مرحلة الشباب

منذ 2022-02-08

شب عليه الصلاة والسلام على السجايا الحسنة والأخلاق الحميدة والصدق والأمانة في تعامله مع الناس، وعلمت بهذه الخصال..

ولما بلغ عليه الصلاة والسلام خمس عشرة سنة أو أكثر بقليل هاجت حرب الفجار بين قريش ومن ساندها من كنانة وبين قيس عيلان، وسميت بهذا الاسم؛ لاستحلالهم القتال في الشهر الحرام، وروي أن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرجوه معهم ليشهد القتال، فقال: «كنت أنبل على أعمامي»؛ أي: أجمع لهم نبل عدوهم الذي يرميه عليهم.

 

وشب عليه الصلاة والسلام على السجايا الحسنة والأخلاق الحميدة والصدق والأمانة في تعامله مع الناس، وعلمت بهذه الخصال خديجة بنت خويلد، وكانت امرأة تاجرة ترسل الناس في تجارة لها وتجعل لهم نسبة من الربح، فعزمت على أن ترسل محمدًا في تجارتها إلى الشام، فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، فقبل منها هذا العرض، وخرج في تجارة لها ومعه غلامها ميسرة ليساعده ويقوم على خدمته، وانطلق في تجارتها إلى الشام، ويروي ميسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس تحت ظل شجرة قريبًا من دير أحد الرهبان، فلما رآه الراهب نادى ميسرة واستعلم منه عن هذا الجالس تحتها، فأخبره أنه من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.

 

كما حدَّث ميسرة عما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة، فقال: كان إذا اشتد الحر في الهاجرة يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، وقد كانت هذه الرحلة موفقة، عادت بأرباح وافرة على خديجة، وقد وصلت هذه الأخبار عن النبي إلى خديجة من ميسرة، فرغبت فيه زوجًا طيبًا أمينًا مباركًا، قيل: إن خديجة قالت له: يا بن عم، إني قد رغبت فيك؛ لقرابتك وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، قال ابن هشام: كانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبًا وأعظمهن شرفًا وأكثرهن مالًا، كل قومها كان حريصًا على ذلك منها لو قدر عليه، وقد رُوي في قصة زواجه من خديجة غير هذا؛ فعن نفيسة بنت علية قالت: أرسلتني خديجة خفيةً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت له: يا محمد، ما يمنعك من أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاية، ألا تجيب؟ قال: فمَن؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت: عليَّ وأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه عليه الصلاة والسلام: أن ائت ساعة كذا وكذا، فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوَّجوه، وكان الذي تولى زواجه عمُّه أبو طالب ومعه حمزة، وحضر الخِطبة من طرف خديجة ورقة بن نوفل، وكان زواجًا مباركًا، رُزق منه النبي صلى الله عليه وسلم الذرية من بنين وبنات، غير أن البنين ماتوا وهم أطفال قبل البعثة، وعاش بناته الأربع وشهدن الإسلام، وهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن أجمعين، وقد عيَّره كفار قريش بأنه لا ولد ذكر له، وأنه أبتر؛ فنزلت فيهم سورة الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3].

________________________________________________
الكاتب: د. محمد منير الجنباز