من أقوال السلف في آداب طالب العلم-2
ومن وفق للحضور لمجالس العلم, فعليه بعدم الغياب عنها, قال يزيد بن هارون لأصحابه: من غاب خاب, وأكل نصيبه الأصحاب.
من آداب طالب العلم في مجلس العلم:
من رام طلب العلم فعليه بالحضور إلى مجالس العلم, وأبرك مجالس العلم: المساجد, يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العلم لا يقتصر طلبه في الحضور إلى الكليات ودراسة موادها, بل إن من أبرك العلم تحصيلاً وتأثيراً في النفس وفي العمل والمنهج هو ما يحصل في المساجد, فما أبرك علم المساجد لأن المساجد فيها خير وبركة.
وقال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: قوله صلى الله عليه وسلم: «(ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)» يعني من المساجد, وهذا فيه أنّ تعليم العلم ينبغي أن يكون في المساجد, لأنه تحضره الملائمة, وكذا يحضره طلاب العلم, والعوام, فيستفيدون من هذه الدروس فهو بيت السكينة والرحمة, ومأوى الملائكة, بخلاف ما إذا أُقيم الدرس في غير المسجد, فإنه تقلُّ أهميته, ويفقد هذه الصّفة, ويصبح مقصوراً على الحاضرين من الطلاب فقط.
ومع وجود أجهزة التواصل والاتصالات فليحرص طالب العلم على الحضور لمجالس العلم والاستماع للعالم ورؤيته لأنه أبلغ في الفهم, قال العلامة العثيمين رحمه الله: رحمه الله: استماع الإنسان للمتكلم مع رؤيته إياه أبلغ مما إذا سمعه من دون رؤيته؛ ولهذا قال العلماء رحمهم الله: لا ينبغي أن يكون بين الإمام والمأمومين فاصل يحجبهم عن رؤيته، وهذا شيء مُجرب، حيث تسمع الخطيب في الخطبة وأنت تشاهده، فيهُزُّ مشاعرك، وتتأثر به، وإذا سمعته في شريط تسجيل لم يكن عندك ذاك التأثر؛ لأن مشاهدة العين للإنسان وهو يتكلم تعطي الإنسان قوَّةً في الاستماع والفهم والوعي.
ومن وفق للحضور لمجالس العلم, فعليه بعدم الغياب عنها, قال يزيد بن هارون لأصحابه: من غاب خاب, وأكل نصيبه الأصحاب.
فإن لم يتيسر له الحضور والمواظبة فليتناوب مع أخ له في الحضور, قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب حضور مجالس العلم, واستحباب التناوب في حضور العلم إذا لم يتيسر لكل واحداً الحضور بنفسه وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: التناوب في مجلس العلم إذا لم يتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي
هذا وقد ذكر السلف جملة من آداب طالب العلم عند حضوره مجالس العلم, منها:
- الحضور لمجالس العلم رغبةً في الفائدة:
قال الإمام ابن حزم رحمه الله: إذا حضرت مجلس علم, فلا يكن حضورك إلا حضور مستزيد علماً وأجراً, لا حضور مستغن بما عندك, طالب عثرة تشنعها, أو غريبةٍ تشيعها, فهذه أفعال الأراذل الذين لا يفلحون في العالم أبداً.
فإذا حضرتها على هذه النية, فقد حصلت خيراً على كل حال, فإن لم تحضرها على هذه النية, فجلوسك في منزلك أروح لبدنك, وأكرم لخلقك, وأسلمُ لدينك.
النظافة والتجمل:
** قال الإمام النووي رحمه الله: استحب العلماء لطالب العلم أن يحسن حاله في حالة مجالسة شيخه, فيكون متطهراً متنظفاً, بإزالة الشعور المأمور بإزالتها, وقص الأظفار, وإزالة الروائح الكريهة, والملابس المكروهة, وغير ذلك, فإن ذلك من إجلال العلم والعلماء.
** قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: في شرح حديث جبريل عليه السلام: فقوله: " فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فيه آداب لطالب العلم منها: أن يتجمل في هيئته وصورته.
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: المرء يستحب له أن يكون على أكمل الهيئات, وخصوصاً عند مجالسة أهل العلم وذوي الفضل.
- الجلوس بقرب المعلم:
** قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان : طالب العلم يقرب من المعلم لتكون الفائدة متصلة.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري:
& مناسبة قرب السائل من المسئول حتى يتيقن من الجواب الصادر منه.
& قرب المعلم من المتعلم, فإنه قال: كفي بين كفيه, مما يدل على مشروعية قرب المعلم من المتعلم.
& مشروعية حرص الإنسان على القرب من أهل العلم ليستفيد مما لديهم من العلم لأن العلماء هم ورثة الأنبياء.
الجلوس بأدب وتجنب اللعب والعبث:
** كان عمرو بن قيس المُلائي إذا بلغه الحديث عن الرجل, فأراد أن يسمعه, أتاه حتى يجلس بين يديه, ويخفض جناحه, ويقول: علمني رحمك الله مما علمك الله.
** قال الخطيب البغدادي رحمه الله: يجب على طالب الحديث أن يتجنب اللعب والعبث والتبذل في المجالس, بالسخف والضحك والقهقهة وكثرة التنادر, وإدمان المزاح والإكثار منه, فإنما يستجاز من المزاح يسيره ونادره وطريفه, الذي لا يخرج عن حد الأدب, وطريقة العلم. فأما مُتصله وفاحشه وسخيفه, وما أوغر منه الصدور, وجلب الشر, فإنه مذموم, وكثر المزاح والضحك يضع من القدر, ويزيل المروءة.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: لا يخرج عن إشارته وإرشاده وليجلس بين يديه متأدباً ويظهر غاية حاجته إلى علمه.
** قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان:
& المتعلم ينبغي أن يكون بصورة هادئةٍ ومؤدبةٍ, ولا يكثر من الحركات...أو من الشواغل التي تشغله عن تلقى العلم.
& يجلس أمام المعلم مُقبلاً عليه ليتلقى منه العلم, ولا يعرض عنه, أو يلتفت, أو يمزح أو ينشغل بل يكون مُقبلاً على المعلم بجسمه وبفكره لئلا تفوته فرصة التعلم
& لا يسأل أول ما يأتي, وإنما يجلس أولاً متأدباً, ثم يسأل, وهذه صفة طالب العلم, وهذه آداب طالب العلم.
- إحضار الكتب لمجالس العلم
قال الزهري: حضور المجلس بلا نسخة ذل.
حسن الاستماع:
** قال الإمام ابن الجوزي: إذا روى المُحدث حديثاً قد عرفه السامع فلا ينبغي أن يداخله فيه.
** عن خالد بن صفوان قال: إذا رأيت محدثاً يُحدثُ حديثاً قد سمعته, أو يُخبرُ خبراً قد علمته, فلا تشاركه فيه حرصاً أن يعلم من حضرك أنك قد علمته, فإن في ذلك خفة فيك وسوءُ أدب.
** قال العلامة السعدي رحمه الله: إذا أتحفه بفائدة وتوضيح لعلم فلا يظهر له أنه قد عرفه قبل ذلك وإن كان عارفاً له, بل يصغي إليه إصغاء المتطلب بشدة إلى الفائدة, هذا فيما يعرفه فكيف بما لا يعرفه؟
فائدة: قال عطاء بن أبي رباح: إن الشاب ليحدثني بحديث فأستمع له كأني لم أسمعه, ولقد سمعته قبل أن يولد.
وختاماً فيا طالب العلم أكثر من التحلي بالأدب, قال العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله: كل شيء إذا كثر رخص, إلا الأدب فإنه إذا كثر غلا.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: