التنصير الخطر الداهم
لعلَّ من مَكْرُور القول ومُعادِه أنْ نقول: إنَّ التنصير في عصرنا الحاضر غَدَا خطرًا داهمًا وشرًّا مستطيرًا، لا ينتهي من حيلة يتَّخذُها دهاقنته وباباواته لنشره؛
لعلَّ من مَكْرُور القول ومُعادِه أنْ نقول: إنَّ التنصير في عصرنا الحاضر غَدَا خطرًا داهمًا وشرًّا مستطيرًا، لا ينتهي من حيلة يتَّخذُها دهاقنته وباباواته لنشره؛ إلاَّ ليبدأ صنع حيلة أخرى، تفوق سابقتَها خبثًا ومكرًا ودهاءً، أَجَل إنَّ ذلك من مكرور القول إذا استعرضنا ذلك الكمَّ الهائل من كتابات الكاتبين، وتأليف المؤلفين، وأحاديث المتحدثين عن التنصير وخطره، وخُطَطِه، وأساليبه المختلفة، وطرائقه المتعددة ومجالاته المتنوعة الكثيرة، غيرَ أن القولَ في كشف خطر التنصير يجب ألاَّ يتوقَّف لحظةً مهمَا كَثُر؛ لِعِظَم الخطر المُحْدِق بالأمة الإسلامية، من جرَّاء استشراء ذلك الداء العُضَال (التنصير)، ولخطورة تلك الخُطَط الخبيثة الماكرة التي يصنعها أربابُه ومسؤولوه؛ لإضلال المسلمين، وإخراجهم عن دينهم، حتى وإن لم يدخلوا في النصرانية.
فإضلال المسلمين إذاً هو هدف التنصير الأول، والأهمُّ في نظرهم يأتي بعده في المقام الثاني، جلب الآخرين إلى النصرانية، وإدخالهم فيها.
ألم يأتِكَ نبأُ أحدِ قسسِهم الكبار، بل قلْ: أحد صانعي قراراتهم وواضعي خططهم، القِسُّ (زويمر) الذي قال في أحد مؤتمراتهم التي يعقدونها بين الحين والحين؛ لمناقشة الخطط، ومراجعة النتائج، حين شكا أحد المُنصِّرِين الجُدُد من صعوبة إقناع المسلمين بترْك دينهم، والتحول إلى النصرانية، قال له (زويمر) - هذا ما معناه -: يا لك من أحمق؛ إذ تَصرِف جهدَك ووقتَك مع المسلمين في محاولة إقناعهم بدخول النصرانية، إننا لا نريد أن ندخلهم في النصرانية، فذلك شرفٌ لا يستحقونه، ولكننا نريد أن نخرجهم من الإسلام وكفى!
أرأيت إذاً كيف أن هدفَهم الأساس بالنسبة للمسلمين هو إخراجهم من الإسلام، وهذا في نظرهم يكفي، بل إنهم لَيَرون أنَّ المسلمين من فرط بغضهم لهم وحقدهم عليهم لا يستحقون شرف الانتماء إلى النصرانية؛ وصدق الله العظيم إذ يقول - كاشفًا لنا هذه الحقيقة منذ أربعة عشر قرنًا -: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران: 69]، ويقول – تعالى -: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].
مواجهة خططهم:
إن المنصِّرين لا يَكِلُّون ولا يَمَلُّون في سبيل تحقيق ذلك الهدف المعلن؛ إذ ادَّعوا أنهم يُركِّزون حاليًّا على أكبر دولة إسلامية، وهي أندونيسيا تركيزًا شديدًا، قائلين: إنهم قد وضعوا خُطَّةً؛ لتحويلها بالكامل إلى دولة نصرانية بنهاية عام ألفين الميلادي، ورغم ثقتنا بأن الله خاذلُهم في ذلك - إن شاء الله - مصداقًا لقوله - جلَّ شأنه -: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36]، إلاَّ أن تلك الثقة يجب ألاَّ تؤدِّي بنا إلى التواكل والضعف أمام مخططاتهم، والقعود عن واجب غزوهم بالحق بدل أن يغزونا بالباطل، وواجب توعية المسلمين في كلِّ مكان بخطر أولئك القوم من أعداء الله ورسوله والمؤمنين، وكشف نواياهم وفضح خططهم، وإغناء المسلمين في كلِّ مكان؛ حتى لا يقعوا في الفخاخ والشباك التي ينصبها لهم أولئك المنصِّرون، بدافع من ضغط الفقر والعوز، والحاجة إلى ما يقيم الأود، ويسد الجوع، ويدفع المرض.
هجمة شرسة:
إن الهجمة التنصيرية على بلادنا الإسلامية شرسةٌ بكلِّ المقاييس؛ فهي هجمة قائمة على التخطيط الدقيق والتنفيذ الدقيق كذلك، ويقوم المسؤولون عنها بالإشراف الدقيق أيضًا على تفاصيلها والمتابعة الدقيقة لكلِّ خطواتها.
إنهم قد درسوا ميادين عملهم - وهي بلادنا الإسلامية - دراسةً دقيقة عن طريق الاستعمار والاستشراق؛ فلقد شكَّل التنصير والاستشراق والاستعمار ثالوثًا خطيرًا يشكل شيئًا واحدًا في النهاية، ويعمل لهدف واحد وغاية واحدة هي كما قلنا: إضلال المسلمين وإخراجهم من دينهم.
فالحكومات الغربية والمستشرقون جميعًا - بلا استثناء تقريبًا - إنما يعملون منذ بدء استعمارهم للبلاد الإسلامية؛ لخدمة أهداف التنصير، وتذليل كلِّ عقبة تَعْترض طريقَه، ويدلنا على ذلك أكثر من دليل.
وليس القصد من هذا الحديث أن أُدخل اليأس إلى قلبك أخي القارئ، بما سوف أذكره لك في بقية الحديث، وذلك مما تمتلكه المؤسسات التنصيرية من إمكانات وأعداد هي أقرب إلى الخيال، لولا أن ذلك مستقى من إحصائيات تنشرها مجلاتهم المتخصصة، وإنما أُريد من ذكرِي لذلك أن تستيقظ أنت، وأستيقظ أنا، ويستيقظ غيرُنا، من إخوتنا المسلمين، فنَهُبَّ من رقدتنا ونكون على مستوى المرحلة التي نعيشها.
فهل تعلم - يا أخي - أن التنصير بمختلف فئاته يمتلك ما مجموعه ألف وستمائة وخمسون محطة إذاعية وتلفزيونية في العالم، تغطي مساحات واسعة وتبُثُّ لساعات طويلة؟ وهل تعلم أن مجلة "أبحاث التبشير" العالمية قد نشرت في العام الماضي أرقامًا وإحصائيات لبعض الجهود التنصيرية في مختلف أنحاء العالم؟ حيث ذكرت على - سبيل المثال - أنَّ مجموع ما تمَّ جمعُه من مبالغ خلال اثني عشر شهرًا في الدول الغربية لأغراض كنَسية بلغ حوالي مائة وتسعة وثلاثين ألف مليون دولار.
وبلغ عدد المنصِّرين في العالم ثلاثة ملايين وسبعمائة وسبعة وأربعين ألف منصِّر محلي، إضافة إلى مائتين وخمسين ألفًا وأربعمائة منصِّر أجنبي - أي يعمل في غير بلده – وأن عدد الأناجيل التي تم طباعتها وتوزيعهاخلال اثني عشر شهرًا – أي: عام واحد فقط – بلغ مائة واثني عشر مليون نسخة.
إمكانات ضخمة:
فهذه المعلومات جدُّ خطيرة، وتدلُّ على أن التنصير – أو دعني أُسمِّه: إخراج المسلمين من دينهم وإضلالهم عن هدي ربهم – ماضٍ في طريقه المرسوم له لا يلوي على شيء، ولا يعبأ بشيء، طالما أن هذه الإمكانات الضخمة مهيَّأة له ميسرة لخدمته وتحقيق أغراضه، بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد، وإنما يحاول التنصير – أو برنامج إضلال المسلمين – أن يستفيد من التقدم التقني والعلمي الهائل الذي انتهى إلى غزو الفضاء، وإرسال الأقمار الصناعية لتتولى البث التلفازي المباشر لجميع أطراف الكرة الأرضية، فقد حملت الأنباء إلينا مؤخرًا شراء الفاتيكان لقمرين صناعيين سيتوليان بثًّا مباشرًا لعشرات البرامج التنصيرية التي تحمل الدعوة إلى النصرانية، وتعمل على إخراج المسلمين من دينهم، لتشاهد في كل مكان بمختلف اللغات، حتى لا ينجو من هذا الطوفان التدميري أحد في أيِّ بلد.
وإنه وربِّي لخطرٌ ماحِقٌ، وبلاءٌ مستطيرٌ لا يجوز أن يكافَحَ بغير المِثْل على أقل تقدير، فيشتري المسلمون - حكومات ومؤسسات وأثرياء متعاونين متكاتفين - أكثرَ من قمر صناعي، وأكثر من محطة إذاعية ومرئية، وأكثرَ من جريدة ومجلة عالمية؛ لاستخدامها جميعًا في الدعوة إلى دين الله الحق، إلى الإسلام، وبيان مزاياه وفضائله، وشرح مبادئه وتعاليمه وترجمة معاني كتابه العظيم، القرآن الكريم، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى مختلف اللغات، ومحاولة هداية آلاف الملايين من البشر الضَّالِّين عن طريق الحقِّ والهدى إلى هذا الطريق، الذي لا يُوصِّلُ إلى رضوان الله وجنته غيرُه، وإلى هذا الدين الحق الذي لا يقبل الله من أحد دينًا سواه.
واجب كل مسلم:
هذا كلُّه مطلوب، بل مطلوب ما هو أكثر منه، أن يُجنِّد كلُّ مسلم نفسَه للدعوة إلى هذا الدين بالتزامه به وحرصه عليه، واعتزازه بالانتماء إليه، فالدعوة بالقدوة والأسوة أفضل كثيرًا وأبلغ أثرًا، إنَّ كلَّ جهد يبذله أعداءُ الإسلام لصدِّ غير المسلمين عن الإسلام ولإخراج أهله منه، يجب أن يُقابَل بجهد أعظم وحماس أكبر، وحرصٍ أشدَّ على هداية جميع الخلق إلى الحق من جانب المسلمين الذين أكرمهم الله بهذا الدين، وأتم به عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا.
بل إن الواجب المحتم على المسلمين أن يبادروا بدعوة غيرهم إلى الحق الذي معهم، بدل أن يغزوهم غيرُهم بالباطل الذي معه، فيُشوِّشوا به على بعض المسلمين، ويَستغلوا ضعف ذلك البعض من المسلمين علميًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فيُشكِّكوهم في دينهم، قرآنًا وسنةً وتاريخًا وأمجادًا، فيكسبون بذلك أعظم الكسب، في حين يخسر الجسد الإسلامي جزءًا منه تركته أجزاؤه الأخرى فريسة لأعداء الله من الضالين المضلين، ألاَ إن خطر التنصير لعظيم، فقد استَعمَل كلَّ وسيلة، وسلك كلَّ طريق - تعليمًا وإعلامًا - وغير ذلك كثير، فهل نعي ذلك الخطر الماحق؟ وهل نقف في وجهه وقفة رجل واحد، وعيًا وإدراكًا وتفهمًا، ودحرًا له وردًّا له على أعقابه خاسئًا حسيرًا؟ هذا ما نرجوه ونأمله من كل مسلم: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف/21].
- التصنيف: