تأملات فى سورة الفيل

منذ 2022-01-24

والآن هل لنا أن نسأل أنفسنا سؤالا والإجابة تكون بأمانة شديدة ماذا تفعل إذا انتهكت حرمات الله ؟هل ستكون من المدافعين عنها ويكون غضبك لله ؟!

 
 
تبدأ  السورة بسؤال لجذب الانتباه والإقبال على معرفة ما حدث لهؤلاء والسورة لم تتعرض لتفاصيل كم عدد الجيش أو كيف استعد أو ما الدافع لذلك ولكنها أعلنتها قوية عاقبة لكل من سولت له نفسه المساس بالبيت الحرام أو المقدسات بصفة عامة تلك الحادثة الشهيرة التى سُجلت فى التاريخ بعام الفيل فقد كان الناس يؤرخون للأحداث هذا حدث قبل عام الفيل وهذا حدث بعده وهو نفس العام الذى ولد فيه أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم فهذا هو إبرهه ملك الحبشة قادم ليهدم بيت الله الحرام  حسدا من عنده وليصرف الناس عنه إلى بيتا هو بناه ليحج الناس إليه وقد رأى تعلق أهل اليمن التى كان يحكمها به

يقول تعالى : { "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) } "   فى البداية ذكر الفاعل هو  ربك ولم يقل الله لأن الرب هو الذى يربى يربى الناس بالأحداث والسنن فى خلقه وهو رب هذا البيت ومالكه فماذا تفعل القوى المادية أمام إرادة الله وحده القادر على حماية بيته قد يتساءل البعض لماذا لا يرسل طيراً أبابيل تحمى المسجد الأقصى اولى القبلتين؟

الإجابة أن  زمن الفيل لم يكن هناك مسلمون يدافعون عن الكعبة وربما لم يرد الله عزوجل للمشركين أن يدافعوا عن بيته وهم يعبدون الأوثان فلن ينتصروا ولكن الآن يريد أن يستفرغ كل طاقة المسلمين فى الدفاع عن المسجد الأقصى ويشعر المسلم أن له قضية يحيى من أجلها ويتقرب بها إلى الله عزوجل وليكن من يدافع عنه عن إيمان وعقيده راسخة  ويقين بالنصر ويظل التدافع بين الخير والشرسنة  قائمة إلى ماشاء الله

والفيل لم يكن معروفاً فى جزيرة العرب وقتها إلا أنه حيوان ضخم  استخدمه إبرهه لإرهاب قريش  وإشعارهم أن العدو يملك من الأدوات ما يصعب مواجهته فلا تحاولوا حتى الاقتراب وتلك هى  الحرب النفسية

يقول تعالى : {"أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)"} والعجيب أنهم أعدوا العدة وجيشوا الجيوش وظنوا أن كيدهم هذا يغيب عن الحق ولكن ضلل هذا الكيد   فلم يبلغ الهدف والغاية التى من أجلها خرجوا وتولت جيوشهم هاربة  أمام قدرة الله وإرادته

ماذا فعل بهم ؟وكيف رد مكرهم وكيدهم ؟ أرسل عليهم طيراً فى  جماعات ترمى فتصيب وكأنها تعرف صاحبها ولا تخطئ الهدف وماذا يفعل الطير فى مواجهه الفيلة ؟إنما هى إرادة الله وحكمته أن يأتى الهلاك على جناح طير استهزاء اًوسخريةً بكل قوة هدفها الإفساد والهدم فتصبح كأوراق النباتات الجافة بعد أن تذروها الرياح لا وزن لها ولا قيمة بعد كل هذا الحشد الهائل والعده الحصينة وتتساءل كيف يحدث هذا من مجرد حجارة فى حجم الحصاة  من طين ؟!

وإذا تأملنا فى الآيات لم تقل فكانوا كعصف مأكلول ولكن قال المولى عزوجل :" فجعلهم كعصف مأكول "  أى أنه هو الذى قضى عليهم وليس فعل الحصاة  ولا عجب فهى نفس الإرادة التى جعلت السكين تقف عن عملها ولا تذبح اسماعيل والنار التى تحرق يبطل عملها بل تصبح بردا وسلاما على إبراهيم إنها إرادة  "كن فيكون"  للدفاع عن الحق المتمثل فى رسله وأوليائه وبيته الحرام قيل أن العصف هو ورق الزرع ، وورق البقل ، إذا أكلته البهائم فراثته ، فصار درينا تخيل مدى السخرية بهذا الجيش المهيب .

وليعلم أصحاب الفيل  أنهم لم يكونوا القوة الأولى ولا الأخيرة في هذا العالم ممن دمرهم الله وأهلكهم بظلمهم قال تعالى {{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ}} [ الحج 48] { { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} } [هود (102) ] إنها سنة الاهلاك فى الأرض

وإذا تاملنا نجد أن آيات هذه السورة اشتركت فى حرف الكاف وهو حرف انفجارى يدل على أن الحدث كبير وضخم  هو محاولة هدم المقدسات  وترى أعداء الدين يعرفون قيمة هذا البيت ويعدون له العدة الضخمه وكل ما لديهم لهدمه وتخيلوا أن أعداء الدين يعرفون قيمة تمسكنا بالدين وبالبيت الحرام أكثر من المسلمين أنفسهم  انظر كيف وهب الله سكان مكة الحرم الآمن والناس من حولهم فى صراعات وحروب ليس لها نهاية ولكنك ترى قريش تبحث عن مصالحها وتجارتها فى النهاية وهى لا تعلم أن مجاورتها للبيت سبب لكل الخير والنعمة التى كانوا فيها إذيقول الله تعالى : {" أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) "} [ العنكبوت] وهل آمنت قريش بعد ذلك بعد أن رأت بأم عينها هذا التأييد الإلهى والتحصين لبيت الله الحرام وكم حفظ نبيه بعد ذلك من إيذائهم أم عاندوا وكابروا وكادوا لنبيهم إنها أصنام الجاهلية التى تملأ قلوبهم  أفأمنوا مكر الله ؟ .....

لم يكن للعرب راية يجتمعون عليها قبل الإسلام كانت الحروب تقام بينهم سنوات طويلة تصل إلى  أربعين عام بدعوى الجاهلية تحكمهم العصبية القبلية فلم يرتفع  شأنهم إلا عندما توحدوا على راية الإسلام ونبذوا عادات الجاهلية التى تربوا عليها وقتها فقط هابهم الشرق والغرب عندما انطلقوا من عقيدة صحيحة هى التى تقودهم  استغلوا قوتهم فى سبيل الله انطلقوا لله وبالله يفتحون مشارق الارض ومغاربها لكن عندما ملأت الدنيا قلوبهم وحكمتهم الأهواء تشتت كلمتهم وتركوا راية الإسلام ورضوا أن يكونوا فى ذيل الأمم وإننا إذا استرجعنا التاريخ وجدنا أنه فى عصر النبوة والفتوحات من بعده  كان الرجال يحبون الموت كما نحب نحن الحياة فلم يقوموا لعزاو مجد كما نسمع فى الأغانى إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين لملك الفرس  لذلك دانت لهم الأرض وفتحت لهم القلوب قبل الأبواب  فلم  يتساءلوا لماذا تأخر النصر لم  ينتظروا طيرا أبابيل تنزل على أعداء الدين فتحصدهم وهم ينظرون بل يدعون عليهم ليل نهار فى انتظار موعود الله بالنصر ولم يعملوا من أجله شيئا  فتشوا فى قلوبكم أولا فإذا وجدتم تعلق بالدنيا وزينتها و طغيان المادية على كل شىء وتخلينا عن هويتنا الإسلامية وترك الاهتداء بالقرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عرفتم السبب  إنه  الوهن حقا الذى أخبرنا به رسولنا الكريم فع ن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت » "  ذلك الوهن الذى سلط علينا عدونا الذى أدرك مدى ضعف الأمة وتفرقها حين لم نتمسك بالقرآن  منهج حياة فأدرك أننا أمة بلاهدف غثاء كغثاء السيل وبالرغم من كل ذلك إلا أن  الآيات تعطينا الدرس أن الله ناصر دينه شئنا أم أبينا فإن تخاذلنا  عن نصرة دينه فسوف يستبدل بجيل يعرف أنه لا عزة فى غير دين الله

والآن هل لنا أن نسأل أنفسنا سؤالا والإجابة تكون بأمانة شديدة ماذا تفعل إذا انتهكت حرمات الله ؟هل ستكون من المدافعين عنها ويكون غضبك لله  ؟!أم ستقول للبيت رب يحميه