تأملات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص

منذ 2021-11-15

ليس في هذا الوجود شيء يَتعلم منه الإنسانُ، ويَقتبس مِن نوره إلا هذا الكتاب المنير، والسنة المطهَّرة، فمَن حاول الأخْذ مِن غيرهما عاش في شقاء

في جوِّ السورة العام:
ليس في هذا الوجود شيء يَتعلم منه الإنسانُ، ويَقتبس مِن نوره إلا هذا الكتاب المنير، والسنة المطهَّرة، فمَن حاول الأخْذ مِن غيرهما عاش في شقاء، وما حياة الأمم السابقة والحاضرة واللاحقة إلا دليل قاطع على ما نقول، كيف لا، وقد أقسم اللهُ في القرآن الكريم - في سورة الفجر مثلًا - على أنَّ الطغاة والحضارات التي طغَت وعلَت ستموت وتندَثر وتُمْحى وتتلاشَى، مهما بلغَت مِن رُقِيٍّ أو تطور، {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]؟!

وفي هذه السورة الكريمة دروس وعِبَر إيمانية تصقل القلب وتنعشه، لتعُود له الحياةُ مِن جديد، دروس فيها مِن الحِكَم والقِيَم والمبادئ، التي لو فهمها المسلم والمسلمة لعاش في بحبوحة من العيش الرغيد، ولو وضعتها الأمَّة دستورًا لمزَّقت جميع الدساتير الأخرى، واكتفتْ بها نبراسًا ينير لها طريق السعادة المطلقة.

بين يدي السورة:
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا وَكِيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن معد يكرب قال: أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا: {طسم} [القصص: 1] المائتين، فقال: ما هي معي، ولكن عليكم مَن أخذها مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَبَّاب بن الأرَتِّ، قال: فأتينا خَبَّابَ بن الأرتِّ، فقرأها علينا رضي الله عنه. "المسند" (1/419).

سُمِّيت ‏سورةُ ‏القصص بهذا الاسم ‏لأن ‏الله  تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏موسى عليه السلام ‏مفصَّلة ‏موضَّحة، ‏مِن ‏حين ‏ولادته ‏إلى ‏حين ‏رسالته، ‏وفيها ‏مِن ‏غرائب ‏الأحداث ‏العجيبة ‏ما ‏يَتجلَّى ‏فيه ‏بوضوح عناية ‏الله ‏بأوليائه، ‏وخذلانه ‏لأعدائه، ثم ذكر لنا فيها قصة قارون عبرة للمُعتبِر، وموعظة للمتَّعظ.

وقد ذكر العلماء أنها سورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعَفة، تكاد تتخطَّفهم الأمم مِن كل حدَب وصَوْب، والمشركون هم أصحاب الحَوْل والطَّوْل، والجاه والسلطان، بل كان المسلمون في ضعف مادِّيٍّ بارز، وقلة مِن العَدد والعُدة، ما جعل الأمم الأخرى تطمع فيهم، فنزلت السورة لتضع الموازين الحقيقية للقُوَى والقِيَم، نزلت تقرِّر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله سبحانه وتعالى، وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان.

فمَن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ولو كان مجرَّدًا مِن كل مظاهر القوة، ومَن كانت قوة الله عليه فلا أمْن له ولا طمأنينة، ولو ساندتْه جميعُ القوى، ومَن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومَن فقَد هذه القيمة فليس بنافعه شيء أصلاً، بل هل نستطيع العيش بدون إيمان؟ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

قارون أنموذج للغطرسة والطغيان:
قال - تعالى -: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 76- 77].

الآيات الكريمات ترسم صورة واضحة جليَّة لقارون فهو من آل موسى عليه السلام، وله المال الكثير، وقد اختارت فعلًا مناسبًا لتبيِّن لنا ضخامة الكنوز التي بحوزته، والفعل هو ناءَ يَنوءُ نَوْءًا: نَهَضَ بجَهْد ومَشَقَّة؛ لتعلم أخي القارئ أن هذه الثروة كانت عظيمة حتى تصِل في بعض الحالات إلى أن هذه المفاتيح تسقط مِن أيدي العُصبة؛ لأنه جاء في معاجم اللغة؛ أن "ناءَ" تعني: سَقَط، وهو من الأضداد، ويقال: ناءَ بالحِمْل، إذا نهض به مُثْقَلاً، وناءَ به الحِمْلُ إذا أثْقَله، والمرأةُ تَنوءُ بها عَجيزَتُها؛ أي: تُثقلها، وهي تَنوءُ بعجيزَتِها؛ أي: تنهض بها مُثْقَلَةً، وأناءَه الحِمْلُ مثل أناعَهُ؛ أي: أثْقَلَهُ وأمالَهُ، كما يقال: ذهب به وأذْهَبه بمعنًى، وقوله تعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: 76]، قال الفراء: أي: لَتُنِيءُ بالعصبة: تُثقِلها.

{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص: 78 - 82].

صفة الكِبْر جلية نتيجة الكنوز الكثيرة الثقيلة الحمل حتى على العصبة، فوق ذلك العِلمُ الذي بُنِي على أسُس الأنانية والجبروت، والقلب فارغ من الإيمان الحق بالله تعالى؛ ومن هنا فإن القصة على ما سبق تعرض قيمة المال، ومعها قيمة العِلم، المال الذي يَستخفُّ القوم وقد خرج عليهم قارون في زينته، وهم يعلمون أنه أُوتِي مِن المال ما إن مفاتحه لتُعْيِي العُصْبَة مِن الرجال الأقوياء، والعِلم الذي يَعتزُّ به قارون، ويحسب أنه بسببه وعن طريقه أُوتِي ذلك المال، ولكن الذين أوتوا العِلم الصحيح مِن قومه لا تَسْتَخفُّهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلَّعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى، وهو مَلاذُهم الوحيد، إليه يلجؤون في خِضَمِّ معارك الحياة، فهم قومٌ صَنَعَهم الإيمانُ، وبَنَى منظومَتَهم الفكرية العقلية، يَتكلمون بمنطق إيمانيٍّ خالص، بعيد عن الشوائب المنزلة إلى حضيض الأرض.

ثم تتدخل يدُ الله فتُخْسَف به وبداره الأرض، لا يُغني عنه ماله، ولا يُغني عنه عِلمه، وتتدخل تدخُّلاً مباشرًا سافرًا كما تدخلتْ في أمر فرعون، فألقتْه في اليم هو وجنوده فكان من المغرَقين؛ ليكون عبرة للمعتبِرين، ودرسًا في قمة الوعظ لكل مَن يطغى بماله وعلمه وجبروته وغطرسته.

ودلَّت هذه وتلك على أنه حين يتمحَّض الشرُّ، ويُسْفِر الفساد، ويقف الخير عاجزًا، والصلاحُ حسيرًا، ويخشى من الفتنة بالبأس، والفتنة بالمال، عندئذ تتدخَّل يدُ القدرة سافرة متحدِّية، بلا ستار مِن الخلْق، ولا سببٍ مِن قوى الأرض؛ لتضع حدًّا للشر والفساد[1].

وقد روى الإمام أحمد قال: حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاصُّ، حدثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا رجلٌ فيمَنْ كان قبلكم خرج في بُرْدَيْن أخضرين يَختال فيهما، أمَر الله الأرض فأخذتْه، فإنه لَيَتجلجل فيها إلى يوم القيامة» (تفرَّد به أحمد، وإسناده حسن "المسند" (3/40).

فالكبر طامَّة كُبرى، إذا لبسه الإنسانُ دكَّه في أسفل السافلين، وحطَّه ذليلًا منكسرًا لا قيمة له؛ قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} [طه: 105- 108].

العاقبة للمتقين المتواضعين:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 83- 88].

قال ابن كثير في "تفسيره" معلقًا على هذه الآيات الأواخر من هذه السورة الكريمة ما نصه: "يخبر تعالى؛ أن الدار الآخرة، ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضِعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض؛ أي: ترفعًا على خلْق الله، وتعاظمًا عليهم، وتجبُّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم"، فالتواضع سِمَةٌ مطلوبة لبلوغ أعلى الدرجات يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بَنُونَ، بل إن القدر يومئذ يُقاس بالأخلاق الكريمة وعلى رأسها التواضع، هو خلَّةٌ تَزَيَّن بها النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وسلم، ودعا أصحابه إليها.

نموذج من أهل الإيمان الصابرين المحتسِبين:
خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه نموذج مِن الرجال، الذين صنَعَهم القائدُ الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلقد صبر خبَّاب لموجة مِن العذاب، ولم تُلِن له أيدي الكفار قناةً، فجعلوا يُلصِقون ظهره العاري بالرضف حتى ذهب لحمه، أجل كان حظُّ خبَّاب مِن العذاب كبيرًا، ولكن مقاومته وصبره كانا أكبر من العذاب.

لقد حوَّل كفار قريش جميع الحديد الذي كان بمنزل خبَّاب، والذي كان يُصْنَع منه السيوف، حوَّلوه كلَّه إلى قيود وسلاسل كان يُحْمَى عليها في النار حتى تستعر وتتوهَّج، ثم يطوَّق بها جسده ويداه وقدماه.

مرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، والحديد المحمَّى فوق رأسه يلهبه ويشويه، فطار قلبه حنانًا وأسًى، ولكن ماذا يملك عليه الصلاة والسلام يومها لخبَّاب؟ لا شيء إلا أن يثبِّته ويدعو له.

هنالك رفع الرسول صلى الله عليه وسلم كفَّيه المبسوطتين إلى السماء، وقال: «اللهم انصر خبَّابًا».

ويشاء الله ألا تمضي سوى أيام قليلة حتى ينزل بأم أنمار قِصَاص عاجل، كأنما جعله القدرُ نذيرًا لها ولغيرها مِن الجلاَّدين، ذلك أنها أُصِيبت بسُعار عصيب وغريب جعلها - كما يقول المؤرخون - تعوي مثل الكلاب! وقيل لها يومئذ: لا علاج سوى أن يُكْوَى رأسها بالنار، وهكذا شهِد رأسُها العنيدُ سطوةَ الحديد المحمَّى يصبِّحه ويمسِّيه[2].

كانت قريش تُقاوم الإيمانَ بالعذاب، وكان المؤمنون يُقاوِمون العذابَ بالتضحية، وكان خبَّاب واحدًا مِن أولئك الذين اصطفاهم اللهُ ليجعل منهم أساتذةً في فن التضحية والفداء، ومضى خبَّاب يُنفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقتْ أعلامه، ولم يكتفِ رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرتَه على التعليم؛ فكان يغشى بيوتَ بعضِ إخوانه مِن المؤمنين، الذين يكتمون إسلامهم خوفًا مِن بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويُعلِّمهم إياه.

لقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آيةً آيةً وسورةً سورةً، حتى إن عبدالله بن مسعود - وهو الذي قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «مَن أراد أن يَقرأ القرآن غضًّا كما أُنْزِل فليقرأه بقراءة ابنِ أمِّ عبد» -كان يَعتبِر خبَّابًا مرجعًا فيما يتَّصل بالقرآن حفظًا ودراسة، وهو الذي كان يدرِّس القرآن لفاطمة بنتِ الخطاب وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما، عندما فاجأهم عُمَرُ بن الخطاب متقلِّدًا سيفه، الذي خرج به ليصفِّي حسابَه مع الإسلام ورسوله، لكنه لم يكد يتلو القرآنَ المسطور في الصحيفة التي كان يُعلِّم منها خبَّابٌ، حتى صاح صيحته المباركة: دُلُّوني على محمد صلى الله عليه وسلم.


فالعاقبة للمتقين المحتسِبين الصابرين الذين غرسوا في نفوسهم الإيمانَ الراسخ، وجعلوه نبراسَهم في أيام المِحَن والابتلاء، وهذا النموذج الرائع الذي سُقناه فيما سلفَ خيرُ دليلٍ على أن الله ينصر المؤمنين والمؤمنات الصابرين المتمسِّكين بجذوة التقوى.

فلا عقيدة صحيحة إلا عقيدة التوحيد، والإسلام السَّمْح الذي جاء به خير المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكل الآلهة المزعومة إلى زوال؛ فقد ثبت في "الصحيح" مِن طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصْدَقُ كلمةٍ قالها شاعرٌ كلمةُ لبيدٍ: ألَا كلُّ شيء مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ»؛ (صحيح البخاري" برقم (3841)، و"صحيح مسلم" برقم (2256).

هذا، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] سيد قطب، "في ظلال القرآن" سورة القصص.

[2] رجال حول الرسول.

__________________________________________________
الكاتب: د. بن يحيى الطاهر ناعوس