من أقوال السلف في الورع
{يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88_89]
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن الأمور التي ينبغي للمسلم البعد عنها واجتنابها: الأشياء المشتبه, فعن الحسن بن علي بن أبي طالب, رضي الله عنهما, قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [ أخرجه النسائي والترمذي, وقال: حسن صحيح] قال الإمام ابن العطار رحمه الله: معناه: اترك ما شككت في حلّهِ وإباحته إلى ما لا تشُكّ في حله وإباحته, وذلك الورع المطلوب به. وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: فالذي يريب اتركه: سواء كان من العلم, أو القول, أو العمل, أو العلاقات, أو الظن.
والأشياء المشتبه التي هي ليست بواضحة الحلِّ ولا الحُرمة لا يعلمها كثير من الناس, فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الحلال بين, وإن الحرام بين, وبينهما مُشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات, فقد استبرأ لدينه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى يُوشك أن يقع فيه, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلُّه, وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّه, إلا وهي القلب» [أخرجه البخاري ومسلم]
لقد كان الورع شعار المتقين والصالحين, قال بعض الصحابة: كنّا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن تقع في باب من الحرام.
فليجاهد المسلم نفسه في ترك ما اشتبه عليه من أعمال وأقوال وأموال.
للسلف أقوال في التواضع, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بها.
** ورد أن الصديق رضي الله عنه شرب لبناً من كسب عبده, ثم سأل عبده فقال: تكهنت لقوم فأعطوني, فأدخل أصبعه في فيه, وجعل يقيء.
** قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الدين: الورع.
** قال مطرف بن عبدالله بن الشخير رحمه الله: خير دينكم الورع.
** قال ابن مسعود رضي الله عنه: اجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس
** قالت عائشة رضي الله عنها: ما رابك فدعه.
** قال الحسن: ما زالت التقوى بالمتقين, حتى تركوا كثيراً من الحلال, مخافة الحرام
** قال سفيان بن عيينة: لا يُصيبً عبد حقيقة الإيمان حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال, وحتى يدع الإثم, وما تشابه منه.
** قال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع, ما حاك في نفسك تركته.
** قيل لابن سيرين: ما أشدَّ الورع! قال: ما أيسره! إذا شككت في شيء فدعه.
** قال حسان بن أبي سنان: ما شيء أهون عليَّ من الورع إذ رابني شيء تركته.
** قال يوسف بن أسباط: لي أربعون سنة ما حاك في صدري شيء إلا تركته.
** قال يونس بن عبيد: إنك تكاد تعرف ورع الرجل في كلامه إذا تكلم.
** قال يونس بن عبيد: الورع الخروج من كل شبهة, ومحاسبة النفس مع كل طرفة.
** قال إبراهيم بن أدهم: قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع.
** قال الفضيل بن عياض: أشد الورع في اللسان.
** قال الجنيد: الورع في الكلام أشد منه في الاكتساب.
** قال قاسم الجوعي: أصلُ الدينُ الورع.
** قال محمد بن منصور الطوسي رحمه الله: من السعادة: الورع في الدين.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الورع المشروع ترك ما قد يضر في الدار الآخرة.
** قال العلامة ابن القيم: من منازل {إياك نعبدُ وإياك نستعين} منزلة الورع, وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع في كلمة واحدةٍ فقال «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» فهذا يعمُّ الترك لما لا يعني من الكلام والنظر والاستماع...وسائر الحركات الظاهرة والباطنة.
** قال العلامة ابن القيم: العارف يترك كثيراً من المباح إبقاءً على صيانته, ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخاً بين الحلال والحرام, فإن بينهما برزخاً.
** قال العلامة ابن القيم: الورع يطهر دنس القلب ونجاسته, كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته.
ومما يعين المسلم على الورع صلاح قلبه, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (( ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كُلُّه, وإذا فسدت فسد الجسد كُلُّه, إلا وهي القلب.)) فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه, واجتنابه للمحرمات, واتقائه للشبهات, بحسب صلاح حركة قلبه.
فإن كان قلبُهُ سليماً, ليس فيه إلا محبة الله, ومحبة ما يحبُّهُ الله, وخشية الله, وخشية الوقوع فيما يكرهُهُ, صلُحت حركاتُ الجوارح كلها, ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلِّها, وتوقي الشُّبهات, خذراً من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلبُ فاسداً قد استولى عليه اتباع هواه, طلب ما يحبه ولو كرهه الله, فسدت حركات الجوارح كلها, وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب هوى القلب ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88_89] فالقلب السليم: هو السالم من الآفات والمكروهات كلها, وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله, وما يحبه الله, وخشية الله, وخشية ما يباعد منه. فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: