حديث: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل

منذ 2022-07-17

أخبروا رسول الله - ﷺ - بما يريد أن يأكل، فقلت: تأكله؟ هو ضب، فرفع رسول الله - ﷺ - يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله، أحرام هو؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه» قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي - ﷺ - ينظر.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة، فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل، فقلت: تأكله؟ هو ضب، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله، أحرام هو؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر.

 

قوله: (عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد - رضي الله عنه -) وفي رواية عن ابن عباس قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن في بيت ميمونة بضبين مشويين.

 

قال الحافظ: والجمع بين هذه الروايات أن ابن عباس كان حاضرًا للقصة في بيت خالته ميمونة كما صرح به في إحدى الروايات وكأنه استثبت خالد بن الوليد في شيء منه لكونه الذي كان باشر السؤال عن حكم الضب وباشر أكله أيضًا، فكان ابن عباس ربما رواه عنه ويؤكد ذلك أن محمد بن المنكدر حدث به عن أبي إمامة بن سهل عن ابن عباس، قال أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت ميمونة وعنده خالد بن الوليد بلحم ضب الحديث؛ أخرجه مسلم انتهى، وفي رواية عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت ميمونة وهي خالته وخالة ابن عباس[1].

 

قوله: (فأتي بضب محنوذ) أي مشوي بالحجارة المحماة، في رواية: بضب مشوي، والمحنوذ أخص والحنيذ بمعناه.

 

والضب هو دويبة معروفة لا يشرب الماء ولا يسقط له سن، وقيل: إن أكل لحمه يذهب العطش.

 

قوله: (فأهوى إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يريد أن يأكل) في رواية: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قل ما يقدم يده لطعام حتى يسمى له.

 

قوله: (فقلت: تأكله؟ هو ضب) في رواية: فقالوا: هو ضب، ولمسلم من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس أنه بينما هو عند ميمونة وعندها الفضل بن عباس وخالد بن الوليد وامرأة أخرى إذ قرب إليهم خوان عليه لحم فلما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل قالت له ميمونة أنه لحم ضب فكف يده.

 

قوله: (فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فلم يأكل) في رواية: فرفع يده عن الضب.

 

قال الحافظ: ويؤخذ منه أنه أكل من غير الضب كما في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فأكل الأقط وشرب اللبن.

 

قوله: (فقلت: يا رسول الله، أحرام هو؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه» وفي رواية: هذا لحم لم آكله قط.

 

قال الحافظ: المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - بأرض قومي قريشًا فقط فيختص النفي بمكة وما حولها ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز انتهى وفي رواية فتركهن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالمتقذر لهن ولو كن حرامًا لما أكلن على مائدة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما أمر بأكلهن وعند مسلم فإن فيها فقال لهم كلوا فأكل الفضل وخالد والمرأة وفي رواية الشعبي عن ابن عمر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - كلوا وأطعموا فإنه حلال أو قال لا بأس به ولكنه ليس طعامي.

 

قال الحافظ: وفي هذا كله بيان سبب ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه بسبب أنه ما اعتاده.

 

قوله: (قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي - صلى الله عليه وسلم – ينظر).

 

قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد جواز أكل الضب قال وقد أخرج أبو داود من حديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضًا كثيرة الضباب الحديث وفيه إنهم طبخوا منها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض فأخشى أن تكون هذه فاكفئوها أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والطحاوي وللطحاوي من وجه آخر عن زيد بن وهب ووافقه الحارث بن مالك ويزيد بن أي زياد ووكيع في آخره فقيل له أن الناس قد اشتووها وأكلوها فلم يأكل ولم ينه عنه والأحاديث الماضية وإن دلت على الحل تصريحًا وتلويحًا نصًا وتقريرًا فالجمع بينها وبين هذا حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ وحينها أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته فدل على الإباحة وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره، ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقًا؛ انتهى.

 

وأخرج الطحاوي عن عبد الله بن مسعود، قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهي مما مسخ؟ قال: «إن الله لم يهلك قومًا أو يمسخ قومًا فيجعل لهم نسلًا ولا عاقبة».

 

قال الحافظ: وأصل هذا الحديث في مسلم قال: وفي الحديث أيضًا الإعلام بما شك فيه لإيضاح حكمة وأن مطلق النفرة وعدم الاستطابة لا يستلزم التحريم وأن المنقول عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يعيب الطعام إنما هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه وأما الذي خلق كذلك فليس نفور الطبع منه ممتنعًا، وفيه أن وقوع مثل ذلك ليس بمعيب ممن يقع منه خلافًا لبعض المتنطعة، وفيه أن الطباع تختلف في النفور عن بعض المأكولات وقد يستنبط منه أن اللحم إذا أنتن لم يحرم لأن بعض الطباع لا تعافه وفيه دخول أقارب الزوجة بيتها إذا كان بإذن الزوج أو رضاه وفيه جواز الأكل من بيت القريب والصهر والصديق وكان خالدًا ومن وافقه في الأكل أرادوا جبر قلب الذي أهدته أو لتحقق حكم الحل أو لامتثال قوله - صلى الله عليه وسلم - كلوا وفهم من لم يأكل أن الأمر فيه للإباحة وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يؤاكل أصحابه ويأكل اللحم حيث تيسر، وأنه كان لا يعلم من المغيبات ألا ما علمه الله تعالى، وفيه وفور عقل ديمومة أم المؤمنين وعظيم نصيحتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنها فهمت مظنة نفوره عن أكله بما استقرت منه فخشيت أن يكون ذلك كذلك فيتأذى بأكله لاستقذاره له فصدقت فراستها ويؤخذ منه أن من خشي أن يتقذر شيئًا لا ينبغي أن يدلس له لئلا يتضرر به وقد شوهد ذلك من بعض الناس[2]؛ انتهى والله أعلم.

 


[1] فتح الباري: (9/ 664).

[2] فتح الباري: (9/ 665، 666).

________________________________________________________

الكاتب: الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك