تدلل لكن تذكر
فقليل من الدلال جائز لكن قبل أن تتدلل تذكر تلك اللحظة الرهيبة، لحظة اللاعودة وضعها في حسبانك في كل وقت
الإنسان اجتماعي بطبعه، ولذا فإن من نعم الله عليه أن يحيطه بشبكة من العلاقات الاجتماعية المختلفة تبدأ بالأبوين والزوج والأخوة والأقارب والجيران وتنتهي بحارس المسكن أو عامل النظافة في العمل أو حتى في الشارع، وكل هذه العلاقات في حاجة إلى ضوابط تحكمها، والمولى سبحانه لم يتركنا هملًا لأنفسنا، بل جعل لكل درجة من العلاقات الضوابط والأحكام الخاصة بها، فجعل بر الوالدين في الدرجة التالية للتوحيد
قال تعالى :" {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴿٢٣﴾} "[الإسراء:23]
أما بالنسبة للزوج فجعل له حق القوامة كما في قوله تعالى :
” { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿٣٤﴾} "[النساء:34]
وفي المقابل إحسان الزوج إلى زوجته فيقول النبى صلى الله عليه وسلم :«خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهْلي» [الراوي : عائشة أم المؤمنين (المصدر : تخريج المسند رقم [142221)]
و بذلك جعل معيار الأفضلية بين الرجال هو الإحسان إلي الزوجة
و هكذا كلما كانت العلاقة أقرب أُحيطت بمزيد من الأحكام حتى أن العلاقات التي تنبني على القرب المكاني فحسب جعل لها حظًا وفيرًا من الأحاديث كحق الجار مثلًا كما كان لها حظًا أوفرعند التداخل مع علاقات القرابة في الحقوق.
فإن علاقة المسلم بأخيه المسلم بشكل مطلق مبنية على قائمة من الحقوق والواجبات ثم تعدى الأمر إلى علاقة المسلم بغير المسلم فله كذلك قائمة من الحقوق لا يجوز للمسلم تجاهلها
قال تعالى : " {اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } ﴿٣٦﴾ "[النساء:36]
كلما كانت التقوى هي الضابط الأعلى لكل هذه العلاقات كلما كانت ناجحة بل رائعة لأنها تحقق للمسلم الأنس والسعادة التي ينشدها أى إنسان، فالإحسان للآخرين هو دائمًا الأرض الخصبة التي تنبت علاقات قوية ومتينة، وقد تصل العلاقة إلى درجة من القوة بحيث يُؤْثِر أحد الطرفين الآخر على نفسه، كما قد تصل إلى درجة أن يتدلل أحدهم على الآخر اعتمادًا على مكانته لديه فنرى الأبناء يتدللون على آبائهم، أو الزوجة على زوجها والعكس أو الصديق على صديقه في بعض الأحيان حتى أنه يغفل عن واجباته نحوه والتي وضعها الشرع أو الأعراف الإنسانية، فيسئ عن عمد أو جهل للطرف الآخر، فكم من الأبناء يستهترون بتلك العاطفة الجياشة من قِبَل الأهل والتي تجعلهم يتحملون قسوتهم وعقوقهم على أمل أن يثوبوا إلى رشدهم، وكم من الزوجات أو الأزواج يسيئون تقدير عواطف الطرف الآخر ويقابلون الإحسان بالإساءة أو على وجه أقل بالإهمال أو التجاهل ثم تصفعهم المفاجأة باختطاف ذلك الشخص المحب العطوف من عالم الأحياء حيث لا ينفع الندم، فقليل من الدلال جائز لكن قبل أن تتدلل تذكر تلك اللحظة الرهيبة، لحظة اللاعودة وضعها في حسبانك في كل وقت فستظل مجهولة لنا جميعًا حتى نواصل الإحسان لكل من حولنا في كل وقت وحين وهناك مقولة تتسم بالحكمة هي أن تتصور دائمًا كل لقاء على أنه آخر لقاء.
لأنه حتما ستكون احددى المرات هي الأخيرة.
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف: