الحسد

منذ 2022-10-28

الحسدُ صفةُ نقصٍ في الحاسدِ بلا شكٍّ؛ ولذلك لا يَعْتَرِفُ الحاسدُ بالحسدِ، ولا يُحبُّ أن يُوصفَ بذلك، وهو مرضٌ من أمراضِ القلوب، وهو شرٌّ كلُّه؛ ولذلك شُرِعت الاستعاذةُ منه كما في سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.

عبادَ الله اعلموا أنه ما من إنسانٍ إلا وأُعطِيَ من الخير، وسُلب منه أو لم يكتب له من النِّعَم الأخرى، فكان تحتَ أنظارِ من يعيشُ معهم، فناظرٌ بعينِ الغِبطةِ، وناظرٌ بعينِ الحسد، قال ابن رجب: "الحسدُ مركوزٌ في الطباع، وهو أن الإنسانَ يكرَهُ أن يفوقَه أحدٌ من جنسِه في شيءٍ من الفضائل"، ويقول عمر رضي الله عنه: "ما كانت نعمةُ اللهِ على أحدٍ إلا وُجِدَ لها حاسد".

 

عباد الله؛ الحسدُ كراهيةُ نعمةِ اللهِ على الغير، ثم لا يزالُ هذا الحاسدُ يتمنَّى زوالَها عن صاحبِها، ويضيقُ ذرعًا بنِعَمِ اللهِ على بعضِ عبادِه، وتبقى نفسُه طامعةً حتى لو جاءته نفسُ النعم، فربما يتمنَّى أن يستأثرَ بها وتكونُ له لا لغيره، هكذا بعضُ القلوبِ المريضةِ التي لا ينقطعُ عجبُك منها .

 

الحسدُ أولُ معصيةٍ عُصيَ اللهُ بها في السماء، وأولُ ذنبٍ ارتُكِبَ هناك حينما حَسَدَ إبليسُ آدمَ عليه السلام، لما أسجدَ اللهُ له ملائكتَه تكريمًا له فامتنعَ، وقال: أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقتَه من طين، وأولُ ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به في الأرض لما حسدَ قابيلُ هابيلَ لمَّا تُقُبِّلَ منه.

 

والحسدُ صفةُ نقصٍ في الحاسدِ بلا شكٍّ؛ ولذلك لا يَعْتَرِفُ الحاسدُ بالحسدِ، ولا يُحبُّ أن يُوصفَ بذلك، وهو مرضٌ من أمراضِ القلوب، وهو شرٌّ كلُّه؛ ولذلك شُرِعت الاستعاذةُ منه كما في سورة الفلق: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5]، والحسدُ لا يَقِفُ عند هذا الذنبِ فقط؛ بل يتعدَّاه إلى غيرِه، فيَكرهُ أخاه المسلم، ويحملُ في قلبِه الحقدَ والضغينةَ له، ويسيءُ كثيرٌ من الحُسَّادِ الظنَّ بالمحسودين، وربما يتَتَبَّعون عوراتِهم وهفواتِهم وزلاتِهم؛ ولذلك كان الحسدُ مُفسِدًا للمحبةِ وقاطعًا لحبالِ المودة، ويُحَوِّلُ الصديقَ إلى عدوٍّ، وتنقلبُ العلاقاتُ إلى عداوات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤمِن أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه»؛ (البخاري ومسلم)، وقال: «لا تحاسَدُوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابَرُوا، ولا يَبِعْ بعضُكم على بيعِ بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُه ولا يخذُله ولا يكذبُه ولا يحقرُه، التقوى ها هنا- ويشيرُ إلى صدرِه ثلاثَ مرات- بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرام: دمُه، ومالُه، وعِرْضُه»؛ (مسلم).

 

إن بعضَ الحُسَّادِ يقلبُ الحقائق، ويقعُ في الغيبةِ والبهتان، ورُبَّما يبادرُ بإلحاقِ الأذى بالمحسودِ بكلِّ ما يستطيع، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطانَ قد أيس أن يعبدَهُ المصلون في جزيرةِ العرب، ولكن في التحريشِ بينهم»؛ (مسلم).

 

لقد قضت حكمةُ اللهِ المفاضلةَ بين خلقِه في الرزق، ورفعِ درجاتِ بعضِهم على بعض، يقول الله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 31، 32]، فالحسدُ نوعُ اعتراضٍ على قَدَرِ اللهِ وقسمةِ الأرزاقِ بينَ الناس.

ألا قُلْ لِمَن كان لي حاسدًا   ***   أتدري لِمَنْ أســــأت الأدب 

أسأتَ إلى اللهِ في فِعْلِـــه   ***   لأنك لم تَرْضَ لي ما وَهَب 

 

ونتساءلُ: لماذا يتمنَّى الحاسدُ زوالَ نعمةِ اللهِ عن أخيه؟ وما الذي يَغِيظُه في ذلك؟

إنَّ على الحاسدِ أن يتذكرَ أن الحسدَ لا يُزيل النعمةَ عن أخيه، فإنَّ النِّعَمَ لا تزولُ عن الناس إلا إذا نسوا شُكرَ المُنعِم، أو يكونُ محضُ ابتلاء، وكلُّ ذلك بقدر الله، ولماذا لا يَسألُ الحاسدُ ربَّه الرزاقَ مثلَ تلك النعمةِ التي وهبَها لأخيه؟ إنَّ اللهَ لما ذكر الله التفضيلَ في سورةِ النساء فقال: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32]، ماذا قال جل وعلا بعد ذلك؟ قال: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32].

 

ولما كانت هذه الأرزاقُ من قَدَرِ اللهِ يتذكرُ المسلمُ قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران: 73، 74].

 

أيها الإخوة، إن من العجب أن يأتيَ الحسدُ حتى على نعمةِ الدين، ويأتي على من أعطاهُ الله فضلًا بطاعتِه وعبادتِه، انظروا إلى حسدِ اليهودِ لمَّا جاء اللهُ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأعطاه النبوةَ وجاء اللهُ بهذا الدينِ العظيمِ، فبيَّنَ اللهُ ذلك في كتابِه فقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54]، فلقد منع الحسدُ اليهودَ من تصديقِهم النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لكونه من العربٍ وليس من بني إسرائيل .

 

عباد الله، الحسدُ فتنةٌ لقلوبِ الناسِ؛ قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]، يقول ابن تيميه: "ما خلا جسدٌ من حَسَدٍ، ولكنَّ الكريمَ يخفيه، واللئيمَ يُبْديه "؛ ا.هـ.

 

فالكريمُ مَنْ حمله الخوفُ من اللهِ فدفعَه ونأى بعيدًا عن موجباتِ ذلك، وابتعد عما يشوبُ القلوب، وخرجَ سليمَ الصدرِ لإخوانِه المسلمين، واللئيمُ يُعْمِلُ أسبابَ ذلك ويكيدُ لأخيه- والعياذ بالله- أو اكتفى بما في قلبِه من الكراهيةِ بغيرِ حق، وهو بحدِّ ذاتِه مرضٌ يُضعفُ إيمانَه، ويبوء بإثمه.

 

إخوةُ يوسفَ عليه السلام لما رأوا محبةَ أبيهم ليوسفَ فكَّروا في الحيلةِ للخلاصِ منه عليه السلام سبحان الله! ما ذنبُه؟! وما جرمُه؟! وما الخطيئةُ التي ارتكبها؟! لكنَّه الحسد، فبلغ بهم التخطيط إلى القتل فقالوا: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 9]؛ لكنَّ اللهَ حفظَ عبدَه ونبيَّه، ومَكَّن له وأعلى درجتَه، فكان لُطفُ اللهِ أن تراجعوا وأخذوا باقتراحِ أحدِهم لما قال: {لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف: 10]، فبقي بعدها في دوامةِ ابتلاءاتِ وعناءٍ وبُعْدٍ عن والدِه سنواتٍ طويلةٍ ليصلَ إلى ما وصلَ إليه من منصبٍ ورياسة، وهكذا جزاءُ كلِّ صابرٍ مؤمنٍ بقضاءِ اللهِ، ويزيدُ كرمُه عليه السلام بعفوِه عن إخوتِه، ويأتي كرمُ الله بأن سَخَّرَ أباهم يستغفرُ لهم فيتوبون وتَحْسُنُ توبتُهم.

 

وانظروا- يا رعاكم الله- إلى ما فعلَ الحسدُ مع قابيل لما حَسَدَ أخاه هابيل، لما تقبلَ اللهُ من أخيه ولم يُتَقَبَّل منه؛ لأنه أخرجَ أسوأَ ما عنده، فماذا كانت النتيجة؟ وماذا أراد قابيلُ فعلَه؟ لقد صَمَّمَ على قتلِه! لأنَّه يَرى- على زعمِه- أن قتلَه فيه راحةٌ لنفسِه حتى لا يراه مرةً أخرى؛ لأنَّ الحاسدَ كلما رأى محسودَه تألَّمَ وتضايق وعلاه الهمُّ، فيقول الله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30]، فكانَ الجزاءُ عظيمًا، والعقابُ وخيمًا، فلا يَقْتُل إنسانٌ إنسانًا ظلمًا في هذه الأرض، إلا كان على ابنِ آدمَ الأولِ كِفْلٌ منها؛ لأنَّه أولُ من سَنَّ القتل، كما جاء في الحديث.

يا طالبَ العيشٍ في أمْنٍ وفي دعةٍ   ***   رغدًا بلا قَتَرٍ صفوًا بلا قلــــــــــــــقِ 

خلِّصْ فؤادَكَ من غِلٍّ ومِن حســـدٍ   ***   فالغِلُّ في القلبِ مثلُ الغُلِّ في العُنُقِ 

 

سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أفضل؟ قال: «كلُّ مَخْمُومِ القلبِ صدُوقِ اللسان»، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بَغْيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ»؛ (صحيح ابن ماجه).

 

قال ابنُ عقيل: اعتبرتُ الأخلاقَ- أي تأمَّلتُها – فوجدتُ أكثرَها وبالًا الحسد، فالحاسدُ مبغضٌ لنعمِ اللهِ على عبادِه، يتألَّمُ من فضيلةٍ تظهر، أو منقبةٍ تُشكر، إن رأى فضلَ اللهِ على عبادِه اغتمَّ، وإن عاين زوالها سُرَّ وفَرِح، فلا راحةَ لحاسد؛ لأنَّه يفرحُ لحزنِ الناس، ويحزنُ لفرحِهم.

 

قال معاويةُ رضي الله عنه: "إياك والحسد، فإنه يتبين فيك قبل أن يتبيَّنَ في عدوِّك"، والحاسدُ اشتغل بما لا يعنيه فأضاع ما يعنيه، والحسدُ رفعةٌ للمحسود؛ إذ النفوسُ لا تَحسِدُ إلا العظيم، وكم من نعمةٍ خَفِيَتْ عن الناسِ أظهرها الحسود، وكم من عبدٍ أُثني عليه بعد أن حُسِد، حُسِدَ هابيلُ فبقي الثناءُ عليه في كتاب الله إلى أن تقومَ الساعة.

 

إخوةَ الإيمان، ما أجملَ سلامةَ صدرِ المؤمنِ! يعيشُ عيشةً هنية، يخرجُ لإخوانِه بحسنِ طويتِه، لا يحمل أحقادًا ولا ضغائن، يرجو أن يلقى اللهَ وليس عنده مظلمةٌ أو حقدٌ أو غِشٌّ لمسلم، يقول الله عن الأنصار رضي الله عنهم، وعن سلامةِ صدورهم من الحسدِ تجاهَ إخوانِهم المهاجرين: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

أما بعد:

فاتقوا الله عبادَ الله واعلموا أنَّ تمنيَ الخيرِ الذي للغير معَ عدمِ تمنِّي زوالِه من أخيك إنما هو غبطةٌ ليس في ذلك حرجٌ أو خطيئة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا حسدَ إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فسلَّطَهُ على هلكتِه بالحقِّ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ الحكمةَ فهو يقضي بِها ويعلمُها»؛ (البخاري)، وفي رواية: «ورجلٌ آتاهُ اللهُ القرآنَ فهو يتلوه آناءَ الليل وآناء النهار»؛ (البخاري)، وإنَّ مما يعينُ على تركِ الحسدِ أن تدعوَ لأخيك بالبركةِ إذا رأيتَ منه ما يعجبك، حبًّا له في الخير، وتطييبًا لنفسِه وسلامةً لصدرك، وكذلك اتقاءً لشرِّ العينِ كما في الحديث: «إذا رأى أحدُكم من أخيه ومن نفسِه ومن مالِه فليُبَرِّكْه؛ فإن العين حق»؛ (السلسلة الصحيحة)، والدعاءُ لأخيك المسلمِ بظهرِ الغيبِ عمومًا فيه خيرٌ كثير لك، فإنه يؤمِّن مَلَكٌ على دعائِك ويقول: آمين ولك بمثل، وكذلك يُشرعُ لأيِّ شخصٍ إذا رأى ما يعجبُه أن يذكرَ اللهَ تعالى كما جاء في قصة الجنتين في سورة الكهف قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]، وكذلك على الحاسدِ أن يقنعَ بما قسمَ اللهُ له، وليكن عنده يقينٌ أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأرزاقَ مكتوبةٌ، فلا يأسف على ما فاته، فإن ما كَتَبَ اللهُ له خيرٌ له، وما زوى عنه مما لا يعلمُه العبدُ لو علمَه لما اختارَ إلا ما اختارَ اللهُ له؛ لأنَّ المؤمنَ يعلمُ أنَّ اللهَ لا يقضي له قضاءً إلا قضاءَ خير، فسلِّم أمرَك للهِ، وتذكَّر الغايةَ التي خُلقت لأجلِها، واشتغل بها، فإن من أشغلتْهُ آخرتُه كفى نفسَه همومَ الدنيا، واستعدَّ لهمومِ الآخرة .

 

عباد الله، إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى فيه بملائكتِه المسبحةِ بقدسِه، وثلَّث بكم أيها المؤمنون من جِنِّه وإنْسِه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56].

____________________________________________________________

الكاتب: وليد مرعي الشهري