ظاهرة اليأس عند  الدعاة

منذ 2023-02-11

إن الناظر فى صفوف الدعاة يجد أن هناك لمحة من اليأس والإحباط قد تسلل إلى نفوس الدعاة والمصلحين مع طول الطريق وقلة الثمرات فترى الكثير الآن يتحدث عن انهزام  الحق وغلبة الباطل وقد تمكن منه اليأس

إن الناظر فى صفوف الدعاة يجد أن هناك لمحة من اليأس والإحباط قد تسلل إلى نفوس الدعاة والمصلحين مع طول الطريق وقلة الثمرات فترى الكثير الآن يتحدث عن انهزام  الحق وغلبة الباطل وقد تمكن منه اليأس وغاب عنه مفهوم الفوز والخسارة فى  القرآن إذ يقول تعالى :" {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}   [الزمر] وقال تعالى :"  { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} " [ آل عمران]

هذا هو مفهوم  الفوز والخسارة عند  الله الفوز هو الفوز بالجنة والخسارة أن تخسر علاقتك بالله  يخسر الطمأنينة والثقة والرضا كما يخسر المال والصحة والولد ويخسر الآخرة بما فيها من نعيم

عندما حفر أصحاب الأخدود للمؤمنين الحفر والأخاديد وألقوهم فيها عبرت الآيات عن ذلك  بأنه الفوز الكبير أى فوز هذا ؟ لقد ماتوا  إنها الشهادة فى سبيل الله كيف وقد  أحرقوا ؟ نعم أحرقوا بنار الدنيا ولكنها لحظة وينطلقوا إلى أعالى الجنان الفائزين برضوان الله والجنة ماذا تساوى لحظة أمام نار الآخرة التى يسلطها على أهل الباطل تحرق أبدانهم خالدين فيها أبدا  قد يرى البعض أنهم ظلموا وأين حقهم فى الدنيا ؟ ألم تسمع قول الله تعالى {﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾} [سورة إبراهيم]

وماذا عن سحرة فرعون فقد عذبهم حتى الموت فما كان ردهم   إلا أن قالوا :" { قَالُوا لَا ضَيْرَ  إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}    فكان هذا الثبات على الحق إنتصار عند الله عزوجل  فحساب الربح والخسارة يصلح للتجارة ولكن العقيدة حق والحق يطلب لذاته  فإننا نعبد الله استحقاق للعبادة ولأنها الغاية من الخلق ولم يطلب منك تحقيق نصر أو انتظار ثمرة  فكما كان غياب مفهوم الفوز والخسارة سبب فى ظاهرة اليأس فمن أسباب اليأس أيضًا

أنك  ترى بعض الناس تعبد الله بالمشارطة على الله فى دينه  وطلب العوض عن البلاء وهل عندما تعمل  أنت فى وظيفة تشترط عليهم فى العقد شيئًا ؟ أم أنه بحسب ما يراه صاحب العمل هؤلاء من يعبدون الله مشارطة قال فيهم  المولى عزوجل :"  {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ  فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ  وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ  ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)} [سورة الحج]

يقول صاحب الظلال  : " والتعبير القرآني يصوره في عبادته لله على حرف )غير متمكن من العقيدة ، ولا متثبت في العبادة  يصوره في حركة جسدية متأرجحة قابلة للسقوط عند الدفعة الأولى ومن ثم ينقلب على وجهه عند مس الفتنة ،  ووقفتهم المتأرجحة تمهد لهذا الانقلاب والمؤمن يعبد ربه شكرًا له على هدايته إليه ، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به فإن كان هنالك جزاء فهو فضل من الله ومنة استحقاقًا على الإيمان أو العبادة والمؤمن لا يجرب إلهه فهو قابل ابتداء لكل ما يقدره له ، مستسلم ابتداء لكل ما يجربه عليه راضٍ ابتداء بكل ما يناله من السراء والضراء  وليست هي صفقة في السوق بين بائع وشار ، إنما هي إسلام المخلوق للخالق ، صاحب الأمر فيه ، ومصدر وجوده من الأساس  والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الخسارة التي لا شبهة فيها ولا ريب

ومتى كان الداعية  إلى الله يعمل لكي يجنى الثمرة فى    الدنيا هل وعده الله بذلك فى كتابه وسنته إذ يقول تعالى "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45 " الوعد كان بالجنة إذ يقول تعالى : {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }  [ الروم 1 - 7]وإن الله عزوجل قرن هذا الوعد بالصبر إذ يقول تعالى  :" {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ  وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)} [الروم]

وبنى اسرائيل قد عذبوا كثير على يد فرعون ولكن كان الأمر من الله لموسى عليه السلام بالصبر  {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا  إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}

فمن راجع الخطاب الدعوي منذ سنوات يجده مليئًا بالمبشرات وقرب النصر للإسلام  وأن الأمة تعيش مرحلة مخاض  وهكذا .....ثم ماذا ؟ طال عليهم الأمد  واصبنا فى واقع مظلم  أكثر من ذي قبل وإذا باليأس يدب إلى القلوب وكأنه  نتاج لاستعجال الثمرة  ألم يسمع  هؤلاء هذا الحديث عن بن عباس قال قال  الرسول عرضت على الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجلان والنبي وليس معه أحد "

ولكن العجلة طبع فى الانسان وجبلة فيه "خلق الانسان من عجل والنفس البشرية ملولة جزوعة تلك جبلتها تجده إذا أبطا على الانسان ما يريده نفد صبره وضاق نسى هذا الإنسان أن للكون سنن لابد أن تتحقق وأنها لا تتبدل ولا تتغير وأن لكل أجل كتاب وأن للثمرة أوان فيه يحين قطافها والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها

فنجد الدعاة من  يبشر أن النصر سيتحقق هذا العام أو العام القادم على الأكثر وهو لا يملك مفاتيح التغيير وأن التغيير له سنن وأن الإسلام يتطلب عمل جاد ومسيرة طويلة وأنه بيأسه هذا يسىء الظن بالله ويقطع على نفسه باب الرحمات فمَن الذي أنزل من السماء ماء بعدما قنط العباد من شدة القحط والجفاف؟إنه الله؟ {﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيدُ ﴾}  [الشورى: 28]. قادر أن ينزل رحماته على الأمة فى اى وقت ولكن كل هذا له أسباب يجب أن يعمل عليها المؤمن  فالنصر لا يأتي إلا بعد صبر

 

ومن الجهل بسنن الله  أيضًا أن يعتقد الدعاة والمصلحين أنهم يبذلون أقصى ما عندهم وأن الله يجب أن يحقق وعده لهم فيكيفون وعود الله على تصوراتهم وغاب عنهم أننا فى الدنيا لطاعة الله والأخذ بالأسباب وأن ما عليهم إلا البلاغ والتى أشارت إليه  آيات كثيرة وليس علينا النتائج  فعلى الداعية أن يربط اجره بالله ومثوبته أما النتائج الدنيوية فإن لم تأت على يده جاءت على يد غيره

ومن الجهل بالسنن الإلهية أن الأصل فى الأرض الابتلاء وهناك فهم خاطىء لحسن الظن بالله فيظل العبد يدعو الله بكل شىء باعتقاد أن الله كريم يعطى بلا حساب وتراه ينتظر ملأ نصف الكوب الفارغ ويعيش سالمًا لا يشاكه شوكه  ونسى تقرير القرآن بأن لابد من البلاء إذ يقول تعالى :"  {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}  "  ويظل يدعو ويدعو ثم إذا لم يتحقق دعاؤه يصيبه اليأس ويقنط ويقول دعوت فلم يستجب الظن بالله وأنه لن ينصر رسله وهو الذى بدوره يوقع المسلم فى براثن سوء يقول ابن القيم :" فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق إضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظن بالله ظن السوء، فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله"

وقد يكون من أسباب اليأس أيضا هو العمل على الإصلاح فى الناس دون النظر إلى النفس وما تحتاجه من تزكية بالأعمال الصالحة والاطمئنان على سلامة العقيدة بالمحن والابتلاءات فقد يكون للمصلح ذنوب فى الخلوات جعلته ضعيفًا فى مواجهة الباطل أو يقل صبره فى مواجهه البلاء أو يكون لنفسه حظ فينتصر لها بمخالفة أقرانه وهذا من اتباع الهوى الذى يصيب القلب فيذله ويبعده  عن الحق وكل ذلك من أمراض القلوب التى تحتاج إلى مداواة وعلاج حتى لا يؤتى الإسلام من قبل الدعاة أنفسهم 

وقد يكون هناك شهوة غير ظاهرة تصيب  الداعية وهى الانتصار للنفس ولو كان على حساب الحق الذى من شأنه يوهن النفس يبين ذلك ابن القيم فيقول  

والقلب يتوارده جيشان من الباطل:جيش شهوات الغي.وجيش شبهات الباطل.فأيما قلب صغا إليها، وركن إليها تشربها، وامتلأ بها، فينضح لسانه، وجوارحه بموجبها،فإن أشرب شبهات الباطل  تفجرت على لسانه الشكوك، والشبهات، والإيرادات  فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه؛ وإنما ذلك من عدم علمه، ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، و إلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرًا للشبهات

وقد يكون من الأسباب أيضا ما نراه من جلد أهل الباطل واستماتتهم فى الدفاع عنه ونشره بين الناس فما بين إلحاد وشذوذ وإباحية تيارات متلاطمة  من الأمواج العاتية التى لا يكاد يتصدى لواحده إلا وأتته التى تليها  مثال لذلك نراه  من خلال دفاع أحدهم عن الملحدين فيجد تصفيق حاد من الكثرة الباطلة والإستماتة في الإتيان بحقه فى المقابل نجد كثير من أهل الحق يبتلوا ولم يلتفت لهم أحد فربما تسبب فى ضعف بعضهم أو يأسه من كثرة العقبات على الطريق

كما أنه  لا توجد  فى السنن إلهية أنه إذا دعيت إلى الحق استجابت لك الناس طواعية ودخلوا فى الدين بدون جدال هذا لم يحدث لا فى عصر النبوة ولا فى أى عصر    إنما هى المدافعة بين الحق والباطل ومحاربة الحق على طول الطريق فالصراع بينهم باقى ما بقيت السموات والأرض إذ يقول تعالى :"  {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} يقول البقاعى فى تفسير هذه الآية  فتارة ينصر قويهم على ضعيفهم كما هو مقتضى القياس، وتارة ينصر ضعيفهم كما فعل في قصة طالوت على قويهم حتى لا يزال ما أقام بينهم من سبب الحفظ بهيبة بعضهم لبعض قائما لفسدت الأرض بأكل القوي الضعيف حتى لا يبقى أحد ولكن الله تعالى بعظمته وجلاله وعزته وكماله يكف بعض الناس ببعض ويولي بعض الظالمين بعضًا وقد يؤيد الدين بالرجل الفاجر على نظام دبره وقانون أحكمه في الأزل يكون سببًا لكف القوي عن الضعيف إبقاء لهذا الوجود على هذا النظام إلى الحد الذي حده ثم يزيل الشحناء على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام ليتم العلم بكمال قدرته واختياره وذلك من فضله على عباده"

 

فلا تيأس إذا عظم البلاء فالأحداث التى نراها قد تكون فى ظاهرها سوء ولكنه قد يكون فى صلاح للبعض قد يقع الإنسان فى الذنب الذى يكون سبب فى ندمه وتوبته إلى الله إذا تاب قبل الله توبته وتغيير حاله مع الله وأصبح أكثر قربًا منه فهكذا الذنب فى ظاهره شرًا لكنه يحمل الخير للمسلم  فليس كل الأشياء تكون فى حقيقتها  شرًا

وأنه الدرس الذى يتعلمه الدعاة أنه لولا التدافع ما كان ليتخذ شهداء ، فيقوموا عند الله بأحسن مقام.    إذ يقول تعالى  :"  {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ  وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)} "

إنها فرصة عظيمة لتمحيص المؤمنين والتمييز بين صفوفهم إذ يقول تعالى :" مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ  وليستخرج الله ما في النفوس من تضحيات  وليحدث ما يكون من العطاء والتقديم لهذا الدين ، كما يستخرج منها الجبن والتخاذل والنفاق والقعود

قد يروى لنا التاريخ حقبة زمنية بعد موت النبى وقد ارتدت قبائل العرب

"مات النبي صلى الله عليه وسلم وأصاب المسلمين ما أصابهم، وارتدت قبائل العرب، حتى ما بقي إلا المدينة ومكة والطائف ومن حولهم من المؤمنين الصادقين، حتى كاد طائفة من المؤمنين أن يشعروا باليأس والإحباط، ثم فرج الله لهم، حتى أن خلافة أبي بكر رضي الله عنه كانت سنتين وأشهراً، وما انتهت خلافة أبي بكر إلا وقد أخضعت الجزيرة كلها، وعاد المرتدون إلى دولة الإسلام، وبدأت الفتوحات في بلاد فارس وفي بلاد الروم، بعد أن كاد أن يصل بهم اليأس حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، وحين ارتدت طوائف العرب "

وماذا عن غزو التتار لبغداد دولة الخلافة الإسلامية يقول راغب السرجانى :" قتل هولاكو عليه لعنة الله من أهل بغداد ألف ألف مسلم أو يزيدون، ما بين رجال ونساء وأطفال، حرب إبادة جماعية هائلة رهيبة، حتى أنه  وجد جندي أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع جانبي من شوارع بغداد، قد قتلت أمهاتهم جميعاً فقتلهم في عنف وبشاعة.واستمر القتل في المدينة أربعين يوماً، لا يرفع فيها مسلم سيفاً؛ لأنه يعتقد أن التتار لا يهزمون لا يجرحون، إنهم  آكلى لحوم البشر  فما الفائدة من بذل الجهد في المقاومة؟ نساء التتار يقتلن رجال المسلمين، إذا نادت تترية على مسلم قفوقف وقد تيبست قدمه في الأرض، حتى يأتي التتري ويقتله ذلة وخزياً وعاراً وانتشر الوباء فى البلاد وأصبحت الدماء فى كل مكان ودب الرعب فى  العالم الإسلامي بأسره، وفقد معظم المسلمين الأمل في قيامه، وأصبح المسلمون ينتظرون معجزة تحدث أو يخرج المهدى المنتظر ليحارب التتار فهم لا طاقة لهم بهولاكو وجنوده وإنها فى الحقيقة قمة الهزيمة النفسية والغياب كامل للوعي الإسلامي الصحيح." ثم ها هى بغداد عادت إلى أيدى المسلمين بعد سنوات طويلة على أيدي قطز فى معركة عين جالوت ودخل التتار فى دين الله ومن يصدق هذا ؟ إنه الأخذ بالأسباب وترك النتائج على الله 

من السنن  الإلهية أيضا أن يعمل أهل الباطل على تشوية صورة الحق لدى الناس كما فعل فرعون مع قومه إذ يقول تعالى  على لسان فرعون :" { إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)} وبعد هذا كله انظر كم مضى  من السنوات حتى هلك فرعون قصة طويلة وسنوات تمر  منذ ولادة موسى وفرعون يقتل الذكور من بنى إسرائيل ثم يكبر موسى ويرحل إلى مدين ثم يأتى بعد عشرة سنوات وقد تزوج ليتلقى رسالة ربه اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17

كم مر بعد ذلك من سنوات حتى يتمكن موسى من إخراج بنى إسرائيل  من مصر وإننا لنجد الآيات تبشر بالنصر إذ يقول الحق:"  {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( 6 )وَنَرَاهُ قَرِيبًا( 7 )}  ويغرق فرعون ليكون لمن خلفه آية  ولتجرى سنة الله في المدافعة بين الحق والباطل ويعطى الدرس لكل من يسير على الدرب أن كل شيء بقدر الله

وقد يدب اليأس فى قلب الناس  نتيجة للغلو فى إعطاء الدعاة مكانة فوق مكانتهم  وكأنهم معصومين من الخطأ فإذا أخطأ أحدهم  أو رأى اتباعه منه انفصام بين العلم والعمل اخرجوه من جنتهم بل وسقط من نظرهم للأبد وقد تصل أنهم يضلوا الطريق بسبب ذله الداعية أو العالم  ولو سُؤل الداعية عن تقصيره فقد يكون معذور فى ذلك فليعلم  اتباع الدعاة والعلماء أنهم بشر يأخذ منهم ويرد ولو أننا أقمنا الحد على كل مخطىء لعاقبنا العالم كله وقطعنا على أنفسنا طرق الخير وكأنهم يقولون لمن يريد الاستقامة على الحق  هؤلاء  الدعاة سبقوك ثم فتنوا فيقتصر عن طريق الحق  من البداية فلا يكون الاتباع عونًا للشيطان على الداعية فتفتة الفئة المتدينة

 

وقد ييأس البعض لأن الدعاة متضهدون ومضيق عليهم فعليه أن يوقن أن الله حتمًا سيبعث من يجدد للناس دينهم فهو وعد بحفظ هذا الدين برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يدافعون عنه فلن تأفل شمس الإسلام مادامت السموات والأرض فلا يحمل هم العالم على عاتقه وعليه أن ينظر إلى دوره هو ورسالته ليستفرغ وسعه ثم يأتي من بعده ليكمل الرسالة وهكذا حتى يمكن الله لهذا الدين

 

لابد للذى يريد أن  يسلك طريق الإصلاح أن يكون على يقين وثقه فى نصر الله وأنه على الحق لأن فى المحن  أوقات تختبر النفوس فليس الداعية مجرد شخص عنده خبره فى مجال معين أو حصل على كم من الشهادات ولكن بدون ثبات ويقين وعقيدة راسخة هى التى تجعله يقف حتى النهاية فى مواجهة طوفان الباطل تأمل آيات الله إذ يقول تعالى : {وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (154)

 كل المهارات والخبرات والشهادات تذهب أمام الابتلاءات ولا يبقى إلا الصبر واليقين والتوكل على الله فمن أين يستقيهم إذا لم يعززالإيمان فى قلبه ويقوي الارتباط والتعلق بالله فقط  قال {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}  [الأعرافهذا يبين أن التمكين لا يحدث إلا بالصبر

كما أن الأمر يتطلب اليقين التام  لدى الداعية أن الذى يتولى هداية الخلق هو الله سبحانه وتعالى وأن ما عليك إلا أن تأخذ  بالأسباب فقط وليس عليك النتائج

من الذى قال أن مقياس  النجاح فى الدعوة إلى الله بعدد الذين عمل معهم وكلما كثر العدد دل على نجاحه فى دعوته  تأمل قول الله  تعالى " { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}  إن هذا الدين يحاسب الإنسان على  نيته حتى وإن لم يصل إلى نتيجة إنها التجارة مع الله ليست فيها خسارة  مهما كانت النتائج وأن كان هناك ابتلاءات  فهذا دليل صحة الطريق وصدقه

وأن عليه أن يحصن نفسه ضد اليأس مثله فى ذلك مثل المؤمنين فى مواجهة جيش الأحزاب ماذا قالوا {وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا }  وترى صاحب الظلال يعطى الأمل لكثير ممن سار على درب الأنبياء فيقول  :" علينا أن ندرك أنهم كانوا بشرًا ، لم يتخلوا عن طبيعة البشر ، بما فيها من قوة و ضعف وأن منشأ امتيازهم أنهم بلغوا في بشريتهم هذه أعلى قمة مهيأة لبني الإنسان ، في الاحتفاظ بخصائص البشر في الأرض مع الاستمساك بعروة السماء وحين نرانا ضعفنا مرة ، أو زلزلنا مرة ، أو فزعنا مرة ، أو ضقنا مرة بالهول والخطر والشدة والضيق . . فعلينا ألا نيأس من أنفسنا ، وألا نهلع ونحسب أننا هلكنا ؛ أو أننا لم نعد نصلح لشيء عظيم أبدا ولكن علينا في الوقت ذاته ألا نقف إلى جوار ضعفنا لأنه من فطرتنا البشرية ونصر عليه لأنه يقع لمن هم خير منا هنالك العروة الوثقى عروة السماء وعلينا أن نستمسك بها لننهض من الكبوة ، ونسترد الثقة والطمأنينة ، ونتخذ من الزلزال بشيرًا بالنصر فنثبت ونستقر ، ونقوى ونطمئن ، ونسير في الطريق . ."

يجب أن يكن الداعية على وعى بمكائد أعداء الإسلام ووعى بالتاريخ وسنن الأمم السابقة فى المكر بأصحاب الرسالات وأهله حتى لا يصدم بما يحدث  فهناك من أهل الباطل من يواصلون الليل بالنهار ويبذلون أموال لا تحصى لإفساد المجتمع  وأن هناك أناس تكره الحق لمجرد أنه الحق فلا يربى الداعية فى جو من المثالية الزائدة وأن كل شىء على ما يرام فيخرج يصدم فى المجتمع وكمية المكر والتصارعات فيحبط وييأس

فقد بين لنا القرآن من قبل وعلق علي أن هناك مؤسسات ُتبنى فقط من أجل الكيد للمسلمين  من خلال قصة مسجد الضرار إذ يقول تعالى :" {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}  فكم من مؤسسات ُبنيت على غرار مسجد الضرار وهم يظهرون للناس أنهم يحسنون صنعًا باستخدام مصطلحات الحداثة والعولمة لتغطي على نواياهم الحقيقة لإفساد الأخلاق وإلصاق الافتراءات والشبهات بالإسلام وأهله

فليحرص  الداعية على أن يزكى نفسه  وأن يرقى بأخلاقه وأن ينقى قلبه حتى لا يكون فتنة للناس فيؤدى ذلك إلى الانصراف عنك  بل وعن الدين بالكلية

وأن يكون على يقين أن النصر للإسلام مهما طال الوقت وأن الله لن يمكن لأعدائه منه حتى وإن كثر الخبث فى المجتمع من إلحاد وفسق وإباحية وسيقيض  الله عزوجل لهذا الدين من يدافع عنه ويؤيده وهو الذي تولى حفظ هذا الدين بنفسه بينما وكل حفظ الديانات السابقة علي الإسلام   للناس فضيعوها ومعظم هذه الكتب حرفت

ولينظر فى التاريخ أين هى حضارة الرومان  لم يبق منها إلا اطلال وحضارة الفرس ماتت ولم تترك ميراثا ولم يبق للتتار أثر وكم كانت شراسة الهجمة الصليبية وكم استمرت على أرضنا ثم كتب الله الزوال على أيدى صلاح الدين الايوبى وهكذا سيعلو نجم الباطل سنوات وسنوات ثم يتلاشى ويفنى ولينظر فيما أصاب أعداء الإسلام من بلاءات كالأعاصير والأوبئة التى تتسبب فى موت الآلاف منهم  وعليه

قد يتولى الداعية عن الطريق  وييأس ويقنط لكن راية الإسلام ستظل باقية مرفوعة وسيبقى من يحملون هم هذا الدين إلى  يوم القيامة فعن ثوبان مولى رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" ولا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرها من خذلها حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ  وليعلم أن خيرية الأمة فى قيام دعاتها بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكروليتذكر وعد الله  " {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}   " وأن  يكون على يقين أن ما يحدث  للأمة من استضعاف   إنما هو بعلم الله قال تعالى :{ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} }

وأن تسليط أعداء المسلمين عليهم إنما هو من أعمالهم  :" {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30 الشورى وعليه فإن   النصر يحتاج إلى صبر ويقين ويحتاج إلى جيل جديد يعرف معنى التضحية  لهذا الدين  وتحيي فيه معنى الانتماء للإسلام  عندها سيتلاشى اليأس وتستجمع الأمة قوتها فى مواجهه الباطل