احفظ لسانك
هذه الأحاديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الأدبِ: «مَن كانَ يُؤمَنُ باللهِ واليوم الآخر فَلْيَقُل خَيْرًا أو ليَصْمُت» وقوله: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ»، وقولُهُ أيضًا للذي طلبَ وصيةً: «لَا تَغْضَبْ».
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِ المرسلينَ، وإمامِ المتقينَ، نبيِّنا محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين، وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَن اتَّبَعهُ بإحسانٍ، وسارَ على هُدًى مستقيمٍ إلى يومِ الدين.
وبعدُ: فلقدْ خصَّ اللهُ، الإنسانَ بنعمٍ وآلاءٍ عظيمة، ومِن هذه النِّعمِ نعمةُ اللسانِ، هذه النعمةُ التي مَكَّنَ اللهُ تبارك وتعالى الإنسانِ بها من التعبيرِ عمَّا يجولُ في خاطره، والبيانِ عن مكنوناتِ نفسِهِ، وهي الوسيلةُ لتحقيقِ كثيرٍ من أغراضِهِ، والحصولِ على أكثرِ احتياجاتِهِ على اختلافِهَا، فهيَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ التي ينتفعُ بِهَا الإنسانُ، والتي لَهَا أثَرٌ كبيرٌ على حياتِه.
معنى حفظِ اللسان:
إنَّ اللهَ إذا امتنَّ على عبدٍ بنعمةٍ، فإنَّ واجبَ العبدِ أن يَرعى هذهِ النعمةَ ويحفظَها، كنوعٍ مِن أنواعِ الشكرِ للهِ على هذهِ النعمةِ، وتجدُرُ الإشارةُ هُنا إلى مفهومِ حفظِ اللسانِ ومعناهُ مِنَ الناحيةِ الـشرعيةِ؛ وذلكَ ليتعرفَ الإنسانُ المسلمُ على هذا المعنى المهمِّ الذي جاءتْ الكثيرُ مِن الشواهدِ الشـرعيةِ للتأكيدِ عليه وبيانِ أهميّتِهِ.
فحفْظُ اللسانِ هُوَ أنْ يمتَنِعَ الإنسانُ عنِ النطقِ بغيرِ مَا أذنَ فيِهِ الـشرعُ، مِمَّا لا تدعو الحاجةُ إليهِ للمتكلمِ، فالـشرعُ هو الضابطُ الذي يحفظُ اللسانَ عن اللغوِ.
ولذلكَ يتوجَّبُ على المسلمِ أن يتمعنَ في الكلامِ الذي سينطقُ بهِ ويتدبَّرَهُ ويتفكرَ فيهِ، ويزِنَهُ بميزانِ الـشرعِ وضوابِطِهِ، فإذا كانَ هذا الكلامُ مُوَافِقًا للـشرعِ تكلمَ بهِ، وإذا لمْ يَكُنْ مُوَافِقًا للـشرعِ فإنَّهُ يُحْجِمُ عنِ النطقِ بِهِ ويحفظُ لسانَهُ عنه.
وقدْ قسَّمَ العلماءُ الكلامَ مِنْ حيثُ النفعُ والـضررُ إلى أربعةِ أقسامٍ: قسمٌ هو نفعٌ محضٌ، وقسْمٌ هو ضَرَرٌ محضٌ، وقسْمٌ فيهِ منْفَعةٌ وضَرَرٌ، وقسْمٌ لا ضَرَرَ ولا منفعةَ فيهِ.
فأما القسم الذي هو نفع محض:
فَقَدْ يَكُونُ واجِبًا أو مُسْتَحبًا حَسَبَ المنفعَةِ المتعلقَةِ بِهِ، فلا ينبغي تركُه.
وأمَّا القسمُ الذي هوَ ضررٌ محضٌ:
فإنَّ الواجبَ السكوتُ عنهُ والامتناعُ عنِ التكلمِ بهِ.
وأما القسم الذي فيهِ منفعةٌ وضررٌ:
فإنَّ السكوتَ عنه هو الأَوْلَى، وخاصةً إذا كَانَ الضـررُ فيهِ أعظمَ منَ المنفعةِ المرجوةِ منهُ.
وأمَّا القسمُ الذي لا منفعةَ منهُ ولا ضررَ:
فإنَّهُ مِن فضولِ الكلامِ، والانشغالُ بهِ لا فائدةَ من ورائِهِ، ففيهِ تضييعٌ للوقتِ فيمَا لا ينفعُ.
وبهذَا يظهرُ أنَّ ثلاثةَ أرباعِ الكلامِ لا فائدةَ تُرجَى منْهَا علاوةً على ما قدْ يترتبُ عليها من الضررِ، وأن المباحَ من الكلامِ قد لا يخلو مِن بعضِ أشكالِ الإِثمِ كالرياءِ والغيبةِ والتصنعِ وتزكيةِ النفسِ، وهي من المخاطرِ التي قد يحمِلُها الكلامُ والتي تـضرُّ بالإنسانِ أكثرَ مما تنفعُهُ، وفي هذا قالَ اللهُ تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]
فقدْ نفى اللهُ، بهذه الآيةِ الخيرَ عنِ الكثيرِ منِ كلامِ الناس.
ولا يعني حفْظُ اللسانِ أن على الإنسانِ أن يَصمُتَ بالُمطلقِ، فكما أنَّ الكلامَ ليسَ مأمورًا بهِ مطلقًا فكذلك لم يتعَبَّدْنا اللهُ بلُزُومِ الصمتِ مطْلَقًا، فعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: حفظت من رسولِ الله(ﷺ): «.. وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ» (رواه أبو داود وحسنه النووي).
فالكلامُ في أمورِ الخيرِ والمعروفِ وما يجلبُ المصلحةَ مـشروعٌ، والسكوتُ عنِ الـشرِّ وما لا يعودُ بالنفعِ على المسلمِ أو مَن يحيطُ به من أهلهِ وأصدقائهِ مذمومٌ شرعًا، وإذَا كان الصمتُ أقربَ إلى السلامةِ منَ الكلامِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): «مَنْ صَمَتَ نَجَا» رواه أحمدُ والترمذيُّ وقال الحافظُ ابن حجر: رواته ثقات.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ﷺ): «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» (رواه البخاري ومسلم).
ومِمَّا جاءَ في حدودِ حفظِ اللسانِ وإباحةِ الكلامِ قولُ سفيانَ الثوري: (ليسَ الورعُ في السكوتِ، ولكنْ أنْ تَتَكَلَّمَ فتُعْطِيَ لِكُلِّ ذِي حقٍ حقَّهُ).
فوائد حفظ اللسان في الدنيا والآخرة
أولا: أنَّ الكلامَ بغيرِ ما ظهرتْ فيه المصلحةُ قد تَتَرتَّبُ عليه مفاسد:
يقولُ النوويُّ ¬: (اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَن جَمِيعِ الكَلَامِ؛ إِلَّا كَلَامًا ظَهَرَت فِيهِ المَصْلَحَةُ، وَمَتَى اسْتَوَى الكَلَامُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ؛ فَالسُّنَّةُ الإِمْسَاكُ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ قَد يَنْجَرُّ الكَلَامُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَو مَكْرُوهٍ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي العَادَةِ وَالسَّلَامَةُ لَا يَعْدِلُهَا شَيْء).
فإنَّ الإنسانَ قد يقولُ كلمةً واحدةً يمكنُ أنْ يدخلَ بها الإسلامَ، وقد يقولُ كلمةً واحدةً يمكنُ أنْ يخرجُ بها منْهُ، والعياذُ باللهِ!
وعن بلالِ بنِ الحارثِ المزني رضي الله عنه أن رسول الله قال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ» (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ورُبَّ حُروبٍ نَشَبَتْ بين الأقاربِ وغيرِهم أشعلتْهَا قبيحُ الكلمات، ورُبَّ كلمةٍ لو مُزجَتْ بِمَاءِ البحرِ لمزجَتْهُ.
ثانيًا: أن عدم حفظ اللسان من أكثر أسباب دخول في النار:
بحفظِ اللسانِ تعلو مكانةُ العبدِ عندَ اللهِ تبارك وتعالى، فيكونُ مِنْ أهلِ الجنةِ، وبإهدارِهِ يهونُ قدرُه فيستحقُ العذابَ، فعن معاذِ بن جبلٍ رضي الله عنه أن النبيَّ قال له: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»» : (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
ثالثًا: أثر حفظ اللسان في كمال الإيمان:
حفظُ اللسانِ خصلةٌ من خصالِ الإيمان، التي تدلُّ على كمالِه، كما أن إطلاقَ العِنانِ للسان بدونِ لجامٍ من الدينِ أو العقلِ دليلٌ على ضعفِ الإيمانِ، كما يدلُّ عليه حديثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ» (رواه أحمد).
رابعًا: أن كل ما يقوله الإنسان يكتب عليه:
تتجلى فوائدُ حفظِ اللسانِ في الدنيا والآخرةِ في التكلفةِ العظيمةِ التي يتكلَّفُها الإنسانُ إذا لم يحفظْ لسانَهُ عن الوقوعِ في الخطأِ وفيما حرمَ اللهُ منَ القولِ، وكيفَ لا يحفظُ الإنسانُ لسانَهُ والملائكةُ يكتبونَ كُلَّ مَا ينطقُ بِه، حيثُ قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌﱢ} [ق:18] .
فبحفظِ الإنسانِ لسانَهُ يحمي نفسَهُ مِن كثيرٍ مما قدْ يمنعُهُ من دخولِ الجنةِ ويهوي به في النار.
وفي حفْظِ اللسانِ فوائدٌ لا يمكنُ حصـرُها.
وقد تنبَّهَ السلفُ الصالحُ إلى ما في حفْظِ اللسانِ مِن فوائدَ ومَا في إطلاقِ العنانِ له من مخاطرِ الوقوعِ في المهالِكِ، فقال الإمام الشافعي :
احْفَظْ لِسانَكَ أَيُّها الإِنســـــــانُ *** لا يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعبـــــــانُ
كَم في المَقابِرِ مِن قَتيلِ لِسانِهِ *** كانَتْ تَهابُ لِقاءَهُ الأَقرانُ
خامسًا: أثر حفظ اللسان على اتزان الإنسان في شخصه وفي علاقاته:
حفظُ اللسانِ سببٌ للحصولِ على مرضاةِ اللهِ، ودخولِ الجنَّةِ كما سبق، ولا تنحصرُ فوائدُ حفظِ اللسانِ عند هذا الحدِّ، فله فوائدُ أخرى منها:
- أنه يزيدُ مِن الحكمةِ لدى المسلمِ؛ لما في تركِ الكلامِ من أثرٍ في التفكرِّ في الكلامِ قبلَ النطقِ به.
- حفظُ اللسانِ يُشيعُ المودةَ والمحبةَ بين أفرادِ المجتمعِ المسلمِ.
- استقامةُ اللسانِ سببٌ في استقامةِ الجوارحِ الأُخرى وحفظُهَا منَ الوقوعِ في المحرماتِ،
- أنه من أسبابِ حمايةِ الإنسانِ من الوقوعِ في المشاكلِ والمتاعبِ في علاقاتِه الخاصةِ والعامة.
- ما فيه منَ التدريبِ على ضبطِ النفسِ وعدمِ الـتسرعِ في إصدارِ الأحكامِ على الآخرين.
- أنه بحفظِ الإنسانِ لسانَهُ يكسبُ محبةَ الناس، وتقديرَهم.
وسائل تعين الإنسان على حفظ اللسان:
ينبغي على الإنسانِ المسلمِ أنْ يَتحرَّى سبلَ السلامةِ في الدنيا والآخرةِ ويسلُكَها، ولما كانَ اللسانُ من أعظمِ السبلِ التي قد ينجو بها الإنسانُ أو يهوي بسببِها في المهالِكِ، كان تحرِّيه للوسائلِ التي تعينُه على حفْظِ لسانِهِ من دلائلِ رجاحةِ عقلِهِ وسلامةِ فكرِهِ، ومن أهمِّ ما يستعينُ بهِ المسلمُ على حفْظِ لسانِهِ عدةُ وسائل من أهمِّها.
أولا: أنْ يـقتصرَ من الكلامِ على ما يعنيه:
على المسلمِ أن يتجنبَ الكلامَ فيما لا يعنيهِ، فمِن سوءِ استعمالِ المرءِ للسانِهِ أنْ يخوضَ في أحاديثَ لا تعنيه، فكلما أكثرَ الإنسانُ من الكلامِ فيما لا يعنيهِ زادَتْ فُرَصُ وقوعِهِ في الخطأِ ومشاركتِهِ في إشعالِ الفتَنِ بينَ الناسِ.
فعن حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ﷺ): «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» (رواه أحمد).
وفي رواية: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ، قِلَّةَ الْكَلامِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ».
وهذا أصلٌ عظيمٌ من أصولِ تربيةِ النفسِ وتأديبِها وتهذيبِها، فهذا الحديثُ يحثُّ الإنسانَ المسلمَ على أن يتركَ ما لا يعنيه وأن يشتغلَ في ما يخصهُ مِن أمور.
وقد قَالَ ابنُ رجب: هذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الأدبِ، وقد حَكَى الإمامُ أبو عمرِو بنُ الصلاحِ عنْ أبي مُحمدٍ بنِ أبي زيدٍ -إمامِ المالكية في زَمَانِهِ- أنه قال: جِماعُ آدابِ الخيرِ وأزِمَّتُه تَتَفَرَّعُ مِن أربعةِ أحاديث وهي: قولُ النبي: «مَن كانَ يُؤمَنُ باللهِ واليوم الآخر فَلْيَقُل خَيْرًا أو ليَصْمُت» وقولُهُ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ» وقولُهُ أيضًا للذي طلبَ وصيةً: «لَا تَغْضَبْ» وقوله: «المُؤمِنُ يُحِبُّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
ثانيًا: اجتناب الأذى اللفظي:
وذلك بأن يتحاشى من الكلامِ ما فيه أذىً للناس، فلا يكونُ لسانُ المسلمِ سليطًا على إخوانِه المسلمين؛ لأن كفَّ اللسانِ عن أذيةِ المسلمين شرطٌ لكمالِ الإسلامِ والإيمانِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ƒ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» » (رواه البخاري ومسلم).
ثالثًا: أن يتوخى أطيبَ الكلامِ وينتقيَ أحسنَه:
وذلك بألَّا يتكلمَ المسلمُ إلا كلامًا طبيًا نافعًا، فالكلامُ من الخطورةِ بمكانِ تصل إلى أنَّ الكلمةَ قد يدخلُ بها الإنسانُ إلى الإسلامِ أو يخرجُ منه، وقد أمرنا الله تعالى بقول أحسن الكلام ، فقالَ تبارك وتعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53].
رابعًا: تهذيب اللسان بذكر الله تعالى:
وذلك بأن ينشغلَ المسلمُ بذكرِ اللهِ،، فبالإكثارِ منَ الذكرِ يحصلُ المسلمُ على خيري الدنيا والآخرة، ويتعودُ لسانُهُ على الخير، وبذلكَ يَكونُ قاموسُ كلماتِهِ مهذَّبًا طيِّبًا، وذلكَ مِنَ الآثارِ الطيبةِ لكثرةِ ذكرِ الله تعالى.
خامسًا: استحضار الأحكام والقيم الشرعية المتعلقة بحفظ اللسان:
وذلك بأن يتذكرَ المسلمُ أنَّ حفظَ اللسانِ والالتزامَ بآداب الكلامِ من أوامرِ الـشريعةِ الإسلاميةِ الحنيفةِ، سواءً كان ذلكَ الكلامُ في العباداتِ أو في الحديثِ مع الناس.
سادسًا: أن يعرف نقاط ضعفه ويتعاهد لسانه عندها:
وذلك بأن يتعاهدَ الإنسانُ نفسَهُ ويعرفَ مداخلَ الشيطانِ عليه التي يتسلَّطُ عليهِ فيها، فلا يَملكُ لسانَهُ، فمِنَ الناسِ مَن لا يملكُ لسانَهُ وقتَ الغضبِ، ومنهم مَن لا يملكُ لسانَهُ عندَ الطمعِ، ومنهم من لا يملكُهُ عندَ الخوفِ، ومنهم مَن لا يملكُهُ عندَ الفخرِ والحديثِ عن نفسِهِ وذويهِ، ومنهم من لا يملكُهُ في الحديثِ عن خصومِهِ ومنافسيهِ، فإذا تعاهدَ الإنسانُ لسانَهُ وحَفِظَهُ في هذه المواطنِ فإنَّهُ يسلمُ من كثيرٍ من غوائلِ اللسانِ.
هدي النبي (ﷺ) في حفظ اللسان:
لقد دلت الأحاديثُ الصحيحةُ على أهميةِ حفظِ اللسانِ، والامتناعِ عن الكلامِ إلا إنْ كانَ الكلامُ خيرًا للمتحدثِ بهِ وسامعِهِ، ويعدُّ الكلامُ خيرًا إذا ظهرَتْ المنفعةُ منه، أما ما كانَ في منفعتِهِ شكٌّ فلا يتكلمُ به، وقد جمعَ رسول الله بينَ حفظِ اللسانِ وحفظِ الفرجِ وجعلَ مَن حِفْظِهِما جوازًا لدخولِ الجنةِ والنجاةِ مِنَ النارِ فقد قال(ﷺ): «مَنْ يَضْمِن لِي مَا بَيْنَ لِحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الجَنَّةَ». (رواه البخاري).
وقدْ كانَ حفْظُ اللسانِ من أوائلِ ما ذكره النبي من وسائلِ النجاةِ لعقبةَ بنِ عامر الثقفيِّ رضي الله عنه، حيثُ سألَ عُقبةُ النبيَّ فقال: يا رسولَ اللهِ ما النجاةُ؟، فقال: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ». (رواه الترمذي وحسنه).
وفي حديثِ معاذٍ رضي الله عنه أكدَّ النبيُّ أنَّ حفظَ اللسانِ عما يُغضبُ اللهَ، وعنِ السوءِ منِ القولِ من الأمورِ العظيمةِ، فقد قال لمعاذ آمرًا إياه بحفظِ لسانِهِ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» قال معاذ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: " «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ؟» (رواه أحمد).
وقد وردَ في صحيحِ البخاري من رؤيا النبي في الذين يعذبون في قبورهم «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» فقال الملكان للنبي «وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَـرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ».
وفي هذا الحديثِ خطورةُ عاقبةِ ما يفعلُه بعضُ الناسِ من نـشرِ الشائعاتِ والأخبارِ الملفَّقةِ للكيدِ والإضرارِ، ثم يطَّلِعُ عليها آلافُ وملايينُ الناسِ، وتنتـشرُ في أرجاءِ المعمورةِ.
وكذلك نقلُ الشائعاتِ ونشـرُها دون التأكدِ منها من أعظمِ الآثامِ، فعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» (رواه مسلم).
آفات اللسان:
إنَّ اللسانَ بمثابةِ القائدِ لأعضاءِ الجسدِ الأُخرى، وبصلاحِهِ واستقامتِهِ تصلحُ وتستقيمُ باقي الأعضاء، وإذا اعوجَّ اعوجَّتْ، وقدْ أخبرَ النبي فيما يرويهِ عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللهَ فِينَا؛ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا».. (رواه أحمد والترمذي).
قال السندي: قوله(ﷺ): «إذا أصبح ابن آدم فإن أعضاءه تكفر للسان»: من التكفير، بمعنى الخضوعِ، وأصلُ التكفيرِ هو أن ينحنيَ الإنسانُ ويطأطئَ رأسَه قريبًا من الركوعِ، كما يفعلُ من يريدُ تعظيمَ أحدٍ.
ولخطورةِ آفاتِ اللسانِ على الإنسانِ، كانَ أشدَّ ما يخافُهُ نبينا على أصحابِهِ ألسنَتُهُم، فهذا سفيانُ بن عبد الله الثقفي يسألُ النبي عن أمرٍ يعتصمُ به، ثم يسأله عن أخوف ما يخاف عليه فذكر له اللسان فقد أخرج أحمد والترمذي عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ(ﷺ): «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا». قال الترمذي: حسن صحيح.
وللسانِ آفاتٌ كثيرةٌ ومتنوعة، وتكْمنُ خطورةُ هذهِ الآفاتِ في أنَّ لها حلاوةً في القلوبِ، وأنَّ لها بواعثَ في النفسِ البـشرية، ولا يمكنُ النجاةُ من أخطارِ هذهِ الآفاتِ إلا بالصمتِ وحفظِ اللسانِ، فالصمتُ يجمعُ الهمةَ ويفرغُ الصبرَ.
وقدْ دلت الكثيرُ منَ الأحاديثِ التي أوردْناهَا فيما سبقَ على أهميةِ الحرصِ على تجنب الوقوعِ في آفاتِ اللسانِ وحفظِهِ منها.
وقدْ كانَ حفظُ اللسانِ من آفاتِهِ منهجٌ عاشَ عليه الصحابةُ الكرامُ والسلفُ الصالحُ، وفي ذلكَ يقولُ الحسينُ بنُ مخلَّدٍ: (مَا تَكَلَّمْتُ مُنْذُ خَمْسِينَ سَنَةٍ بِكَلِمَةٍ أُرِيدُ أَنْ أَعْتَذِرَ عَنْهَا). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (أَنْصِفْ أُذُنَيْكَ مِنْ فِيكَ، فَإِنَّمَا جُعِلَت لَكَ أُذُنَانِ وَفَمٌ وَاحِدٌ؛ لِتَسْمَعَ أَكْثَرَ مِمَّا تَتَكَلَّمُ بِهِ)، وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على خطورةِ آفاتِ اللسانِ وضرورةِ حرصِ الإنسانِ المسلمِ على عدمِ الوقوعِ فيها وحفظِ لسانِهِ منها.
وقد كثُرَتْ آفاتُ اللسانِ وتعددتْ، ومِن أخطرِها:
أولا: الشركِ بالله والقول على الله بغير عليم:
قال ابن رجب: (مَعْصِيَةُ النُّطْقِ يَدْخُلُ فِيهَا الـشِّرْكُ وَهُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللهِ،، وَيَدْخُلُ فِيهَا القَوْلُ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ قَرِينُ الشِّرْكِ).
ولا تزالُ آفاتُ اللسانِ تهوي في درَكاتِ الباطلِ حتى تصلَ بالإنسانِ إلى القولِ على الله بغير علمٍ وبما لم ينزلْ اللهُ به سلطانا، وقد توعدَ اللهُ تعالى من يقولُ عليهِ ما لم يقلْهُ، وفي ذلكَ قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ 44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ 46 فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44-47]
فإذا كان هذا الوعيدُ الشديدُ في حقِّ النبي ـ حاشا مقامَه العظيمَ ـ فكيفَ بغيرِه!
كما حرَّم اللهُ، تحريمًا صريحًا أن يُتقولَ عليه بغيرِ علمٍ فقال في مُحْكَمِ تنزيلِه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]
كما أخبر (ﷺ) أن من يتقولُ عليهِ بغيرِ علمٍ ومن يحرمُ ما أحلَّ اللهُ ويُحلُّ ما حرمه لا يُفلحُ في الدنيا ولا في الآخرةِ، وتوعده بالعذابِ الأليمِ فقال عز وجل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل:116]
ثانيًا: الكذب في الحديث وفي الوعودِ:
فالكذبُ من الكبائرِ التي نهانا الإسلامُ عنها، والكذبُ يَهدي إلى الفجورِ، والفجورُ يهدي إلى النار، ولا يُطبع المؤمنُ على الكذب، بل هو من علاماتِ النفاقِ، وأشدُّ ما يكون الكذبُ على الناسِ في الأمور التي تترتَّبُ عليها حقوقٌ ماليةٌ ونحوُها، فما أشنعَ وأبشعَ أن يقتطعَ الإنسانُ مالَ مسلمٍ بكذبٍ وخديعةٍ، ومن ذلك شهادةُ الزورِ، فهي من الكبائرِ السبعِ الموبقاتِ.
كما أن الكذبَ مِنَ الأسبابِ التي تسقطُ بها عدالةُ الرجالِ، وتُنـزَعُ بها الثقةُ من كلامهم إذا ما عُرفُوا بالكذبِ، وعلينا أنْ نتمعنَ نظرةَ المجتمعِ إلى الكاذبِ لنتبينَ ضرورةَ حفظِ اللسانِ عنِ الكذبِ، وعندها سيحفظُ الإنسانُ لسانَهُ عن الكذبِ.
ثالثًا: الغيبة والنميمة:
أمرَ الإسلامُ باجتنابِ الغيبةِ والنميمةِ، والغيبةُ هي ذكرُ المرءِ بما يكرَهُ سواءً في خُلُقِهِ أو دِينِهِ أو شَخْصِهِ أو مالِهِ أو وَلَدِهِ وغيرِهَا، سواءً بالكلامِ أو الكتابةِ أو الإشارةِ أو الرمزِ أو اللمزِ.
وأما النميمةُ فهي الكلامُ عنِ الإنسانِ بغرضِ الإفسادِ بينَ الناسِ.
ومَن أرادَ حفْظَ لسانِهِ والسلامةَ في دينِهِ ودنياهُ فعليهِ تجنُّبُ مجالِسِ الغيبةِ والنميمةِ، وعدمِ الخوضِ في الأحاديثِ التي تتضمنُ الغيبةَ والنميمةَ.
ولا نتشارِ الغيبةِ وتساهلِ كثيرٍ من الناسٍ فيها نعود إليها ونقول: من آفاتِ اللسانِ الخطيرةِ الغيبةُ، وهي مِن حقوقِ العبادِ التي لا يكونُ التوبةُ منها إلا إذا حلَّلنا من اغتبناه، فمَن وقعَ في الغيبةِ تورَّطَ وأيَّ ورطة؛ لأنَّهُ حتى ولو تابَ إلى اللهِ وكفَّ عنِ الغيبةِ وعَزَمَ على عَدَمِ العودةِ إليها ونَدِمَ على ما فَعَلَ، فإنَّ توبَتَهُ مرهُونةٌ بعَفْوِ من اغتابه عنه؛ وذلكَ لأنَّ التوبةَ مِن حقوقِ العبادِ لا تصلحُ إلا بإعادةِ الحقوقِ إلى أصحابِها، فكيفَ إذا لم يصفحْ صاحبُ الحق؟
والغيبةُ مِن سَفَهِ العقلِ وفسادِ الفكْرِ وخلَلِ النفسِ، فالإنسانُ يَغتابُ من يُبغضُهُ ويَكرهُهُ، فهل مِن المعقولِ أنْ يُهديَ الإنسانُ من حسناتِهِ إلى مَن يُبغضُهُ ويَكرهُهُ ويجعلَ رقبتَهُ في يده وهو لَهُ عدوٌّ كارهٌ، وقد قَالَ الحَسَنُ: (لَو كُنْتُ مُغْتَابًا أَحَدًا؛ لَاغْتَبْتُ أَبَوَيَّ، هُمَا أَوْلَى بِحَسَنَاتِي).
رابعاً: الحلف بغير الله تعالى:
مما ينبغي التنبيهُ عليه أنه لا ينبغي للإنسانِ أن يكثرَ من الحلفِ بجميعِ أنواعِهِ، وأن لا يحلفَ إلا في أمرٍ مهمٍّ يؤكدُه لمن يُصدِّقُه أو على حقٍّ له يُثبتُه بحلِفِه ويمينِه ، وإلى هذا يرشد حديثُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ(ﷺ) قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» (رواه البخاري ومسلم).
وينبغي للمسلم أن يتجنبَ الحلفِ بالأمانةِ، أو بالطلاقِ، ويجتنبَ اليمينَ الغمُوسَ، أو اليمينَ الكاذب.
خامسًا: السبّ والشتم:
نهى الـشرعُ الحكيمُ عن سبِّ المسلمِ أو التَّنابزِ بالألقابِ، وقد وردَ ذلكَ في الحديثِ الذي رواه عبد الله بن مسعود عن النبي قوله: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (رواه البخاري ومسلم).
خاتمة
مِنَ الواجبِ على الإنسانِ المسلمِ أنْ يتقيَ اللهَ، في لسانِهِ ويستعينَ على حفظِهِ بما أمرنَا بِهِ اللهُ، في كتابِهِ الكريم، وما أرشَدَنَا إليه رسولُنَا صلى الله عليه وسلم في أحاديثِهِ الـشريفة، ومَا نَوَّهَ إليه السلفُ الصالحُ مِنْ ضرورةِ حفظِ اللسانِ وصونِهِ عما يُورثُ الإنسانَ المهالكَ في دنياهُ وآخرتِهِ.
فينبغي على كلِّ مسلمٍ مكلَّفٍ أن يحفظَ لسانَهُ عن الكلامِ بشكلٍ عامٍ، وعن الكلامِ الحرامِ على وجهِ الخصوصِ، إلا ما كانَ فيه مصلحةٌ وخير؛ وعلينا أن نتنبهَ إلى أنَّ الإكثارَ من الكلامِ في الحلالِ قد تجرُّ إلى الحرامِ أو المكروهِ، وعليه فإنَّ حكمَ حفظِ الِّلسان الوجوبُ، فما من شيءٍ إلَّا ويُحـصى على الإنسانِ ويُحاسب عليه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
_________________________________________________________
الكاتب: د.عبدالله بن معيوف الجعيد
- التصنيف:
- المصدر: