الغش

منذ 2021-12-14

الغش خيانة، ودناءة نفس، وضعفُ إيمان، وحرمان بركة، وطريقٌ إلى النَّار، الغشُّ سبيل المنافقين، ومنهج الموْتورين، لا يرتضيه مسلم، ولا يسلكه أَمين يخاف الله ويراقبه.

إخوة الإسلام:

ثَمَّت جريمةٌ منكرةٌ وخلقٌ سافل، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، استصغرتْها النفوس المريضة والأهواء المُضلَّة، فرأتها بطولة وحذقًا، وكرمًا وإحسانًا، إنَّها جريمة الغشّ.

 

هذا المحرَّم الذي أعلن المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - البراءة من صاحبِه؛ كما في حديث أبي هُريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَن غشَّ فليس منِّي»، وفي رواية: «مَن غشَّنا فليس منَّا»، وفي رواية: «ليس منَّا مَن غشَّنا».

 

عباد الله:

الغش خيانة، ودناءة نفس، وضعفُ إيمان، وحرمان بركة، وطريقٌ إلى النَّار، الغشُّ سبيل المنافقين، ومنهج الموْتورين، لا يرتضيه مسلم، ولا يسلكه أَمين يخاف الله ويراقبه.

 

ولهذا الخلُق الذَّميم مجالات كثيرة تدخُل كلُّها تحت عموم النَّصّ السَّابق، فمِنها: غشّ الرَّاعي لرعيَّته، سواء كان الإمامَ الأعظم ببُعده عن شرع الله تعالى، أو ظلمِه للخلْق بهضم حقوقهم وعدم القيام بمصالحِهم أو نحو ذلك، أو كان الرَّاعي مديرًا أو مسؤُولاً أو أبًا؛ فعن معقل بن يسار المزني - رضِي الله عنْه - أنَّه قال: سمِعْتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيَّة يَموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته، إلاَّ حرَّم الله عليه الجنَّة»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وفي لفظ للبخاري: «ما من مسلمٍ يسترْعيه الله رعيَّة فلم يحطْها   بنصيحة، لم يجد رائحة الجنَّة».

 

فيدخل في ذلك الحاكم ومَن تحته، ويشمل الموظَّفين الذين تتعلَّق مصالح النَّاس بهم، فتأْخيرهم للمعاملات، ومحاباتُهم لبعض الناس، وتأخُّرهم عن أعمالهم، أو تخلُّفهم عنها - غشٌّ وجوْر؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن ولاَّه الله مِن أمْر المسلمين شيئًا فاحتجب دون حاجتِهم وخلَّتهم وفقْرهم، احتجب الله دون حاجتِه وخلَّته وفقره يوم القيامة»؛ (رواه أبو داود والترمذي).

 

ويدخل في غشّ الرَّاعي للرعيَّة: الآباء لأبنائهم؛ فمَن أهمل تربية ولدِه، وقصَّرَ في حثِّه على الصلاة، وأمْره بالمعروف ونهْيه عن المنكر، أو جلبَ له آلاتِ اللَّهو، وهيَّأ له أجواء المعصية، أو رضِي لأهله وبناته بالتبرُّج والسُّفور، وخلع جلْباب الحياء - فقد غشَّهم واستحقَّ الوعيد الشَّديد.

 

عباد الله:

ومن الغش: الغشُّ في الزَّواج؛ بحجر البنت على القَريب، أو المغالاة في المهور، أو التسرُّعِ بالموافقة من غير سؤالٍ عن الخاطِب، أو إخْبار الخاطب عن نفسه بما يُخالف الحقيقة أو العكْس، أو ردّ الكفْءِ مرضيِّ الدين والخلق؛ لعصبيَّة مقيتة، أو هوًى مجرَّد، أو طمعٍ مذْموم.

 

ومن الغش: الغشّ في البيع والشراء بإخفاء العَيب، أو بخْس الوزْن أو العدد أو المساحة، أو خلطِ الجيِّد بالرَّديء، أو بيعِ الفواكِه والخضروات بعد رشِّها مباشرة، أو إظهار المقلَّد من البضائع بصورة الأصلي، أو بيْع المحرمات للناس من أشرِطة أو أفلام أو صور أو أزْياء أو دُخان، أو غير ذلك ممَّا يُقابل الأمانة والنُّصح.

 

ومن الغشّ: عدمُ الوفاء بالعقود، وخيانةُ الأمانة في عقود المقاولات، والإنشاءات، والصِّيانة ونحوِها؛ فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ومَن قاده الطمعُ أو استعجالُ الانتِهاء على الغشِّ أو دفعِ الرشوة أو نحوِ ذلك، فقد استحبَّ العمى على الهدى، وقدَّم النَّار على الجنَّة.

 

عباد الله:

ومِن الغشّ: ترْكُ الأمر بالمعْروف والنَّهي عن المنكر، فالغشّ هو عدم النُّصح، وعلى رأْس النُّصح تصويبُ المخطئ، وتخطئةُ المذنِب، وتوجيهُ المسلم لما فيه مصلحة دينِه ودنياه، خاصَّة الأقارب والجيران.

 

ومِن غشِّ الأمَّة: إيواءُ المحدِثين، أو التستُّرُ على ذوي الأفكار الهدَّامة، أو التَّحريضُ على الولاة والحكَّام، أو الانتقاصُ من العلماء والدُّعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإنَّ نزعَ الثقة من هؤلاء وتنقُّصَهم، والحطَّ من قدرهم إنَّما هو ثلبٌ للدِّين، وتفريقٌ للصَّفّ، وقصمٌ لظهر الائتلاف والاجتِماع.

 

ألا فلنتَّق الله عبادَ الله، ولنحْذر الغشَّ في كلِّ مجالاتِه وصُوره، فإنَّه حرام، يقود صاحبَه إلى النَّار، ولنشتَر الباقية بالفانية، ولنعلمْ يقينًا أنَّ الغشَّاش نادم لا محالة في الدنيا قبل الآخِرة، فلنتجرَّد من الهوى والشَّيطان والنَّفس الأمَّارة بالسوء، ولنكُن مع الصَّادقين النَّاصحين؛ فالدين النَّصيحة كما أخبر سيِّد المرْسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم.

 

إخوة الإسلام:

ومن صور الغشّ الظَّاهِرة والتي أضحى انتِشارها البائسُ مستَنَدًا لدى البعض بحلِّها وعدمِ الغضاضة فيها: الغشُّ في الاختبارات، وإنَّها لرزيَّةٌ أن يصعد الشَّاب درج العلم، ويكتسيَ وشاح الشهادة بالطريق الحرام، فيندمَ عندما يستيْقظ ضميره، ولاتَ ساعةَ مندم.

 

عباد الله:

لَم أكن لأطرق هذا الموضوع، أو أتصوَّر وجوده في أوساط الطلاَّب وبِمساعدة بعض المعلِّمين - وللأسف - خاصَّة في المناطق البعيدة، أو المدارس الأهليَّة، لولا أنَّني سمعت من القصص والشَّواهد في اختِبار هذا الفصل ما يندى له الجبين.

 

لقد وصل الحال ببعْض الطلاَّب إلى أن يَستمرئَ الغشَّ، ويراه حقًّا مشاعًا، وحمًى مباحًا، مستغلِّين تساهُل المراقبين، أو تغافُلهم، مع الرِّضا بذلك المنكر، ووصل الحال ببعض المعلِّمين - بسبب ضعف إيمانهم وقلَّة إدراكهم، ودناءة مروءتِهم - إلى أن يُمْلوا على الطلاب الإجابات، أو يعْطوهم الأسئِلة أو قريبًا منها، تحت ستار المساعدة والتَّيسير، وهو الغشّ الحقيقي بكلِّ معانيه الَّذي يمثِّل جريمة كبرى في حقّ المجتمع.

 

فأيّ خير سيقدِّمه الشَّابّ الذي نال شهادته بالغشّ والمحاباة؟! إنَّه معول تأخُّر وتخلف، إنَّ الغشَّاش ليجني على نفسه بالرضا بالحرام وأكله؛ فقد أفتى العُلماء الأجلاَّء بأنَّ الشهادة الحاصلة بالغشّ حرام، والمنصبَ الَّذي يناله الموظَّف بسببها حرام، فهو أمر تراكُمي لا تنفكّ حسرته، ولا تنتهي مغبَّته إلاَّ بالتَّوبة إلى الله تعالى، وتصحيح المسار، فلا تجعلْ ربَّك - أيها المبارك - أهونَ النَّاظرينَ إليك، واعتزِل طريق الغشّ، بل ونبِّه المراقبَ على مَن يغشّ؛ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

_________________________________________________

الكاتب: الشيخ مقبل بن حمد المقبل