التوكل في سورة يوسف
بل عندما أمر الملك بخروجه، لم يخرج، بل طلب تبرئته من التهمة التي ألصقت به
تظهر عبادة التوكل في مواقف عدّة من أحداث القصة المتباينة. وتتبدى ملامح ذلك التوكل مع اشتداد الابتلاءات والخطوب بيوسف ويعقوب عليهما السلام.
فها هو يوسف إذ يدرك كراهية إخوته له، ويتوجس تربصهم به، يطلب منه يعقوب عدم إخبار إخوته برؤياه: " {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً} "، فيشعر بضرورة اللجوء إلى الله والتوكل عليه، وسط هذا العدد الكبير من الإخوة الذين يكبرونه سنا، ويفوقونه قوة، وذلك الشعور المشتعل بالكراهية الذي يشعر به منهم، وهو في هذه السنّ الصغيرة!
كما يظهر توكل يعقوب عليه السلام في تركه يوسف مع إخوته مع علمه بكراهيتهم له، وعندما ادّعوا أكل الذئب ليوسف، قال لهم: "وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ." ويظهر التوكل كذلك في دعاء يوسف، ولُجْئه لربه: {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ}
وعندما طُلب إلى يوسف تعبير رؤيا الملك، أخبر به وهو ما يزال في السجن، ولم يشترط أو يطلب الخروج أولا! بل عندما أمر الملك بخروجه، لم يخرج، بل طلب تبرئته من التهمة التي ألصقت به أولا، وقال: " {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} " ومع جسامة مهمة الإشراف على اقتصاد مصر في هذه الفترة الحرجة، طلبها يوسف، متوكلا على ربه: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
ويأتي ذكر التوكل صريحا في قول يعقوب لبنيه: {ومَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ} ويتأكد توكل يعقوب عند ترك ابنه الآخر مع أبنائه، ثم تأكيده لهم: "بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً."
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: