من مصالح الزواج وأحكامه

منذ 2022-01-21

يقولُ اللهُ عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}

يقولُ اللهُ عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32]، هذا أمرٌ من اللهِ تعالى لعباده بالزواج، وتحْصينِ النفسِ، واتِّباعِ سُنَنِ المُرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

 

وسَيِّدُ الخلقِ - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَ وزَوَّجَ بناتِه - رضي الله عنْهنَّ - ولَمَّا بَلَغه -صلى الله عليه وسلم- خبرَ الثلاثةِ الذين جاؤوا يَسألونَ عن عبادته، فقال أحدُهم: وأنا أعْتزِلُ النساءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا غَضِبَ - صلى الله عليه وسلم - وأنْكرَ ذلك وقال: «ولَكِنِّي أتَزَوَّجُ النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي» [1].

 

عبادَ الله: ويترتبُ على الزَّواج مصالحُ عظيمة؛ منها:

أولًا: صِيانةُ المتزوج نفسَه وحفظُها من أنْ تقعَ فيما حُرِّمَ عليها، فإنَّ النفسَ الإنسانيةَ قد أودعَ اللهُ فيها غريزةً لا يُمكنُ إشباعُها أو الحَدُّ منها إلا عن طريق الزَّواج، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتاكُم من تَرضونَ خُلُقَهُ ودينَهُ فزَوِّجُوهُ، إلا تفْعلوا تَكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ» [2].

 

وقد حَضَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الشبابَ على المُبادرة إلى الزَّواج والمُسارعةِ إليه مَتى ما وجَدَ الشَّابُّ مَيلًا غَريزيًا في نفسِه إلى المرأة ودافعًا إليها، فقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ» [3]، يقول الشيخُ حافظ الحكمي – رحمه الله- عن الزواج:

 

أحْصَنُ للفرجِ أغَضُّ للبصرْ عليه قد حَثَّ الكتابُ والأثرْ

والمعنى أنَّ الزواجَ الشرعي يكون سَببًا في غَضِّ البَصَرِ عن الحرام وحفظِ الفَرْج عنه كذلك[4].

 

ثانيًا: ومن مصالح الزواج: حُصولُ الأُنسِ والمَودَّةِ والطُّمأنينة والراحةِ النَّفسية بين الزوجين، وقد صَوَّرَ ذلك القرآنُ الكريم، وبيَّنهُ بألطفِ عِبارة وأدقِّ تَصوير وأغزرِ معنى، فقال جلَّ في عُلاه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].

 

فكلُّ واحدٍ من الزوجين يأنَسُ بالآخَر، ويَطْمَئِنُّ إليه، ويَجِدُ معَهُ الأُلفةَ والوُدَّ والحَنان.

 

ثالثًا: في الزواج تكثيرٌ للنَّسل والذُّرِّية: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: إنِّي أصَبتُ امرأةً ذاتَ حَسَبٍ وجَمالٍ، وإنَّها لا تلِدُ، أفأتزوَّجُها، قالَ: «لا» ثمَّ أتاهُ الثَّانيةَ فنَهاهُ، ثمَّ أتاهُ الثَّالثةَ، فقالَ: «تزوَّجوا الوَدُودَ الوَلُودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ» [5]، وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في التزويجِ بالوَدودِ الوَلودِ؛ لِمَا في ذلك مِن نفْعٍ يَعودُ على الزوجِ والأُمَّةِ في الدُّنيا والآخرةِ.

 

رابعًا: ومن مصالح الزواج: قيامُ الزوجِ على المرأة بالرعايةِ والإنفاق[6]، وحصولُ الأجرِ والثوابِ على ذلك، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فإنَّ الشرعَ قد أوجبَ على الرجل الإنفاقَ على أهلِه وأولادِه، ورعايتَهم وحُسنَ تعليمِهم وطِيْبَ معاملتِهم، وهو بهذه الأعمال ينالُ الأجرَ والثواب، ويَحتسِبُ ذلك عند الله تعالى، وقد قالَ عليه الصلاةُ والسلام: «دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ» [7].

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

 

فيا عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى واعلموا أنَّ للزواج سُننًا ومُستحباتٍ وأحْكامًا ومن ذلك أنه يُسَنُّ الزواجُ من الدَّيِّنةِ ذاتِ العَفافِ والأصلِ الطَّيِّبِ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»[8]؛ كما حَثَّ صلى الله عليه وسلم على اختيارِ البِكْرِ، فقال لجابر رضي الله عنه: «فَهَلَّا بكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُكَ» [9]، ويُسَنُّ كذلك: اختيارُ الوَلُود الوَدُود: «تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ» [10]، ويُستحَبُّ لمنْ أراد خِطبَةَ امرأةٍ أن يَنظُرَ فيها إلى ما ليسَ بِعَورَةٍ وما يدعوه إلى نِكاحِها بلا خُلوةٍ؛ لِيكونَ على بَيِّنةٍ منْ أمرِه، ولِلمرأةِ أنْ تَنظرَ إلى خَطيبِها، وهذه الرُّخْصةُ بالنَّظَر لِمَنْ غلَبَ على ظَنِّه إجابتُه إلى تَزَوُّجِها، فإنْ لم يتيَّسرْ له النَّظرُ إليها بَعثَ إليها امرأةً ثِقَةً تَنظُرُها وتُخبِرُه بذلك، ويَحرمُ على الرجل أن يَخطُبَ على خِطبة أخيه المسلم حتى يذرَ أو يأذن، ويَجبُ الصَّدَاقُ وهو المَهْرُ ويُشرَعُ تَخفيفُه، وتُسنُّ وَليمةُ العُرس، ولا يجوزُ الإسرافُ فيها والمُباهاة، ويُسنُّ لكلٍّ من الزوجين مُعاشَرةُ الآخَرِ بالمعروف وأداءُ واجباتِ وحُقوقِ كُلٍّ منهما للآخر، وتأسيسُ البيتِ على طاعةِ اللهِ تعالى، وسُنةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم[11]، هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.

 

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «من صلَّى عَليّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا».

 


[1] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5063.

[2] السلسلة الصحيحة الصفحة أو الرقم: 1022 | خلاصة حكم المحدث: حسن لغيره.

[3] البخاري الصفحة أو الرقم: 1905، ومسلم الصفحة أو الرقم: 1400.

[4] البيت للشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله – من منظومة السبل السوية لفقه السنن المروية، وينظر: الشيخ زيد بن محمد المدخلي، الأفنان الندية، الطبعة الأولى، 1410هـ- 1990م، مكتبة الحكمي، 4/ 277  .

[5] أخرجه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227).

[6] ينظر: الشيخ صالح الفوزان، الملخص الفقهي، الطبعة الأولى، 1423هـ دار العاصمة، الرياض 2/ 322.

[7] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 995.

[8] رواه البخاري (4802)، ومسلم (1466).

[9] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5247.

[10] أخرجه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227).

[11] ينظر: الشيخ صالح الفوزان، الملخص الفقهي، 2/ 326- 336.

___________________________________________________

الكاتب: محمد بن حسن أبو عقيل