دلالات تنامي المقاومة في القدس والضفة الغربية

منذ 2022-11-29

ما مستقبل المواجهة المتنامية في القدس ومدن ومخيمات الضفة الغربية ضد الكيان الصهيوني؟، وما فرص تحول هذه المواجهة إلى انتفاضة ثالثة؟، وما هي دلالات عملية التفجير الأخيرة في الشطر الغربي من القدس المحتلة...

جاءت العملية النوعية التي استهدفت بتفجيرين متزامنين محطتين متقاربتين للحافلات في الشطر الغربي من مدينة القدس المحتلة، يوم الأربعاء 23 نوفمبر الجاري، في سياق التنامي الملموس للفعل المقاوم، الذي تشهده الضفة الغربية، منذ بضعة شهور، وما يزيد هذه العملية أهمية أنها الأولى من نوعها منذ ستة أعوام، وأدت إلى مقتل صهيوني وجرح عشرات آخرين.

وما يضفي على هذه العملية أهمية مضاعفة أن منفذها -وبحسب شرطة الكيان- استخدم في تنقله دراجة كهربائية، ووضع المتفجرات في حقيبة، ووضعها في محطة الحافلات، وغادر المنطقة من دون أن يترك أي أثر يدل على هويته وشخصيته، وذلك على الرغم من رمزية المكان المستهدف، والإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها سلطات الكيان في القدس المحتلة.

 

ما تشهده الضفة، بما في ذلك القدس على بين الحين والآخر، من نشاطات مرتبطة بالمقاومة الفلسطينية، لا يخرج عن إطار تعريف الانتفاضة كحركة شعبية تقاوم ضد الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل، وإن اختلفت وتيرتها صعوداً وهبوطاً

وتضاف هذه العملية إلى سلسلة من العمليات الفدائية المتنامية في الضفة الغربية والقدس منذ مطلع العام الجاري 2022، وأسفرت حتى اللحظة عن زهاء 30 قتيلاً صهيونياً ومئات الجرحى، لتسجل أكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف الصهاينة منذ انتفاضة القدس عام 2015، والتي أسفرت في حينه عن 29 قتيلاً.

وشكلت معركة "سيف القدس" وهو الاسم الذي تطلقه المقاومة الفلسطينية على الحرب الصهيونية الرابعة على غزة في مايو 2021، نقطة تحول مفصلية على صعيد العمل المقاوم في الضفة الغربية، وكانت مصدر إلهام لمجموعات ثورية شبابية بدأت تأخذ طابع التنظيم من خلال تشكيل "كتيبة جنين"، وما تبعها من تشكيلات أخرى على غرار "عرين الأسود" في نابلس، وخوض اشتباكات مسلحة مع قوات الاحتلال والتصدي لعمليات اقتحام للمدن والمخيمات الفلسطينية.

هذه المجموعات أصبحت مصدر خطر داهم بتهديدها الاحتلال وقطعان المستوطنين على مدار الساعة، ومع تنامي أنشطة هذه المجموعات، ويضاف لها عمليات فردية نوعية بدون غطاء تنظيمي، تطرح أسئلة كثيرة حول مصير هذه الأحداث المتامية في الضفة الغربية، وهل يمكن أن تتحول إلى انتفاضة عارمة، ولكن قبل البحث في إجابة لهذين السؤالين، ينبغي الوقوف على أسباب اشتعال الساحة هناك..

ما تشهده الضفة، بما في ذلك القدس على بين الحين والآخر، من نشاطات مرتبطة بالمقاومة الفلسطينية، لا يخرج عن إطار تعريف الانتفاضة كحركة شعبية تقاوم ضد الاحتلال الصهيوني بكل الوسائل، وإن اختلفت وتيرتها صعوداً وهبوطاً حسب تطورات الميدان، ولكنها لا تتوقف إلى حد السكون التام لفترة زمنية طويلة.

 

استناداً لهذا الواقع، لم تعد المقاومة العسكرية تقتصر على القوى الفلسطينية المعروفة، بل تشكلت حالة شعبية فلسطينية تحوّل بها كل شاب فلسطيني إلى مشروع فدائي يمكنه تنفيذ عملية ضد أهداف صهيونية في التوقيت والمكان والظرف الذي يختاره

لقد دخل مصطلح الانتفاضة للقاموس السياسي -ليس فلسطينياً وحسب وإنما على المستوى العالمي- مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987، والتي يطلق عليها الفلسطينيون "انتفاضة الحجارة"، واتسمت آنذاك بالنشاط الشعبي المناهض للاحتلال، باستخدام وسائل وأدوات لا ترقى إلى المستوى الأشد عنفاً الذي تحدثه الثورات المسلحة، فبرزت أدوات ابتكرها الفلسطيني في سياق تفكيره الدائم بحثاً عن الحرية والخلاص من الاحتلال، فكان الحجر والمقلاع والزجاجات الحارقة "المولوتوف".

وتكرس مفهوم الانتفاضة فلسطينياً مع اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر من العام 2000، لكنها هذه المرة اتخذت بعداً أكثر لجوءاً إلى الأنشطة العسكرية المناهضة للاحتلال، وبرز دور العمل المنظم الذي تضطلع به الفصائل وأذرعها العسكرية المسلحة، ولم تقتصر العمليات ضد الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة عام 1967، وإنما امتدت إلى داخل العمق الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

ومع مرور الوقت وتعقيدات الميدان، لم تعد الأنشطة العسكرية ضد الاحتلال مقتصرة على الفصائل، وشهدت الساحة الفلسطينية منذ العام 2015، وبازدياد ملحوظ عقب معركة "سيف القدس"، عمليات فردية لشباب غير منضوي تحت رايات فصائل وقوى تقليدية، وإنما كانت دوافعه تنامي حالة الغضب، جراء سياسات صهيونية قتلت الأمل في نفوس الشباب الفلسطيني، فانطلق عدد منهم بقرار ذاتي ونفذوا عمليات نوعية، تفقد دولة الكيان بكل ما تمتلكه من مقومات وتقنيات استخبارية على وقفها أو التنبؤ بوقوعها، فكانت الضربات في مواقع مؤلمة، كما عملية تفجير محطة الحافلات في القدس المحتلة، حيث اعترفت دولة الكيان أنها لم ترصد أي إشارات لوقوعها.

واستناداً لهذا الواقع، لم تعد المقاومة العسكرية تقتصر على القوى الفلسطينية المعروفة، بل تشكلت حالة شعبية فلسطينية تحوّل بها كل شاب فلسطيني إلى مشروع فدائي يمكنه تنفيذ عملية ضد أهداف صهيونية في التوقيت والمكان والظرف الذي يختاره، ويبدو من تطورات الميدان في الضفة الغربية والقدس أن هذه دولة الكيان تقف عاجزة عن إخماد وهج هذه الظاهرة المتنامية، بل إن كل شهيد يعطي لغيره المثل بارتقائه، ويخرج من يسير على دربه ويبدع في اختيار طريقة وآلية تنفيذ عمليته الفدائية.

وتشير الأرقام التي رصدها ما يسمى بجهاز الأمن العام المعروف باسم "الشاباك" في دولة الكيان، إلى أن العمليات الفدائية التي استهدفت مواقع وأهداف صهيونية، ليست موجة عابرة، وإنما حالة متنامية وتستقطب يوماً بعد يوم شباب يؤمن بالمقاومة طريقاً للخلاص من الاحتلال، وبحسب هذه الأرقام فإنه حتى منتصف شهر نوفمبر الجاري وقعت أكثر من 2214 عملية قتل خلالها 30 صهيونياً وجرح المئات، مقارنة بـ 2135 عملية وقعت طوال العام الماضي وقتل خلالها 20 صهيونياً، وهي أرقام تؤشر إلى أن المنحنى الثوري المسلح آخذ في التصاعد.

وعلى خطورة هذا النمط من عمليات إطلاق النار الفردية، غير أن عملية القدس الأخيرة بثت الرعب في أوساط دولة الكيان، حيث أعادت إلى الأذهان عمليات التفجير، سواء باستخدام أجسام مفخخة أو الاستشهادية، والتي زلزلت أمن دولة الكيان لسنوات، وأثرت في كافة مناحي الحياة فيها، وعودة الفلسطينيين إلى هذا النوع من العمليات يمثل هاجس بالنسبة لدولة الكيان.

 

عملية القدس الفدائية.. دلالات وملاحظات جوهرية:

لا تقاس أهمية هذه العملية بحجم الخسائر التي أوقعتها، وإنما بتوقيتها والمكان المستهدف، وبسهولة وصول المنفذين وانسحابهم بسلام من دون كشف هويتهم، وهي أمور تعكس حجم العمل والتجهيز لتنفيذها بهذه الدقة، ونسرد في نقاط دلالات هذه العملية وأبرز الملاحظات المرتبطة بها..

· هذه هي العملية الأولى من نوعها منذ سنوات طويلة، حيث توقفت المقاومة الفلسطينية عن تنفيذ عمليات تفجيرية ضد أهداف في دولة الكيان سواء من خلال العبوات المفخخة أو تلك التي يطلق عليها "عمليات استشهادية" ينفذها فدائي بتفجير نفسه.

· عملية القدس جرت باستخدام عبوة ناسفة فجرها المنفذ عن بعد بواسطة جهاز تحكم، الأمر الذي يظهر تطوراً في التفكير الفلسطيني المقاوم، وتوظيف التكنولوجيا في نشاطات المقاومة.

·اختيار مكان العملية في الشطر الغربي من مدينة القدس المحتلة له دلالة مهمة، فالمنفذ أراد إيصال رسالة مهمة بقدرته على الوصول إلى أماكن ذات مراقبة أمنية مشددة، وكذلك حرصه على اختيار منطقة جغرافية لا يتواجد بها سكان من الفلسطينيين، لتجنب وقوع ضحايا عرب.

· إن وقوع عملية أخرى بنفس الطريقة والأسلوب في المدى القريب سيؤشر إلى أنها ليست عملاً فردياً عابراً، وإنما عودة إلى العمل المنظم لمثل هذا النمط من العمليات الفدائية، والتي سيكون لها ارتدادات مهمة على أكثر من صعيد وعلى العلاقة اليومية بين شعب محتل واحتلال احلالي استعماري.

· إذا ثبت ما تذهب إليه التحقيقات الأولية لأجهزة الأمن في دولة الكيان بأن المنفذ ربما يكون من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، فهذا يزيد من خطورة ما ينتظر دولة الكيان، نظراً لسهولة وصول هؤلاء الفلسطينيين إلى عمق مدن دولة الكيان وأكثر الأماكن اكتظاظاً وازدحاماً.

· الارتباك الذي أصاب الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية في دولة الكيان قد يدفعها إلى التهور بشن عدوان مباغت، سواء بحرب جديدة على قطاع غزة، أو باجتياح واسع لمدن في الضفة الغربية، وارتكاب مجازر، وهذا يتطلب الحذر على الصعيد الفلسطيني، ولكن من الجهة المقابلة فقد يكون مثل هذا الفعل بمثابة "صاعق" يفجر المنطقة وتخرج عن السيطرة والاحتواء نحو انتفاضة شعبية عارمة بلا سقف زمني.

_________________________________________________________

الكاتب:  أحلام حماد