نعمة الأمن ثمرة الإيمان

منذ 2021-11-23

المؤمن تأنس نفسه ويسعد قلبه ؤ بالأمان من صدق اعتماده علي الذي لا يغفل ولا ينام من صدق اعتماده علي العزيز الغالب الذي يجير ولا يجار عليه ..

 
أيها الإخوة الكرام: اليوم بعون الله تعالى نتحدث عن نعمة من أجل النعم وعن ثمرة من ثمار الإيمان وهي أن يرزق الله عباده نعمة الأمان..
أمان على دينهم فلا يفتنون فيه، أمان على دمائهم فلا تسفك منهم, أمان على أموالهم فلا تغتصب، وأمان على أعراضهم فلا تنتهك..
قال النبي عليه الصلاة والسلام  «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها»
من البركات الواضحات للإيمان ومن الثمرات اليانعات للعمل الصالحأن يعيش المؤمن حياته آمنا محفوظاً بحفظ الله سبحانه وتعالي فالله تعالي يحفظ المؤمن من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.. والله تعالي يحفظ المؤمن من سوء المنقلب في الأهل والمال والولد ..
والله تعالي يحفظ المؤمن من المفاسد ..
والله تعالي يحفظ المؤمن من المهالك والمخاوف ..
(اللهم رب السموات السبع وما أظلت, ورب الأرضين وما أقلت, ورب الشياطين وما أضلت, كن لنا جاراً من شر خلقك أجمعين أن يفرط علينا أحد منهم أو أن يطغي, عز جاهك وجل ثناؤك وتبارك اسمك ولا إله غيرك ..
في سورة الأنعام وفي حديث القرآن عن مجادلة الخليل إبراهيم عليه السلام لقومه وردت هذه الكلمات { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }
قال عبد الله بن مسعود لما نزلت هذه الآية  {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح لابنه {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إنما الظلم الشرك بالله ..
نعمة الأمان أيها المؤمنون ..
الله تعالي يمن بها علينا يوم نحسن الظنّ به، يوم تكون صلتنا بالله قوية، أنت في أمان يوم تتعرف أخي إلى فرائض الله فلا تضيعها، يوم تتعرف إلي حدود الله تعالي فلا تتعداها، يوم تتعرف إلي محارم الله تعالي فلا تقترب منها، يومها فقط أنت محفوظ بحفظ الله تعالي وفي الحديث القدسي بيان ذلك يقول الله عز وجل «وَمَا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أحْبَبْتُهُ ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإنْ سَألَنِي أعْطَيْتُهُ ، وَلَئِن اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ»
يوم نكون عباداً لله الواحد لا عبيداً لدنيانا الله تعالي يرزقنا بعد الخوف أمناً، يوم نكون عباداً لله لا عبيداً لشهواتنا الله تعالي يرزقنا بعد الضعف قوة، يوم نكون عباداً لله الواحد لا عبيداً لأموالنا الله تعالي يرضي علينا، ويمكن لنا في الأرض، وينصرنا علي من عادانا..
بشرط أن نحقق العبودية الخالصة الكاملة لله رب العالمين وفي سورة النور بيان واضح العنوان يقول {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
نحن المسلمين بالله أقوي، نحن المسلمين بالله أغني،مع حسن صلتنا بربنا نحن في أمان لا يضرنا مكر الماكرين ولا يؤذينا كيد الكائدين  {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }
جمع الصابئون عبدة الكواكب :
وجمع عبدة الأوثان كل ما قدروا عليه من الحطب والوقود والخشب حتي أوقدوا ناراً كاد لهبها أن يصل إلي عنان السماء وقبلها كانوا قد أشاروا إلي إبراهيم عليه السلام وقالوا  {حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} ..
إبراهيم عليه السلام لم يخف لم يفزع لم يتهرب لم يرجع عن الحق الذي هو عليه لكنه لجأ إلي العزيز الذي لا يغلب احتمي بذي القوة المتين وقال حسبي الله ونعم الوكيل فلما قالها خاطب الله النار بقوله يا نار كوني برداً وسلاماً علي ابراهيم فكانت النار برداً وسلاماً علي إبراهيم ..
وحوصر موسي عليه السلام بالبحر من أمامه :
وبالعدو من خلفه وقال له أصحابه يا موسي {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }
أيها الإخوة الكرام: القضية محسومة .. تعرف إلي الله في الرخاء
يعرفك في الشدة تعرف إلي الله في السراء يعرفك في الضراء
تعرف إلي ربك وقت العافية..
قَالَ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما «كنت خلف النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يوماً فَقَالَ يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ َضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ»
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ علينا ديننا وأن يكتبنا من الآمنين في أنفسنا وأموالنا وأولادنا إنه ولي ذلك والقادر عليه..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث المختصر عن نعمة الأمان أن نقول إن المؤمن يستمد قوته وراحته وسعادتهوأمانه من حسن ظنه بربه
المؤمن تأنس نفسه ويسعد قلبه ؤ بالأمان من صدق اعتماده علي الذي لا يغفل ولا ينام من صدق اعتماده علي العزيز الغالب الذي يجير ولا يجار عليه ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كَعْبٍ «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ فقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فعاد النبي يقول « يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَىُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ ؟ قَالَ أُبي فقُلْتُ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) فَضَرَبَ النبي عليه الصلاة والسلام فِى صَدْرِ أُبي وَقَالَ وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ »
أعظم آية في القرآن كله { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ من قرأها بعد كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت..
( { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} ) أُمرنا أن نقرأها في الصباح وفي المساء..
( {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ } ) أُمرنا أن نقرأها إذا آوينا إلي فُرُشنا عندها لا يزال معنا من الله تعالى حافظ وظهير ولا يقربنا شيطان حتي نُصبح ..
يوم نقرأ بألسنتنا ( {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ } )
يوم نتدبر بقلوبنا ( {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} )
وقتها فقط نشعر أننا نأوي إلي ركن شديد فهو سبحانه حسبنا وهو سبحانه ملاذنا وهو سندنا وهو عُدتنا في وجه كل من يمكر بنا ويبغي علينا ..
  {ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُۥ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذْنِهِۦ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ ۖ وَلَا يَـُٔودُهُۥ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ}
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظنا في ديننا وأموالنا وأولادنا وذرياتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه..

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.