عداء الغرب للإسلام

منذ 2022-11-29

المسلمون الآن في مواجهة حملة كُبْرى، غايتها المُعلَنة ردُّهم عن الإسلام، وفي هذا الهجوم الذي يتعرَّضون له عليهم التسلُّح بالعلم ونَشْر الحقائق؛ فالفِكر لا يُحارَب إلا بالفكر.

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ استقرَّت دوائرُ الهيمنةِ الاستعماريَّة في الغرب على اعتبار الإسلام هو العدو البديل.

 

يقول جون إسبوزيتو في كتابه "التهديد الإسلامي: خُرافة أم حقيقة؟!": يُشكِّل الإسلامُ القوة الأممية الأكثر نفوذًا وقدرة على لَمِّ الشَّمل في العالم؛ إذ يَبلُغ عدد المؤمنين بالإسلام أكثر من بليون مُسلِم مُنتشِرين في أرجاء الدنيا، ويُشكِّل المسلمون أغلبيَّة في حوالي 56 بلدًا تَمتدُّ ما بين إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا، كما أن وجودهم يَنمو، وأعدادهم كبيرة في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا، وبالنسبة للعالم الأوربي الذي اعتاد طويلاً على رؤية عالَمية وسياسة خارجية ترتكِز على المنافسة بين القوى العظمى لحيازة النفوذ العالمي، بل والهيمنة؛ فالصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي غالبًا ما كان يَتِمُّ تصويره على أنه صراع بين الخير والشر، الرأسمالية والشيوعية - لما كان الأمر كله يُمثِّل إغراءً لتحديد خطر أيديولوجي عالمي آخر لملء فراغ التهديد الذي تخلَّف عن اندحار الشيوعية، ومهما كانت الحقيقة مختلفة، فإن وجودَ الإسلام ديانةً عالمية وقوة أيديولوجية تَحتضِن أكثرَ من خُمس سكان العالم وحيويَّته المستمرة ونفوذه في عالَم إسلامي مُمتدٍّ من إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا - سوف يَستمرُّ في رفْع منظور الخطر الإسلامي.

 

وبينما كان القادة الغربيون يُحاوِلون تشكيل النظام العالمي الجديد، تصاعدَت فكرة اعتبار الإسلام الأممي العدو العالمي الجديد المتكتِّل ضد الغرب، وبالنِّسبة لبعض الأمريكيين الذين يبحثون عن عدوٍّ جديد يَختبِرون ضده قوَّتهم وعزْمهم بعد موت الشيوعية يعتبر الإسلام الخَصم المفضَّل، ولكن إعلان أن الإسلام عدوُّ الولايات المتحدة سيكون بمثابة إعلان حرب باردة ثانية، ليس من المُحتمِل أن تنتهي بنَفْس النَّصر المدوِّي الذي انتهت به الحرب الأولى، ومن سوء الحظِّ أن صُنَّاع السياسة الأمريكيين، شأنهم شأن وسائل الإعلام، غالبًا ما برهنوا على أنهم قِصار النَّظرِ يُصوِّرون العالَم الإسلامي والحركات الإسلامية على أنها كتلة واحدة صماء، ولا يرونها سوى في ضوء التطرُّف والإرهاب"[1].

 

هذا ما يقوله جون إسبوزيتو - أحد كبار خبراء السياسة الأمريكية - فهو أستاذ الدِّين والشؤون الدولية بجامعة جورج تاون، كما عمِل مستشارًا بوزارة الخارجية الأمريكية، الرأي العام الأمريكي مُهيَّأ إذًا لاعتبار الإسلام هو العدو البديل للاتحاد السوفيتي، ومن التضليل المتعمَّد لدى كثير من كُتَّاب الغرب وصُنَّاع السياسة فيه أنهم يجعلون الإسلام والمسلمين شيئًا واحدًا، ولو طبَّقنا هذا الخلطَ المتعمَّد بين الدِّين وسلوكيات مُعتنِقيه لكانت النتيجة مُفزعة بالنسبة للمسيحية كدِينٍ؛ فالشعوب المسيحية في أوروبا والأمريكتين عاشت حياتَها كلَّها في حروب وعُدوان وسَفْك دماء، فهل يعني ذلك أن المسيحية والشعوب التي تَدين بها شيء واحد، كما يفعل الغربُ في رؤيته للإسلام وحديثه عنه من خلال رؤيته لقِلَّة قليلة من مُعتنِقيه هم في حقيقة الأمر جاهلون به، خارجون عن تعاليمه، خطرهم عليه أشدُّ من خطر أعدائه.

 

وحدث 11 سبتمبر 2001، دمَّر بُرْجي مركز التجارة العالمي في نيويورك - رمز القوة الاقتصادية للولايات المتحدة - كما طالت شظاياه البنتاجون رمز القوة العسكرية الأمريكية، ففقَد كثيرٌ من المسؤولين صوابَهم وانطلقت صيحات الانتقام في كلِّ مكان، ولقد واكَب حدوث زلزال 11 سبتمبر الرهيب أن كان اليمين الأمريكي ذو المعتقدات الصِّهْيونية في السُّلطة، وهؤلاء بمسيحيَّتهم الأصوليَّة يحملون قَدْرًا كبيرًا من العداء للعرب والمسلمين، فساعَد ذلك بوسائل إعلامه الجبَّارة على ترسيخ الزَّعم بمسؤولية الإسلام والمسلمين عن ذلك الحادث الإرهابي الفظيع.

 

وهيهات أن تسمع في خضمِّ ذلك الضجيج العالي أيَّ أصوات مُعارِضة لذلك، وفي الحملة على الإسلام والمسلمين برزت دعوات تنادي بضرورة تغيير ثقافاتهم وسلوكياتهم وإخضاعها للمفاهيم الغربية، ثم ما لبثت أن أَعلَنت بوضوح أن أفضل الوسائل لإخضاع المسلمين هي ردُّهم عن الإسلام، وتحويلهم إلى المسيحية.

 

ففي 30 يونيه 2003 أصدرت مجلَّة تايم الأمريكيَّة عددَها الأسبوعي، وكان موضوعه الرئيسي: هل يجب على المسيحيين تنصير المسلمين؟ وهذا مُلخَّص لبعض ما جاء فيه:

"منذ قرن من الزمان لم تُثِر فكرةُ تنصير المسلمين مِثل هذه الحميَّة بين المحافظين المسيحيين، أما الإنجيليون فقد اندفعوا إلى ما صار يُعرَف بآخر مجالات التنصير الملتَهِبة، مُستخدِمين احتياجات المسلمين المادية والرُّوحية، مُقتنِعين بأن شعوبًا بالملايين لم يَصِلها الإنجيل، وأن ذلك صار ضروريًّا الآن قبل عودة المسيح الوشيكة، وتُبيِّن الأرقام من مركز دراسة المسيحية العالمية في ماساشوستس أن عدد المُنصِّرين في البلاد الإسلامية قد تَضاعَف تقريبًا بين عامي 1982، 2001 من 15000 إلى أكثر من 27000 مُنصِّر، منهم أمريكي بين كلِّ اثنين، ومنهم إنجيلي بين كل ثلاثة، ويقول جورج براسويل أستاذ إرساليات التَّنصير: لدينا الآن مُنصِّرون أكثر من أيِّ وقتٍ مضى لنذهب إلى الشُّعوب المسلمة، إن 11 سبتمبر قد أشعل الشَّرارة.

 

إلا أن هذه الفَوْرة تأتي مُتطابِقة مع قيود على أنشطة المُنصِّرين وضعتها نُظُمُ الحُكْم في البلاد ذات الأغلبية المسلمة مع تَزايُد العداءِ للوجود العسكري الغربي فيها، وقد أدَّت هذه الضغوط أحيانًا إلى انفجارات مأساوية حيث قُتِل أربعة مُنصِّرين في اليمن ولبنان، يقول ستان جوثري مؤلِّف كتاب: إرساليات التنصير في الألفية الثالثة: لقد بدأ الناس في حساب التكاليف، فعندما تكون مُنصِّرًا في مكان خطأ في الوقت الخطأ فإنك قد تُقتَل، إن مِثْل هذه المخاوف إضافة إلى دخول الإنجيليين المُنصِّرين إلى أفغانستان والعراق في أعقاب دخول القوات الأمريكية فيها - قد أثار مشاكلَ أخرى، فبعض العاملين في الحقل التنصيري يقولون: إن بعض أساليب المنصِّرين الاستفزازية قد تَذهَب بكلِّ المساعدات الخيرية التي يُقدِّمونها، ويتَّهِم النُّقادُ المسلمون المُنصِّرين بالكَذِب فيما يتعلَّق بحقيقة شخصياتهم ومُعتقداتهم من أجل تحقيق أهدافهم، وبما أن التَّوترات بين الإسلام والغرب مستمرَّة في التصعيد، فإن بعض الخبراء بالشرق الأوسط قد بدؤوا يتساءلون عما إذا كان المنصِّرون هم ذلك النوع من سفراء الولايات المتحدة غير الرسميين الذين تحتاجهم منطقة تَعِجُّ بالحديث عن الحرب المقدَّسة.

 

يقول تشارلز كمبول المدير السابق لمكتب الشرق الأوسط التابع للمجلس القومي للكنائس في الثمانينيات: إن المنطقة تَمُر بمُنعطَف خطير، وليس هذا الوقت المناسب لدخول جماعات أجنبيَّة فيها، فإن هذا مِثْل دخول شخص معه عود ثِقاب مُشتَعِل إلى غُرْفة مفرقعات، ويلبس قميصًا عليه اسم يسوع، وفي عشرات البلاد الإسلامية ترفض إعطاء فيزا للمُنصِّرين، فإن كثيرًا منهم يَحترفون مِهنًا أخرى، وتبقى هناك مصاعب طارئة نتيجة لعَجْرفة بعض المنصِّرين وجَهْلهم السياسي.

 

ويقول روبرت سيبل السفير لمراقبة الحرية الدِّينية حتى عام 2000: لقد لاحظت أن كثيرًا قد أساؤوا نَقْل رسالتهم إلى الآخرين؛ نتيجة أساليب غير ملائمة، فينشأ عن ذلك الاضطهاد، وهنا كان من الأفضل لو أنَّ هؤلاء المُنصِّرين بَقُوا بعيدًا في أوطانهم.

 

وقد ظهر أن 97% ممن لم يَصِلهم الإنجيلُ يعيشون في نافذة بين خطَّي عَرْض 40،10، وأن أغلبَ تلك الشعوب خاضعة للإسلام والهندوكيَّة والبوذية، وأخيرًا للشيطان!

 

وهناك محاولات بعض المُنصِّرين في التمويه وإخفاء عقيدتهم، والزَّعم بأنها نوعٌ من الإسلام، فيَدْعون المسلمين إلى مساجد يسوع، ويُعلِنون شهادةَ أن لا إله إلا الله، أو أنهم يُعتبرون من بعض متصوِّفي الإسلام، ويشكو المنصِّرون دائمًا من المعاناة؛ نتيجة لفكرة المسلمين بوجه عام من الأمريكيين أنهم مصدر الثقافة السَّاقطة والإباحية، ولكن مع موجة الهجمة التنصيرية الحالية والوضع الحسَّاس في الشرق الأوسط، فقد يُساعد المنصرون في التأثير على مفاهيمِ العالَم الإسلامي عن أمريكا، ولقد قيل الكثير عن فرانكلين جراهام أكثر المتطاولين على الإسلام؛ إذ وصفه بأنه: ديانة شريرة جدًّا، وهو من المفضَّلين عند إدارة بوش؛ فقد كان واعظ قداس الجمعة الحزينة في البنتاجون، كما أنه أحد ممولي تقديم الإنجيل للأُمَّة المُحرَّرة في العراق، ولم يَحدُث منذ عقود من السنين أن كان العراق رأس جسرٍ للتنصير هكذا".

 

واضح إذًا أن الشعوب الإسلامية تتعرَّض حاليًّا لهجمة تنصيرية كبرى لم تَحدُث من قبل، وهي هجمة تقوم بها تنظيمات دولية مُدعَّمة بالأموال ووسائل الاتصال والإعلام المختلفة.

 

ولقد نشرت صحيفة الهيرالدتربيون مقالاً بتاريخ 28/5/2003 بعُنوان:

في أمريكا، محاولة استمالة المسلمين أو الحرب عليهم، وكان مما جاء فيه: "اجتمع عددٌ من المبشرين الإنجيلين من مختلف الولايات المتحدة الأمريكية في أحد أيام السبت القريبة بإحدى الكنائس، وذلك في مؤتمر استغرق يومًا كاملاً، كان الهدف الرئيسي منه هو كيفيَّة استمالة المسلمين وحضَّهم على ترْك الإسلام، شجَّع المتحدِّثون الأسلوبَ الطيب؛ بحيث يُظهِرون للمسلمين الحبَّ والوُدَّ والكَرمَ، وحَمْل نُسخٍ من العهد الجديد لإهدائها لهم، ويقولون: إنهم يتمنَّون تحويلَ المسلمين في الولايات المتحدة - وكذلك الذين يقومون بمهامَّ خارج أوطانهم - عن عقيدتهم، ويتشرَّب الكثيرون الآن الكراهيةَ والعُدوان للإسلام من جذور الحركة التبشيرية المسيحية، التي بدأت العام الماضي مع التعليقات المثيرة للفتن التي قيلت على ألسنة بعض الوزراء، واللغة الحادة من هؤلاء القادة المبشِّرين أمثال فرانكلين جراهام وجيري فالويل وبات روبرتسون وجيري فاينس، أثارت توبيخات من المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء.

 

وفي الكنائس التبشيرية والمؤتمرات في كافَّة أنحاء الولايات المتحدة تُلْقى المحاضرات وتُوزَّع الكتب المناهضة للإسلام، التي تُشجِّع على السياسات الداعية إلى تحويل المسلمين عن عقيدتهم بشكل مُتوسِّع، والمجموعة الموجودة بإنديانا بولس، التي قادت مسيرة التصادم مع الإسلام هنا تدَّعي بأنها قامت بتدريب 4500 أمريكي مسيحي لتحويل المسلمين عن عقيدتهم في السنوات السِّتِّ الأخيرة".

 

المسلمون الآن في مواجهة حملة تنصيرية كُبْرى، غايتها المُعلَنة ردُّهم عن الإسلام، وإدخالهم في المسيحية، وفي هذا الهجوم الذي يتعرَّضون له عليهم التسلُّح بالعلم ونَشْر الحقائق؛ فالفِكر لا يُحارَب إلا بالفكر.

 

ومهما يكُنْ من أمرٍ فلن يكون مصير هذه الهجمة التنصيريَّة على المسلمين أفضل من مصائر سابقاتها، فكم أَعلَنوا مرَّات ومرات عن ضرورة الانتهاء من تنصير المسلمين قبل نهاية القرن العشرين، وقد خاب ظنُّهم بفضل الله.

 

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال: 36، 37].

 


[1] التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة؟ تأليف جون إسبوزيتو – ترجمة دكتور: قاسم عبده قاسم، الناشر: دار الشروق [ص: 18 - 20].

أحمد عبد الوهاب

لواء سابق بالجيش المصري، ورئيس مجلس إدارة المركز الإسلامي بالعزيز بالله بالقاهرة