مفتاح الكنز
زار «فريدٌ» صديقَه «سعيدًا» في منزله، استقبله سعيد بالبِشْر والترحاب، تناولا طعام الغداء، ثم جلسا يتحدَّثان، سأل سعيد صديقه فريدًا قائلًا: ما هدفك في الحياة؟
محمد ونيس - مصر
زار «فريدٌ» صديقَه «سعيدًا» في منزله، استقبله سعيد بالبِشْر والترحاب، تناولا طعام الغداء، ثم جلسا يتحدَّثان، سأل سعيد صديقه فريدًا قائلًا: ما هدفك في الحياة؟
• قال فريد: أن أكون سعيدًا، فالحياة بلا سعادة جحيم لا يُطاق؛ لذلك كل الناس يبحثون عنها.
• قال سعيد: وأين ترى السعادة؟
• فريد: في الشهرة؛ لذا أنا أسعى جاهدًا أن أكون مشهورًا.
• سعيد: هل حقًّا السعادة في الشهرة؟!
• فريد: نعم، يا صديقي، ألا ترى هؤلاء المشاهير الذين تُسلَّط عليهم الأضواء وهم يبتسمون أمام عدسات المصوِّرين؟! ألا يدُلُّ هذا على سعادتهم؟
• سعيد: إن كانت السعادة عند المشاهير، فلماذا يُصاب أكثرُهم بالاكتئاب والأمراض النفسية؟!
ألا ترى أنَّ كثيرًا من المشاهير يُفضِّلون الانتحار على الحياة؟ لماذا ينتحرون وقد امتلكوا المال والشهرة وامتلكوا كل شيء؟
ألم تسمع بهذه الطبيبة المشهورة التي كانت عاقرًا لم تُنجِبْ، وهي تشكو تعاستها وتقول: «تتساقط دمعاتي في كل صباح عندما أركب خلف السـائق متوجِّهة إلى عيادتي – بل مدفني، بل زنزانتي- وعندما أصِلُ إلى مكتبي، أجد النساء بأطفالهن ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردة حريرية فارسية، هذا في نظر الناس، وهو في نظري لباس حداد لي، ثم أدخل عيادتي أتقلَّد سماعتي، وكأنها حبل مشنقة يلتفُّ حول عنقي، وقد بلغتُ الثلاثين من عمري والتشاؤم ينتابني على المستقبل، ثم تصرخ، وتقول: «خذوا شهادتي، ومعاطفي، وكل مراجِعي، وجالب السعادة الزائفة – المال والمركز- وأَسْمِعُوني كلمة «ماما!»، ثم أنشدتْ تقول:
لقد كُنْتُ أرْجُو أنْ يُقالَ طبيبة
فقد قيل فما نالَنِي مِن مقالها
فقُلْ للَّتي كانَتْ ترى فيَّ قدوةً
هي اليوم بين الناسِ يُرثَى لحالها
وكل مُناها بعضُ طفلٍ تضمُّهُ
فهل ممكن أن تشتريه بمالها
• الأديب والشاعر الأردني المشهور «تيسير السبول» كان عمره يناهز الرابعة والثلاثين، عاد من عمله في الإذاعة الأردنية حيث كان يشغل منصب رئيس البرامج الثقافية فيها، طلب فنجان قهوة من زوجته الأديبة والطبيبة المشهورة «مي يتيم»، تمدَّد على فراشه وأطلق على رأسه النار، ومات مُنتحِرًا.
• وفي عام ١٩٧٩م أطلق الكاتب المصري المعروف «محمد رجائي» النارَ على رأسِه، وجاء في تقارير رجال الشرطة أن الكاتب المذكور وُجِد في سيارته مُنتحِرًا على مقربة من شقَّتَينِ كان يمتلكهما في الحي نفسه، وقبل أن ينتحر الكاتب ترك رسالةً إلى النائب العام يُوضِّح جانبًا من أسباب انتحاره، فقال: «عشتُ هذه السنين الطويلة، وأنا أحلم بالانتقام من أفراد المجتمع الذين أفلحوا في أن يجعلوني أكفر بكل شيء!».
• ذكرتْ وكالات الأنباء العالمية أن الكاتبة الأرجنتينية الشهيرة «مارتا لينش» قد انتحرت في منزلها عن عمر يناهز الستين عامًا...وقفتْ أمام المرآة لتنظر إلى التجاعيد التي زحفتْ إلى وجهها.. أخرجتْ المسدس من حقيبتها، وأطلقت النار على رأسها.
• تقول إحدى الممثلات الشهيرات قبل انتحارها وهي تنصح المرأة: «احذري المجد، واحذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمًّا، إنني امرأة أُفضِّل البيت والحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، لقد ظلمني كل الناس، إنَّ العمل في السينما يجعل من المرأة سلعةً رخيصةً تافهةً مهما نالت من المَجْد والشهرة الزائفة».
هذه يا فريد هي الشهرة، فهل أغنتْ عن أصحابها شيئًا؟! هل جلبتْ لهم السعادة؟!
لقد حصلوا على الشهرة، وماتوا تعساء، فأين السعادة إذن؟
• فريد: إنْ لم تكن السعادة في الشهرة، فلا بُدَّ أن تكون في السُّلْطة والجاه
• سعيد: هل تظنُّ حقًّا أنها في السُّلْطة والجاه؟
• فريد: بالتأكيد، ولِمَ لا؟ وصاحب السُّلْطة يأمر فيُطاع، وإذا نهى انتهى الجميع، أليست هذه سعادة؟
• سعيد: هل كانت السعادة عند «النمرود بن كنعان» الذي لا يهدأ ولا ينام إلا بالضرب على رأسه بالنعال.
ألم تسمع ما قاله أمير المؤمنين «هشام بن عبدالملك» عندما سألوه عن أيام سعادته، قال: «عددت أيام سعادتي فوجدتها ثلاثة عشر يومًا».
ألم تسمع إلى أبيه أمير المؤمنين «عبدالملك بن مروان» عندما كان يتأوَّه ويقول: «ليتني لم أتولَّ الخلافة».
فهل كانت السعادة عند الأباطرة والرؤساء والأمراء الذين انتحروا أمثال هتلر والليندي وفارجاس وإرنست والأميرة مارجريت....إلخ.
وقد كان في الصين وحدها من قوائم انتحار الأباطرة والملوك والأمراء والأميرات ما لا يقل عن خمسين على مَرِّ التاريخ، فكم من منصبٍ قتل صاحبَه، وكم من إمارةٍ كانت وَبالًا ونَكالًا على طالبها، فلو كانت السعادة في السُّلْطة والإمارة ما أقدم هؤلاء على الانتحار.
• فريد: إذن فالسعادة في المال مع الدرهم والدينار، فالمال تستطيع أن تشتري به كل شيء، وإذا حصلت على ما تريد فأنت سعيد.
• سعيد: يا صديقي، المالُ يشتري الطعام؛ لكنَّه لا يشتري الشهيَّة، المالُ يشتري الكتاب؛ لكنه لا يشتري العلم، المالُ يجلب المعلم؛ لكنه لا يجلب الفَهْم، المالُ يشتري الدواء؛ لكنه لا يشتري الشفاء، المالُ يشتري أفخر الوسائد؛ لكنه لا يجلب النوم الهانئ، المالُ يجلب الرفاهية؛ لكنه لا يجلب السعادة.
أحد الأثرياء يسكن قصرًا فاخرًا؛ لكنه لا يشعُر للحياة بلذَّة، يتعاطى الدواء قبل الطعام وبعده، يظل طوال ليله يتقلَّب من الألم، لا يستطيع النوم.
يحرس قصره خادم فقير، يسكن مع زوجته وأولاده في غرفة صغيرة، عند باب القصر، يظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويلعبون ويمرحون.
قال الثري في نفسه: هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة، فما بالهم لو كان معهم بعض المال! فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس: سأعطيك كل يوم خمسين جنيهًا تشتري بها بيضًا وتجلس تبيعه أمام القصر ونتقاسم المكسب سويًّا.
جلس الرجل يبيع البيض؛ فحصل على بعض المال.
في الليلة الأولى سمعهم الثري يضحكون ويلعبون ويمرحون؛ ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة، وليس إلى منتصف الليل، وفي الليلة الثانية سكتتْ أصواتُهم بعد العشاء مباشرة، وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشِّجار والصراخ.
دخل الحارس المسكين على الثريِّ، ومعه ما تبقَّى من البيض وما كسب من مال، وقال له: يا سيدي، هذا بيضُك ومالُك، ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والمرح؛ فلقد أفسد علينا المالُ سعادَتَنا.
• ألم تسمع بـ «كريستينا أوناسيس» تلك الفتاة المُدلَّلَة التي تقلَّبت بين جنبات القصور، وعاشت حياة بذخ وترف، ابنة أغنى رجل في زمانه، الملياردير اليوناني «أوناسيس» الذي كان ينفق ثلاثين ألف دولار شهريًّا على أصدقاء كريستينا لقضاء وقت معها، كانت كريستينا ترسل طائرة خاصة لتحضر لها الطعام والشراب من أمريكا، أرسلت طائرة من النمسا إلى سويسرا؛ لتحضر شريط أغاني، لُقِّبتْ بالوريثة الذهبية، فقد ورثت عن أبيها، الأساطيل البحرية، وشركات الشحن العملاقة (سفن وطائرات)، وامتلكت جزرًا كاملة.
عزيزي القارئ، تخيَّل فتاة مثل كريستينا تمتلك كل هذه الثروة، ألا ينبغي أن تكون أسعدَ امرأةٍ في العالم؟
مقاييس البشر تقول: ينبغي أن تكون أسعد امرأة؛ لكن الواقع يقول: إنها كانت تشعُر بالتعاسة، فتوهمت أن السعادة عند الأمريكان؛ فتزوَّجت من أمريكي؛ ولكنها لم تجد سعادتها، فتركته بعد شهور من زواجها، وتزوَّجت من يوناني، وبعد شهورٍ كانت التعاسة من نصيبها، فقررت أن تترك حياة البذخ والترف؛ لتبحث عن سعادتها بين أنياب الفقر؛ فتزوَّجت من شيوعي روسي، وانتقلت إلى حي فقير من أحياء «موسكو»، كانت تسكن في غرفتين وبدون خادمة، عاشت حياة الفقر، سألها الصحفيُّون: لماذا تعيشين حياة الفقر؟
قالت: أبحث عن السعادة.
فهل وجَدَتْها بين جدران الفقر؟
بعد سنة من زواجها تركتْ زوجها ورحلتْ، فقد أُصيبت بالحزن والاكتئاب المزمن، ثم تزوَّجت من رجل أعمال فرنسي، أنجبتْ منه بنتًا، وفشلتْ هذه الزيجة وافترقا.
في إحدى الحفلات سألها أحد الصحفيين: هل أنتِ أغنى امرأة؟
قالت: أنا أغنى امرأة؛ ولكني أتعس امرأة!
قررتْ أن تبدأ هي وابنتها حياة جديدة مع أصدقائها في الأرجنتين؛ ولكن ظلَّت التعاسة تلاحقها، ولم تفلح الثروة في إسعادها، فوجدوها منتحرةً على أحد شواطئ الأرجنتين { ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾} [التوبة: 55].
إن الفقراء يعتقدون أن السعادة في المال، في حين أن الأغنياء ينفقون المال بحثًا عن السعادة.
إنَّ كثيرًا من الناس مثلك يا فريد يعتقدون أنَّ المال هو مصدر السعادة، فقد كتب أحدهم على « فيسبوك» كلمات للكاتبة أحلام مستغانمي تقول فيها: «المال لا يجلب السعادة؛ لكن يسمح لنا أن نعيش تعاستنا برفاهية» وإليك رد بعض الناس على هذه الكلمات، قال أحدهم: « أعطوني أموالكم، أنا أريد أن أعيش حزينًا أو تعيسًا»، وقال آخر: « أعطوني سيارة مرسيدس أو فراري أنا أريد أن أكون تعيسًا»، وقال آخر: « المال لا يصنع السعادة... هذه أكبر أكذوبة في التاريخ».
• فريد: لقد حيَّرْتني يا صديقي، أين السعادة إذن إن لم تكن في الشهرة ولا في السلطة ولا في المال؟
• سعيد: السعادة لا تكون في الشهرة ذاتها ولا في السلطة ذاتها ولا في المال ذاته؛ ولكن السعادة عندما نستخدمها في طاعة الله، ألا ترى أنَّ السلطة كانت في يد فرعون والنمرود والحَجَّاج وغيرهم مصدر شقاء، وكانتْ في يد ذي القرنين وخلفاء المسلمين وبعض أمراء المسلمين مثل صلاح الدين وغيره مصدر سعادة.
ألا ترى المال في يد قارون وغيره كان مصدر شقاء، وفي يد نبي الله سليمان وغيره مصدر سعادة؟
ألا ترى بعض مشاهير عصرنا يستخدمون شهرتهم في الترويج للباطل فكانت الشهرة لهم مصدر شقاء، والبعض يستخدم شهرته في نشر الحق والدعوة إلى الله فكانت الشهرة في حقِّه مصدر سعادة؟
إنَّ السعادة ليستْ في المكان ولا في الزمان، فليستْ في يوم بعينه، ولا شهر بعينه، ولا مكان بعينه، وليستْ في القصر، ولا في الكوخ، ولا في امتلاك الأراضي والأطيان، السعادة في طاعة الملك الدَّيَّان، السعادة في الإحسان إلى الناس؛ في أنْ تُطْعِم المساكين، وتكسو الفقراء العارين، وتمسح دموع الأرامل والمحتاجين، وتُفرِّج كرب المكروبين، السعادة أن تكفل يتيمًا أو تنصر مظلومًا، أو تقري ضيفًا.
السعادة أنْ ترضى بالقدر خيرِه وشرِّه، وأن تكون قنوعًا راضيًا «ارْضَ بما قسم اللهُ لكَ تَكُن من أَغْنَى الناسِ»، « لا تنظر إلى من فوقك في الدنيا فيصيبك الهَمُّ والغَمُّ «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألَّا تَزْدَرُوا نِعْمةَ الله».»
يقول الكاتب مورجان هاوسل: «إنَّ المقارنة وقود التعاسة..»؛ ولهذا قال ابن عون: «صحبتُ الأغنياء فلم أرَ أحدًا أكثر همًّا مِنِّي، أرى دابَّةً خيرًا من دابَّتِي، وثوبًا خيرًا من ثوبي، وصحبتُ الفقراء فاسترحت».
السعادة يا فريد لا تكون إلَّا في القلب، والقلب محل نظر الربِّ، فإن أرضيت ربك؛ نظر إلى قلبك بعين الرِّضا؛ فامتلأ قلبك فرحًا وسرورًا، وسعادةً وانشراحًا، ولا يستطيع أحد أن يمنحك السعادة سوى ربِّك.
قال أحد الأزواج لزوجته غاضبًا: لأشقينك.
قالت الزوجة في عِزَّة وإيمان: لا تستطيع أن تشقيني، ولا تستطيع أن تسعدني.
اندهش الزوج من كلامها، وقال لها: وكيف لا أستطيع؟!
فقالت الزوجة في هدوء: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي لحرمتني منها؛ ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون!
فقال الزوج: وما هو؟
فقالت الزوجة بيقين: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سُلْطان لأحد عليه غير ربِّي.
قال ابن تيمية: «ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري أينما رحت، فهي معي لا تفارقني..».
عزيزي القارئ، إن الإنسان خلق من جسد وروح، فالجسد من الأرض﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ ﴾ [طه: 55].
ولا يحيا الجسد إلا إذا أخذ غذاءه من الأرض، وأما الروح فــ ﴿ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85].
ولا تحيا الروح ولا تسعد إلا إذا تلقَّت غذاءها من ربِّها، واستقامت على أمره، حينها تذوق طعم الإيمان والسعادة ««ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا»» الإيمانُ له أسرارٌ عَجيبةٌ، وله حَلاوةٌ وطَعمٌ يُذاقُ بالقُلوبِ، كما تُذاقُ حَلاوةُ الطَّعامِ والشَّرابِ بالفمِ؛ ولكن لا يُدرِكُها إلَّا مَنِ امتلأ صَدرُه به، وإذا امتلأ القلب بالإيمان، سارع إلى العمل الصالح، ومن عمل صالحًا {﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾} [النحل: 97].
وأما إذا تغذَّت الروح بعيدًا عن ربِّها، وأعرضت عن ذكره فإن صاحب تلك الروح ﴿ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]، فمن أين تأتي السعادة إذن، إذا كانت الروح تستمدُّ غذاءها بعيدًا عن منهج ربِّها؟!
رجل أعمال أمريكي يمتلك الشركات والأموال الطائلة، يعمل في شركته موظف مسلم، لاحظ الأمريكي أنَّ المسلم يعمل بجد ونشاط، ولا تفارقه الابتسامة، وتظهر آثار السعادة على مُحيَّاه، فتعجَّب الأمريكي من هذا المسلم وتقدَّم إليه ليسأله قائلًا: ما من مرة أدخل عليك إلا وأرى السعادة تعلو وجهك، وأرى عليك الجد والنشاط والحيوية، وأنا صاحب هذه الشركة لا أشعر بما تشعُر به، ولقد فكرت في الانتحار أكثر من عشر مرات، أريد أن أتخلَّص من الحياة؛ لأنني لا أشعُر للحياة بطعم ولا لذَّة.
قال المسلم: الحمد لله أنا أشعر بالسعادة؛ لأنني مسلم.
قال الأمريكي: وما معنى ذلك؟ وهل المسلم يشعر دومًا بالسعادة؟
قال المسلم: نعم؛ لأن نبيَّنا صلى الله عليه وسلم عَلَّمنا أن كل ما يصيب المؤمن خير، فقال: «عجبًا لأمْرِ المُؤمِنِ إنَّ أمْرَه كُلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلَّا للمُؤمِنِ؛ إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ فكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فكانَ خيرًا له».
فقال الأمريكي: فهل لو دخلت الدِّين الذي أنت عليه سأشعر بالسعادة التي تشعُر بها؟
قال المسلم: نعم.
قال الأمريكي: دُلَّني على دِينك، وكيف أدخل فيه.
فأمره المسلم بالاغتسال، فاغتسل وجاء به إلى المركز الإسلامي؛ ليعلن الشهادة، وما إن وقف الأمريكي ليُردِّد كلمة الإيمان والتوحيد إلَّا وبكى بُكاءً هستيريًّا طويلًا، فأراد الإخوة أن يُسْكِتوه، فقال لهم أحَدُ الدُّعاة: دعوه، فلما أنهى بكاءه وجلس، قال له الداعية: لماذا بكيتَ؟
قال الأمريكي: أشعر الآن بشيء من الفرح في صدري ما شعرتُ به قبل ذلك.
عزيزي، إنَّ السعادة غاية كل البشر، وهي كنز ثمين يبحث عنه الجميع، ومعرفةُ الله والإيمان به ومحبَّته مِفْتاحُ ذلك الكنز، فهلَّا اقتنيتَ المِفْتاح لتحصُل على الكَنْز.
- التصنيف: