أمل كبير.. وواقع مرير

منذ 2021-11-10

إن هناك مسؤوليةً على الواعين من المسلمين، لنرفع أصواتنا بأفكار هذا الواقع المؤلم، ولنَضْرَع إلى الله بالدعاء أن يردَّ المسلمين إلى دينهم؛ لتعود لهم عزَّتُهم وسيادتهم التي كتبها الله لهم.

تسود العالم اليوم موجةٌ من الإقبال على الدين؛ لأسباب عِدَّة - ليس المجالُ مجالَ ذكرها - وفي بلادنا الإسلامية يُقبِل الشباب والشابَّات على الإسلام - دراسةً، وحفظًا، وتعبُّدًا، والتزامًا - على الرغم من قيام بعض العوائق في بعض البلدان.

 

وإن الأمل كبير جدًّا في أن المستقبل للإسلام، وهذا أمر سارٌّ ومبشِّرٌ، والفضل في ذلك لله وحده.

 

نعم، هناك أمل كبير، وهناك حاجة إلى توعية وترشيد، وطريق ذلك هو العلم والمعرفة؛ ولذا كان المطلوب من هؤلاء الشباب والشابات هو التعلُّمَ؛ يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَن يُرِد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين».

 

وفي الوقت ذاتِه نرى كيد الكفار يتفاقم، وكلَّما زاد كيدهم، زاد إقبال الناس على الدين، ورُبَّ ضارَّة نافعة.

 

وقد وعد الله - تبارك وتعالى - الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض والتمكين لهم في الدين؛ قال - تعالى -:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، وقال - تعالى -: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها ما أورده ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]،

قال ابن كثير: "يقول الله - تعالى -: يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب أن يطفئوا نور الله؛ أي: ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحقِّ، بمجرَّد جدالهم وافترائهم، فمثَلهم في ذلك كمَثَل مَن يريد أن يطفئ شعاع الشمس أو نور القمر بنفخِه، وهذا لا سبيل إليه، فكذلك ما أرسل الله به رسوله لا بُدَّ أن يتمَّ ويظهر؛ ولهذا قال - تعالى - مقابلاً لهم فيما راموه وأرادوه:  {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]، ثم قال - تعالى -:  {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة: 33]؛ فالهدى: هو ما جاء به من الإخبارات الصادقة، والإيمان الصحيح، والعلم النافع - ودينُ الحق: هي الأعمال الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة؛ {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33]؛ أي: على سائر الأديان؛ كما ثبت في "الصحيح" عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلْكُ أمتي ما زوي لي منها»؛ رواه مسلم 2215، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إنه سيفتح لكم مشارق الأرض ومغاربها، وإن عُمَّالها في النار، إلاَّ مَن اتقى الله وأدَّى الأمانة»؛ رواه أحمد 5/366- 367.

 

وعن تميم الداري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَر ولا وبَر إلاَّ أدخله هذا الدين، بعزِّ عزيز، أو بذلِّ ذليل؛ عزًّا يعزُّ الله به الإسلام، وذلاًّ يذلُّ به الكفر»؛ (رواه أحمد 4/103).

 

فكان تميم الداري يقول: ولقد عرفت ذلك في أهل بيتي؛ لقد أصاب مَن أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب مَن كان منهم كافرًا الذل والصغار والجزية.

 

وعن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو ذل ذليل؛ إمَّا يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإمَّا يذلهم فيدنون لها»؛ رواه أحمد (6/4).

 

ذاك الأمل، وأمَّا الواقع فأقول: إن نشراتِ الأخبار التي أسمعها من المذياع والتلفاز نشراتٌ عن مآسي المسلمين ومذابحهم.

 

ضحية هذه المآسي هم المسلمون المدنيُّون العُزَّل، المقيمون في بيوتهم؛ ألم يأتكم نبأ المآسي التي يتعرَّض لها إخواننا في الصين - تركستان الشرقية - من قتل وقمع وعدوان يشيب لهوله الولدان، وما يجري الآن في أفغانستان وباكستان، ومن قبل ذلك المذابح في غزة، التي يقشعرُّ لها جلد كل إنسان له قلب حي؟!

 

إنني أتمنى ألاَّ أسمع شيئًا من ذلك؛ ولكنَّني لا أستطيع أن أمتنع عن سماع الأخبار، ولا عن قراءة الصحف، وإن كنت في كثير من الأحيان لا أستطيع متابعة سماع هذه الأخبار، فأطفئَ التلفاز، وأغلقَ المذياع... إن وضع المسلمين الحالي لا يجوز أن يُسْكَت عليه.

 

وماذا يستطيع أن يفعل شيخٌ عجوز مثلي لا حول له ولا طَول؟! إنه لا يملك إلا هذا القلم الواني، الذي يحدِّث به مَن يقرأ كلامه من المسلمين.

 

إن هؤلاء المعتدين السفَّاكين المجرمين جاؤوا إلى بلادنا من وراء البحار، وما نقموا منا إلا أننا آمنَّا بالله الواحد، وبرسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - مئاتُ الألوف جاؤوا بعَتَادٍ ضخم وأسلحة متطوِّرة، يأسرون ويقتلون ويهدمون البيوت، ويجرفون المزارع، ويقتلون النساء والشيوخ والأطفال، جاؤوا وأقاموا دُوَيْلَةً في قلب بلادنا، وأمدُّوها بالسلاح الحديث، والتِّقْنِيَة المتقدِّمة، وزوَّدوها بالسلاح النوويِّ، في الوقت الذي يحرِّمون على المسلمين أن يفكِّروا في إيجاد هذا السلاح - مجرَّد تفكير!

 

وجعلوها دولة قوية تتحدَّى بوقاحةٍ مشاعرَ المسلمين، وتنكِّل بسُكَّان الأرض المباركة، وهي الآن عاملة على إخراجهم، ومنع مَن لجأ إلى بلاد مجاورة، يوم أن خوَّفوهم من العودة إلى ديار آبائهم.

 

أيها القراء الأعزَّاء:

إن هناك مسؤوليةً على الواعين من المسلمين، لنرفع أصواتنا بأفكار هذا الواقع المؤلم، ولنَضْرَع إلى الله بالدعاء أن يردَّ المسلمين إلى دينهم؛ لتعود لهم عزَّتُهم وسيادتهم التي كتبها الله لهم.

 

ومن الواقع المرير: قيامُ بعض الباحثين بالمشاركة في تمييع قضايا إسلامية وتشويهها وتحريفها، ومن المؤلم أن يقوم بها ناسٌ من أبناء جلدتنا - نسأل الله لهم الهداية.

 

ومن الواقع المرير: الكيد للغة القرآن في بعض البلاد العربية، إن هناك خططًا تُرْسَم، ومؤامرات تُعَدُّ للقضاء على هذه اللغة الشريفة، وتحويلها إلى لغة ميتة لا تحيا في عالم الواقع، وما حاربوها إلا لمحاربة الدين؛ فلا نعلم في دنيا اللغات لغة يُكَاد لها وتُحَارَب كما يُكَاد للغة العربية وتُحَارَب.

 

وإن الغَيْرة على الدين الحنيف، والصدق في دعوى العروبة - ليحتِّمان على كل مسلم وكل عربي أن يستمسك بهذه اللغة، ويَصُدَّ عنها هجماتِ الأعداء، سواء كان هؤلاء الأعداء عربًا أم أجانبَ.

 

إنهم يريدون أن يقطعوا صِلَتَنَا بتراثنا الكريم العالي، وأن يجعلونا غرباءَ عن القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ حتى يسهل عليهم أن يسيطروا على بلادنا وثرواتنا والمواقع الإستراتيجية التي في ربوعنا.

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يريدون لنا أن نزداد فُرْقَةً، وأن تتأصَّل في أمتنا روح الانقسام والتجزُّؤ؛ لأن من أنجع الوسائل في هذا الصدد أن تتعدَّد لغاتنا؛ فلا نعود نشعر بروح الوحدة والاجتماع.

 

إن اللغة الفصحى هي من الروابط المهمة التي تشعرنا بأننا مهما تناءت بنا البلدان، فنحن أبناء أمة واحدة.

 

إن الانتقال باللغة العامية من لغة الخطاب العادي إلى لغة الكتابة - كما يصنع عددٌ من أصحاب الأقلام الهدَّامين - وإلى لغة الإذاعة - كما يصنع عددٌ من المخرِّبين - إن هذا وذاك جريمة كبيرة تدعونا إلى أن نضع أيدي القُرَّاء على مكامن الخطر.

 

إن رسالة الصالحين الواعين من هذه الأمة هي رعاية هذه اللغة، وحمايتُها، وخدمتها، وإحياؤها، بالاستعمال في الحياة اليومية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وبالله التوفيق.

 

ومن الأمور المؤلمة: أن هناك بلادًا عربية أهلها مسلمون محافظون كرام، ملتزمون معتزُّون بدينهم، ويُفَاجَأ المرء بأمور لا يُقِرُّها الإسلام ولا العروبة.

 

من هذه الأمور: أن الجامعات تدرس أولاد العرب المسلمين باللغة الأجنبية؛ بل هناك بعض البلاد يدرس الطلاب في المدارس الثانوية والمتوسطة فيها باللغة الأجنبية، ويا لها من مصيبة!

 

اتَّصلت مرةً بأستاذ جامعي متديِّن في إحدى تلك البلاد، فإذا هاتفه يجيبك باللغة الإنكليزية، ويخبرك بها أن الأستاذ غير موجود، قلت: إذا كان هذا شأن المتديِّن، فماذا نتوقع من الآخرين؟!

 

ومن ذلك: أن السيارات عليها أرقام يستعملها الفرنجة، وأن المحلاتِ التِّجاريةَ تضع العناوين واللافتات باللغة الإنكليزية، وفي هذه البلاد نسبة عالية من الأميِّين لا يعرفون القراءة والكتابة، لا بالعربية ولا بالإنكليزية.

 

ومن ذلك: أنك تدخل فنادق هذه البلاد الإسلامية، فلا تجد فيها مَن يتكلَّم العربية؛ إلا بعد بحثٍ وتنقيبٍ، وهذا ما حصل معي، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

وكذلك شأن المستشفيات؛ فماذا يصنع المريض العربي إذا أُدخل إلى واحد منها؟!

 

ومن ذلك: أن الناس في كثيرٍ من بلاد المسلمين لا يعرفون تاريخهم - وهو التاريخ الهجري - إلا في رمضان.

 

ومن ذلك: أن الناس في كثيرٍ من هذه البلاد يُعيِّدون يوم السبت، وبعضهم يُعَيِّد يوم الأحد، وهذان اليومان ليسا بعيد عند المسلمين، وقد تساءلت: هل تقبل إنكلترا أو فرنسا أو أمريكا أن يكون هذا الوضع في بلادها؟!

 

إن الدول التي تحترم نفسها ومُثُلَها لا تقبل ذلك بحال من الأحوال؛ بل إن رؤساء الدول لا يرضون أن يتكلَّموا في المحافل الرسمية إلا بلغتهم القومية.

 

وانظر إلى اليهود - عليهم لعنات الله - تجد أن زعماءهم يأبَوْنَ أن ينطقوا كلمةً عربيةً، مع أنهم يعرفون العربيَّة معرفةً تامَّةً، وقد عمدوا في الآونة الأخيرة إلى تغيير لوحات الشوارع في فِلَسْطين المكتوبة بالعربية، وأبقوا على اللغة العبرية.

 

نسأل الله أن يَرُدَّ المسلمين إلى دينهم ردًّا جميلاً، والحمد لله رب العالمين.

محمد لطفي الصباغ

أستاذ علوم القرآن والحديث بكلية التربية بجامعة الملك سعود - بالرياض