كثيري الحمد الذين يحمدون الله تعالى كثيرا في السراء والضراء، فهم راضون من الله تعالى في كل حال، ولهذا قال عمر بن عبد العزيز: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر. وقيل له: ما تشتهي؟ قال: ما يقضي الله تعالى،، وقال الفضيل: إن لم تصلح على تقدير الله وتحمده لم تصلح على تقدير نفسك،، ونظر رجل إلى قرحة في رجل ابن واسع فقال: إني لأرحمك. قال: إني لأحمد الله عليها منذ خرجت إذ لم تخرج في عيني.
عن كثير من السلف: أن أهل الجنة كلما اشتهوا شيئًا قالوا: «سبحانك اللَّهُمَّ»، فيأتيهم الملك بما يشتهون، ويسلِّم عليهم، فيردُّون عليه. وذلك قوله تعالى: {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس:10]، فإذا أكلوا، وحمدوا الله. وذلك في قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
** روى أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ: « (إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا) قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: (هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ)»
ومن الحسنات بعد السيئات أن «تتوب إلى الله تعالى من السيئات» فإن التوبة من أفضل الحسنات، كما قال الله عز وجل {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] وقال الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]
وكذلك الأعمال الصالحة تكفر السيئات كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) وقال (العمرة إلى العمرة، كفارة لما بينهما).
قال أهل العلم: الطاعات كلها مطهرات، فتارة بطريق المحو المشار إليه بقوله تعالى: ( {إن الحسنات يذهبن السيئات} ) وبقوله هنا: (إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا)، وتارة بطريق التبديل المشار إليه بقوله تعالى: { {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} } [الفرقان:70]
فالمحو المذكور عبارة عن «حقيقة العفو»، والتبديل عن «مقام المغفرة»، وإن تنبهت لذلك عرفت الفرق بين العفو والمغفرة.
ثم اعلم أن لكل من المعاصي والطاعات خواص تتعدى من ظاهر الإنسان لباطنه وبالعكس، ثم منها ما يقبل الزوال بسرعة، وما لا يقبل إلا ببطء وكلفة.
قوله: (هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ) إنما جعل التهليل أفضل الذكر لأن للتهليل تأثيرا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في باطن الذاكر .. قال تعالى: { {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} } [الجاثية:23] فيفيد نفي عموم الآلهة بقوله «لا إله» ويثبت الواحد بقوله «إلا الله» .. ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن فيه، ويستولي على جوارحه وجد حلاوة هذا من ذاق.
** روى الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ [في الدين] رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ» .
فيجب نصرة المظلوم بكل وسيلة: بيدك، أو بلسانك، أو بجاهك. لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى، وردع الظالم، والنهي عن المنكر.
وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( «إن مِنْ أَرْبَى الرِّبَا [أفحشه] الاِسْتِطَالَةُ فِى عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ» ) .. أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه، لأن العرض شرعاً وعقلاً أعز على النفس من المال، وأعظم خطراً .. وعبر عنه بلفظ الربا لأن المعتدي يضع عرضه ثم يستزيد عليه، ونبه بقوله (بغير حق) على حل استباحة العرض في مواضع مخصوصة كجرح الشاهد، وذكر مساوئ الخاطب، وقول الدائن في المماطل مطلني حقي ونحو ذلك، وفي ذلك يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ليَّ لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) أي مماطلة الغني تحل عرضه كأن يقول له المدين أنت ظالم أنت مماطل
وفي رواية بسند ضعيف عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- لأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (إِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتِحْلاَلُ عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}» .
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
alnaggar66@hotmail.com
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: