هويتنا الإسلامية

منذ 2022-01-06

قضية الهُوية قضية محورية لأيِّ أمة؛ إذ إن كل أمة تُعْوِزُها الهُوية المتميزة لا يمكنها المعيشة والمحافظة على وجودها؛ فالهُوية هي التي تحفظُ سياج الشخصية؛ لأن للهُوية علاقةً أساسية بمعتقدات الفرد ومسلَّماته الفكرية

قضية الهُوية قضية محورية لأيِّ أمة؛ إذ إن كل أمة تُعْوِزُها الهُوية المتميزة لا يمكنها المعيشة والمحافظة على وجودها؛ فالهُوية هي التي تحفظُ سياج الشخصية؛ لأن للهُوية علاقةً أساسية بمعتقدات الفرد ومسلَّماته الفكرية، وبالتالي تحديد سمات شخصيته، فتجعله إنسانًا ذا قيمة، ولحياته معنى وغاية.

 

هذه الهُوية هي التي تتبنَّاها النفس، وتعتز بالانتساب إليها، والانتماء لها، والانتصار لها، والموالاة والمعاداة على أساسها؛ فبها تتحدَّد شخصية المنتمي وسلوكه، وعلى أساسها يفاضل بين البدائل.

 

وبالنسبة للمجتمع، تعتبر الهُوية الحصنَ الذي يتحصَّن به أبناؤه، والنسيج الضامَّ، والمادة اللاصقة بين لَبِناته؛ فإذا فُقِدت تشتَّتَ المجتمع وتنازعَتْه المتناقضات، فإذا توافقت هُوية أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، كان الأمنُ والراحة والإحساس بالقوة، وإذا تصادمت الهُويات، كانت الأزمةُ والاغتراب، ومن هنا يمكنَّا فَهم معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغرباء» ))؛ [ (مسلم) ]، فالأمم التي تريد أن تبقى، هي التي تحافظ على هُويتها، فالهُوية هي ذات الأمة ووجودها؛ ولذلك لا عجبَ أن تحاول كلُّ دولة أو أمة أن تصون لأتباعها هويتَهم، وتحميَهم من غَزْو الثقافات الأخرى لثقافتهم.

 

ولا شك أن مقومات الهُوية هي العناصر التي تجتمع عليها الأمة بمختلف أقطارها؛ من وَحدة عقيدة، ووَحدة تاريخ، ووَحدة اللغة، والموقع الجغرافي المتميز المتماسك، وأعظمُها لا شك هي العقيدة، التي يمكن أن يذوب فيها بقيةُ العناصر.

 

لقد حبَا اللهُ الأمة العربية والإسلامية بهُويتها الربانية، فالهُوية الإسلامية في الحقيقة هي الانتماء إلى الله ورسوله، وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد، التي أكمل الله لنا بها الدين، وأتمَّ علينا بها النعمة، وجعلَنا بها الأمة الوسط وخيرَ أمة أخرجت للناس، وصبغنا بفضلها بخير صبغة؛ {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138]، فلا يجوز لمسلم الخروج عنها؛ فهي فرض لازم، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة - يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ - ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به، إلا كان من أصحاب النار».

 

هذه الهُوية تميز الأمة الإسلامية عن غيرها، فهذا التميُّز يشمل كل جوانب الحياة؛ بداية من العقيدة: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]، ونهاية بالشكل الظاهر في الملبس والهيئة؛ "إياكم وزِيَّ الأعاجم"، ومرورًا بكل أمور الحياة العملية؛ ليس منَّا مَن عمل بسُنَّة غيرنا))؛ [الطبراني في الجامع الصغير]، {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } ﴾ [يونس: 41]، فهي تامَّة الموضوع، محددة المعالم، تحدِّد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفَه ووظيفته وغايته في الحياة: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163]، فهذه الهُوية قائمة على أساس تصور الإسلام للإنسان والكون والحياة، والتي تصبغ الأمةَ: عاداتِها وتقاليدَها وأعرافها، وآدابها وفنونها، وسائرَ علومها الإنسانية والاجتماعية، وعلومها الطبيعية والتجريبية...

 

وهذه الهُوية هي مصدر العزة والكرامة للأمة؛ {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10]، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]، ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]، وهي تربط بين أبنائها برباط وثيق، يجعل الولاء بين أتباعها، والمحبة بين أصحابها، وتربط بينهم برباط الأخوة والمحبة، والنصرة والموالاة، فهم جسدٌ واحد؛ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى» ))؛ (متفق عليه) .

 

ففي المجتمعات الإسلامية يُعد الدين الإسلامي الهُويةَ الأساسية والرسمية لها، فهو الانتماء الحقيقي، والرمز، ومحور حياة المجتمع، من خلالها يتفاعل أفراد المجتمع، فهُويتنا الإسلامية تعني الانتماء الكامل - بكل أبعاده المادية والمعنوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية - للدين الإسلامي، فهذه الهُوية تصبغ كل مناحي حياة الأمة؛ عاداتها وتقاليدها وأعرافها، وآدابها وفنونها، وسائر علومها الإنسانية والاجتماعية، وعلومها الطبيعية والتجريبية، ونظرتها للكون والذات وللآخر، وتصوراتها لمكانة الإنسان في الكون؛ من أين أتى ؟ وإلى أين ينتهي؟ وحكمة هذا الوجود ونهايته، ومعايير الحلال والحرام.

 

وهُوية المسلم تتمثل في: حفاظه على دينه، واعتزازه به، وتمسكه بتعاليمه، والتزامه بمنهجه في صغير الأمور وكبيرها، فالإسلام يصبغ الإنسان بصبغة خاصة؛ في عقيدته وفكره، ومشاعره وتصوراته، وآماله وأهدافه، وسلوكه وأعماله... وحينما يضعف التمسُّك بالدين والالتزام به في نفوس الأفراد يظلُّ هو الهُوية المفقودة التي نبحث عنها، وذلك بحكم أننا مسلمون أولًا وأخيرًا، ولأنه ليس من الممكن أن نختار غير الإسلام هُوية، ونظل مع ذلك مسلمين، فنحن حينما ابتغينا الإسلام دينًا، فقد ارتضيناه هُوية.

_________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى