نصيحة محب غيور في بيان أسباب وعلاج الفتور

منذ 2023-03-23

الفتور هو حالةٌ من الضعف تتسلَّل ببطء إلى قلب العبد، فتضعفه عن أبواب الخير، وترجع خطورته إلى أنه لا يكون إلا بعد قوة ونشاط.

مقدمة ومدخل للموضوع:

روى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكَ».

 

في هذا الحديث بيانٌ لحقيقةٍ من الحقائق وآفةٍ من الآفات التي قد تعتري العبد في سَيْرِه إلى الله تعالى؛ فتراه تضعف عبادتُه بعد قوَّتِه، ويلين عزمُه بعد شدَّتِه، ويهدأ نشاطُه بعد ثورتِه؛ إنه الفتور.

 

فما هو الفتور؟ وما هي خطورته؟ وما هي مظاهره وعلاماته؟ وما هي أسبابه؟ وكيف السبيل والعلاج؟

 

الوقفة الأولى: معنى الفتور وبيان خطورته:

الفتور هو حالةٌ من الضعف تتسلَّل ببطء إلى قلب العبد، فتضعفه عن أبواب الخير، وترجع خطورته إلى أنه لا يكون إلا بعد قوة ونشاط؛ سواء في العبادة، أو في الدعوة إلى الله، أو أي باب من أبواب الخير، وترجع خطورة الفتور أيضًا إلى أنه أول درجات الانتكاسة، فهو يتسلَّل إلى قلب العبد ولا يأتي بغتة؛ فمثلًا: ترك الصلاة يبدأ بتأخيرها، ثم يبدأ سُلَّم الفتور حتى يتركها بالكلية، وهكذا هَجْرُ القرآن وغيرها من أبواب الخير.

 

الفتور يحرم العبد من الحصول على محبَّةِ الله تعالى التي لا تكون إلا لذوي الهِمَم والمداومة؛ كما في الحديث الصحيح: «ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إلي...».

 

والفتور يُؤخِّر العبد عن الدرجات العالية في الجنة التي لا تتأتَّى إلا لذوي الحرص والمثابرة؛ كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: «لا يتحسَّر أهلُ الجنة على شيءٍ إلَّا على ساعةٍ مرَّتْ بهم لم يذكروا اللهَ فيها»، ومدح الله تعالى، وأثنى على ملائكته، وذكر أن من صفاتهم أنهم لا يفترون عن العبادة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20].

 

ولمَّا أرسل الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام لدعوة فرعون حذَّرْهما من الفتور في الدعوة: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42]؛ أي: لا تفترا عن ذكري، وداوما عليه.

 

 

الوقفة الثانية: مظاهر وعلامات الفتور: (وهذه العلامات قد تتعدَّد، وتختلف من شخص لآخر):

1- تراخٍ ملحوظ وتكاسُل عن العبادات والطاعات مع عدم التأسُّف على تضييعها؛ ففي الصلاة مثلًا يبدأ سُلَّم الفتور بترك النافلة، ثم التخلُّف عن الجماعة حتى تصير ثقيلةً؛ ولذا ذَمَّ الله تعالى المنافقين {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء: 142]، {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة: 54].

 

أمَّا حال صاحب الهمة العالية؛ فتنقل لنا عائشة رضي الله عنها حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا نُودي للصلاة: قام كأن لم يعرفنا.

 

ومن صور الفتور في الصلاة: الاسترسال في التثاؤب أثناء الصلاة، وضعف التأمين خلف الإمام بعد الفاتحة، ومن علامات الفتور: ضعف رفع اليدين في الدعاء، وفي الأذكار ربما ترك المئويات من التسبيح والتحميد، ثم يبدأ سُلَّم التنازلات والفتور.

 

2- تضييع الأوقات بلا فائدةٍ:

ومن صورها: كثرة الشرود الذهني بلا فائدة، وعندما تعتريه السآمة والملل فإنه يتوسَّع في وسائل الترفيه (مواقع، ألعاب، تسالي.. إلخ)؛ بينما الصواب: «فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكَ».

 

3- الانغماس في الشهوات، واستصغار الذنوب رويدًا رويدًا، وربَّما وصل إلى المجاهرة بها؛ ولذا جاء التحذير من هذه الصغائر؛ كما في الحديث الصحيح: «إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ..».

 

4- الزهد في مجالس العلم والمكث في المساجد وعدم الصبر عليها، وربما ضاق صدره، بينما تجد منه إقبالًا وإدبارًا على مجالس اللهو والسمر، وصدق الله إذ يقول: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا...} الآية [الأعراف: 146]، وقال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ...} الآية [الزمر: 45].

 

5- قسوة في القلب، فلا يعد يتأثر بالمواعظ، ولا يندم لفوات طاعة، أو وقوع في معصية.

 

 

الوقفة الثالثة: أسباب الفتور:

1- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية وعدم تعاهُد الإيمان بالزيادة، والغفلة عن محاسبة النفس؛ ففي الحديث: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا اللهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ»؛ (رواه الطبراني، وصحَّحَه الألباني).

 

2- التعلق بالدنيا والانشغال بها؛ ولذا حذَّرَنا الله تعالى منها ومن الاغترار بها؛ كما قال تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}ر [لقمان: 33].

 

3- طول الأمل، فإن العمرَ قصيرٌ لا يحتمل التقصير، فكيف إذا خالطه هذا الفتور؛ ولذا حذَّرَنا الله تعالى من طول الأمل مع بيان الآثار المترتبة عليه في مواضع كثيرة.

 

4- الإسراف في المباحات؛ فإن الإسراف في كثرة الضَّحِك تُميتُ القلب، والإسراف في الطعام تُثقِل عن العبادة، والإسراف في كثرة النوم تُضيِّع خيرًا كثيرًا، وكثرة المخالطة لا حَدَّ لمفاسِدِها.

 

5- مصاحبة ذوي الهِمَم الضعيفة ممن فترت عزائمُهم، فكلما هممت بأمر جذبك ولسان حاله: ((ارقد عليك ليل طويل))، فكم من صاحب هِمَّة عالية فترت همتُه وضعفت بمخالطته لأهل الغفلة والفتور!

 

 

الوقفة الرابعة: ما هو العلاج؟

1- تجنُّب الأسباب السابقة.

2- كثرة الدعاء، وتأمَّل هذا الدعاء العظيم والبلسم والعلاج لكل من فترت همته، وضعفت عزيمته: «اللهُمَّ إني أعوذُ بِكَ مِن العَجْز والكَسَل».

3- احذر من سُلَّم التنازلات، وخُذْ من الأعمال ما تطيق مع المداومة؛ ففي الحديث الصحيح: «خُذُوا من العمل ما تطيقون....»، ضع لنفسك برنامجًا يوميًّا تداوم عليه، ولو كان قليلًا.

 

4- الإكثار من ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن؛ ولذا أوجَزَ ولخَّصَ النبي صلى الله عليه وسلم الوصية لمن خشي على نفسه الفتور لكثرة الشرائع وأبواب الخير، فقال: «لا يزالُ لسانُك رَطْبًا من ذكر الله».

 

5- تذكُّر الموت، والتفكُّر في حُسْن وسوء الخاتمة، فإن القضية ليست في البدايات؛ ولكن كيف ستكون النهايات التي على ضوئها يكون مصير الإنسان؛ ففي الحديث الصحيح: «إنَّما الأعمالُ بالخَواتِيم».

 

6- تذكُّر الثواب في الآخرة وما أعدَّه الله لأهل طاعته من النعيم، وما أعدَّه لأهل المعصية من العذاب؛ ولذا كان الصحابة يتفاعلون مع ذكر الجنة وعند معرفة الثواب والمواقف، والقصص في ذلك لا تُحصَى.

 

أسأل الله العظيم أن يُوقِظ قلوبَنا

_________________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي