حياة مؤجلة

منذ 2021-12-05

أين القرآنُ في قلبك؟ أين الذِّكْر في كلامك؟ أين الاستِغفار في أفعالِك؟ أين خشية الله في دموعك؟ أين حُبُّ الله في صبْرك وشكْرك؟ أين توحيدك لله في يقينك ورجائك؟

لا أدري كم مرَّ مِن الوقت ليُدركَ أن حياته مؤجَّلة، يسرقها الروتين اليومي من السَّعْي بَحْثًا عنْ لُقمة العيش تارة، وتارة أخرى في تلبية احتياجات البيت والأولاد، أو تَبادُل الزيارات، وربما يُنافس الضجَر تلك المهمات، ويُصبح له حظٌّ أيضًا مِنْ ذلك الرُّوتين اليومي، حتى إذا ما اختلى بجزءٍ مِن الفراغ، تنفَّس الصعداء أمام التلفاز يُقلِّب في القنوات، أو على المقْهى يَنتَشي فرحة النصر في دور "دومنة"، والشيشة أمامه قابعة، وَجَدت لهذا البركان الذي يَغلي بداخلها منفذًا إلى الهواء، ثم أَفَلَ إلى بيته عائدًا، وتَكَرَّر المشهدُ أيامًا وشهورًا وأعوامًا، كلما اقترب مِن رؤية أبنائه في بُيُوتهم، وقد أنهَوْا تعْليمَهم، وتنحَّت عنه تلك المسؤولية - ازْداد فرحًا، وشعُر أنه أدَّى رسالتَه، وحان وقتُ الراحةِ والتَّخفُّف مِن هذه الأعباء الثِّقال، ولكن هيهات! لَم تبدأ حياتك بعد، ما جَمعْتَه للفاني فهو فاني، والآن أين ما جمعْتَه للبقاء؟

 

في تلك المرحلة وأنت أقرب للآخرة منك للدنيا، لديك أسئلة مُلحَّة، حان وقت التفكير فيها:

هل جدَّدت نيَّتك يومًا: أنَّ ما قُمت به وما تقوم به ابتغاء مرضاة الله؟

هل حرصت على نصيبك مِن الآخرة كما حرصت على نصيبك من الدنيا؟

كم مرةً فرطت في هذا النصيب، وغلَّبت الدنيا على الآخرة؟

أين القرآنُ في قلبك؟ أين الذِّكْر في كلامك؟ أين الاستِغفار في أفعالِك؟ أين خشية الله في دموعك؟ أين حُبُّ الله في صبْرك وشكْرك؟ أين توحيدك لله في يقينك ورجائك؟

 

يا أخي، أُذَكِّر نفسي وإياك أنَّ النفْس قد تملُّ وتَفْتُر أحيانًا، ولكن أن تَفْتُر دومًا، فهذه هي الخسارة المُحَقَّقة.

 

أن يعيش الإنسان يأكل ويشرب ويُنْجِب ثم يتوفَّى، وكانت أمامه فرصة للتزوُّد مِن الحسنات لينجوَ بها من النار بمشيئة الله، أو لِتَعْلُو بها درجتُه في الجَنَّة، ولم يفعل - فذاك حياته مؤجَّلة، ستبدأ عندما يُدْرِك أن الزائر الذي لَم يَتْرُك بيتًا إلا ودخَلَه سيلقاه يومًا، فيستعدُّ لتلك الزيارة التي هي مصيرٌ أبديٌّ، إما إلى سعادة أو شقاء - نسأل الله العفو والعافية - ومَنْ لَم يُدْركْ تلك الحقيقة، وتَغافَل عنها، وظَفِرَ مِن النفس بحظوظها - فقد عاش ومات ولم يعلم حقيقة تلك الحياة المؤجلة، حياة القلب والروح.

 

وحينما نَحْيا أنا وأنت ومَنْ يَحْرص على الفَوْز بالجَنَّة والنجاة مِن النار هذه الحياة المؤجلة، فمرحبًا بنا على الطريق، طريق الوصول، فاسجُد واقترِب.

_________________________________________
الكاتب: محمود إبراهيم بدوي