خطـورة اللسان
إن من أعظم نِعَم الله تعالى على الإنسان بعد الإسلام، نعمة اللسان، فبكل سهولة تتكلَّم وتتحدَّث، وتخاطب غيرَك، وتتعامل مع الآخرين، وهذه النعمة كغيرها من النِّعَم قد تُستخدَم في الخير، وقد تكون في الشَّرِّ والعياذ بالله...
إن من أعظم نِعَم الله تعالى على الإنسان بعد الإسلام، نعمة اللسان: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8، 9]، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22].
فبكل سهولة تتكلَّم وتتحدَّث، وتخاطب غيرَك، وتتعامل مع الآخرين، تخيَّل كَمْ كلمة تكلَّمْت بها اليوم، أو أمس، أو منذ سنة؟
• وهذه النعمة كغيرها من النِّعَم قد تُستخدَم في الخير، وقد تكون في الشَّرِّ والعياذ بالله؛ وتأمَّل إلى أحوال الناس مع نعمة اللسان؛ هذا يُلقي محاضرةً، والآخر يُعلِّق على مباراة، هذا يقرأ القرآن، والآخر يُغنِّي، هذا يدعو الناس إلى الخير، والآخر يدعو إلى الباطل، هذا يصلح بين الناس، والآخر يمشي بالنميمة والإفساد بينهم.
• وإذا أردت أن تعرف قيمة هذه النعمة؛ فتأمَّل الحرف الواحد من القرآن، وتأمَّل التسبيحة الواحدة، وكثيرًا من الأعمال التي لا تكون إلا باللسان، فكم من غنائم وكنوز يتحصَّل عليها العبد بلسانه.
بيان خطورة اللسان:
• فإنَّ أكثر ما كان يخافه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأُمَّة هو اللسان، فقد جاء في حديث سفيان الثقفي الذي رواه الترمذي، وفيه قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا».
• ووصف النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الإسلام: «المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ»، وفى الصحيحين عَنْ أَبي مُوسَى قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ المُسْلِمِينَ أفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
• وأكثر ذنوب ابن آدم من لسانه، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: لَبَّى عَبْدُاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ قَالَ: يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، اسْكُتْ تَسْلَمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، هَذَا شَيْءٌ أَنْتَ تَقُولُهُ أَمْ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا؛ بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَكْثَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ».
• وما من يوم ينشق صبحه إلا والأعضاءُ كُلُّها تُكَفِّرُ اللسان، فقد روى الترمذي عن أَبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتِّقِ اللَّه فينَا، فَإنَّما نحنُ بِكَ، فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا».
• وأكثر أسباب دخول النار بسبب اللسان، فقد روى الترمذي- وقال: حديث حسن صحيح- عن أبي هُريرة قَالَ: سُئِلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ؟ قَالَ: «تَقْوى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُق»، وَسُئِلَ عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: ((ا «لفَمُ وَالفَرْجُ»، وفي رواية: «أتدرونَ ما أكثرُ ما يُدخِلُ الناسَ النارَ» ؟، قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، قال: «فإنَّ أكثر ما يُدخِلُ الناسَ النارَ الأجوفانِ: الفرجُ والفمُ»؛ ولذلك من ضمن لسانه؛ فقد ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم الجنة؛ ففي الصحيحين عَنْ سَهْلِ بنِ سعْدٍ أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لهُ الجَنَّة»،فإن عظم الجزاء مع عظم البلاء، فأعظم الجزاء هو الجنة، وأعظم البلاء هو اللسان، وقد مات رجل، فأثنوا عليه خيرًا، وشهدوا له بالجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك؟ لعلَّه تكلَّم فيما لا يعنيه».
• وأما إذا أردت معرفة خطورة اللسان فتأمَّل معي هذه الأحاديث الصحيحة:
♦ فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أهم الأمور عندما سأله معاذ بن جبل فقال: يَا رَسُولَ الله، أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ، وَيُبَاعدني مِن النار، قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ»، ثم أخبره بأركان الدين وبعض شعائره، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ» ؟، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، وَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا»، فقال معاذ: يا رسول اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ»، أَو قَالَ: «عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ» ؟.
♦ قال ابن رجب رحمه الله: هذا يدل على أنَّ كَفَّ اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه.
♦ وفي الحديث الصحيح: «إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في نار جهنَّمَ»، «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ ما يَتَبَيَّنُ ما فيها يَهْوِي بها في النَّارِ أبْعَدَ ما بيْنَ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ»،وفي حديث المرأة الصوَّامة القوَّامة وهي في النار: ((كانت تُؤذي جيرانَها بلسانِها)).
• يتلخَّص في وصية موجزة من النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي لزوم الصمت ما استطعتَ إلى ذلك سبيلًا، ففي الحديث الصحيح: «مَن كانَ يُؤْمِنُ باللهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيصْمُتْ»، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ قال: «أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطيئتِكَ».
• مع الدعاء والانشغال بما ينفع، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي».
• اظبط كلامك بالأحكام الخمسة:
• تذكَّر جيدًا أنك مسؤول، وأن لسانك سيشهد لك أو عليك: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24].
• تعويد اللسان على الكلام الطيب، فإن الكلمة الطيبة طيبة (اسمها فيها)، إذا قلتها لمن هو غضبان منك سيرضى عنك، وتتألَّف بها قلبه، وإذا قلتها بين متخاصمين سيصطلحان، وإذا قلتها لمن تحتاج إليه سيقضي حاجتك، فكم من كلمة أفرحت، وأخرى أحزنت؟ وكم من كلمة فرَّقت، وأخرى جمَّعت؟ وكم من كلمة أقامت، وأخرى هدَمَتْ؟ وكم من كلمة أضحكت، وأخرى أبكَتْ؟
• ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالكلام الطيب الحسن: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53]، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: 70، 71].
• والكلام الطيب هو الذي يصعد إليه ويقبله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
• والكلمة طيبة صدقة: «وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».
• والكلمة الطيبة هداية من الله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24].
• والكلام الطيب من مؤهلات الغرف العالية في الجنة، ففي الحديث الصحيح: «إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظَاهِرِها»، فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ: لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: «لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، وأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وباتَ قائِمًا والناسُ نِيامٌ»، وفي رواية: «لمنْ ألانَ الكلامَ».
♦ الجزاء من جنس العمل، فلما كانت كلماتهم طيبة لم يسمعوا فيها إلا الطيب: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [الواقعة: 25]، {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23]، {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10].
نسأل الله العظيم أن يُطهِّر ألسنتنا من الكذب والفاحش من القول، وأن يرزقنا الكلام الطيب.
_________________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي
- التصنيف: