طرق تسهيل العلم
هذه وسائل لتقريب العلم ممن يبغي تقريبه وتسهيله لطلابه وعموم الناس، والله أسأل أن ينفع بها.
بسم الله، والحمد لله؛ أما بعد:
فهذه وسائل لتقريب العلم ممن يبغي تقريبه وتسهيله لطلابه وعموم الناس، والله أسأل أن ينفع بها.
الطريقة الأولى: ضرب الأمثال:
وهذا الأسلوب جاء في الكتاب والسنة، وهو أسلوب يقرب المعنى ويرسخه.
• أما في الكتاب: فمثل ما جاء في قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].
• وأما في السنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها، جعل الفَراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهنَّ، ويغلبْنه فيتقحَّمن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذٌ بحُجَزِكم عن النار: هلمَّ عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، تقحَّمون فيها» (رواه مسلم).
وقال: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم).
• ومن ضرب الأمثال ما قيل: "مثل الأخوة في الله كمثل اليد والعين، فإذا دمعت العين، مسحت اليد دمعها، وإذا تألمت اليد، بكت العين لأجلها"، وهذا الأسلوب كثير في كلام السلف والعلماء والأدباء.
الطريقة الثانية: طريقة السؤال والجواب:
وهي تحفز الذهن وتشوقه لمعرفة الجواب، وهذا أرسخ للعلم؛ ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي» ، فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبدالله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي النخلة»، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما المفلس» ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار» (رواه مسلم).
وفي هذا الحديث والذي قبله فيه ضرب المثل والسؤال، وهذه الطريقة ناجعة في تعليم الصغار والكبار.
الطريقة الثالثة: ضرب المثال:
وفي الكلمة السائرة: "بالمثال يتضح المقال"؛ فالمقال: كأن أقول: يشرع سجود السهو للصلاة في الزيادة والنقص والشك، والمثال: فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعًا أو سجودًا، أو قيامًا أو قعودًا، والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركنًا، أو ينقص واجبًا من واجبات الصلاة، والشك: أن يتردد كم صلى: ثلاثًا أم أربعًا، مثلًا.
الطريقة الرابعة: حسن الترتيب:
حسن الترتيب يجعل العلم مرتبًا في الذهن؛ مما يسهل فهمه واستحضاره؛ ومن أمثلة ذلك ما ذكره العلماء في المقارنة بين صحيح البخاري ومسلم من أن سياق مسلم رحمه الله أحسن من سياق البخاري؛ لأنه رحمه الله يذكر الحديث ثم يذكر شواهده وتوابعه في مكان واحد، والبخاري رحمه الله يفرق؛ ففي الصناعة صحيح مسلم أفضل، وأما في الرواية والصحة فصحيح البخاري أفضل؛ ونظموا في ذلك:
تشاجر قومٌ في البخاري ومسلم *** لديَّ وقالوا أي ذيـــن يقـــــــــــدمُ
فقلت لقد فاق البخاري صحــــة *** كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ
الطريقة الخامسة: حسن التقسيم والتفقير للكلام والجمل والعبارات:
فهذا مما يجعل الكلام أقرب للفهم، وكان على هذا الأسلوب من العلماء الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى؛ ومن أمثلة ذلك قوله: "أن الحركة في الصلاة الأصل فيها الكراهة إلا لحاجة، ومع ذلك فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: حركة واجبة.
القسم الثاني: حركة محرمة.
القسم الثالث: حركة مكروهة.
القسم الرابع: حركة مستحبة.
القسم الخامس: حركة مباحة.
فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته؛ وذلك ((لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي بالناس، فأخبره أن في نعليه خبثًا، فخلعها صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته واستمر فيها))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في الإرواء]، ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة؛ فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة؛ لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة، فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزوًا.
وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم، فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة؛ ولهذا لما ((صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره - أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه، فجعله عن يمينه))؛ [متفق عليه].
وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها ((فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جدها من أمها، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها))؛ [البخاري ومسلم].
وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثالها الصلاة في حال القتال؛ قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238، 239]، فإن من يصلي وهو يمشي، لا شك أن عمله كثير، ولكنه لما كان للضرورة، كان مباحًا لا يبطل الصلاة.
وأما الحركة المكروهة: فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيرًا متواليًا، فإنه محرم مبطل للصلاة.
وقد ذكر رحمه الله أيضًا أن الحركة المبطلة للصلاة ليس لها عدد معين، وإنما هي الحركة التي تنافي الصلاة، بحيث إذا رؤي هذا الرجل، فكأنه ليس في صلاة، هذه هي التي تبطل؛ ولهذا حدده العلماء رحمهم الله بالعرف، فقالوا: إن الحركات إذا كثرت وتوالت، فإنها تبطل الصلاة، بدون ذكر عدد معين، وتحديد بعض العلماء إياها بثلاث حركات، يحتاج إلى دليل؛ لأن كل من حدد شيئًا بعدد معين، أو كيفية معينة، فإن عليه الدليل، وإلا صار متحكمًا في شريعة الله"؛ [مجموع فتاوى الشيخ (٣١١، ٣٠٩، ١٣)].
الطريقة السادسة: الاختصار وتقليل الكلام:
فكما قيل: "خير الكلام ما قل ودل"، و"وكثرة الكلام ينسي بعضه بعضًا"، وخاصة في مرحلة التعليم الأوليِّ والأساسي، فالمهم التأصيل والتأسيس، لا كثرة الكلام والتفريع وذكر الخلاف، فإن المتلقي يتشتت ويضيع، وهذا ما درج عليه العلماء في الماضي والحاضر.
وما أحسن الكلام المختصر المفهوم! فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتكلم بجوامع الكلم، فهو يتكلم الكلمات القليلة الواضحة التي تحمل معانيَ كثيرة وغزيرة، وهو القدوة في ذلك عليه الصلاة والسلام؛ ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].
الطريقة السابعة:
تسهيل العبارات والبعد عن السجع والتكلف والسهولة تكون بحسب الفئة التي يوجه إليها الكلام، وفي العموم قال أبو هلال العسكري: "الكلام أيدك الله يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشابه أعجازه بهواديه، وموافقة مآخيره لمباديه، مع قلة ضروراته، بل عدمها أصلًا، حتى لا يكون لها في الألفاظ أثر، فتجد المنظوم مثل المنثور في سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه، وكمال صوغه وتركيبه، فإذا كان الكلام كذلك، كان بالقبول حقيقًا، وبالتحفظ خليقًا"؛ [الصناعتين، (ص: ٢)].
وفي وصية أبي تمام للبحتري في نظم الكلام: "كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجساد"؛ [زهر الآداب (١٥٢/ ١)].
الطريقة الثامنة: استعمال الوسائل الحديثة:
من الرسم والتشجير والصور والألوان وغيرها مما أنعم الله به علينا في هذا الزمان، وهذه الطرق مستعملة وفائدتها مشاهدة، والحمد لله على فضله وإحسانه.
الطريقة التاسعة: القصص:
وهي طريقة في مجالات عدة، وفيها العبرة وترسخ المعنى، وتجعل الكلام يتجلى في الواقع؛ كقصص القرآن، والقصص النبوية، وغيرها من قصص صالحي هذه الأمة.
الخاتمة:
هذه طرق وأساليب في تقريب العلم وتسهيله على متلقيه، والله الموفق أولًا وآخرًا، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
________________________________________________________
الكاتب: يزن الغانم
- التصنيف:
- المصدر: