اليهود والنصارى: انحراف في التصور وفساد في الاعتقاد

منذ 2021-10-14

من رحمة الله بالبشرية أنه لم يتركها هملًا، فأرسل إليها الرسل، مبشرين ومنذرين ومعلِّمين، وكلما انحرفت البشرية عن هديِ السماء، بعث الله لها من يصحح مسارها، ويردها إلى الجادَّة.

من رحمة الله بالبشرية أنه لم يتركها هملًا، فأرسل إليها الرسل، مبشرين ومنذرين ومعلِّمين، وكلما انحرفت البشرية عن هديِ السماء، بعث الله لها من يصحح مسارها، ويردها إلى الجادَّة.

 

وأبشع الانحرافات التي حدثت على مدار التاريخ، رغم هذا العدد المهول من الرسل والأنبياء - الانحرافات العقدية فيما يخص قضية الألوهية وطبيعتها.

 

انحرف اليهود في تصوراتهم عن الألوهية وطبيعة الذات الإلهية؛ لأنهم كانوا قومًا ماديين نفعيين، يميلون للتجسيد، فتصوَّروا أن الله لا بد أن يكون مادة محسوسة وجسدًا ملموسًا، فصنعوا لهم عجلًا من الحُليِّ التي سرقوها من المصريين عند خروجهم من مصر، وعكفوا عليه يعبدونه، بعد أن نجَّاهم الله من الغرق، ورأوا معجزة شق البحر وغرق فرعون وجنوده بأعينهم.

 

وصفوا الله سبحانه وتعالى بأقبح الأوصاف، فقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران: 181]، وقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، وادَّعوا أن الله تعِب من خلق السماوات والأرض، فاستراح يوم السبت، وزعموا أنهم {أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، وأن الله لن يعذبهم على ذنوبهم كغيرهم من البشر: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران: 24].

 

وزعموا أن الله سبحانه عما يقولون دخل في مصارعة مع النبي يعقوب عليه السلام، وأن يعقوب هزم الرب في هذه المصارعة التي استمرت من الليل حتى طلوع الفجر، وأن الرب أعلن استسلامه، وغيَّر اسم "يعقوب" إلى "إسرائيل" بعد هذه المعركة.

 

جاء في سفر التكوين:

24 فبقيَ يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر.

25 ولما رأى أنه لا يقدر عليه، ضرب حق فخِذه، فانخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه.

26 وقال: أطلقني، لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني.

27 فقال له: ما اسمك؟ فقال: يعقوب.

28 فقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب، بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت.

29 وسأل يعقوب وقال: أخبرني باسمك، فقال: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك.

30 فدعا يعقوب اسم المكان "فنيئيل" قائلًا: لأني نظرت الله وجهًا لوجه، ونجيت نفسي.

وأمعنوا في الفُحْشِ والفجور، فنسبوا لله الولد: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30].

 

وانحرف النصارى عن الجادة بعد أن رُفع عيسى عليه السلام، واخترعوا عقيدة لو أن المسيح عليه السلام عاد إلى الدنيا، ما استطاع أن يفهمها من غموضها وتناقضها.

 

فهم يقولون أنهم يؤمنون بإله واحد، ولكن هذا الإله مكون من ثلاث أقانيم؛ هي: الأب، والابن، والروح القدس، وأن الثلاثة في حقيقتها واحد، ويضربون لذلك مثلًا: فيقولون النار تتكون من لهب وحرارة ودخان، والثلاثة شيء واحد اسمه النار.

 

وتقوم عقيدة النصارى الفاسدة وترتكز على ادعائهم بنوة المسيح لله عز وجل، فهو - من وجهة نظرهم - الابن المطيع للرب، وهو مستحق للعبادة تمامًا مثل أبيه، وأن الله أرسله إلى هذه الدنيا ليُخلِّصهم من خطاياهم وذنوبهم، فتجسَّد في صورة إنسان، وصُلب على الصليب - صلبه اليهود - ثم دُفن وقام من قبره، وصعد إلى السماء ليجلس عن يمين أبيه.

 

ويحتفل النصارى كل سنة بيوم مولد المسيح عيسى ابن مريم - الذي يدعونه ابن الله - فيقيمون الاحتفالات الضخمة في كنائسهم ومحافلهم، ومما يُحزن القلب ويضيق الصدر أن تجد الكثير من عوام المسلمين وجَهَلَتِهم يشاركون النصارى في الاحتفال بهذه الأعياد، ضاربين عُرض الحائط بتعاليم الإسلام وعقيدته.

 

أليس من العجبِ العُجاب أن يقرأ المسلم طول السنة قول الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4]، ثم يشارك النصارى في احتفالاتهم بمولد المسيح - ابن الله كما يزعمون - أو يهنئهم بهذه المناسبة، وفي ذلك إقرار بهذه العقيدة الفاسدة.

 

إن القرآن الكريم نقض وفنَّد عقيدة التثليث، وألوهية المسيح، والزعم بأنه ابن الله.

 

فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

 

وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72].

 

وقال تعالى في نسب عيسى إلى الله وجعله ابنًا لله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 88 - 93].

 

وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35].

 

أيها المسلم الموحد، يا من تقرأ كل يوم 17 مرة على الأقل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]، وأنت تعلم أن المغضوب عليهم هم اليهود، وأن الضالين هم النصارى، كيف تشاركهم في أعيادهم، وفي هذا إقرار باعتقاداتهم الفاسدة التي تخاف كلام الله المنزل في القرآن الكريم؟

 

أيها المسلم، إن كنت صادقًا في إيمانك، فعليك إذًا أن تجتنب صراطهم وسبيلهم، وإن عيدهم من سبيلهم.

____________________________________
الكاتب: جهلان إسماعيل