من أقوال السلف في التعامل مع الناس-1

منذ 2022-06-25

& الواجب على العاقل ترك الطمع إلى الناس كافة؛ إذ الطمع فيما لا يشك في وجوده فقر حاضر، فكيف بما أنت شاك في وجوده أو عدمه؟

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فطوبى لمن وفقه الله عز وجل فجمع بين الإيمان والعمل الصالح, فسوف يرى أثر ذلك محبة له في قلوب الناس, قال العلامة السعدي رحمه الله: من نعمه على عباده الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح, أن يجعل لهم وداً, أي: محبة و وداداً في قلوب أوليائه, وأهل السماء والأرض.

وفي هذا بشارة عظيمة للمؤمن, قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: محبة قلوب الناس علامة محبة الله.

ولن ينال الإنسان محبة الناس إلا إذا أحسن التعامل معهم, ورفق بهم وعفا عنهم, قال العلامة السعدي رحمه الله: من عفا, عفا الله عنه, ومن صفح, صفح الله عنه, ومن عامل الله فيما يحب وعامل عباده بما يحبون ونفعهم, نال محبة الله, ومحبة عباده, واستوثق له أمره.

للسلف أقوال في التعامل مع الناس يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, الله أسأل أن ينفع بها الجميع.

  • حمل أمور الناس على الظاهر:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني:

& أمور الناس محمولة على الظاهر, فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله, ما لم يظهر منه خلاف ذلك.

& فيه إجراء الأحكام على الظاهر, و وكول السرائر إلى الله تعالى.

ـــــــــــــ

  • عدم سؤال الناس ما في أيديهم:

** قال الحسن: لا تزال كريماً على الناس, أو لا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم, فإذا فعلت ذلك, استخفوا بك, وكرهوا حديثك, وأبغضوك.

** قال بشر بن الحارث الحافي: عزّ المؤمن استغناؤه عن الناس.

** قال الإمام ابن حبان:

& الواجب على العاقل ترك الطمع إلى الناس كافة؛ إذ الطمع فيما لا يشك في وجوده فقر حاضر، فكيف بما أنت شاك في وجوده أو عدمه؟

ومَنْ أحبَّ أن يكون حرًّا فلا يهوى ما ليس له؛ لأن الطمع فقرٌ كما أن اليأس غنى، ومن طمع ذل وخضع، كما أن من قنع عفَّ واستغنى.

& العاقل لا يسأل الناس شيئًا فيردوه، ولا يلحف في المسألة فيحرموه، ويلزم التعفُّف والتكرُّم، ولا يطلب الأمر مدبرًا، ولا يتركه مقبلًا؛ لأن فوت الحاجة خيرٌ من طلبها إلى غير أهلها، وإن من سأل غير المستحق حاجة حطَّ لنفسه مرتبتين، ورفع المسؤول فوق قدره.

& لا يجل للعاقل أن يبذل وجهه لمن يكرم عليه قدره، ويعظم عنده خطره، فكيف بمن يهون عليه رده، ولا يكرم عليه قدره، وأبغض اللقاء الموت، وأشد منه الحاجة إلى الناس دون السؤال، وأشدُّ منه التكلُّف بالسؤال.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أعظم ما يكون العبد قدراً وحرمة عند الخلق: إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه فإن أحسنت إليهم مع الاستغناء عنهم كنت أعظم ما يكون عندهم ومتى احتجت إليهم – ولو بشربة ماء – نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم.

ــــــــــــــــ

** قال الحافظ ابن رجب : من سأل الناس ما بأيديهم, كرهوه وأبغضوه, لأن المال محبوب لنفوس بني آدم, فمن طلب منهم ما يحبونه, كرهوه لذلك, وأما من زهد فيما أيدي الناس, وعف عنهم, فإنهم يحبونه, ويكرمونه لذلك, ويسود به عليهم, كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية.؟  قالوا: الحسن,  قال: بما سادهم.؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه, واستغنى هو عن دنياهم.

  • عدم تعليق الأمل والرجاء بالناس:

قال العلامة ابن القيم:

& لا أحد من المخلوقين...يقصد منفعتك...بل إنما يقصد منفعته بك, وقد يكون عليك في ذلك ضرر...فتدبر هذا حق التدبر وراعه حق المراعاة, فملاحظته تمنعك أن ترجو المخلوق أو تطلب منه منفعته لك فإنه لا يريد ذلك البتة بل إنما يريد انتفاعه بك عاجلاً أو آجلاً, فهو يريد نفسه لا يريدك ويريد نفع نفسه بك لا نفعك بنفسه, فتأمل ذلك, فإن فيه منفعة عظيمةً, وراحةً ويأساً من المخلوقين, وسداً لباب عبوديتهم, وفتحاً لباب عبودية الله وحده, فما أعظم حظَّ من عرفَ هذه المسألة ورعاها حقَّ رعايتها. 

& متى شهد العبدُ أن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يُصرفهم كيف يشاءُ, لم يخفهم بعد ذلك, ولم يرجهم, ولم يُنزلهم منزلة المالكين, بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين, المتصرفُ فيهم سواهم, والمدبرُ لهم غيرُهم.

فمن شهد نفسه بهذا المشهد, صار فقره وضرورته إلى ربه وصفاً لازماً له, ومتى شهد الناس كذلك لم يفتقر إليهم, ولم يُعلق أمله ورجاءه بهم.

 

ـــــــــــــــــ

& صاحب الحاجة أعمى لا يريد إلا قضاءها, فهم لا يبالون بمضرتك إذا أدركوا منك حاجاتهم, بل لو كان فيها هلاك دنياك وآخرتك لم يبالوا بذلك

وهذا إذا تدبره العاقل علم أنه عداوة في صورة صداقة, وأنه لا أعدى للعاقل اللبيب من هذه العداوة, فهم يريدون أن يصيروك كالكير, تنفخ بطنك وتعصر أضالعك في نفعهم ومصالحهم, بل لو أبيح لهم أكلك لجزروك كما يجزُرون الشاة! وكم يذبحونك في كل وقت بغير سكين لمصالحهم, وكم اتخذوك جسراً ومعبراً لهم إلى أوطارهم وأنت لا تشعر وكم بعت آخرتك بدنياهم وأنت لا تعلم وربما علمت.  والله إن هم إلا أعداء في صورة أولياء, وحرب في صورة مسالمين, وقطاع طريق في صورة أعوان.

& السعيد الرابح من عامل الله فيهم, ولم يعاملهم في الله, وخاف الله فيهم, ولم يخفهم في الله, وأرضى الله بسخطهم, ولم يُرضهم بسخط الله, وراقب الله فيهم, ولم يراقبهم في الله, وآثر الله عليهم, ولم يؤثرهم على الله, وأمات خوفهم ورجاءهم وحبهم من قلبه, وأحيا حبَّ الله وخوفه ورجاءه فيه, فهذا هو الذي يكتب عليه, وتكون معاملته لهم كلُّها ربحاً, بشرط أن يصبر على أذاهم, ويتخذه مغنماً لا مغرماً, وربحاً لا خسراناً.

ومما يوضح الأمر أن الخلق لا يقدر أحد منهم أن يدفع عنك مضرة البتة, إلا بإذن الله ومشيئته وقضائه وقدره, فهو في الحقيقة الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ﴾  [يونس:107]  قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس: ( واعلم أن الخليقة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيءٍ كتبه الله لك, ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيءٍ كتبه الله عليك )

وإذا كانت هذه حال الخليقة, فتعليق الخوف والرجاء بهم ضار غير نافع.

ـــــــــــــــــ

  • أمور ينبغي مراعاتها عند مخالطة الناس:

** قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: خالط الناس, وزايلهم وصاحبهم بما يشتهون, ودينك لا تثلمنه.

** قال الإمام الشافعي: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبه لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط.

** قال الأصم: اصحب الناس كما تصحب النار, خذ منفعتها واحذر أن تحرقك

** قال مكحول: إن لم يكن في مخالطة الناس خير فالعزلة أسلم.

** قال الإمام ابن حزم: من جالس الناس لم يعدم همّاً يؤلم نفسه,...فما الظن بمن خالطهم وداخلهم؟ والعزُّ والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم, ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها...ولو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا:

أحدهما: الاسترسالُ عند الأنُس بالأسرار المُهلكة القاتلة التي لولا المُجالسة لم يبح بها البائح. والثاني: مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة.

فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جملة.

** قال العلامة ابن القيم :

& ما تؤثره كثرة الخلطة, فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسودَّ, ويوجب له تشتتاً وتفرقاً, وهماً وغماً وضعفاً, وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء, وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم...فما ذا يبقى منه لله والدار الآخرة ؟

& كم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة وأنزلت من محنة, وعطَّلت من منحة, وأحلت من رزية وأوقعت في بلية...وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضرُّ من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمةٍ واحدةٍ توجب له سعادة الأبد

ــــــــــــــــــ

& إن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه ويشجع نفسه ويقوي قلبه, ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك, فليحاربه وليستعن بالله تعالى

فإن عجَّزته المقادير عن ذلك, فليسُلَّ قلبه من بينهم كسلِّ الشعرة من العجين, وليكن فيهم حاضراً غائباً, حاضراً غائباً, قريباً, بعيداً, ينظر إليهم ولا يبصرهم, ويسمع كلامهم ولا يعيه, لأنه قد أخذ قلبه من بينهم. وما أصعب هذا على النفوس وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه, فبين العبد وبينه أن يصدق الله ويديم اللَّجأ إليه...ولا يعين على هذا إلا المحبة الصادقة, والذكر الدائم بالقلب واللسان...ولا ينال هذا إلا بعدةٍ صالحةٍ ومادةً قويةٍ من الله, وعزيمةٍ صادقة.

& احذروا مخالطة من تُضيع مخالطته الوقت، وتفسد القلب، فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب، انفرطت على العبد أموره كلها، وكان ممن قال الله فيه: ﴿ { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}  ﴾ [الكهف: 28].

  • إدخال السرور على المؤمن, واجتناب ذمّه وضره:

** قال يحيى بن معاذ الرازي: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضره, وإن لم تفرحه فلا تغُمّهُ, وإن لم تمدحه فلا تذمه

** قال العلامة السعدي: ينبغي إدخال السرور على المؤمن, بالكلام اللين, والدعاء له, ونحو ذلك, مما يكون فيه طمأنينة وسكون لقلبه.

  • حمل الكلام على أحسن المحامل:

قال عبدالعزيز بن عمر: قال لي أبي: يا بني إذا سمعت كلمة من امرئ مسلم, فلا تحملها على شيء من الشر, ما وجدت لها محلاً من الخير.ـ

ــــــــــ

  • مخالفة الناس فيما يرضى الله عز وجل, والصبر على الأذى في ذلك:

قال العلامة ابن القيم: الإنسان...لا يمكنه أن يعيش وحده، بل لا يعيش إلا معهم  - وله ولهم لذاذات ومطالب متضادة ومتعارضة لا يمكن الجمع بينها، بل إذا حصل منها شيء فات منها أشياء، فهو يريد منهم أن يوافقوه على مطالبه وإرادته، وهم يريدون منه ذلك، فإن وافقهم حصل له من الألم والمشقة بحسب ما فاته من إرادته، وإن لم يوافقهم آذَوه وعذبوه وسعَوا في تعطيل مراداته كما لم يوافقهم على مراداتهم؛ فيحصل له من الألم والتعذيب بحسب ذلك؛ فهو في ألم ومشقة وعناء وافقهم أو خالفهم، ولا سيما إذا كانت موافقتهم على أمور يعلم أنها عقائد باطلة وإرادات فاسدة وأعمال تضره في عواقبها، ففي موافقتهم أعظم الألم، وفي مخالفتهم حصول الألم، فالعقل والدين والمروءة تأمره باحتمال أخف الألمين؛ تخلصًا من أشدهما، وبإيثار المنقطع منهما؛ لينجو من الدائم المستمر ... وإن صبر على ألم مخالفتهم ومجانبتهم، أعقبه ذلك لذة عاجلة وآجلة تزيد على لذة الموافقة بأضعاف مضاعفة، وسنة الله في خلقه أن يرفعه عليهم ويذلهم له، بحسب صبره وتقواه وتوكله وإخلاصه، وإذا كان لا بد من الألم والعذاب، فذلك في الله وفي مرضاته ومتابعة رسله أولى وأنفع منه في الناس ورضائهم وتحصيل مراداتهم ... فإذا تصور العبد أجل ذلك البلاء وانقطاعه وأجل لقاء المبتلي سبحانه - هان عليه ما هو فيه وخف عليه حمله.

  • إعطاء الناس كل ما لهم من الحقوق والأموال:

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي: الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له, يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم من الأموال والمعاملات, بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات.

ـــــــــــــــــ