تعظيم قدر صلاة الفجر

منذ 2024-07-14

«بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يوم القيامة» فصلاتُك هي نورٌ لك بعد مماتِك؛ «فالصلاةُ نورٌ»؛ ونورُ الصلاةِ نورٌ تامٌّ يومَ القيامةِ، فهل يَستَوي مَن يَمشِي في ظلماتٍ مع مَن يَمشِي في نورِ صلاتِه؟

الحمدُ للهِ..

أما بعد:

فخيرُ ما تَواصَى به المؤمنونَ ما أوصانا به ربُّ العالمين؛ إذ أوصانا بالتَّقوَى، التي هي مفتاحٌ لكلِّ خيرٍ، ومَجلَبةٌ لكلِّ فلاحٍ وصلاحٍ، وبها النجاةُ من النارِ يوم يردُها الواردون، ولا ينجُو منها إلا المتَّقون، جعلنا الله منهم.


أيها النـاسُ:

صلاةُ الفجرِ لو نَطَقتْ، تُرَى مـاذا ستقول لنـا؟

 

أُرَاها أنها لو نَطَقتْ، لاشتَكَت من حالِ كثيرٍ من الناس، الذين كَثُر تخلُّفُهم عن أدائها مع الجماعةِ، أو لم يصلُّوها إلا بعد خروج وقتها.

 

إن خلوَّ المساجدِ فجرًا من كثيرٍ من المصلِّين لَيُقْلِقُ كلَّ مسلمٍ غيورٍ محبٍّ للمؤمنينَ.

 

• فماذا دَهَى أولئك المتخلِّفين؟

• أين هم عن حضورِ صلاة الفجر؟

• وحتى متى هذا التساهلُ والتفريط؟

• أرأيتم لو كان موعدُ صلاةِ الفجرِ موعدًا لرحلةِ سفرٍ، أو مباراةٍ، هل سيتخلَّف المسافرون؟ أو هل سيقلُّ الرياضيون المشاهدون؟

 

إخوةَ الإيمانِ:

النفسُ تحتاجُ إلى مجاهدةٍ، وأَطْرٍ على الحقِّ، وقيادِها إلى ما فيه نجاتُها، وحرمانِها مما فيه هلاكُها، ولا شكَّ أن كلَّ النفوسِ تَشتَهِي النومَ طبعًا، ولا يتصوَّر من مسلمٍ أن يكونَ مستيقظًا ولا يصلِّي الفجرَ، لكنَّ السببَ المشتركَ لقلةِ المصلِّين في صلاةِ الفجرِ، هو النومُ، وهذا يستدعي أن مَن كان صادقًا في حرصِه على أداء صلاةِ الفجرِ جماعةً، أن يُعِيد النظرَ في وقتِ نومِه؛ متى ينامُ؟ وكيف ينام؟ وما الهمُّ الذي يحملُه عند نومِه؟

 

أَيُظَنُّ - يا مؤمنونَ - من رجلٍ يَسهَر حتى قريبِ الفجرِ أن يستيقظَ لصلاةِ الفجرِ؟

 

إن على المؤمنِ - وهو يرى تغيرَ ساعاتِ الليلِ طولاً وقصرًا - أن يلاحظَ الساعةَ التي يناسبُ أن ينامَ فيها، تاركًا لشهوةِ السهرِ، وأنسِ الساهرينَ، مقدِّمًا حبَّه لربِّه، ومعظمًا لفريضةِ ربه.

 

وواللهِ، إن أنسَ ولذةَ الطاعةِ لَهِي خيرٌ من كلِّ سهرةٍ، وإن الطاعةَ تَذهَب مشقتُها وتَبقَى لذَّتُها، وإن المعصيةَ لتَذهَب لذَّتها، وتبقى حسرتُها.

 

مَن كان صادقًا في رغبتِه في أداءِ صلاةِ الفجرِ جماعةً، فلتكن الصلاةُ لديه همًّا؛ تملأُ فكرَه، وتَعِيش بين جنباتِه، كحال مَن كان يُرِيد سفرًا بعد نومِه.

 

• كيف تكون حالُ مَن يُرِيد سفرًا؟

• كم يتَّخذ من منبِّه؟

• وكم يوصِي من أهل بيته؟

• لِمَ؟ حتى لا تفوتَه رحلةٌ هنا أو هناك؛ لكن أليس أعظمَ حسرةً، وأشدَّ خسارةً أن تفوتَ أحدَنا صلاةُ الفجرِ مع الجماعةِ في المسجدِ؟

 

يا عبدَ اللهِ، يا مَن يؤمنُ باللهِ واليوم الآخر، إن كَسِلَتْ أو ضَعُفَتْ نفسُك عند صلاةِ الفجرِ، فتذكَّر ما لصلاةِ الفجرِ من فضائلَ، فهل تُرْعِينِي سمعَك؛ لأذكِّرك بشيءٍ منها؟

 

تذكَّر - رعاك الله -:

• أن مَن صلَّى الفجرَ في جماعةٍ، فكأنما قام الليلَ كلَّه.

 

• وأن مَن حافظ عليها، كانت سببًا في التنعمِ برؤيةِ الربِّ - جل جلاله - يومَ القيامةِ.

 

• وأن الله حرَّم على النارِ مَن صلَّى قبلَ طلوعِ الشمسِ، وقبلَ غروبِها.

 

• وأن مَن حَضَرها مع الجماعةِ، نَالَ أعظمَ شهادةً، تَشهَد له الملائكةُ الكرامُ عند ربِّ العالميين: بأن فلانَ بنَ فلانٍ قد حَضَر صلاةَ الفجرِ جماعةً، الله أكبر! شهادةٌ ملائكيةٌ لا تزوَّرُ ولا تُعطَى لغيرِ مستحقِّها، فهل أنت - يا عبدَ اللهِ - ممن يستحقُّ هذه الشهادةَ؟

 

• مَن صلَّى الفجرَ، فهو: في ذمة اللهِ، وحفظه، وكَلَئِه، ورعايته.

 

• صلاةُ الفجرِ علاجٌ ربانِيٌّ، ودواءٌ نفسانِيٌّ، تُثمِر طيبَ النفسِ، وطُمَأنينةَ الروحِ.

 

أيها الناسُ:

ومَن رأى نفسَه لم تحرِّكها تلك الفضائلُ؛ فليتذكَّر العقوباتِ التي تُوُعِّد بها المفرِّطون في صلاة الفجرِ، والتي تُنسِي لذَّة النومِ، جاء في حديثِ الرؤيا - الذي رواه البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الذي يتَثَاقَل عن الصلاةِ، وينام عن الصلاةِ المكتوبةِ، رَآهُ يُرضَحُ رأسُه بالحجارةِ، كلما رُضِخ عادَ كما كان، ويفعلُ به ذلك إلى يومِ القيامةِ - نعوذ باللهِ من عذابِ الله.

 

إن الخسارةَ الحقيقيةَ - يا مسلمون - ليست خسارةَ مالٍ، ولا فقدَ أهلٍ ولا ولدٍ، الخسارةُ أن تخسرَ نفسَك، أن تكونَ من وقودِ وحطبِ النار.

 

اللهم أَجِرنا من النار!

 

إن كان القرآنُ الكريمُ مَدَح المصلِّين الذين هم على صلاتِهم يحافظون، ودائمون؛ فإنه كذلك ذمَّ المصلِّين - نعم ذمَّ، بل وتوعَّد المصلِّين - الذين هم عن صلاتِهم ساهون: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هو المصلِّي الذي إن صلَّى لم يرجُ لها ثوابًا، إن تركها لم يخشَ عليها عقابًا".


وقال ابن عباس - أيضًا -: "الذين يؤخِّرونها عن أوقاتِها".

 

ألا يَخْشى المصلُّون بعد وقتِ الصلاةِ عمومًا، وبعدَ وقتِ صلاةِ الفجرِ خصوصًا - من هذا الوعيد؟


أيـن قلوبُهم من تهديدِ اللهِ ووعيدِه، أم على قلوبِهم أقفالُها؟


أيها الناسُ:

مَن كان صادقًا وقائمًا على مجاهدةِ نفسِه، فليتَّخذ الأسبابَ المعينةَ، ومن ذلك: قراءةُ أورادِ الصباحِ والمساءِ، وأوراد النومِ، والتعوُّذات من الشيطانِ الرجيمِ، الذي يَعقِد العُقَد على النائم، ويوسوس له، ويُقعِده ويُثقِله عن الصلاةِ، بقوله: "عليك ليلٌ طويلٌ؛ فَارقُد"، بل إن الشيطانَ يستخفُّ ويحتقرُ المسلمَ، ويستولِي عليه؛ حتى يمنعَه حضورَ صلاةِ الفجرِ جماعةً.

 

ذُكِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ نامَ ليلةً حتى أَصبَح، فقال: «ذَاكَ رجلٌ بَالَ الشيطانُ في أُذُنَيه»؛ (رواه البخاري).

 

فيا عبدَ اللهِ، لِمَ تَجعَل للشيطان عليك سبيلاً، وقد عَلِمتَ أن كيدَه كان ضعيفًا؟

 

يا عبد الله، اصدُق اللهَ في حرصِك وبَذْلِك الأسبابَ المعينةَ على الاستيقاظِ؛ فمَن صَدَق اللهَ، صَدَقه اللهُ وأعانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، وتُبْ من المعاصِي والذنوب؛ فمن شؤمِ الذنوبِ حرمانُ الطاعةِ، وتذكَّر أنك بنومِك تموتُ الموتةَ الصغرى، فلا تَدرِي هل تدركُ الحياةَ بعد النومِ، أم تكونُ من عدادِ الموتى؟ وكم من نائمٍ حُمِل من فراشِه إلى قبـرِه!

 

وصلاتُك هي نورٌ لك بعد مماتِك؛ «فالصلاةُ نورٌ»؛ (رواه مسلم)، ونورُ الصلاةِ نورٌ تامٌّ يومَ القيامةِ، فهل يَستَوي مَن يَمشِي في ظلماتٍ مع مَن يَمشِي في نورِ صلاتِه؟

 

«بشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يوم القيامة»؛ (رواه الترمذي).

 

عباد الله، وهاهنا مسألةٌ تتعلَّق بتربيةِ الأولادِ على إقامةِ الصلاةِ، وحثِّهم عليها، والصبرِ على إيقاظِهم، وأن نكونَ قدوةً لهم في المحافظةِ على الصلاةِ، وربُّنا يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132]، ومن حقِّ الأولادِ على أوليائهم أن يأمروهم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعٍ، وأن يَضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرٍ.

 

عباد الله، وهاهنا مسألةٌ وإشكالٌ؛ فقد تَستَحسِن بعضُ عقولِ الأولياءِ أن ابنِي ما زالَ صغيرًا، فلِمَ يؤمَر بالصلاةِ وهو في عمر سبع إلى عشرِ سنواتٍ؟ فيقال: لسنا بأعلمَ، ولا أحكمَ، ولا أدرى، ولا أرأف، ولا أرحمَ من نبِيِّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الذي وجَّهنا إلى أمر الأبناء بالصلاةِ في مقتبلِ سنواتِ عمرِهم، ألا فلْيتذكَّرْ كلُّ أبٍ عظمَ أمانةِ الرعيةِ، وكبرَ حجمِ المسؤوليةِ، ولْينصحْ لأبنائه وبناتِه، ولْيسعَ في تنشئتِهم على تعظيم قدرِ الصلاةِ، والمحافظةِ عليها.

 

اللهم اجعلنا من عبادِك مقيمِي الصلاة!

_________________________________________________________

الكاتب: الشيخ سليمان السلامة