مع الأنبياء - أول الخطايا على الأرض
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ
أول الخطايا على الأرض وأول ابتلاءات وأحزان آدم كانت بسبب غيرة وحقد أحد ولديه على الآخر غيرة دينية وحسداً على تقواه, كيف يتقبل الله من أخي وترتفع مكانته الدينية, ولا يتقبل مني , بالرغم من أن أخاه قدم أفضل ما يملك قرباناً لله وبالرغم من أنه قدم أسوأ وأردأ ما عنده, فبدلاً من أن يجتهد في إرضاء الله وتقديم الأفضل ما كان منه إلا اختيار الطريق الأسهل وهو إزالة أخيه من طريقه, بعدما وسوس له الشيطان أن العقبة أمامه هي أخوه , والحقيقة المرة أن العقبة التي كانت أمامه هي نفسه الأمارة بالسوء التي أمرته بداية بتقديم الأسوأ , ثم أمرته بالقتل.
وفي المقابل كان هابيل هو الأكثر قوة بدنية والأعلى قدراً ومكانة دينية بعدما تقبل الله قربانه , ورفض رغم فارق القوة أن يقابل تهديد أخاه بالمثل أو حتى يفكر في إيذائه.
فما كان من الأضعف قلباً وقالباً إلا أن قارف القتل وباء بالإثم والندم والخسران.
ليبقى ما فعله سنة لكل قاتل
قال الإمام السعدي في تفسيره لهذه القصة:
أي قص على الناس وأخبرهم بالقضية التي جرت على ابني آدم بالحق، تلاوة يعتبر بها المعتبرون، صدقا لا كذبا، وجدا لا لعبا، والظاهر أن ابني آدم هما ابناه لصلبه، كما يدل عليه ظاهر الآية والسياق، وهو قول جمهور المفسرين. أي: اتل عليهم نبأهما في حال تقريبهما للقربان، الذي أداهما إلى الحال المذكورة. { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا } أي: أخرج كل منهما شيئا من ماله لقصد التقرب إلى الله، { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } بأن علم ذلك بخبر من السماء، أو بالعادة السابقة في الأمم، أن علامة تقبل الله لقربان، أن تنزل نار من السماء فتحرقه. { قَالَ } الابن، الذي لم يتقبل منه للآخر حسدا وبغيا { لَأَقْتُلَنَّكَ } فقال له الآخر -مترفقا له في ذلك- { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } فأي ذنب لي وجناية توجب لك أن تقتلني؟ إلا أني اتقيت الله تعالى، الذي تقواه واجبة عليّ وعليك، وعلى كل أحد، وأصح الأقوال في تفسير المتقين هنا، أي: المتقين لله في ذلك العمل، بأن يكون عملهم خالصا لوجه الله، متبعين فيه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال له مخبرا أنه لا يريد أن يتعرض لقتله، لا ابتداء ولا مدافعة فقال:
{ {لَئِن بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} } وليس ذلك جبنا مني ولا عجزا. وإنما ذلك لأني { { أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} } والخائف لله لا يقدم على الذنوب، خصوصا الذنوب الكبار. وفي هذا تخويف لمن يريد القتل، وأنه ينبغي لك أن تتقي الله وتخافه.
{ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ } أي: ترجع { بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } أي: إنه إذا دار الأمر بين أن أكون قاتلا أو تقتلني فإني أوثر أن تقتلني، فتبوء بالوزرين { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } دل هذا على أن القتل من كبائر الذنوب، وأنه موجب لدخول النار.
فلم يرتدع ذلك الجاني ولم ينزجر، ولم يزل يعزم نفسه ويجزمها، حتى طوعت له قتل أخيه الذي يقتضي الشرع والطبع احترامه. { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } دنياهم وآخرتهم، وأصبح قد سن هذه السنة لكل قاتل. "ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". ولهذا ورد في الحديث الصحيح أنه "ما من نفس تقتل إلا كان على ابن آدم الأول شطر من دمها، لأنه أول من سن القتل". فلما قتل أخاه لم يدر كيف يصنع به؛ لأنه أول ميت مات من بني آدم.
{ { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ } } أي: يثيرها ليدفن غرابا آخر ميتا. { لِيُرِيَهُ } بذلك { كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } أي: بدنه، لأن بدن الميت يكون عورة { { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } } وهكذا عاقبة المعاصي الندامة والخسارة.
#أبو_الهيثم
#مع_الأنبياء
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: