فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - قواعد: (16) {لا يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
منذ 2021-10-25
فتقولين لولدكِ: =أنا مُخطِئَةٌ في هذا السلوكِ وهو لا يُرضِي اللهَ وقد قالَ فيه كذا، فلا تفعلْ مِثلي يا بُنَي..
من جميلِ كلامِ الشيخِ عليِّ الطنطاوي، حين عُوتِبَ في حَلقِه للِحيَتِه:
((أمَّا حَلقُ اللحيةِ فلا واللهِ ما أجمَعُ على نفسِي بين الفِعلِ السيءِ والقولِ السيء، ولا أكتمُ الحقَ لأني مُخالِفُهُ، ولا أكذبُ على اللهِ ولا على الناس.. وأنا مُقِرٌ على نفسِي أَني مُخطِىءٌ في هذا، ولقد حاولتُ مِراراً أن أدَعَ هذا الخطأَ، ولكن غَلَبَتْنِي شهوةُ النفسِ وقوةُ العادةِ، وأنا أسألُ اللهَ أن يُعِينَنِي على نفسِي حتى أُطلِقَها، فاسألوا اللهَ ذلكَ لي فإنّ دعاءَ المؤمنِ للمؤمنِ بظهرِ الغيبِ لا يُرَدُّ إن شاء الله))
ثُمّ وفقهُ اللهُ بعدها فأرخَى لِحيتَهُ وأعفاها.
يُلهِمُنا هذا بالكثير..
فما إن يبدأُ وَلَدُكِ في تَقليدِك في خطأٍ ما لازِلتِ تجاهدينَ نفسَكِ في الإقلاعِ عنه والتزكية، فبإمكانِكِ رُغمَ ذلكَ وبفضلِ اللهِ اغتنامُ الآيةِ: { {لا يضُرُكُم مَنْ ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم} }..
حتى وإن استَمَرَّ هوَ على الخَطأِ..
كيف؟
-أولُ خُطُواتٍ كما قلنا في القاعدةِ السابقة: عدمُ البدء بإلصاقِ الخطأِ بالبيئةِ الخارجيةِ دون دليلٍ، للتَمَلُّصِ وتبريرِ الخطأِ بحِجج وحِيَلٍ نفسِيةٍ والتبرؤِ مِن الحَرَج..
-بل نفتشُ في الداخلِ وفي مِرآتِنا السلوكيةِ أولًا، وإن ثَبَتَ أن المَنبَعَ مِن عِند أنفسِنا، فالخُطوَةُ التاليةُ: إقرارٌ واعتذارٌ..
فتقولين لولدكِ:
=أنا مُخطِئَةٌ في هذا السلوكِ وهو لا يُرضِي اللهَ وقد قالَ فيه كذا، فلا تفعلْ مِثلي يا بُنَي..
=وأنا أتوب إلى الله من ذلك وأجاهِدُ نفسِي دَومًا، لكنّي أحيانًا أضعُفُ ويَستحوِذُ عليَّ الشيطانُ ويُنسِيني ذِكرَ اللهِ وأحتاجُ حِينَها لصُحبَةٍ صالِحَةٍ مِثلِكَ يا بَطليَ الصغيرَ المؤدب، لتُذَكِّرَني باللهِ، فتغنمُ صُبَحتِي وأغنَم: {اجعل لِي وزيرًا مِن أهلِي.. هارونَ أخِي.. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي.. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا.. إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا}...
=لا صحبةٍ سيئةٍ تُكرِرُ خَطَئِي فتأثَمُ وتُؤثّمُنِي أكثرَ ونُضاعِفُ عَدَدَ المسلمينَ المُسِيئِينَ المُسرِفين..
=الإنسانُ يا بُنَيّ قليلٌ بنفسِهِ كثيرٌ بإخوانِهِ ولا حولَ له ولا قُوةَ إلا بإعانةِ رَبهِ ثم بالتعاونِ مَع غيرِه على الصلاح..
=فإن رأيتَني أفعلُه مُجَددًا فقُل لي:
أمي هذا خطأٌ ولا يُرضِي اللهَ ولا يَلِيقُ بالمسلم كما عَلَّمْتِنِي، ولْنتعاوَنْ في تَركِهِ بمتابَعةٍ عَمَلِيةٍ حَثِيثَةٍ، وقاعدتُنا يا أمي: { {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} }..
---هذا مثالٌ للأمهات، أو كما تَرَينَ الردَ المناسبَ، المهمُ أن يكونَ بمصداقيةٍ تُعَوّضُ وتُفسِّرُ عَجزَكِ كقُدوةٍ، عن تعديلِ سلوكِك في نفسِ الخطأ..
-وعليكِ إظهارُ حَسرتَكِ الحقيقيةَ كَونَ هذا العيبَ فِيكِ..
-والتمني بشدةٍ أن يعافيكِ اللهُ منه..
-ومجاهدةُ نفسِكِ فيه فِعليًا كلَ مَرةٍ خاصةً أمامَه، وتَعَمُّدُ جَذْبِ انتباهِه لذلكَ بمواقفَ عمليةٍ صَرِيحَةٍ تَشرَحِينَ له فيها كيفَ قاوَمْتِ هنا بصِدقٍ وإصرارٍ واستعانةٍ بالله/ وكيف ضَعُفتِ هنا وتلومينَ نفسَكِ/ وماذا ستفعلينَ المرةَ القادمةَ أكثرَ بخُطواتٍ: واحدٍ اثنانِ ثلاثة..
-وتقديمُ الأسبابِ الشرعيةِ والعقليةِ لقُبْحِ هذا العيبِ، والحرصُ أن تكونَ أسبابًا تَلمِسُ قلبَهُ وتحركُ فِكرَهُ وتؤثرُ فيه وتستعرِضُ عواقبَ هذا الخطأِ في الدنيا والآخرة، والاستعانةُ بقصصٍ واقعيةٍ لأناسٍ هَلَكُوا بسببِه أو خَسِرُوا خيرًا كثيرًا..
وبالمِثل: استِعراضُ المقابلَ الصالحَ من هذا السلوكِ وعواقبَهُ الطيبةَ في الدارينِ كذلك، شرعًا وعقلًا وواقعًا ملموسًا صادقًا..
=مع مُضاعفَتِكِ لسلوكياتِكِ الزكيةِ أمامَ حواسِّه..
=والاستتارِ بالسلوكِ السيئِ الذي لازِلتِ بعدُ تُجاهِدِينَهُ..
فمثلًا لو أنكِ لازالتِ تُقاوِمِينَ التدخينَ أو مُشاهَدَةَ الأفلامِ والأغانِي عافانا اللهُ، فعلَى الأقلّ لا تفعليهِ أمامَ وَلَدِكِ بل استَتِرِي، وجاهِدِي حتَى يتوبَ اللهُ عليكِ ويعافِيَكِ من المَعَرَّةِ والمَلامَةِ والذنبِ، وقاعدتُك هنا "كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ"..
=وهكذا إذًا...
إذا خُدِشَتْ قُدوَتُكِ في مَوطِنٍ، تُعَوِّضِينَها في مواطِنِها الأخرى، بخمسِ قواعِدَ قرآنيةٍ ونبويةٍ،
احفظِيها عَني:
=واحد: الاعترافُ بالحقِ مباشرةً: {وآخَرُونَ اعترَفُوا بذنُوبِهم خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيئًا عسَى اللهُ أن يتوبَ عليهِم}
=اثنان: التوبةُ فورًا: {ثم يَتُوبُون من قريب}..
=ثلاثة: عدمُ الإصرارِ والتمادِي في الخطأِ: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)).. أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ}
=أربعة: البِدءُ بإصلاح النَفسِ قَبلَ الآخَرِين: {قُوا أنفُسَكُمْ وأهلِيكُم نارًا}
=خمسة: الإكثارُ مِن السلوكياتِ الطيبةِ سرًا وعلنًا لمزاحَمَةِ الأخطاءِ ومَحوِها: "أتبعِ السَّيِّئةَ الحسنةَ تَمحُها"، {إن الحسناتِ يذهبن السيئات}
فأدركي أمرَكِ قبلَ أن ينفَرِطَ عُقْدُ القُدوةِ من بينِ يديكِ وتجدينَ ولدَكِ يومَ القيامةِ يقولُ: {إنا وَجَدنا آباءَنا كذلكَ يَفعَلُونَ وإنَّا على آثارِهِم مُقتَدُون}، والعياذُ بالله..
أعلمُ أن لدينَا طِباعًا يَغلِبُنا فيها التطَبُّعُ والمُجاهدةُ، ولا يكلفُ اللهُ نفسًا إلا وُسعَها، لكِنْ يَظهَرُ لولدِكِ بوضوحٍ كيف أنكِ تحاولينَ تغييرَها بصدقٍ، من خلالِ تنفيذِك لتلك القواعد..
أما إذا اتضح أن وَلَدَكِ مُجرد يُترجِمُ فِعلَكِ بِشكلٍ خاطِيءٍ فيُحاكِيكِ في سلوكٍ ظاهرُه خطأٌ فحَسْب، وليسَ خطأً مطلقا =فبيِّنِي لهُ أنّ ما رآهُ ليسَ كما فَهِمَ، وبَرِّئِي نفسَك فأنتِ قدوة.. مِثال: رآكِ تُلقِينَ الفُطورَ في سَلَّةِ القِمامةِ فَألقَى طَعَامَ الغَداءِ مثلَكِ..! فسألتِه: لماذا بُنَيَّ فعلتَ ذلك؟ فأجاب: رأيتُك تفعلينَهُ يا أمي..! فتقولين: لكنِّي ألقيتُهُ لأنهُ فاسدٌ لا يَصلُحُ للأكلِ الآدَمِي، وألقيتُهُ في القمامةِ المُجَمَّعَةِ لقِططِ الشوارِعِ، فعمَلِي مأجورَةٌ عليهِ، بينما عَملُكَ لا يُرضِي اللهَ لأنكَ ألقيتَ نَعمَةً يحتاجُها المَساكينُ.. في المرةِ القادمةِ بُنيَّ تَبَيَّنْ أولًا قبلَ تقلِيدِ أحد، ولا تُقَلِّدْ الخطأَ.. وَوَجَبَ عَلَيّ كذلكَ أنْ أُبيِّنَ فِعلِي لِئلَّا يُساءَ الظنَّ بِي ويُقتدَى بِي بِالخطأ..
وختامًا..
إذا اتضح بعد نقاشِكُما أنّ مصدرَ السلوكِ الخطأِ الذي يُحاكِيهِ ليسَ مِنكِ، ففتِشِي عن الصُحبَةِ والأقاربِ والمَرئِياتِ، كما سنتكلمُ عنهم لاحقًا بإذنِ اللهِ لأهميتِهم..
فلكَيْ تَستَقِيمَ النَبتَةُ علَى سَوقِها، تَحتَاجُ لمناخٍ مُلائِمٍ وصَوبَاتٍ خاصة.. أم نتركُها في مَهَبِّ الرِيح وهي لازالَت خَضراءَ طريةً، بزَعمِ أنّ هذا يُقَوِّيها؟
والجواب في القاعدة القادمة بإذن الله..
أسماء محمد لبيب
كاتبة مصرية
- التصنيف: