موجات الغلاء
ولأهل التخصص في الاقتصاد وأمور التجارة أن يذكروا نصائحهم للناس وكل ذلك داخل في الأخذ بالأسباب ما لم يتضمن إثما ، ومن الجيد الاحتياط وحسن التدبير
يتردد كلام كثير من اقتصاديين وغيرهم عن موجات قادمة من التضخم ، والركود ، وغلاء الأسعار ، وقلة توافر السلع ، وتأخر وصولها للأسواق وغير ذلك مما هو مقلق ومزعج لا سيما أن العالم لم يتعاف بعد من آثار كورونا الاقتصادية .
ولأهل التخصص في الاقتصاد وأمور التجارة أن يذكروا نصائحهم للناس وكل ذلك داخل في الأخذ بالأسباب ما لم يتضمن إثما ، ومن الجيد الاحتياط وحسن التدبير ، والاستعداد من خلال الممكن والمتاح ، مع أن أكثر الناس قد تعبوا في السنوات الأخيرة أشد التعب ، ونزل بهم من المشقة ما الله به عليم !!
لكن يبقى جانب إيماني مهم ينبغي التذكير به ، وهو أن قضية الرزق ، والاهتمام الشديد بتحصيله ، والقلق من كل ما يؤثر عليه ، والانشغال الدائم بشأن الأهل والذرية وتأمين مستقبلهم : كل ذلك من الأمور الأساسية التي لا يكاد يوجد إنسان يخلو من التفكير فيها معظم وقته ، و كم انحرف أناس فأكلوا الحرام ، وارتكبوا الموبقات ، ورضوا بالذل والمهانة من جراء التعامل الخاطئ معها .
وهناك الكثير من الحقائق الشرعية في هذا الباب يتأكد ترسيخها في النفس ومنها :-
_ أن من مقتضيات توحيد الله سبحانه في ربوبيته : الاعتقاد الجازم بانفراده سبحانه بالخلق والملك والتدبير ، وأمر الرزق كله ، وأن من أسمائه سبحانه " الرزاق " الذي يرزق العباد أجمعين ، ويرزق الآباء والأبناء ، والصغار والكبار " {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } " وهو سبحانه المقيت الذي خلق الأقوات ، وتكفل بقوت عباده أجمعين ،و أوصل إلى كل موجود ما به يقتات " وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا "
_ وأنه مع نفخ الروح في الجنين يكتب لكل أحد رزقه ، ومهما عاش في الدنيا وكد وتعب فلن يأخذ إلا ما كتب له ، وهذا المكتوب من الرزق لابد أن يصل لصاحبه لا محالة ، وفي الحديث " إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله" وفي رواية " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت» .
_ وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها .
- وأنه سبحانه " {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } " وقد فضل عباده على بعض في الرزق " وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ " فمنهم غني ومنهم فقير ، ومنهم من يملك الثروات الهائلة ومنهم من يحصل القوت بشق الأنفس ، وكل ذلك لحكمة بالغة ، وكي يبتلي عباده بالسراء والضراء .
_ وأن معنى الرزق أوسع كثيرا من أن ينحصر في المال وحده ، فالصحة ، وصلاح الزوجة والأولاد ،وطيب النفس والرضا ، والهداية ، والعلوم بأسرها ، كل ذلك من أجل أنواع الرزق وأنفعه ، وأنه لا يصح أن يصاب الإنسان بالهلع أو الشح بسبب نقص حال أو متوقع في أمر الرزق ، كما أن التوكل على الله ودعاءه سبحانه بصدق من أعظم أسباب تحصيل الرزق .
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: