فوائد من مصنفات الشيخ صالح آل الشيخ (3) الدعوة إلى الله عز وجل

منذ 2021-09-18

من صفات الداعية: تزكية النفس: من الأصول المهمة في تربية طلاب العلم والعلماء: تزكية النفس, والحرص على زيادة الإيمان وتقويته

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أهل العلم المتأخرين معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ, والشيخ له مصنفات كثيرة, وقد يسّر الله الكريم فقرأت أكثرها, واخترت بعضاً مما يوجد بها من فوائد, أسأل الله الكريم أن ينفع الجميع بها. وهذا الجزء الثالث, بعنوان: الدعوة إلى الله عزوجل.    

أثر الدعوة إلى عز وجل على الداعية:

قال الشيخ: الفرد إذا دعا إلى الله عز وجل, وأمر بالمعروف, ونهى عن المنكر, بآداب الدعوة وشروطها, وبحسب ما أنيط به, فإنه يقوى فيه أشياء إيمانية:

** أولها: أنه يضعف تسلط الشيطان على النفس, ويكره الشر, وبالتالي يضعف أثر الشيطان عليه في تحبيب الشر إليه.

أثره عليه من جهة العزة, وخاصة في مثل هذا الزمن الذي انتشرت فيه كثير من الملهيات, والمغريات, والصادات عن الحق والالتزام به, والمغيرات للفطرة التي جعل الله الناس عليها, هو إذا دعا, وأمر, ونهى, ونشر الخير, فإنه يكون عنده عزة, هذه العزة تبعثه على عدم قبول الشر أن يدخل إليه, عدم قبول أن ينفذ إليه ما يعكر عليه دينه.

** من أثر الدعوة إلى الله عز وجل على النفس أن الداعية إلى الله عز وجل يحب أهل الخير, ويعينهم, لأنه إذا أحب الدعوة, وأحب نشر دين الله عز وجل, وأحب تكثير الخير, فإنه حينئذ يحب أهل الخير, والمرء مع من أحب.

** من أثر الدعوة على الإنسان في نفسه أن الداعية إلى الله عز وجل يشعر بالسعادة, ويشعر بانشراح الصدر, ليس عند الداعية إلى الله عز وجل قلق ولا ريب في صدره, ولا بعد عن السكينة والطمأنينة لأنه دعا.

** وآخرها: أن الدعوة إلى الله عز وجل توطن الإنسان المسلم الذي يمشي في هذا السبيل, توطنه على أمر عظيم جلل, وهو حب الآخرة وعدم الركون إلى الدنيا, والركون إلى الدنيا وحب الدنيا هو رأس كل خطيئة[محاضرات منهجية:28]

 

الحياة في سبيل الله أعظم, وأشقُّ من الموت في سبيل الله:

قال الشيخ: من أجمل الكلمات المورثة عن سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله, الذي هو والد الدعاة, وشيخهم, ومربيهم في الثلاثين سنة الماضية _ رفع الله قدره, وأعلى منزلته مع النبيين, والصديقين, والشهداء, والصالحين, من أجمل, وأبلغ كلماته أنه قال رحمه الله كلمة تبلغ إلى العظم تأثيراً, لما تكلم في موطن عن الدعوة, قال: " الحياة في سبيل الله أعظمُ, وأشقُّ من الموت في سبيل الله."

وهذا حق, وكلمة تبلغ إلى العظم تأثيراً, الحياة في سبيل الله صعبة, والموت في سبيل الله, يجاهد سنة, سنتين, يموت في سبيل الله, صحيح فقدان الحياة, ولكنه مع المثابرة, وحسن النية يبلغ هذه المرتبة, إذا كتب الله له الشهادة, ولكن الحياة في سبيل الله أشق, ومنها الحياة في سبيل الدعوة, وكلنا يحس بذلك ما بين واقع يثبط, وما بين شهوات تصرف, والمرء في ساحة الجهاد الفعلية, أعنى: ساحة الجهاد الميداني في القتال في سبيل الله, لا بد أن يدافع عن نفسه, لا بد أن فيه مشقة, ويدافع عن نفسه, وإقدام فيه عواطف النفس المعتادة, ثم يزعم, ويتوكل, ويقدم, وكذلك في أمر الدعوة, الحياة في سبيل الله بعامة أن يكون فعلاً الأمر في رفعة دين الله عز وجل, وفي تبليغ هذه الدعوة الذي هو واجبنا جميعاً, لا شك أنه شاق وصعب, لأنه يصرف عن أشياء, ويجعل المرء يفكر, وينظر في التأثيرات, وهذا صاد عنه, وهذا لا يرغب, وهذا ينتقد, ولولا الصبر منحة من الله عز وجل, ما بقي في هذا الميدان لا المتحدث, ولا السامع, لأن الأمر كما ترون أمر ضخم, وكبير, نسأل الله عز وجل أن يثبتنا, وإياكم, وأن يجعلنا صبورين على الحياة في سبيل الله. [لقاءات وجلسات: 2/358]

الدعوة إلى الإسلام بشموله, مع البُداءة بالأهم فالمهم:

قال الشيخ: ينبغي كمنهج أن يؤخذ بالإسلام في شموله في الدعوة, لأن دعوة الناس إلى الإسلام, يعني من المسلمين ومن غير المسلمين, بحسب الحكمة والتدرج والبُداءة بالأهم فالمهم إلى آخره, لكن يُدعى إلى الإسلام بشموله, فالذي لا يهتم مثلاً بدعوة الناس إلى توحيد الله عز وجل, وتحقيق الشهادتين تحقيق الإسلام, فإنه لم يهتم بالإسلام الصحيح, بل اهتم بإسلام يظنه نافعاً وربما كان غير نافع.

من الناس أيضاً من يقتصر في دعوته على العقيدة فقط, دون أن يدعو الناس فيما يصلحهم في العبادات, وما يصلحهم في الأعمال, وما يؤدون به حقوق العباد, وهذا أيضاً فيه نقص. فحقيقة الإسلام _ وهو ما فسره الإمام في الباب الذي قبله _ هو الذي يجب أن يتخذ منهاجاً للدعوة, وهو الإسلام الذي يشمل جميع ما أمر الله عز وجل به أمر إيجاب, أو نهى عنه عز وجل ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم نهى تحريم, ثم تأتي بعد ذلك المستحبات وغيرها من باب التبع.

وهذا يؤكد أنه يجب أن يُفهم كيف تُحقق الدعوة في حياة الناس ؟ وكيف يدعو المرء إلى دين الله عز وجل, وأن تكون دعوته على وفق الإسلام الصحيح ؟ إذا كان هو سيدعو إلى الإسلام الكامل الشامل فإنه هو في نفسه يجب أن يكون ملتزِماً بالإسلام وتحقيق ما يجب عليه من الدخول في الإسلام, فإذا كان يدعو ولا يسلم المسلمون من لسانه ويده فإن هذا لم يأت بما يحبه الله عز وجل ويرضاه في أمر الدعوة, أو إذا كان يدعو إلى شيء من الإسلام, ويقول الشيء الآخر غير مهم, كالذين يقولون: إن الدعوة إلى العقيدة والتوحيد وتفهيم ذلك الناس غير مهم, وبيان التوحيد والشرك وما يضاد حقيقة الإسلام أن هذا ليس بمهم, المهم كذا وكذا.

هؤلاء أيضاً لم يراعوا الأمانة, ولم يأتوا بالإسلام الذي أمر الله عز وجل به.

كذلك من أتى الناس للناس بالدعوة للزهديات وترك حقيقة الإسلام وأوامر الإسلام العظيمة والأمر والنهي والعلم والدعوة إلى التوحيد والعقيدة, كذلك هذا مفرط.

فالواجب إذاً على الجميع أن يتخذوا الإسلام الكامل, كما أمر الله عز وجل به, وكما جاء في الكتاب والسنة, أن يتخذوه منهجاً لهم.

وفيما أرى ويرى الكثير في الواقع أن من أسباب وقوع الخلاف اليوم بين الناس في الدعوة, وبين الذين يدعون _ سواء من الأفراد أو غيرهم _ أن السبب هو في فهم الإسلام وفي طريقة الدعوة, لكن لو أخذ الجميع بالإسلام كله فإنهم حينئذ سيلتقون على كلمة سواء, لكن هذا يراعي جوانب لا يراعيها ذاك, وهذا يفرط في أشياء, وهذا يغلو في أشياء, وهكذا حتى صارت الأمة, حتى صار المخلصون على قلتهم في عموم الأمة متفرقين إلى فرق وإلى أقوال وإلى جماعات. نسأل الله عز وجل السلامة والعافية من كل ما يخالف طريقة الجماعة الأولى. [شرح فضل الإسلام:190]

الغلط لا يرد بغلط:

قال الشيخ: مما يجب على عباد الله المؤمنين إلا يحدثوا أسماء تزيد من الافتراق, وهذا حصل ويحصل في كل زمان من أنه إذا تباغضت فئتان لمز هؤلاء باسم, والآخرون سموا أولئك باسم, فنشأت فرق جديدة أو نشأت جماعات أو نشأت مذاهب وأفكار جديدة زادت من فرقة المسلمين, ومن قواعد أهل السنة والجماعة: أن البدعة لا ترد ببدعة والغلط لا يرد بغلط بل يصبر, حتى الإنسان إذا أعتُدي عليه ونُيل منه يصبر, ويحتسب عند الله عز وجل, ولا يقابل الباطل بباطل أو يقابل التسمية بتسمية...لأن يفرق هذا أكثر وأكثر ولا تجتمع النفوس.[شرح فضل الإسلام:263]

الداعية إلى الله عزوجل عليه تبليغ رسالة الله للناس وليس عليه هدايتهم:

قال الشيخ: ذكر الله عز وجل قصة نوح في سورة العنكبوت ليبين الزمن, ( ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه ) هذه موجودة في أكثر من سورة, قال: ( فلبث فيهم ألفٍ سنة إلا خمسين عاماً ) [العنكبوت:14] وهذا هو الهدف, الزمن الطويل مع الحصيلة القليلة, الزمن الطويل الذي يفتن الداعية, كيف أنا أمكث هذا الزمان الطويل, ولم أحصل على النتيجة, كيف أبقى هذا الزمن الطويل والناس لا يستفيدون, إما أن ما أقوله مشكوك فيه, وإما أن يكون الناس لا يستجيبون, فيقتصر على نفسه, ويترك الدعوة, وإما وإما, ولكن من عرف الهدف, وهو التبليغ عن الله عز وجل رسالته, وإبلاغ الناس البلاغ الذي أمر الله به, فإنه يتذكر قول الله عز وجل: ( {إن عليك إلا البلاغ } ) [الشورى:17] [لقاءات وجلسات:1/506]

لا مداهنة مع أهل الباطل في الحق الواضح:

قال الشيخ: الذين تنازلوا عن الحق ودخلوا في مصالحات مع أهل الباطل بأنواع من المصالحات إما الفكرية أو الدينية, وظنوا أن هذا فيه مصلحة, أن هذا ترك للصبر الواجب الذي أمر الله عز وجل به, ليس المهم أن يصلح الناس, وإنما المهم أن نوافق الحكم الشرعي في صلاح الناس, لأن الزمن الحكم فيه ليس لنا وإنما هذا قدر الله عز وجل يمضي في خلقه فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً, ومع ذلك فهو صابر على حكم الله الكوني وعلى حكمه الشرعي وما مال مع القوم, وما صالحهم والنبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه قومه المصالحة أنزل الله عز وجل سورة البراءة العظيمة: {قل يا أيها الكافرون*لا أعبدُ ما تعبدون} فإذاً, لا مداهنة مع أهل الباطل في الحق الواضح الذي أنزله الله عز وجل.[تفسير المفصل:136]

الحرص على زيادة الإيمان من الأصول المهمة للداعية إلى الله:

قال الشيخ: من صفات الداعية: تزكية النفس: من الأصول المهمة في تربية طلاب العلم والعلماء: تزكية النفس, والحرص على زيادة الإيمان وتقويته, فكان قلما تجد من حملة الدعوة من الدعاة, وطلاب العلم, في أول زمان الدعوة إلى وقت قريب أن تجد عندهم فتوراً في العبادة, أو ضعفاً في التدين, أو عدم حصول بعض النوافل لهم, كقيام الليل, والحرص على الصيام, وكثرة تلاوة القرآن, فكانوا يتنافسون في ذلك, بل كان الأكثر منهم إذا أذن المؤذن الأول, كانوا في المساجد, وقد قاموا قبل ذلك شيئاً من الليل. [محاضرات منهجية:111]

استخفاف الذين لا يوقنون بأهل الحق:

قال الله عز وجل:  {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يُوقنون}  [الروم:60] الذين لا يوقنون مهما كانوا, سواء كانوا من أهل الإسلام, أو كانوا من غير المسلمين, فإن الواجب ألا يستحف هؤلاء أهل الحق في دعوتهم, وأن يصبروا على صواب الطريق الذي هم فيه لأن العلم بالنتائج عند الله ( ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) كيف يكون هذا الاستخفاف ؟ الاستخفاف بتحويله من جهة الصواب في دعوته, الاستخفاف بجره إلى شيء يوقع الدعوة في إحراجات تعطل مصلحتها, واستمرارها, الاستخفاف بأنه يحمل على أمور ينفعل معها, ويغضب في نفسه, أو في جماعته, وفئته حتى يعمل أشياء تبغضها الدعوة بسبب تصرفاته التي استخف بها, يستخف من جهة أنه يغضب, أو يقال له كلام فيه غضب, فيغضبه حتى يقول كلاماً في حالة غضب ينقل عنه, فيؤثر على سمعته, وسمعة دعوته, وما يقوله, وما ينشره. [لقاءات وجلسات:1/507]

الرد على كل مُعادٍ للإسلام من الكفار, وأهل البدع:

قال الشيخ: الرد على المبتدعة هذا ظاهر في حال أئمة الإسلام,...ولم يشغلوا أنفسهم بالرد على اليهود والنصارى وسائر ملل أهل الكفر, وذلك لأن شر المبتدع قد لا يظهر لكثير من أهل الإسلام, ولا يؤمن على أهل الإسلام, أما الكافر الأصلي من اليهود والنصارى فشرّه وضرره بيّن واضح لكل مسلم.

ولهذا لا يحسن أن يُنسب إلى أهل السنة والجماعة أنهم مفرِّطون في الردّ على اليهود والنصارى ومنشغلون بالرد على أهل الإسلام, كما قال بعض العقلانيين من المعتزلة وغيرهم: إن أهل السنة انشغلوا بالرد على أهل الإسلام وتركوا الرد على الكفار...هذا سببه هو ما سبق بيانه من أن شر البدع أعظم, لأن هؤلاء يدخلون على المسلمين باسم الإسلام, وأما اليهود والنصارى ففي القلب منهم نفرة.

وليس معنى هذا ذلك أن المؤمنين من أهل السنة لا ينشغلون بالرد على اليهود والنصارى...فالرد على كل مُعادٍ للإسلام من الكفار الأصليين ومن أهل البدع متعين وفرض...وكلّ منا يرد في مجاله: منّا من يردّ على اليهود والنصارى, ومنّا من يردّ على المبتدعة,  ونحن جميعاً نكون حامين لبيضة الإسلام من تلبيسات الملبسين, ومن بدع المبتدعين, وشرك المشركين, وضلالات الكفار.[شرح لمعة الاعتقاد:156-157]

                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ