اغتنام شهر رمضان... رمضانك الأخير
قد يكون رمضان هذا العام هو آخر رمضان لنا، تخيل معي وأنت تُحمل على الأعناق، كلا بل ارجع إلى الوراء قليلًا عند خروج الروح، وأعمالك تُعرض
لأن الضيف عزيز حقًّا، ولأن الزيارة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام، ولأن ذنوبنا تُثقل كواهلنا، ولأن الجنة أغلى أمانينا، فلتكن عباداتنا في رمضان هذا العام كأنه رمضان الأخير، نتعامل معه على أننا قد نودعه ونرحل عنه.
قد يكون رمضان هذا العام هو آخر رمضان لنا، تخيل معي وأنت تُحمل على الأعناق، كلا بل ارجع إلى الوراء قليلًا عند خروج الروح، وأعمالك تُعرض وكأنها أشواك تُغرز في جسدك، ترى نفسك تبكي من شدة ما فرطتَ، تصارع كي لا تخرج روحُك، فتعود لتُحيي ولو القليل من ساعات وغنائم رمضانك الأخير، تبكي وتتوجع من هول ما ضيَّعت - ويا لها من مصيبة - فتخرج روحُك، وتُغسَّل وتُكفَّن، وتُحمل على الأعناق، يودعك كلٌّ من الأهل والأحباب والأموال، فلا يتبعك غير عملك الذي تركته، فتبكي ويبكي معك عملُك، ولا سبيل للرجوع، فيعاتبك كلٌّ من عملك ونفسك كيف آل بك الحال وضيَّعت ما ضيعت، ويتبرأ منك من أغواك وقال لك: ما لي عليك سلطان، أنت هو الملام، فتتذكر أن رمضانك الأخير كان بينه وبين رحيلك أيام قليلة، بل ساعات ودقائق فارقة، فمع رحيلة رحلتَ أنت أيضًا، ولكنك رحلت وقد ضيعت الكثير.
ولتكن هذه الكلمات عبرة لمن غرَّه طول العمر، لندخل إلى رمضان ونتعبد فيه، وكأنه آخر رمضان لنا، فإذا مر علينا ونحن نتنفس، فلنعبد ربنا ونكتل من حسنات هذا الشهر الكريم، فإذا حان موعد الرحيل رحلنا بلا خوف؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين"؛ (متفق عليه).
فما عذر حال البعض الذي حجزوا لهم مقعدًا من النار؟! ها هي الشياطين مسلسلةٌ من أجلك، وها هي الحسنات والمغفرة تأتيك على طبق مرصع بأفخم الجواهر والدرر.
هل سنترك أنفسنا ترحل بدون غنائم؟! علينا أن نتعامل معه على أنه رمضان الأخير، وأنه ضيف خفيف الظل يأتي سريعًا ويرحل سريعًا، فلا نتركه يرحل إلا وقد اطمأنتْ أنفسنا.
نتوقف عند كل آية، ونجعل لنا ختمات كثيرة من القرآن، ولنختص ختمة لتكون بتدبُّر، لا نضيع الثواني بدون ذكر أو صدقة، أو بر والدين أو صلة رحم، مكالمة هنا ورسالة هناك نُدخل بها السرور على قلوب لا يعلم بحالها غير الله، ولا ننسى أن رمضان إما ان يكون هو ميلادنا وبداية حياتنا أو نهايتها، فإما أن يكون في صالحنا أو ضدنا، وفي كلتا الحالتين لا ننسى أن نأخذ بيد أحدهم عن طريق دعوته إلى مشاركتنا في أداء العبادات والتسابق معه للوصول لأقصى طاقة لنا في عبادة الله، لنتعامل في كل مرة يعود فيها رمضان إلينا على أنه قد يكون رمضاننا الأخير، فنتذكر دائمًا الموت، وأننا راحلون بلا شك؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «(أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادمِ اللَّذَّاتِ)» ؛ (رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان)، فلم يحدِّد لنا وردًا معينًا لتذكُّرِه، أو وقتًا معينًا له، وقال لك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ".
هذا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ» .
فلنبادر بالإسراع إلى الله واغتنام الفرص من رمضان وكل مواسم الطاعة، فلا نعلم متى سنرحل؛ فقد يكون بيننا وبين دخول رمضان دقائق أو ثوان، فأسرِع ولا تكن مُذَبذَب القلب، واجعَل عزيمتك أكبر من نفسك وجاهدها، وخُذ بيدك إلى أعتاب الجنة، لا إلى أعتاب مقعدٍ من النار.
فاطمة الأمير
كاتبة أسعى للتغيير و الإصلاح، وهدفي الدعوة إلى الله، لدي بفضل الله العديد من المقالات وبعض الكتب منها: رمضان بداية حياة، هل يستويان؟!، حتى لا تغتال البراءة.
- التصنيف: