المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - أخلاق النبوة

منذ 2022-01-14

كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس, وأرغبهم في العفو, كان رفيق البشرة, لطيف الظاهر والباطن, يعرف في وجه غضبه ورضاه, وكان أجود الناس وأسخاهم.

الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه, وأدب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه, وزكى أوصافه وأخلاقه, ووفق للاقتداء به من أراد تهذيبه,

وحرم من التخلق بأخلاقه من أراد تخيبه.
 
جملة من محاسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم :
كان صلى الله الله عليه وسلم أحلم الناس, وأشجع الناس, وأعدل الناس, وأعف الناس لم تمس يده قط يد امرأة لا يملك رقها, أو عصمة أمرها, أو تكون ذات محرم منه, وكان أسخى الناس لا يبيت عنده دينار ولا درهم, لا يُسأل عن شيء إلا أعطاه
وكان يخصف النعل, ويرقع الثوب, ويخدم في مهنة أهله, ويجب دعوة العبد والحر, ويقبل الهدايا ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها, ولا يستكبر عن إجابة الأرملة والمسكين, يغضب لربه ولا يغضب لنفسه, وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع,
إن وجد تمراً أكله, وإن وجد خبر بر أو شعير أكله, لا يأكل متكئاً, ولا على خوان, لم يشبع من خبز ثلاثة أيام متوالية حتى لقى الله تعالى إيثاراً على نفسه, لا فقراً ولا بخلاً, يجيب الوليمة, ويعود المرضى, ويشهد الجنائز, أشدّ الناس تواضعاً, وأسكنهم في غير كبر, وأبلغهم في غير تطويل, وأحسنهم بشراً, لا يهوله شيء من أمور الدنيا, ويلبس ما وجد من المباح, يردف خلفه عبده أو غيره, يركب ما أمكنه, مرة فرساً ومرة بعيراً ومرة بغلة ومرة حماراً, يحب الطيب, ويكره الرائحة الرديئة, ويجالس الفقراء, ويؤاكل المساكين, ويكرم أهل الفضل, ويتألف أهل الشرف, يصل رحمه, ولا يجفو على أحد, يقبل معذرة من المعتذر إليه, يمزح ولا يقول إلا حقاً, يضحك من غير قهقهه, يرى اللعب المباح فلا ينكره, يسابق أهله, ترفع الأصوات عليه فيصبر. ـ
ما ضرب بيده أحد قط إلا أن يضرب بها في سبيل الله تعالى, وما انتقم من شيء صنع إليه قط إلا أن تنتهك حرمة الله, وما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم فيكون أبعد الناس من ذلك, وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر, وكان إذا لقى أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة, وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله, وحيث انتهى به المجلس جلس, وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضا, وكان أرأف الناس بالناس, وخير الناس للناس, وأنفع الناس للناس, ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات, كان أفصح الناس منطقاً وأحلاهم كلاماً, وكان نزر الكلام وسمح المقالة, إذا نطق ليس بمهذار, وكان أوجز الناس كلاماً, وكان يتكلم بجوامع الكلام لا فضول ولا تقصير, وكان طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة, ولا يقول المنكر, ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق, ويكنى عما اضطر الكلام إليه مما يكره, وكان أكثر الناس تبسماً وضحكاً في وجوه أصحابه, وإن غضب _ وليس يغضب إلا لله _ لم يقم لغضبه شيء.
كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس, وأرغبهم في العفو, كان رفيق البشرة, لطيف الظاهر والباطن, يعرف في وجه غضبه ورضاه, وكان أجود الناس وأسخاهم, وكان في شهر رمضان كالريح المرسلة لا يمسك شيئاً, وكان أنجد الناس وأشجعهم, وكان أشد الناس تواضعاً في علو منصبه.
قد جمع الله تعالى له السيرة الفاضلة, والسياسة التامة, وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب, علمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة, وأخبار الأولين والآخرين, وفقنا الله لطاعته في أمره, والتأسي به في فعله. آمين يا رب العالمين.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
 
المقال السابق
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المقال التالي
عجائب القلب