هل (كلمة الله هي العليا) في دساتيرنا ومنظوماتنا التشريعية؟

منذ 2021-10-04

فنعوذ بالله من اتباع أهواء مخلوقين مهما كانت مسمياتهم أو شعاراتهم، {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} .

لو سألنا علمانياً أو ليبرالياً أو متعاطف مع الديمقراطية الوضعية المتناقضة: هل (كلمة الله هي العليا) في العلمانية أو اللبرالية أو الديمقراطية، والجواب المتفق عليه بيننا وبينهم "لا وألف لا" وهذا دليل قاطع وكافٍ على فساد وخبث هذه المناهج والعياذ بالله.

هناك سياسة تسمى مسك العصى من المنتصف ، فكثير للأسف من دساتير المسلمين الوضعية ذات النزعة العلمانية والمتأثرة بوثن الديمقراطية تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وهذا يعني أن هنالك مصادر تزاحمه، وذلك لكي يرضوا الشعوب بأنهم لم يتخلوا عن كتاب الله ربهم، ويرضوا المجتمع الغربي فيخالفون كتاب ربهم متى تعارض مع أهوائهم أو حتى أهواء أسيادهم، أو تعارض مع اتفاقيات مكبِّلة مرغَمين على الدخول فيها، ومن يأخذ من القرآن بعضاً ويتركْ ففيه خصلة ذمها الله تعالى في كتابه لاقتراف اليهود لها، حيث قال تعالى ( {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} )، وهؤلاء من  { الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ }  أي: آمنوا ببعض، وكفروا ببعض.

كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما[1]،  ونحن اليوم في أمس الحاجة  لِنَتَفَيَّء ظلال كتاب ربنا ونرى منزلة أوامِرَ الله تعالى، وهل للمسلمين خيار في جعل كلمة أحد من المخلوقين -كائنا من كان- فوق كلمة الله العلي الكبير سبحانه، وقد قال تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

إنَّ كلَّ حكم من عند الله تعالى فهو حق محض وخلافه باطل :قال تعالى :(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ)، فقبحاً لمن استبدل الحق الذي جاء من عند الحق سبحانه بباطل من أهواء بعض المجرمين  {وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .

خياران لا ثالث لهما: إما أن تحكم  {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}  أو أن تتبع هواك  {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ} :قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .. فالأمر واضح أوضح من الشمس في رابعة النهار، فيا أيها المسلمون أفيقوا..ولا تغيبوا عقولكم لشهوة أو مال أو خوفا من عادات أو مجاراة لمنظمات تأسَّست على الظلم، وتَقْتَات على الجريمة واضطهاد الضعفاء،  أين عقولكم...  {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} .

نحن مستعدون لنترك القرآن وما فيه من حكم الله أو نختار منه ما يوافق أهوائنا أو أهواء الآخرين حتى؛ لكن لا يوجد حُكْم أعدل ولا أفضل ولا أهدى بل ولا مماثل لحكْم الله الحكيم العليم الخبير، وما خالفه فهو جاهلية، فهل تريدون أن نرجع إلى الوراء ونسقط في الوحل ونتدنس بالظلم والرذيلة، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .

هل هناك حكم أفضل من حكم الله تعالى؟ أَلَا لا نقع فيما وقع فيه أهل الكتاب ...  {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

يجب علينا الرجوع إلى كتاب الله عند الاختلاف وهذا بلا خلاف، لا نلتفت إلى شرق أو غرب بل نلجأ إلى رب الشرق والغرب، قال تعالى :( {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} )... نعم إلى الله.. ( {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} )

فأفٍ ثم أفٍ لمن هرول إلى نظريات أو منظمات أو محاكم أو عقول قاصرة لا تقيم لكتاب الله وزنا، ويعتبرون سب الأنبياء حرية ...   {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا} .

هناك من يترك حكم الله تعالى خوفا من المخلوقين الذين لا يعلمون ولهذا وأمثاله يقول تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّه شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} .

يأيها المسلمين عودوا إلى كتاب ربكم وحكموه في أنفسكم وأهليكم، ففيه الهداية والنور والنجاة والسعادة في الدارين وفيه النصر والتمكين والأمان من الجاهلية، ويحقق لكم منتهى العدل، وانبُذوا كل ما خالف شرع الله؛ فهل باطل وظلم وفساد ويؤدي بكم إلى الهاوية، ولا تغتروا بمن يعادي تحكيم أمر الله من الكفار وأذنابهم في بلاد المسلمين حيث وصف الله حالهم بقوله:( {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} )، فوالله وبالله وتالله ( {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ).

في كل دول العالم تقريباً يتبجح الرئيس مثلاً بأنه خاضع للقانون، وأنَّ القانون فوق الجميع، ويُعتبر من دواعي الفخر لدولة ما أن جميع أفرادها مهما كبرت بطونهم أو تضخمت أرصدتهم متساوين أمام القانون، المشكلة أن هذا القانون من وضع البشر وبه من المعايب والتناقضات والالتباس الشيء المخيف، فنحن أحق والله أن نفتخر بذلنا وخضوعنا لخالقنا ورازقنا والذي أرحم بنا من أنفسنا وأمهاتنا ( {إِنِ الْحُكْم إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} )...( {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} ).

ولعل من يقول إنَّ الدعوة إلى تطبيق شريعة العدل الإسلامية سيثير علينا أمم الأرض وأذنابهم عندنا، نقول الله سبحانه حَسَم هذه الشبهة بقوله:( {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} َ)، وتأمل أنها جاءت في معرضِ الأمر بتحكيم الشريعة، فسبحان الله، أما من يتبنى الفكر العلماني أو اللبرالي وأمثالهم فقد فضحهم الله  بقوله:( {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} ).

فالحمد لله الذي انزل لنا شريعة العدل والرحمة وجعلها حاكمة فوق كل مخلوق سواء كان دستور جاء باستفتاء الشعب، أو برلمان يسيطر عليه حزب حاكم، أو مجلس أمن أُسِّسْ على الظلم، أو محكمة عدل دولية أسسها عصابة مجرمة، أو غير ذلك من أوثان الظلم والفساد في الأرض، الحمد لله على شريعة جاء فيها:( {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} )

والدعوة إلى تطبيق الشريعة لا يعني الخروج المسلح على الحكام المؤدي إلى فساد أكثر من الموجود، ويحدث تغيير فعلاً، لكن من سيء إلى أسواء، فالخروج له شروط حددها العلماء الربانيون ومستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، (وقلَّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولَّد من الخير...[2])

فنعوذ بالله من اتباع أهواء مخلوقين مهما كانت مسمياتهم أو شعاراتهم، ( {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} ).

 

 

[1] تفسير الطبري سورة الحجر (91)

[2] منهاج السنة /241