المرأة العاملة، والزوج العاطل من العمل

منذ 2021-09-26

مع ازدياد الحديث في أجهزة الإعلام عن المرأة وعملها، ومدى إمكانية تفوقها، ومع كثرة المقالات التي تكتب في هذا الشأن والندوات التي تُعقد، انقلبت موازين بعض الرجال ليروا ضرورة تحمل نسائهم عبء الأسرة والأبناء...

مع ازدياد الحديث في أجهزة الإعلام عن المرأة وعملها، ومدى إمكانية تفوقها - حالها حال الرجل - وكيف أن قدرتها على التحمل تفوق قدرة الرجل، ومع كثرة المقالات التي تكتب في هذا الشأن والندوات التي تُعقد، انقلبت موازين بعض الرجال ليروا ضرورة تحمل نسائهم عبء الأسرة والأبناء، ليصير ذلك من مسؤوليات المرأة؛ فإما أن تشارك الرجل هذا العبء؛ ليعيشوا مع أسرهم في رغدٍ، ويحيوا حياة كريمة، وإما أن يترك الرجل العبء الكبير على كاهل زوجته دون أن يعطيها فرصة للتعاون معه، وهنا تكمُن الكارثة التي باتت تهدد الكثير من البيوت العربية؛ فأصبح الرجل مجرداً من المسؤوليات، وعليه المتابعة عن كثب ينتظر ما تجود به زوجته من طعام وملبس، ولا ننسى الادخار؛ لتتمكن من دفع مصاريف الكهرباء والهاتف، وسداد أجرة الدار.


والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: مَن المُلام في مثل هذا الواقع؟ هل أذنبت المرأة حين رضيت أن تجسد صورة الرجل فيها، متناسية حقوقها وظروف تركيبتها البيولوجية؟ وما الظروف التي أدت بعض النساء إلى الخروج إلى العمل للكدِّ، في حين أن الرجل يجلس إما في البيت أو المقهى؟

كل هذه الأسئلة نجد لها ردوداً حية من نساء عاملات يحكين لنا عن واقعهن المقلوب، ولن ننسى رأي الرجل فيه.


جاهدت أم عبدالرحمن في سبيل البحث عن عمل؛ حتى تنعش حياتها التي بدأت تنهشها الديون، حتى رزقها الله وظيفة في أحد المراكز الصحية؛ لتعمل بها، تقول: "حمدت الله أن رزقني هذه الوظيفة؛ فبعد أن طُرد زوجي من عمله لنشوب خلاف بينه وبين زميله في العمل، جلس قرابة سنة بغير عمل حتى بدأ الحال يضيق بنا؛ فلدينا أربعة أبناء، وكثرت الالتزامات، إلى أن اضطررنا أن نستدين مبلغاً متواضعاً إلى حين حصول زوجي على عمل، والمشكلة أنه يبحث يوماً ويتحسر أياماً، وعندما يجد عملاً لا يتناسب مع مؤهلاته أو أن الراتب غير مُنصف، يرفض الوظيفة غير مقدرٍ لظروفه الحالية، التي تتطلَّب القَبول بأيِّ عمل حتى ينتشلنا من هذه الأزمة، وبعد سنة رزقني الله بعملٍ إلا أن المشكلة موقف زوجي، فقد سحب بساطه من البيت، وأصبح معتمداً عليَّ في كل الأمور الحياتية والمالية، وإذا تحدثت معه عن ضرورة بحثه عن عمل كي يساندني يثور ويغضب بحجة إهانته لأنه عاطل، ولم يوفَّق بعد، وأنا بدوري أعتذر إليه عن سوء تعبيري، وبأني لم أقصد ذلك، وتضيف: ما يزال هذا هو حالنا منذ سنتين، وأشعر أن المسألة سيطول حلها إلا أن كل ما علي فعله تلبية احتياجات أولادي، والله المستعان. 


أما أم عيسى فرأت أن تملُّصَ زوجها من تحمل المسؤولية والعمل، وانعدامَ التفكير الإيجابي بعقله الباطن ينطوي على سببين هما: اعتماده على عملها مصدراً للرزق لهما؛ حيث لم يرزقا بأطفال لزواجٍ دام سبعة عشر عاماً، أيضاً شعوره بالتعالي وبحثه عن الأفضل كما يزعم، وتقول: عمل زوجي سابقاً مع أحد أصدقائه، وكانت الأحوال ميسورة والحمد لله، إلى أن أُغلق المكتب الخاص بهما؛ لجنيهم خسائر مادية أطاحت بعملهما، وفي ذلك الوقت كان لي وظيفتي الخاصة، ولأني - كأي امرأة - أحلم بتكوين أسرة؛ قررت التغاضي عن جلوسه في البيت، وأن نعيش على ما أجنيه من عملي، وعلى الرغم من الألم والتعب الذي أشعر به أحياناً، وشعوري بالوحدة، أحاول تعويضه، أو ربما (إسكاته) بتركه على سجيته دون الضغط عليه، وأعلم تماماً أنه مرتاح لحاله هكذا، وعلى الرغم من أسفي أفضل أن أبقى تحت ظل زوج. 


* يختلف حال عائشة محمد عن مثيلاتها؛ فقد انقلبت الموازين في بيتها لتصبح هي الرجل والآمر الناهي - كما تقول - فصار وجود زوجها كعدمه، وتحكي: بعد انصرافه من عمله ذات يوم أبلغني أنه قرر ترك العمل الذي أمضى فيه عشر سنوات، ولأسباب غير معلومة، ولأنه قرر ذلك لم يعط نفسه فرصة الحصول على بديل، قبل أن يُقدم على الاستقالة، مع عِلمه أنه لا يملك سوى شهادة الكفاءة، وهو ما قد يصعِّب عليه فرصة اقتناصه للوظائف التي أصبحت نادرة حتى على كثير من الشباب أصحاب الشهادات العليا.

وعدم اهتمامه بأمري، وبشؤون أولاده الثلاثة جعلني أجتهد في البحث عن عمل، وبالفعل عملت (سكرتيرة) بإحدى المطبوعات النسائية، والحمد لله اندمجت في عملي بصورة جيدة، ونتيجة لجهودي ازداد راتبي خلال مدة وجيزة؛ فتمكنت من إدارة بيتي، ولم أبخل على أولادي بأي شيء، إلا أن أكثر ما يزعجني هو موقف زوجي السلبي؛ فكلما وجد عملاً رفضه معللاً ذلك إما بعدم قدرته على التحمل - كسائق لإحدى الشركات، مندوب مبيعات - أو لأن الراتب لا يوازي ما يبذله من جهد، حتى أصبحت حياتنا لا تطاق، فما عليه سوى التباهي أمام الناس بأنه أفضل حالٍ منهم!

 ومن الغريب أنه في الماضي كان كثيراً ما يثور ويغضب إذا طلبت منه إيصالي إلى أي مكان، والآن لا يعجز عن ذلك، وإن كثر عليه ليضمن لنفسه فرصة قضاء أطول وقت في لعب (البلياردو) التي أصبحت شغله، وهمه الأكبر، والله صَدَق مَن قال: "دوام الحال من المحال".


*وفي المقابل طلبنا من أبي عادل أن يصف لنا حاله وهو جالس دون عمل؛ ليرضى أن يعيش على حساب إرهاق وإجهاد زوجته فأجاب: من الطبيعي أن يتمنى المرء أن يحيا في استقرار وظيفي وعائلي إلا أنه أحياناً "قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" فبعد أن خسرت عملي انتابني شعور بالنقص، وكثيراً ما أتحسر على حالي، خاصة إذا ما رأيت أصدقائي يتأهبون للتوجه إلى أعمالهم وأنا بصحبتهم، فعادةً منذ الصباح ما علي سوى الجلوس أمام شاشة التلفاز؛ أترقَّب البرامج تلو الأخرى، والفراغ قد كسرني حتى إنني أصبحت أشعر بافتقاري إلى الشخصية......، وتدهورت حالتي النفسية لكثرة متطلبات أولادي، وكثرت معاتبتهم لي لتقصيري في إخراجهم للتنزه، أما زوجتي فلن أنسى لها موقفها الشجاع معي؛ فقد ساندتني في محنتي، وكم حاولت التخفيف عني، حتى إنها باعت كل ما تملك من ذهب لننفقه على احتياجاتنا الضرورية، وبعد عام ونصف على هذه الحالة فوجئت يوماً باتصال من إحدى الشركات تطلب مني الحضور لإجراء مقابلة شخصية، والحمد لله رزقني الله بوظيفة جيدة، لا تقل عن عملي السابق بكثير؛ فاستعدت حياة التفاؤل، وعوضت زوجتي ما فقدته وأكثر.


وعلى طريقة إمساك العصا من الوسط أعرب محمد عن رأيه بقوله: إذا كان الزوج عاطلاً ولا يرغب في العمل فهذا شيء آخر، ولا أعتقد أن رجلاً يقبل على نفسه أن يأخذ مصروفه من زوجته، وإذا حدث ذلك فإن خللاً ما يوجد في هذه العلاقة، خصوصاً إذا ارتضت الزوجة هذا الوضع؛ فخروج الزوج للعمل يمثل ركيزة مادية وقيمة معنوية لا يُستهان بها بالنسبة إلى الزوجة، وحين يتخلى عن هذا الدور فإن شخصية الزوج ستكون ضعيفة للغاية، ولا يمكن التنبؤ بالنتائج والتوابع السلبية التي قد تنتج من وراء حالة كهذه. ويستطرد محمد قائلاً: في بعض الحالات النادرة جداً تكون علاقة الزوجين متماسكة إلى حد كبير، والتفاهم بينهما قوياً للغاية، والتقارب الثقافي والتعليمي متساوياً، وهو ما يعطي دلائل بأن لا مشكلة تؤثر في مسيرة الحياة الزوجية بينهما، إلا أن هذا ليس صحيحاً، حتى إن كابر الزوجان أمام الآخرين؛ فالعامل النفسي لدى الزوج يكون في أسوأ حالاته.


أما تجربة أم ياسر فهي لا تختلف كثيراً عن التجارب السابقة؛ حيث تقول: لقد تقبلت الوضع الجديد لزوجي، ولا يمكن أن أتخلى عنه في أيام الشدة، وأقبل به في أيام الرخاء. وتضيف: في البداية شجعته على العمل، وحاول؛ إلا أن محاولاته باءت بالفشل بعد أن عمل لأوقات قصيرة في بعض الأعمال ليكتشف عدم استطاعته التأقلم مع أي عمل غير الذي كان فيه، وتقول عن علاقته معها: إنها لم تتأثر كثيراً بل أصبحت أكثر حميمية؛ لأننا في السابق كنا لا نلتقي إلا نادراً، وصار يساعدني في إعداد الطعام، وإنجاز بعض الأمور المنزلية التي كنت أقوم بها، وأخذ يحترمني أكثر كامرأة عاملة استطاعت وحدها التكفل بجميع احتياجات عائلتها المادية.

ومن المؤكد أن مسألة بقاء الرجل بدون عمل ذات تأثير سيئ في نفسيته؛ فهو قد يحدث بعض المشاكل داخل بيته، خاصة عندما تطول هذه المدة، وأعتقد أن هذه المسألة معتمدة على شخصية المرأة، ومدى تفهمها للأمر بحيث لا تجعل الرجل يشعر بأنه أصبح عالة عليها، وإن لنا في سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير قدوة؛ فقد عمل راعياً للغنم، ثم أجيراً في تجارة قريش، ثم تاجراً بمال زوجته، ما نقص كل هذا من قدره في قومه، و ما نقص عند الله بل اختاره لقيادة البشرية.


بعد تعرضها للحبس والكي من قبل زوجها، قررت أم حنان أن تطرق أبواب العيادات النفسية لتدهور حالتها، وحين سألناها عن سبب ما وصلت إليه أجابت: كنت متساهلة مع زوجي، وبحسن نية لم أبخل على بيتي بشيء إلى أن جاء اليوم الذي فقد فيه زوجي وظيفته، وصار يأخذ مني المال مع بداية كل شهر ليشارك بها في سوق الأسهم؛ فأنا المصرف والملجأ الوحيد له، وكلما طلبت منه الخروج للبحث عن عمل، أجاب: من المؤكَّد أنني لن أجد ما يناسبني، وفي حال حصلت على وظيفة ستكون دون المستوى الذي كنت عليه، وأنا راض بحالي هكذا.

هنا شعرت بأني مُسْتَغَلَّة غبية؛ فقررت عدم إعطائه المال، وكان ذلك سبباً في منعي من زيارة أهلي، وحبسي في البيت، وبعد تسلمي راتبي قام بكيي في رجلي ليجبرني على أن أعطيه مالي، وحين لجأت إلى أهلي؛ رفضوا الوقوف بجانبي بحجة أنني المسؤولة عما حدث لي؛ لسذاجتي من البداية؛ فشعرت بعدها بالكره تجاه أهلي وزوجي، وبأني مضطهده من الجميع، حتى إنني فكرت في الانتحار، خاصة أني طلبت الطلاق من زوجي ورفض، عندها قررت اللجوء إلى العيادة لسوء حالتي النفسية، وللسعي في حل مشكلتي، وبتدخل من المختصين، وتوجيه أهلي تفهموا الوضع، ولأني كنت مُسْتَغَلَّة بادروا بمساعدتي في تسوية الأمور مع زوجي حتى نلت منه الطلاق.


وللطب النفسي رأي في هذه الحالة:

الدكتور وليد الزهراني - أخصائي علم نفس إكلينكي - تعجب من موقف الزوجة السلبي تجاه متطلبات الزوج، وصحوتها بعد فوات الأوان، ويقول: من المعروف أن الزوج هو عماد البيت، والركيزة الأساسية التي يستند عليها الكيان الأسري، وقد درجت العادة على خروج الزوج للعمل في الصباح الباكر، وأن تظل الزوجة في البيت ترعى شؤون بيتها وأولادها، لكن مع اختلاف إيقاع الحياة، وخروج المرأة للعمل لتكون سنداً لزوجها في التغلب على بعض الأزمات المادية، وجب على الزوجين العاملين أن تكون لهما آلية، واتفاق في تسيير شؤون الأسرة بكل جوانبها بما في ذلك الناحية المادية؛ كأن تسهم الزوجة بجزء من راتبها في أداء النفقات التي قد تستعصي على قدرات زوجها.

وفي ظل الظروف الطارئة قد يصبح الزوج عاطلاً من العمل، وتضطر الزوجة أن تتحمل المسؤولية المادية بمفردها، وفي حال كان الزوج لا يقدِّر مجهود زوجته هنا نستطيع القول إنه يتسم بالأنانية وربما لديه نقص في شخصه أو به مشكلة تمس رجولته؛ لأنه رضي على نفسه بهذا الوضع، ومن المؤكد أنه سيفقد ركناً مهماً من شخصيته بصفته رَب أسرة، إضافة إلى نظرة الأبناء له بوصفه أباً راعياً لأبنائه، وعديم المسؤولية تجاه الأعباء المادية، والوضع النفسي لزوجته المسكينة.

ويستطرد الدكتور: أيضاً هناك من الأزمات والمشاكل ما يتطلب تدخل الزوجة لإنقاذ الوضع الذي تعرض له الزوج، ولابد من مراعاة ظروفه وتفهمها بحنكة ودبلوماسية، ويجب أن تشجعه، وتحثه على البحث عن عمل كي لا يعتاد الحال، فقد أصبحت هي المطالبة في هذه الحالة أكثر مما مضى، وربما لا يفي راتبها بتغطية ضروريات البيت.


ولخص الزهراني خطورة هذا التحول في علاقة الأبناء بالأب في التالي:

 - فقدان الأب احترام أولاده له؛ فشعورهم باستغلاله للأم، واتكاليته عليها من المؤكد أنها ستؤثر فيهم سلباً.

- تولد مفهوم الاتكالية والاعتماد على الآخرين، خاصة لدى الذكور؛ فمن المفترض أن والدهم هو القدوة، والمثل الأعلى، وموقف الأب من المؤكد أنه سيعزز بداخلهم السلوك السلبي فتقل حماستهم لمواصلة تعليمهم وسعيهم الارتقاء إلى الأفضل.

- الشعور بالغيرة من أقرانهم، ومقارنة آباء أقرانهم بوالدهم؛ فمنهم مَن والدُه ضابط، ومدرس، وطبيب... إلخ؛ فتتولد بداخلهم الحساسية تجاههم.

- توقف دور الأب تجاه الأولاد، واتجاههم ناحية الأم ومطالبتهم لها بالاحتياجات المادية؛ فهي من تمتلك القدرة على العطاء، وبهذا يتوقف دور الأب تماماً.

- كره الأولاد للأب ولومهم له؛ لشعورهم بأنانيته، واعتماده على الأم الضعيفة؛ فغالباً ما تدور النقاشات، والخلافات بين الوالدين لمطالبة الأب بالإنفاق عليهم.


وعن رأي الشرع في أحقية طلب الزوجة فسخ العقد في حال لم يستطع الزوج الإنفاق عليها - أكد د. خالد الطويان المحامي أن من حق المرأة - في هذه الحالة - أن تطالب بفسخ العقد، وذلك في حال رفض الزوج البحث عن عمل وأصرَّ على استغلال زوجته وإلزامها بالإنفاق، تاركاً الحمل والعبء كله عليها.

في هذه الحالة يجب أن تحاول تسوية الأمور بينهما للوصول إلى حل، وإذا لم يتفقوا سيكون من حقها اللجوء إلى القضاء، وعندها سيلزمه القاضي بصرف مبلغٍ معينٍ كل شهر لبيته، وإذا رفض بحجة عدم استطاعته يكون من حق المرأة طلب الطلاق، وسيوافقها عليه القاضي.

فمن المعروف كما ذُكر في القرآن أن الرجال قوامون على النساء، والقوامة هنا تعني الإنفاق؛ بمعنى أنه من واجب الزوج الإنفاق على زوجته، ما دام ليس هناك أي خلل صحي يمنعه من ذلك.

________________________________

الكاتب: ألماز برهان