حكم بيع المرابحة

منذ 2021-12-07

تعريف بيع المرابحة هو: بيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح معلوم متفق عليه بين المتعاقدين. ويرى جمهور الفقهاء أن بيع المرابحة من البيوع الجائزة شرعًا ولا كراهة فيه.

كلمة المرابحة في اللغة مأخوذة من كلمة ربح؛ وتعني النماء في التجارة، وربح في تجارته يربح ربحًا وتربُّحًا؛ أي: استشف.

 

وهذا بيع مربح إذا كان يربح فيه، والعرب تقول: ربحت تجارته، إذا ربح صاحبها فيها، وتجارة رابحة: يربح فيها... وأربحته على سلعته؛ أي: أعطيته ربحًا، وبعت الشيء مرابحة، ويقال: بعته السلعة مرابحة على كل عشرة دراهم درهمٌ، وكذلك اشتريته مرابحة[1].

 

والمرابحة اصطلاحًا، فقد عرفها الفقهاء بتعريفات كثيرة؛ منها:

قال الإمام المرغيناني الحنفي[2]: (المرابحة نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح)[3].

 

وعرَّفها ابن رشد المالكي[4] بقوله: (هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة، ويشترط عليه ربحًا ما للدينار أو الدرهم)[5].

 

وعرفها الشيخ أبو إسحاق الشافعي بقوله: (أن يبين رأس المال وقدر الربح بأن يقول ثمنها مائة، وقد بعتها برأس مالها، وربح درهم في كل عشرة)[6].

 

وعرفها الشيخ الماوردي الشافعي بقوله: (وأما بيع المرابحة، فصورته أن يقول: أبيعك هذا الثوب مرابحة على أن الشراء مائة درهم، وأربح في كل عشرة واحدًا)[7].

 

وعرفها ابن قدامة المقدسي الحنبلي بقوله: (البيع برأس المال وربح معلوم)[8].

 

ومن هذه التعريفات يتبين أن المرابحة بيع فيه ربح ظاهر أثناء مباشرة البيع.

 

الدليل: يستمد بيع المرابحة مشروعيته من القرآن والسنة واتفاق الفقهاء حوله من حيث المبدأ.

 

ففي القرآن: قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198].

 

وذلك أن المرابحة تمثل ابتغاء للفضل؛ أي: الزيادة، كما أنها تدخل في عموم عقود البيع المشروعة؛ لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].

 

وعن حكيم بن حزام قال: قال صلى الله عليه وسلم:  «البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يفترَّقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورك لهما في بيعِهما، وإن كتَما وكذَبا مُحقَتِ البركةُ من بيعِهما» [9].

 

وعن جميع بن عمير عن خاله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أفضل؟ قال: «بيع مبرور وعمل الرجل بيده»[10].

 

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه على قدر الصدق والأمانة في البيع تكون البركة، وأنه كلما دخلت الخيانة والكذب في البيع، مُحقت البركة وزال منها خيرها.

 

وخلاصة القول في بيع المرابحة أنه يقوم على أساس معرفة الثمن الأول، وزيادة ربح عليه؛ حيث إن المرابحة من بيوع الأمانة، فينبغي أن يكون الثمن الأول معلومًا، وأن يكون الربح معلومًا أيضًا.

 

وبناء عليه يكون تعريف بيع المرابحة هو: بيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح معلوم متفق عليه بين المتعاقدين.

 

الحكم التكليفي: يرى جمهور الفقهاء أن بيع المرابحة من البيوع الجائزة شرعًا ولا كراهة فيه.

 

قال الماوردي: "وأما بيع المرابحة فصورته أن يقول: أبيعك هذا الثوب مرابحة على أن الشراء مائة درهم، وأربح في كل عشرة واحدًا، فهذا بيع جائز لا يكره... والدليل على جوازه عموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، ولأن الثمن في بيع المرابحة معلوم، كما أنه في بيع المساومة معلوم؛ إذ لا فرق بين قوله: بعتك هذا الثوب بمائة وعشرة، وبين قوله: بعتك بمائة وربح كل عشرة واحد، وأن كلا الثمنين مائة وعشرة، وإن اختلفت العبارتان، كما لا فرق بين قوله: بعتك هذا الثوب بتسعين وبين قوله بمائة إلا عشرة، في أن كلا الثمنين تسعون، وإن اختلفت العبارتان، ولا وجه لما ذكر من جهالة الثمن؛ لأن مبلغه وإن كان مجهولًا حال العقد فقد عقداه بما يصير الثمن به معلومًا بعد العقد، وذلك لا يمنع من صحة العقد، كما لو باعه صبرة طعام كل قفيز بدرهم، صح البيع وإن كان مبلغ الثمن مجهولًا وقت العقد؛ لأنهما عقداه بما يصير الثمن به معلومًا بعد العقد[11].

 

هذا، والله تعالى أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.

 

 


[1] لسان العرب لابن منظور (5/ 103)، مادة ربح.

[2] هو عبدالرحيم بن أبي بكر بن علي، أبو الفتح زين الدين الفرغاني السمرقندي المرغيناني: فقيه حنفي، من أعيان المفتين، له (فصول الإحكام في أصول الأحكام، وتوفي 670ه، الأعلام للزركلي (3/ 344).

[3] الهداية 6/ 122.

[4] محمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد: قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية، وهو جد ابن رشد الفيلسوف توفي 520ه، الأعلام للزركلي (3/ 344).

[5] بداية المجتهد لابن رشد (2/ 178).

[6] المجموع شرح المهذب للنووي، طبعة مكتبة الإرشاد، بيروت، 2001م، (13/ 3).

[7] الحاوي الكبير لأبي الحسن الماوردي، دار الكتب العلمية، تحقيق علي معوض 1994م (5/ 279).

[8] المغني لابن قدامة (4/ 136).

[9] صحيح البخاري كتاب البيوع، باب: إذا بين البيعان ولم يكتما (ج: 3/ 58)، رقم الحديث: (2079).

[10] مسند أحمد كتاب: مسند المكيين، حديث أبي بردة بن نيار (ج: 25/ 157)، رقم الحديث: (15836).

[11] الحاوي الكبير للماوردي (5/ 279).