المحافظة على أخوة الدين
فما أصاب المسلمين اليوم من التأخر وقد كانوا فيما مضى سادة العام نتيجة للتفرق والاختلاف وركونهم إلى الدنيا وزخارفها والاشتغال في تحصيل ملذاتهم والغفلة عما خلقوا له من العبادات...
الحمد لله الذي جعل القوة في اتفاق الكلمة والضعف في الاختلاف، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي أعز نبيه ودينه بالاتفاق والائتلاف، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي علمنا أن التفرق سبب الضعف وإرغام الأنوف، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان..
أما بعد:
أيها الناس.. اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى واحذروا ما يوجبه عقاب الله العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة، واعلموا رحمكم الله أن الله خلق الخلق لعبادته ورسم لهم معالمها في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -:
فمتى تمسك بها المسلمون، وقاموا بأوامر الله ورسوله، وكفوا عما نهاهم عنه أعزهم في الدنيا بالظهور والنصر المبين، وفي الآخرة بالرضوان والنعيم القيم، أما إذا غفلوا عن أوامره، وانتهكوا حرماته عاقبهم في الدنيا بأنواع العقوبات من تسليط الأعداء والضيق والخوف على الأنفس والأموال، وحبس المطر وشدة المؤونة وجور الولا.
فما أصاب المسلمين اليوم من التأخر وقد كانوا فيما مضى سادة العام نتيجة للتفرق والاختلاف وركونهم إلى الدنيا وزخارفها والاشتغال في تحصيل ملذاتهم والغفلة عما خلقوا له من العبادات، فاستعبدتهم شهواتهم، وصدتهم عما فيه صلاحهم ونجاحهم، انصرف سوادهم إلى اللهو واللغط فأضاعوا فيه أوقاتهم، وداهنهم كبراؤهم وعلماؤهم فلا يأمرونهم بمعروف، ولا ينهونهم عن منكر فعوقبوا بالتباعد والتقاطع، فكل أمة تنكر الأخرى ولا تفكر في عاقبة التقاطع والتدابر، بينما عدوهم يتربص بهم الدوائر وينصب لهم المصائد والمحاجر، إنها والله من أكبر المصائب {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، ويفخرون بكثرة أعداد المسلمين وهم في الحقيقة مستسلمون بحيث لا يهز مشاعرهم اضطهاد المسلمين في أنحاء المعمورة في مشارقها ومغاربها.
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[1]. الكفار جل همهم القضاء على الإسلام والمسلمين، والمسلمون جل اهتمامهم جمع المال، وإشباع الرغبات، والكفار يصرفون نشاطاتهم وثرواتهم في الصناعات وآلات الحروب المدمرة كي يدفعوا بها أعداءهم، والمسلمون يصرفون نشاطاتهم وأموالهم في الملاعبة والملاهي والشهوات، فإن لله وإنا إليه راجعون، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمن لا تصيبه عثرة قدم ولا اختلاق عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر». (رواه ابن جرير والبيهقي وغيرهما مرسلًا).
والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح البخاري (5665) وصحيح مسلم (2586).
- التصنيف: