هَمَسات .. في كلمات ... (16)

منذ 2022-12-03

وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة السادسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح

الحمد لله العزيز الوهاب، الكبير المتعال، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأزكاهم، وأعبدهم وأتقاهم، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد فها قد وصلنا بفضل الله ومنَّته إلى الحلقة السادسة عشر من هذه السلسة التي نسأل الله أن يجعل لها القبول، وأن تكون لبنة في سبيل الإصلاح وراية تهدي إلى طريق الفلاح:

عندما تتصفح بعض المجلات القديمة تجد فيها مقالات رائعة في سردها، بديعة في بلاغتها، تطرب القارئ، وتجعله يتعجب من كاتبها وامتلاكه ناصية البيان وجودة التعبير، وكاتبها هذا أصبح تحت أطباق الثرى مرهون بعمله، وقد حباه الله في حياته بموهبة وقدرة على البيان، إلا أن كثيرا منهم سخرها في توافه الأمور، ولم يستخدم قلمه في نصر الحق وأهله، ومحاربة الباطل وحزبه، فكم هي حسرة هؤلاء الآن، ماذا لو كتب علمًا ينتفع الناس به بعد موته لكان أجره مستمرا إلى الآن وإلى أن يشاء الله، ماذا لو جعل موهبة الكتابة نبع للحسنات بعد الممات، الأشد خسرانا من الصنف هذا، صنف سخر قلمه في محاربة الأخلاق والفضيلة والدعوة إلى المنكر والرذيلة، ومناصرة أعداء الإسلام، كم من الكتاب فيما مضى حارب الحجاب وحارب تطبيق الشريعة، وكم منهم من طعن في السنة وانتقص من حملتها، وهناك من مجد أعداء الأمة وحاول التنفير من سلفها الصالح، أي حسرة لاقى هؤلاء بعد وفاتهم، ربما تجري عليهم سيئاتهم بعد موتهم بسنين، المهم علينا الاعتبار واستغلال مواهبنا في ما ينفعنا في الحياة وبعد الممات، وأقل القليل ألا نجعلها في الصد عن سبيل الله وفتنة الناس عن دينهم فنندم كما ندم من قبلنا.

--------------

 «القرآن حجة لك أو عليك» هكذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، هذا يشمل من حفظه ومن لم يحفظه، من كان مواظبا على قراءته أو من لم يفتحه لشهور أو سنين، في الإسلام لا يوجد عندنا رجال دين ورجال دنيا، الكل سيسأل، الكل مطالب بنصرة الحق ونبذ الباطل لأن ( «القرآن حجة لك أو عليك» ) وفي الحديث المشهور ( «مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ» ) هذا يشمل الحاكم والمحكوم، العالم والجاهل، التاجر والفقير، والواعظ والموعوظ كلهم مطالبون، والكثير للأسف ينأى بنفسه عن المسؤولية لأنه بزعمه (ليس مطوعًا) ونسي أو تناسا أن الله قال ( {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ) أجمعين وليس المطوعين أو من يسميهم رجال الدين أو الإسلاميين، الكل مطالب بإنقاذ نفسه وأهله ( {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ) ويلخص ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( «كلُّكم راعٍ ومسؤولٌ عن رعِيَّتِه» ).

---------------

نحن في عالم غريب وعجيب، لو قصصنا أحوالنا على من سبق ربما لظن أننا مجانين أو نكذب عليه، ومن أعجب وأسخف الأفكار التي انتشرت في هذه الآونة فكرة النسوية التي يروق للبعض أن يسميها (الفسوية)، وهؤلاء نشطون جدا في نشر أفكارهم ومن ورائهم دول كبرى ومنظمات عالمية، وانقلبت من اتجاه محارَب إلى محاربة من لا يؤيدهم، وهذا الاتجاه يريد أن يجعل المرأة رجل، بحيث يكلفها أعباء الرجولة، ويزعم أن ذلك مساواة، والمساواة ليست دائما عدل، بل قد تكون ظلما، وحتى يبرروا باطلهم ويروجوا قذارتهم أخذوا يرفعون شعارات مثل: (جسدك ملك لك) وهذا كذب صريح ولا دليل عليه البتة، فكيف تملك المرأة جسدها وقد كانت عدما، وفي أثناء حياتها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وهذه الحركة قد نخرت في المجتمع الغربي وفككته، وهي في طريقها لتفذف به في هوة سحيقة، ولكن لم يعجبهم تماسك الأسرة المسلمة فوجهوا سهامهم إلى بلاد المسلمين يخدعون بنات وشباب المسلمين بشعارات براقة لكنها زائفة، وإذا لم نأخذ على يد هؤلاء السفهاء فإن الهلاك سيعمنا جميعا، كما قال الصادق المصدوق ( «فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا» ) فعلينا تربية أبناءنا تربية إسلامية صافية وذلك من خلال تقديم القدوات الصالحة لهم من أنبياء وصحابة ومن تبعهم بإحسان، وكذلك محاربة هذه القاذورات قدر المستطاع، لأنها لم تدع شيء تقريبا إلا ودخلته حتى ألعاب الأطفال وأفلامهم الكرتونية.

---------------

 مما يقضي على الشبهات والوساوس التي يلقيها شياطين الإنس والجن على المسلم استشعار علاقته بربِّه، فأنت مخلوق والله خالق، ( {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ) والله ( {الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} )، وأنت ظلوم جهول والله عليم خبير، وأنت من ماء مهين والله هو الواحد القهار، وأنت الفقير والله الغني الحميد، والنتيجة أنت عبد مقهور والله {(عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)} ، أي أنك محتاج إلى عبادة الله والخضوع له قال تعالى: {(لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ)} ، وأما إنْ عصيت وتكبرت على ربك فقد قال الله: {(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)} ، من ذلك يتبين أنَّ أي اعتراض على أوامر الله تعالى، والطعن في الشريعة هو قمة السفه والحمق، إذ أنك محتاج إلى الله في جميع أمرك ، وواقع تحت سلطان الله وقهره في كل لحظة، فكيف يكون في نفسك شك أو حرج من أمر الله،  ومن استحضر هذه المعاني فسوف يفرُّ إلى الله، ولن تقف في وجهه شبهة أو شهوة، لأنه عرف ربه وعرف حقيقة نفسه، والنظر في القرآن وفي آيات الله الكونية مما يعرِّف الإنسان بنفسه وبخالقه جل وعلا، قال تعالى:( { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} ) وقال جل شأنه عن آيات الكون المنظور { (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)}

---------------

الخباز والكاتب الجيد،بينهما تشابه في عملهما،فالخباز عندما يعجن العجين ويضيف إليه الخميرة،يتركه وقت حتى يختمر 

ويصبح جاهز للاستعمال في التنور أوالفرن،وهكذا الكاتب عليه أن يكتب ثم يترك ما كتبه مدة لكي يختمر، ثم يعود إليه ويضيف إليه ويحذف منه، ويعدل وينقِّح، ويتركه أيضا ليختمر، ويعمل هذا عدة مرات ثم يبثه للناس فيكون لذيذا شهيا يتلقفه القراء ويبحثوا عن نتاجٍ غيره، وأيضا مما يختمر عند الكاتب الأفكار في ذهنه فتحتاج إلى وقت مناسب، وتغذية مناسبة لكي تختمر، وتغذية الأفكار يكون بالقراءة، والتأمل في الآيات الكونية المنظورة، والآيات الشرعية المسطورة، كما أن مما يغذي الأفكار دقة الملاحظة عند مخالطة الناس بل والحيوانات، فعين الكاتب يجب أن تلبس نظارة ترى ما لا يراه الناس، وتفكر أبعد مما يفكرون، وبالتالي يعكس ذلك ويصوغه في مادة مكتوبة سائغةً للقارئين.

وإلى اللقاء في همسات أخريات، بإذن العزيز الوهاب