شروط تحقيق النصر
نرى المسلمين اليوم يخوضون المعارك ضد أعدائهم في أكثر البلاد ولا ينتصرون فما هو سبب ذلك؟ هل يتخلف وعد الله بالنسبة للمؤمنين؟
إن القارئ لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده يرى المراحل التالية:
1- مرحلة التوحيد: بقي الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر عامًا في مكة المكرمة، وهو يدعو قومه إلى توحيد الله في العبادة والدعاء والحكم ومحاربة الشرك، حتى ثبتت هذه العقيدة في نفوس أصحابه وأصبحوا شجعانًا لا يخافون إلا الله.
فيجب على الدعاة أن يبدؤوا بالتوحيد، ويُحذروا من الشرك ليكونوا برسول الله صلى الله عليه وسلم من المقتدين.
2- مرحلة الأُخُوة: لقد هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم مِن مكة إلى المدينة ليكوَّن المجتمع المسلم القائم على التحابب، فأول ما بدأ به هو بناء مسجد يجتمع فيه المسلمون لعبادة ربهم، ويُتاح لهم الاجتماع كل يوم خصك مرات، ليُنظموا حياتهم، وقد بادر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المؤاخاة بين الأنصار سكان المدينة، وبين المهاجرين من مكة الذين تركوا أموالهم، فعرض الأنصار أموالهم للمهاجرين وقدَّموا لهم كل ما يحتاجون إليه.
ولقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم سكان المدينة، وهم من الأوس والخزرج بينهم عداوة قديمة، فأصلح بينهم، وأزال الله الحقد والعداوة من صدورهم، وجعلهم إخوة متحابين في الإيمان والتوحيد. وكما جاء في الحديث: المسلم أخو المسلم.. إلخ.
3- الاستعداد: لقد أمر القرآن الكريم بالاستعداد للأعداء فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].
وفسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ألَّا إن القوة الرمي»؛ (رواه مسلم).
والرمي وتعليمه واجب على كل المسلمين حسب استطاعتهم، فالمدفع والدبابة والطائرة وغيرها من الأسلحة تحتاج إلى تعلم الرمي عند استعمالها، وليت طلاب المدارس تعلموا الرماية، وأجرَوا المباريات والمسابقات ليتأهلوا للدفاع عن دينهم ومقدساتهم؛ ولكن الأولاد يضيعون أوقاتهم في لعب الكرة، وإجراء المباريات، فيكشفون الأفخاذ التي أمرنا الإسلام بسترها ويضيعون الصلوات التي أمرنا الله بالمحافظة عليها.
4- وعندما نعود إلى عقيدة التوحيد، ونكون إخوانًا متحابين، ونستعد للاعداء بالسلاح سيتحقق -إن شاء الله- النصر للمسلمين كما تحقق النصر للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده.. قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
5- ليس هذا معناه أن هذه المراحل منفصلة، بمعنى أن مرحلة الأخُوة لا تكون مع مرحلة التّوحيد، فهذه المراحل يمكن أن تتداخل.
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} :
هذه الآية الكريمة تُبين أن الله تعهد للمؤمنين بالنصر على أعدائهم، وهو وعد لا يُخلَف، فقد نصر الله رسوله في غزوة بدر، والأحزاب وغيرهما من الغزوات، ونصر أصحاب رسول الله بعده على أعدائهم، وانتشر الإسلام وفُتحت البلاد، وانتصر المسلمون، رغم الأحداث والمصائب، وكانت العاقبة للمؤمنين الله مِن صدقوا الله في إيمانهم وتوحيدهم وعبادتهم ودعائهم لربهم في وقت الشدة والرخاء وهذا القرآن يحكي حال المؤمنين في غزوة بدر، وهم قليلون في العَدد والعُدة، فيدعون ربهم: {إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
فاستجاب الله دعاءهم، وأمدّهم بالملائكة يقاتلون معهم فيضربون أعناق الكفار، ويضربون أطرافهم، وذلك حين قال: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
وتم النصر للمؤمنين الموحدين، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]..
وكان مِن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة بدر: «اللَّهُمَّ آتني ما وعدتني به، اللَّهُمَّ إن تَهلِك هذه العِصابة من أهل الإسلام لا تُعبدُ في الأرض»؛ (رواه مسلم).
ونرى المسلمين اليوم يخوضون المعارك ضد أعدائهم في أكثر البلاد ولا ينتصرون فما هو سبب ذلك؟ هل يتخلف وعد الله بالنسبة للمؤمنين؟ لا أبدًا لا يتخلف ولكن أين المؤمنين حتى يأتيهم النصر المذكور في الآية؟ نسأل المجاهدين:
1- هل استعدوا بالإيمان والتوحيد اللَّذيْن بدأ بهما الرسول دعوته في مكة قبل القتال؟
2- هل أخذوا بالسبب الذي أمرهم به ربهم بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} ؟ [الأنفال: 60].
وقد فسرها الرسول صلى الله عليه وسلم بالرمي.
3- هل دعَوا ربهم وأفردوه بالدعاء عند القتال؟ أم أشركوا معه غيره فراحوا يسألون النصر من غيره ممّن يعتقدون فيهم الولاية، وهم عبيد لله لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا؟ ولماذا لا يقتدون بالرسول في دعائه لربه وحده؟ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ؟ ﴾ [الزمر: 46].
4- وأيضًا هل هُم مجتمعون ومتحابون فيما بينهم شعارهم قول ربهم: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
5- وأخيرًا. لما ترك المسلمون عقيدتهم وأوامر دينهم التي تأمر بالتقدم العلّمي والحضاري تخلفوا عن سائر الأمم وحين يعودون لدينهم يعود لهم تقدمهم وعزتهم.
إذا حققتم الإيمان المطلوب، فسيأتيكم النصر الموعود: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47].
محمد جميل زينو
عالم كبير..مدرس في مكة المكرمة.
- التصنيف: