من أقوال السلف في فضل العلم (2)
قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم يرفع الله به صاحبه, فوق العباد درجات, خصوصاً العالم العامل المعلم, فإنه يجعله الله إماماً للناس
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فهذا الجزء الثاني لكم أقوال السلف في فضل العلم, أسأل الله أن ينفع به الجميع.
- يرفع صاحبه ويُعلي مكانته:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم يرفع الله به صاحبه, فوق العباد درجات, خصوصاً العالم العامل المعلم, فإنه يجعله الله إماماً للناس, بحسب حاله, ترمق أفعاله, وتقتفى آثاره, ويستضاء بنوره, ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره.
** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: إذا نظرت إلى كتب التراجم _ التي هي قريبة من بين يديك اليوم _ وجدت أن أمماً من أهل العلم سبقوا, وبذلوا في العلم نفيس أوقاتهم, وكانت الصعوبات لديهم عظيمة, ومع ذلك أقبلوا على العلم, لِم ؟ لأنهم يعلمون أن الإنسان إنما يشرف بالعلم, وأن المسلم إذا لم يكن حاوياً للعلم بين جنبات صدره, فإنه ليس بشيء, فبقدر العلم الذي تحويه تكون منزلتك, فبالعلم ترفع وبعدم العلم تخفض قال الله عز وجل {﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ ﴾} [المجادلة:11]
- به تُعرف أحكام الشريعة, ومراتبها ودرجاتها:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: به يعرف الحلال من الحرام, والطيِّب من الخبيث.
& يكفي في هذا أن جميع الأقوال والأفعال والإرادات متوقفة في صحتها وفسادها وكمالها ونقصها وفي جميع صفاتها على العلم ما حَكَمَ به العلم من ذلك فهو كما قال
& جميع الأمور الدينية والدنيوية توزن بميزان العلم, فيُبين العلم مراتبها ودرجاتها في الصحة والكمال وضدها, والحق والصدق وضده, وفي جميع أوصاف الأشياء, فكل شيء مضطر إليه.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: من ابتعد عن مواطن العلم فإنه جدير بأن يجهل بعض أحكام الشريعة.
** قال القاسم بن خلاد: العلم مصباح العقل, وهو جلاء القلب من صدى الجهل, وهو أقنع جليس, وأسرّ عشيق, وأفضل صاحب وقرين, وأربح تجارة, وأنفع مكسب وأفضل ما أقتني في الدنيا, واستظهر به للآخرة, واعتصم به من الذنوب, وسكنت إليه القلوب, ويزيد في شرف الشريف, ورفعة الوضيع, وقدر الوضيع, أُنس في الوحشة, وأمن عند الشدة, ودال على طاعة الله, وناه عن معصيته, وقائد إلى رضوانه, ووسيلة إلى رحمته.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العلم حياة القلوب, ونور البصائر, وشفاء الصدور, ورياض العقول, ولذة الأرواح, وأنس المستوحشين, ودليل المتحرين. وهو الميزان الذي به تُوزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين, والغي والرشاد, والهدى والضلال.
به يُعرف الله ويُعبد, ويذكر ويُوحد, ويُحمد ويمجد, وبه اهتدى إليه السالكون, ومن طريقه وصل إليه الواصلون وبه تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام وبه تُوصل الأرحام وبه تُعرف مراضي الحبيب وبمعرفتها ومتابعتها يُوصل إليه من قريب
** قال العلامة السعدي رحمه الله: عموم نفعه, وشمول ثمرته, فالاشتغال به خير نفسه, وحصوله في القلب وفقه خير آخر, لأنه يخرج القلب من دائرة الجهل إلى دائرة العلم, وهو كالنور بين يدي العبد يعرف به أحوال نفسه وصفات ظاهره وباطنه. ثم من حيث تعديه إلى الغير, فنفس تعليمه للمسترشدين وإلقاء الدروس على الطالبين والنظر في فتاوى المستفتين
- أفضل من صلاة النافلة:
** قال الربيع: سمعت الشافعي يقول: طلبُ العلم أفضل من صلاة النافلة.
** رأى ابن الشخير ابن له يتعبد قال يا بني, فضل العلم أحبُّ إليّ من فضل العبادة
** قال مطرف بن الشخير: فضل العلم خير من فضل العبادة.
** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها.
- من أفضل الأعمال:
** قال الأوزاعي: سأل رجل ابن مسعود: أي الأعمال أفضل ؟ قال: العلم, فكرر عليه ثلاثاً كل ذلك يقول: العلم, ثم قال: ويحك إن مع العلم بالله ينفعك قليلُ العمل وكثيره, ومع الجهل بالله لا ينفعك قليل العمل ولا كثيره.
** قال بشر الحافي: لا أعلمُ على وجه الأرض عملاً أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتقى الله وحسنت نيته.
** قال ابن هانئ: العلم لا يعدله شيء.
- من شرف العلم أن أباح الله سبحانه صيد الكلب المعلّم:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: الله سبحانه جعل صيد الكلب الجاهل ميتةً يحرمُ أكلها, وأباح صيد الكلب المعلَّم. وهذا أيضاً من شرف العلم: أنه لا يباح إلا صيد الكلب العالِم, وأما الكلب الجاهل فلا يحلُّ أكل صيده, فدلَّ على شرف العلم وفضله
- ولاية لا يعزل صاحبها:
قال الإمام الباجي رحمه الله تعالى, في وصيته لولديه: " العلم ولاية لا يعزل صاحبها, ولا يعرى من جمالها لابسها.
- من الجهاد في سبيل الله عز وجل:
قال العلامة السعدي رحمه الله: طلب العلم الشرعي, من الجهاد في سبيل الله, بل هو أحد نوعي الجهاد, الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق, وهو الجهاد بالقول واللسان للكفار والمنافقين. والجهاد على تعليم أمور الدين. وعلى ردّ نزاع المخالفين للحق ولو كانوا من المسلمين.
- شجرة تثمر كل قول حسن وعمل صالح:
قال العلامة السعدي رحمه الله: العلم شجرة تثمر كل قول حسن, وعمل صالح, والجهل شجرة تثمر كل قول وعمل خبيث, وإذا كان العلم بهذا المثابة فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص, ويجتهد في تحصيله, وأن يديم الاستعانة بالله في تحصيله, ويبدأ بالأهم فالأهم منه.
- مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل والهوى:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: العلم مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل والهوى, فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب قال ابن سيرين: إن قوماً تركوا العلم واتخذوا محاريب فصلوا وصاموا بغير علم, والله ما عمل أحد بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
- أفضل من المال:
** قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: العلم خير من المال, العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والعلم حاكم والمال محكوم عليه, والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فضلُ العلم على المال يُعلمُ من وجوه:
أحدها: أن العلم ميراثُ الأنبياء, والمال ميراثُ الملوك والأغنياء.
الثاني: أن العلم يحرسُ صاحبه, وصاحب المال يحرسُ ماله.
الثالث: أنَّ المال تُذهِبُه النفقات, والعلمُ يزكو على النفقة.
الرابع: أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله, والعلمُ يدخلُ معه قبره.
الخامس: أن العلم يحكم على المال, والمال لا يحكم على العلم.
السادس: المال يحصل للمؤمن والكافر والبرِّ والفاجر والعلمُ النافع لا يحصل إلا للمؤمن
السابع: أن العالِمَ يحتاجُ إليه الملوكُ فمن دونهم, وصاحب المالُ إنما يحتاج إليه أهلُ العُدم والفاقة.
الثامن: أن النفسَ تشرفُ وتزكو بجمع العلم وتحصيله, وذلك من كمالها, والمالُ لا يزكيها ولا يكملها ولا يزيدها صفة كمال, بل النفس تنقصُ وتشحُّ وتبخلُ بجمعه والحرص عليه, فحرصها على العلم عين كمالها, وحرصها على المال عين نقصها.
التاسع: أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء, والعلمُ يدعوها إلى التواضع والقيام بالعبودية فالمالُ يدعوها إلى صفات الملوك, والعلمُ يدعوها إلى صفات العبيد
العاشر: ما أطاع الله أحد قط إلا بالعلم, وعامة من يعصيه إنما يعصيه بالمال.
الحادي عشر: أن العلم حاجب موصل لها إلى سعادتها التي خُلقت لها والمال حجاب عنها وبينها.
الثاني عشر: المال يستعبدُ مُحِبَّه وصاحبه فيجعلُه عبداً له, والعلم يستعبده لربه وخالقه
الثالث عشر: أن قيمة الغني مالُه, وقيمة العالم علُمه, فهذا متقوم بماله, فإذا عُدِمَ عُدمت قيمتُه فبقي بلا قيمة, والعالمُ لا تزولُ قيمته بل هي في تضاعفٍ وزيادة دائمة
الرابع عشر: أن العالم يدعو الناس إلى الله بعلمه وحاله, وجامعُ المال يدعوهم إلى الدنيا بحاله وماله.
الخامس عشر: أن الغنى بالمال هو عين فقر النفس, والغنى بالعلم هو غناها الحقيقي, فغناها بعلمها هو الغنى, وغناها بمالها هو الفقر.
السادس عشر: أن اللذة الحاصلة من غنى المال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية, فإن صاحبه إن التذَّ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية, وإن التذَّ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية, وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية, وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها. وفرق بين اللذتين.
السابع عشر: أن غنى المال مقرون بالخوف والحزن, فهو حزين قبل حصوله, خائف بعد حصوله, وكلما كان أكثر كان الخوف أقوى, وغنى العلم مقرون بالأمن والفرح
الثامن عشر: أن من قُدِّم وأُكرم لماله إذا زال ماله ذهب تقديمه وإكرامه, ومن قُدِّم وأُكرِم لعلمه فإنه لا يزداد إلا تقديماً وإكراماً.
التاسع عشر: أن غنى المال يبغضُ الموت ولقاء الله, فإنه لحبه ماله يكره مفارقته ويحب بقاءه,...وأما العلم فإنه يحبِّبُ للعبد لقاء ربه, ويزهده في هذه الدنيا...الفانية
العشرون: أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم, والعلماءُ يموتون ويحيا ذكرُهم.
** قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: العالم وإن كان فقيراً فهو عنده خير كثير, أفضل من التاجر, الذي يملك المليارات, وليس عنده علم, ولا مقارنة بينهما, لأن التاجر الذي عنده الأموال سيتركها, أو ربما تتلف, ثم إنه سيُحاسب عليها يوم القيامة, وأما العالم وإن لم يكن عنده شيء من متاع الدنيا الزائل, إلا أنه عنده خير الدنيا والآخرة, وهو العلم الذي نفعه ونفع غيره.
- متفرقات.
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفاً, ويُجلس المملوك على الأسِرّة.
** قال الزهري: ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم, وبعز العلم ثبات الدين والدنيا
** قال ربيعة الرائي: العلم وسيلة إلى كل فضيلة.
** قال وهب: العلم خليل المؤمن.
** قال النضر بن شميل بن خرشة: من أراد شرف الدنيا والآخرة فليتعلم العلم.
** قال أبو حنيفة: من ظن أنه يستغني عن العلم فليبكِ على نفسه.
** قال الشافعي: كفى بالعلم فضيلة أن يدعيه من ليس فيه, ويفرح إذا نُسب إليه.
** قال يحيى بن أبي كثير: ميراث العلم خير من ميراث الذهب.
** قال سفيان الثوري: اطلبوا العلم...فإنه عز وشرف في الدنيا والآخرة.
** قال رجاء بن حيوة: ما أحسن الإسلام يزينه الإيمان, وما أحسن الإيمان يزينه التقى, وما أحسن التقى يزينه العلم
*قال التستري من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة
** قال فتح الموصلي: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء ثلاثة أيام يموت؟ قالوا: بلى. قال: كذلك القلب إذا منع الحكمة عنه والعلم ثلاثة أيام يموت.
** قيل لبعض الحكماء: أي الأشياء تقتني ؟ قال: الأشياء التي إذا غرقت سفينتك سبحت معك. يعني: العلم.
** قال الزبير بن أبي بكر: كتب إلي أبي بالعراق: عليك بالعلم فإنك إن افتقرت كان لك مالاً, وإن استغنيت كان لك جمالاً.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: العلم حياة القلوب من العمى, ونور الأبصار من الظلم, وقوة الأبدان من الضعف, يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلى,...به يعرف الحلال والحرام...يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
& محبةُ العلم من علامات السعادة وبغضُ العلم من علامات الشقاوة, وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به, وورثوه للأمَّة, لا في كلِّ ما يسمى علماً.
& العلم غنى بلا مال, وعز بلا عشيرة, وسلطان بلا رجال.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: