وقود النجاح: كيف نكتشفه؟ كيف نحصل عليه؟
الفرد الناجح يختلف عن الآخرين؛ فهو يبحث عن الفرصة وإن لم يجدها، فهو يصنَعُها مِن خلال إصراره عليها، والبحث عن مختلف الطرق المؤدية لها.
الجزء الأول:
يقول لسان الدين بن الخطيب[1]: "مَن أضاع الفرصة، تجرَّع الغُصَّة[2]".
الفرص:
إن ما يميز زماننا عن زمن آبائنا هو أن زماننا يمنحنا فرصًا أكبر مما منحه لآبائنا، كما أننا نفتقر إلى العزيمة والإرادة والتخطيط والجِدية التي كانوا يمتلكونها، ولو بحث كل منا في كفاح أبيه أو جده، لوجده حافلًا بالمشاقِّ والصعاب التي تغلَّب عليها والده أو جده، رغم قلة ما ملكت أيديهم، ورغم الظروف القاسية.
والكثير من الناس يقفُ مكانه ولا يتحرك، ويبقى ينتظر الفرصة أو هِبةً من السماء، كما يزعم البعض، ولكن الفرد الناجح يختلف عن الآخرين؛ فهو يبحث عن الفرصة وإن لم يجدها، فهو يصنَعُها مِن خلال إصراره عليها، والبحث عن مختلف الطرق المؤدية لها.
والعالم اليوم يقدم لنا أمورًا كثيرة، ليس على صحن من الفضة، أو طبق من النحاس، بل على شكل "فُرص حياة".
لسوء الحظ الكثير منا يتعامَوْن عن رؤية هذه الفرص التي تُصادفنا، وحتى نستغل هذه الفرص ونحصل على الأشياء التي نريدها علينا أن نُؤمن أننا نستحقها، وأن نُنمِّيَ ثقتنا بأنفسنا، وعلينا أن ندرك أيضًا أننا نملِك الموهبة والإبداع للحصول على أكثر مما نحصل عليه في الوقت الحاضر من الحياة.
فالمسألة تعتمد فقط على عدد المحاولات.
المحاولات:
أحيانًا تتوارد على بال الإنسان خواطرُ فيسأل نفسه:
لماذا لا يسير كل شيء كما أريد؟
لماذا لا أنجح بينما ينجح الآخرون؟
لماذا لا تسير الحياة على أهوائنا؟
إذا بدأ شخصٌ نشاطًا معينًا ثم بعد بعض المحاولات وجده صعبًا عليه!
ربما اكتشف أنه افتقَد بعض الصفات اللازمة للقيام بالنشاط المرغوب، أو أنه قد فعل مثل معظم الناس، حاول عدةَ مرات ثم فشل، فيبدأ بالشكوى من سوء الحظ الذي يلاحقه، أو الحالة الاقتصادية السيئة، أو أي من العوامل الأخرى الخارجية التي تؤثر عليه.
إن أي شخص يمكنه تحقيقُ ما يريد إذا بذل جهدًا كافيًا.
فما المقصود بالجهد الكافي؟
مثال1: حديث عن الأطفال.
عندما كنت طفلًا، كم مرة سقطت حتى تعلَّمت المشي؟
وكم مرة حاولت الوقوف ولكنك لم تستطِعْ؟
لو تعرضت بتلك العقلية التي تمتلكها الآن، فربما تشكو من صعوبة الحياة، وأن الأطفال لا يستطيعون المشي بسهولة في هذه الأيام، وأن الآباء غير قادرين على إعطائنا ما نحتاجه (مثلًا من الحلويات، والشيكولاتا، والألعاب، وغيرها...)، أو من المحتمل أن تعتقد أن الأطفال الآخرين سيسخرون منك؛ حيث إنك لا تستطيع المشي، وهذا سيؤدي بك إلى أن تتوقف عن المحاولة.
• إنه شيء مُضحك، ولكنها الحقيقة.
لماذا لم تستسلم عندما كنت طفلًا ضعيفًا وأصبحت تستسلم وأنت شاب قوي؟
لماذا استمررت في المحاولة حتى تمكنت من المشي؟
ببساطة، لأنك في هذا الوقت لم تكن تعرف ما هو المقصود بمصطلح "الاستسلام"، أو لم تكن تعرف كيف تلوم وتلعَن الظروف التي منعتك من تحقيق هدفك.
مثال 2: حديث عن الكبار.
عندما بدأت تتعلم قيادة السيارة:
كم مرة فشلت في جَعْل السيارة تتحرك للأمام؟
كم مرة توقفت منك السيارة فجأة عندما كنت تقودها؟
هل يمكن أن تذكر عددَ الأشخاص الذين قاموا بالصياح عندما توقفت بك السيارة وقُمْت بسد الطريق ولم تستطع عمل شيء؟
من المؤكد أنك وجدتَ الجميع يقودون السيارات بنجاح ولم ترَ أحدًا يفشل ويقول: إنها صعبة، أو مستحيلة.
ولذلك؛ فإنك عرَفت أنك تستطيع فعلها، ولم تستسلم حتى تعلمت القيادة.
ولكن ما يثير الدهشة أن قيادة السيارات تعتبر واحدة من أصعب النشاطات التي يُقبل الإنسان على تعلُّمها، فهل لاحظتَ أنك تحتاج إلى تحريك رِجْليك وذراعيك في نفس الوقت، بالإضافة إلى التفكير ومراقبة الطريق؟
إنك تتحكم في أطرافك كلها في نفس الوقت، وكل منها في اتجاه مختلف، بالإضافة إلى استخدامك عقلك للتركيز، وإجراء الحسابات، واتخاذ القرارات؛ حتى تسلك طريقًا معينًا، وتقف في المكان المرغوب فيه، وتتجنب الاصطدام بأي شيء.
وهذا ما حدث لنا جميعًا من قبل، وأكثر من مرة.
أختي الكريمة، أخي الكريم:
إذا كنت ما زلت غير مقتنع، فقُمْ بالتمعُّن في هذا المثال:
مثال3:
لقد فشِل توماس ألفا إديسون[3] (999) مرة قبل أن ينجح في اختراع المصباح الكهربائي في المحاولة رقم: (1000)!
ولما سألوه: كيف استطاع أن يستمرَّ في المحاولات بدلًا من الاستسلام للفشل، قال لهم: "عندما كنت أواجه أي فشل كنت لا أقول أبدًا: إني فشلت، ولكني كنت أقول فقط: إني توصلت إلى طريقة أخرى لا تؤدي إلى اختراع المصباح".
جنود الفشل:
1 - الغضَب:
الغضَب مِن أخطر المشاعر التي يمر بها الإنسان؛ فبالإضافة إلى الأضرار الصحية التي قد تنتج عن الغضب، فإن الغضب قد يؤدي بك إلى ارتكاب أفعال تندم عليها لاحقًا، وهو ظاهرة طبيعية موجودة في كل زمان وفي كل مكان، وفي الأصل هو شعور صحي يطلقه عقلُك الباطن في صورة رسالة يطالبك فيها بحل مشكلة معينة، بهدف جعلك تسترد السيطرة، أو بغرض جَعْلك تدافع عن حقوقك، وكما يقول الشافعي رحمه الله:
"مَن استُغضِبَ فلم يغضَبْ فهو حمار، ومَن استُرضِيَ فلم يرضَ فهو شيطان".
والمشكلة هي حينما يتحول شعور الغضب إلى عادة، ويُطلَق كل حين وآخر بدون داعٍ!
فعليك أن تتغلب عليه، وقبل أن تتغلب عليه عليك أولًا أن تفهَمَه.
"فأنت لا تستطيع التغلب على عدوٍّ لا تعرِفُ نقطة ضعفه".
وفيما يلي أمثلةٌ توضح لنا بعض أسباب الشعور بالغضب:
فما الذي يجعلنا نغضب؟
• حينما يأخذ شخص ما دورنا في أحد الطوابير.
• حينما يكون لدينا الكثير من العمل لننجزه باستخدام الحاسب الآلي ثم يتوقف، أو تجده أصبح بطيئًا جدًّا، هنا سنصاب بالتوتر، ثم الغضب.
• حينما نكون في فريق عمل ونجد أن أحد الأفراد لا يقوم بأي شيء، وإنما يترك لنا العمل.
• حينما نشعر بالخوف! نعم الخوف؛ ففي كثير من الأحيان يصاب الشخص بالغضب لأنه خائف، وهذا ما يلاحظ عند بعض السائقين؛ حيث يكون غضبهم بشدة عندما يكون شخص على وشك أن يصدمهم؟ هم يغضبون؛ لأنهم خافوا من الحادث الذي كان من الممكن أن يحدث.
• حينما تُقرِض أموالًا لشخص ما ثم لا يحترم الموعد المعلوم، أو الآجال المتفق عليها.
•حينما يسخَر منا شخص.
• حينما يتحدث معنا مديرنا بلهجة حادة.
• حينما يعطينا رئيسنا الكثيرَ من المهام لننجزها.
فمن الواضح من كل هذه الأمثلة السابقة: أن الغضب يكون بغرض الدفاع عن حقوقنا، أو بسبب الرغبة في استعادة السيطرة على الموقف، أو بسبب الخوف.
قد تكون هناك أسباب أخرى غير التي ذكرناها.
حين تتجاهل مشاكلك أو لا تحاول حلها فستجد أنك أكثر عرضة للغضب من أي شخص آخر؛ وذلك لأنك حتى وإن ظننت أنك نسيت مشاكلك، فإنها ستظل في عقلك الباطن، وستضايقك أكثر كلما واجهك موقفٌ يتسبَّب في جَعْلك تغضب.
والغضب قلما يساعد على حل المشكلة؛ فهو يؤدي إلى فقدان طاقة؛ لذلك علينا تصريف هذه الطاقة في قنوات سليمة بدلًا من إهدارها.
وهذه بعض التطبيقات، بإمكان الإنسان إذا حاول الاعتماد عليها التغلُّبُ على الغضَبِ.
أهم تقنيات التحكُّم في الغضب:
• تعلَّم كيف تحفظ حقوقك: إذا كان سبب غضبك هو شعورك بأن حقك قد ضاع، فلا شيء يمكنك فعله أفضل من تعلم "كيفية الدفاع عن حقوقك، عن طريق استخدام مهارات الاتصال المؤثرة".
• اغسِلْ وجهك أو توضأ بماء بارد: فالغضب استجابة لانفعالات، هذه الانفعالات رد فعل جسمي عضوي ينتج طاقة، وهذه الطاقة تتحول إلى حرارة مصدرها التفاعلات الطبيعية في الجسم، ومن ذلك فإنه يزيد في عمل القلب، ويرتفع ضغط الدم، ويزداد تدفقه على الدماغ، تسارع معدل التنفس، وتضطرب الأعضاء، وهو أمر خطير - كما يصف الأطباء - قد يؤدي إلى سكته مميتة، أو مرض السكري، وغيره (نسأل الله العافية)، مما يؤدي إلى تغيرات فيسيولوجية وسيكولوجية سريعة، ويظهَر ذلك - بجلاء - على ملامح الإنسان، فيتغيَّر لونه، وترتعد فرائصه، وترتجف أطرافه، ويخرج عن اعتداله.
وبمجرد ملامسة الماء جلده، وبالخصوص الوجه، يسكن الغضبُ، ويهدأ روْعُ الإنسان.
هذا بالإضافة إلى شعور المرء بالاحتقار والإهانات والإساءة والغيظ، مما ينعكس سلبًا على المعنويات، إنها: "نار الغضب"، والنار يطفئها الماء، والله سبحانه وتعالى قال في كتابه القرآن الكريم: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 200، 201].
والنبي "محمد" صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى أن أَقْوانا حقًّا هو الذي يتحكم في غضبه فلا يُنفِذه، بقوله: «ليس الشديد بالصُّرَعةِ، إنما الشديد الذي يملِكُ نفسَه عند الغضب»، وتذكر وصيته أيضًا بعدم الغضب؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: «لا تغضَبْ»، فردَّدَ ذلك مرارًا، قال: «لا تغضَبْ»؛ (رواه البخاري، فتح الباري 10/ 456).
إذًا، فلا ننسَ الوضوء عند الغضب؛ فهو يطفئ نارَ الشيطان؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الغضبَ مِن الشيطان، وإن الشيطان خُلِق مِن النار، وإنما يطفئ النارَ الماءُ، فإذا غضِبَ أحدُكم فليتوضَّأ».
غيِّرْ مِن وضعك: إذا كنت جالسًا فقُمْ بالوقوف، وإذا كنت واقفًا فاجلِس؛ فإنه وُجِدَ أن تغييرَ الوضع يقلِّل مِن الغضب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا غضِب أحدكم وهو قائم فليجلِسْ، فإن ذهَب عنه الغضبُ، وإلا فليضطجع»، راوي هذا الحديث: أبو ذرٍّ رضي الله عنه.
• حاوِلِ التحكُّم في مشاعرك: فإنه يمكِنك أن تتحكَّمَ في مشاعرك؛ فالمشاعرُ في النهاية مِن اختيارنا، إذا قررتَ أن تغضب فسيكبر الشعور، ويخرج عن سيطرتك، أما إذا تحكمت في غضبك في أول عدة ثوانٍ بعد حدوث الموقف، فستجد أنه يمكِنك التحكمُ في غضبك للنهاية.
• تحرَّك، اجرِ، أو مارِسْ أي رياضة؛ لأن ذلك يساعد على تصريف الطاقة، مما يساعد على الاسترخاء، فيطرد شبح الغضب.
وهناك الكثير من الناس يحاول استخدام هذه التقنيات للتحكم في الغضب، لكن بدون جدوى؛ وذلك لأنهم يحاولون السيطرة على الغضب لحظيًّا دون الأخذ في الاعتبار أن في كثير من الأحيان سبب الغضب مشاكل في حياتهم لم يتم التعامل معها!
وفي حالة عدم صرف ذلك الغضب، وكتمانِه فإنه يتحول إلى اكتئاب.
___________________________________________________________
الكاتب:
[1] لسان الدين بن الخطيب: محمد بن عبدالله بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني الخطيب، ويكنى أبا عبدالله، هو شاعر وكاتب وفقيه مالكي، ومؤرخ وفيلسوف وطبيب وسياسي من الأندلس (لوشة، 25 رجب 713 هـ/ 1313م - فاس، 776 هـ/ 1374م).
درس الأدب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بفاس، قضى معظم حياته في غرناطة في خدمة بلاط بني نصر، وعُرِف بذي الوزارتين: الأدب والسيف، نُقِشَتْ أشعاره على حوائط قصر الحمراء بغرناطة.
[2] الغصة: ألمٌ وحزنٌ، وهمٌّ وغم شديد متواصل.
[3] توماس ألفا إديسون: Thomas Alva Edison(1847 - 1931)، مخترع، ورجل أعمال أمريكي، اخترع العديد من الأجهزة التي كان لها أثر كبير على البشرية حول العالم، مثل تطوير جهاز الفونوغراف، وآلة التصوير السينمائي، بالإضافة إلى المصباح الكهربائي المتوهج العملي الذي يدوم طويلًا، يُعد إديسون رابع أكثر مخترع إنتاجًا في التاريخ، ويمتلك 1093 براءة اختراع أمريكية تحمل اسمه، فضلًا عن العديد من براءات الاختراع في فرنسا وألمانيا.
كان له الفضل في العديد من الاختراعات التي ساهمت في وسائل الاتصال الجماهيري وفي مجال الاتصالات على وجه الخصوص، شملت تلك الاختراعات مسجل الاقتراع الآلي، والبطارية الكهربائية للسيارة، والطاقة الكهربائية، ومسجل الموسيقا، والصور المتحركة.
كان عمله في هذه المجالات المتقدمة ثمرة عمله في وقت مبكر من مسيرته المهنية كمشغل للتلغراف، وضع إديسون نظام توليد القوة الكهربائية وتوزيعها على المنازل والشركات والمصانع؛ مما أدى إلى تطوُّرٍ جوهري في عالم الصناعات الحديثة، وتقع محطة توليد الطاقة الأولى التي أنشأها في شارع بيرل في مانهاتن، نيويورك.
[4] تقدمت ترجمته؛ انظر الحاشية رقم: 3.
- التصنيف: