مناقشة علمية لفتوى الشيخ عبدالعزيز الفوزان في حكم الاحتفال باليوم الوطني
منذ 2011-09-20
لا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع ، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان ، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضّله الشرع وخصه بنوع من العبادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعـد:
فقد اطلعت على جواب للشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان - وفقه الله - عن حكم الاحتفال باليوم الوطني، مثبت في موقعه (رسالة الإسلام) [1] وقد كان أفتى بهذه الفتوى قبل ذلك في برنامج "الجواب الكافي" من قناة المجد الفضائية، فأحببت أن أبين للشيخ والقراء الكرام ما لعله خفي على فضيلته في هذه المسألة، وقد كنت تمنيت أن الشيخ حفظه الله حرّر المسألة قبل أن يدلي برأيه فيها، خصوصاً وأنه تمنى من المشايخ في اللجنة الدائمة أن يحسموا القول في هذه المسألة.. مع أن المشايخ قد فعلوا ذلك، ومعظمهم الآن في القبور غفر الله لنا ولهم!!
فأقول وبالله التوفيق:
عوّل الشيخ وفقه الله على جواز الاحتفال باليوم الوطني أن العبد لا يتقرب إلى الله تعالى بالاحتفال به، وأن الأعياد الشرعية يشرع فيها وجوباً أو استحباباً من العبادات ما لا يشرع في غيرها، وإنما يقصد باليوم الوطني التذكير بنعمة الله تعالى بتوحيد البلاد ووجوب المحافظة على أمنه ومكتسباته... إلى آخر كلامه.
فالجواب: أنه بالنظر إلى تعريف العيد في اللغة والشرع يتبين أن "اليوم الوطني" داخل في مسمى العيد المنهي عن إحداثه.
وهاك البيان مجملاً ثم مفصلاً:
1. خفي على الشيخ وفقه الله الفرق بين الزمان "المعظم" لذات الزمان كاليوم الوطني وأعياد الميلاد وأعياد الكفار وبين الزمان "المحدد" للقيام بوظيفة من الوظائف، فالأول من المنهي عنه والثاني كغيره من الأزمنة.
2. ليس نهي الشريعة عن خصوص أعياد الكفار فقط، بل كل ما يعظمونه من الأزمنة التي لا أصل لها داخلٌ في ذلك، نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
3. خفي على الشيخ وفقه الله أن (اليوم العالمي للشجرة واليوم العالمي للأم) الذي لا يرى مانعاً من الاحتفال بهما عيدان لهما أصول دينية لليهود والنصارى.
4. ظن الشيخ أن النهي عن الاحتفال بالأزمنة المعظمة لأجل التعبد والتشبه فقط، والواقع أنه يضاف إلى ماذكره الشيخ: "التخصيص" ومعناه أنه لا يخص زمان بأي تعظيم وإجلال إلا ما خصه الشارع، والذي خصه الشارع الفطر وعرفة والأضحى وأيام التشريق والجمعة من الأسبوع.
5. تمنى الشيخ من المشايخ في اللجنة الدائمة أن يحسموا القول في هذه المسألة ويبينوا وجه الصواب فيها.. وهو الذي نقل فتوى اللجنة الدائمة التي نصت على أن (عيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني) بدعة محدثة ممنوعة!!
6. لا توجد بدعة زمانية عند المسلمين إلا وقد قلدوا فيها الكفار، فأصل الشر جاءنا من التشبه والتقليد للكفار كالموالد والاحتفال بالهجرة والإسراء والمعراج والعيد الوطني، كل هذه تقابل على الترتيب عيد ميلاد المسيح عليه السلام وعيد رأس السنة وعيد القيامة عند النصارى وعيد المهرجان عند المجوس.
وإليك التفصيل:
تعريف العيد في اللغة:
قال في لسان العرب: "والعيد ما يعتادُ من نوبٍ وشوقٍ وهمٍ ونحوه.
وما اعتادك من الهم وغيره فهو عيد، قال الشاعر:
وقال: والعيدُ: كل يوم فيه جمعٌ، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه.
وعيّد المسلمون: شهدوا عيدهم.
قال الأزهري: والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن.
ابن الأعرابي: سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد" [2].
فتبين من كلام أئمة اللغة أن العيد هو ما اعتاد الإنسان من فرح أو ترح أو كان يوماً فيه اجتماع معتاد.
تعريف العيد شـرعا ً:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.
فالعيد يجمع أموراً:
منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة.
ومنها اجتماع فيه.
ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً.
فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا».
والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس رضي الله عنهما: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا».
وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا» [3].
وقال رحمه الله: "العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك" [4].
وقال ابن القيم رحمه الله: "والعيد ما يُعتاد مجيئه وقصده من مكان وزمان، فأما الزمان فكقوله صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام» [رواه أبو داود وغيره].
وأما المكان فكما روى أبو داود في سننه أن رجلاً قال يا رسول الله: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة فقال: «أبها وثنٌ من أوثان المشركين أو عيد من أعيادهم؟» قال: لا، قال: «فأوف بنذرك»، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا».
والعيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يُقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبد فيها عيداً.
وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر، وأيام منى، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة والبيت الحرام وعرفة ومنى والمشاعر" [5].
وقال السُدّي في قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: 114].
قال: "نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا" [6].
وقال الزمخشري: " العيد: السرور العائد، ولذلك يقال يوم عيد" [7].
وقال ابن عاشور: "والعيد اسم ليوم يعود كل سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار" [8].
فتبين من كلام العلماء المنقول وغيره أن العيد يطلق على ما كان يعتاد من الزمان أي يعود ويتكرر، سواءً كان لفرح أو حزن أو تذكيراً بحادثة وقعت للشكر فيها أو للاعتبار بها في الوقت الذي يوافق وقوعها.
وإذا كان كذلك فإن الأعياد التي أذن الشارع بها معينة لا يزاد فيها؛ لأنها من جملة المناسك لكل أمة، قال الله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» [الحج: 34]، قال ابن جرير رحمه الله: "يعني لكل أمة نبي منسكاً"، وقال: "وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد عليه إما لخير أو شر" [9].
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} عيداً [10].
وقال تعالى: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا» [11].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "قوله: «إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا» فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن الله سبحانه قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم، وكذلك – أيضاً على هذا – لا ندعهم يشركوننا في عيدنا" [12].
فالمقصود أن الأزمنة التي تعود وتتكرر هي في كل أمة من جملة المناسك، والمناسك من العبادات، فعلم أن إحداث زمان معين يعظم ويعود ويتكرر يكون من الأزمنة المبتدعة بأي وصف أو مقصد كان.
فإذا تقرر هذا عُلم أن المقصود بالأعياد سواءً كانت دينية أو غير دينية تعظيمها لحدثٍ معين وقع فيها، دينياً أو غير ديني، كاستقلال، أو وحدة، أو تغلّب، أو ولادة، أو وفاة، أو نصر، أو جلوس على عرش.. أو نحو ذلك.
ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يلعبون في يومين، فسألهم عنهما فقالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم خيراً منهما: الفطر والأضحى» [13]، ولم يُذكر أن لهم في هذين اليومين تعبدات معينة، لكنه لعب مجرد، ومع ذلك منع صلى الله عليه وسلم المسلمين من تخصيص هذين اليومين بالاجتماع واللعب، وأبدلهم بهما العيدين الشرعيين الفطر والأضحى.
والتعظيم والإجلال للأزمنة نوع من التخصيص لها، فلا يخص زمان بذلك إلا ما خصه الشارع، وإلا كان في هذا التخصيص مضارعة للأعياد الشرعية التي قامت على التفضيل والتخصيص، وهذه الأيام الوطنية للبلدان قائمة على الإجلال والتعظيم، ولذا تنتظر بشوق، ويرتب لها من الترتيبات ما يجعل النفوس تجلها وتعظمها، بل وتحاط بصبغة رسمية لتثبيت الإجلال لها في القلوب، حتى إنها إذا فاتت لسبب ما قُضيت في وقت آخر لبقاء الإجلال والتعظيم لها في النفوس، فأي فرق إذن بينها وبين الأعياد الشرعية!!
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولو فُرض أن الرجل قد يقول: أنا لا أعتقد الفضل، فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه من التعظيم والإجلال، والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ولو أنه وهم، أو ظن أن هذا أمرٌ ضروري، فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء امتُنع مع ذلك أن تعظمه، ولكن قد تقوم بها خواطر متقابلة، فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه، ومن حيث شعوره بما روي فيه، أو بفعل الناس له، أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله، وأنها تورث القلب نفاقاً ولو كان نفاقاً خفيفاً" [14].
فالذي غاب عن فضيلة الشيخ عبد العزيز - وفقه الله - أن هذه الأيام الوطنية للدول يحتف بها من تعظيم الزمان نفسه ما يحتف من الإجلال والتعظيم - ولو لم يكن فيها شيء من التعبد لله تعالى-، وهذا المعنى لاحظته الشريعة فمنعت تعظيم أي زمان لم يعظمه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أبيح تعظيم أزمنة من عند الناس أنفسهم لم يعد للأزمنة الشرعية من الخصوصية والاشتياق لها والفرح بها والعمل الصالح فيها ما ينبغي لها.
فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» [15].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومنّ أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده» [لفظ البخاري] [16].
وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: «أصمت أمس؟» قالت: لا، قال: «أتريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا، قال: «فأفطري» [17].
وعن محمد بن عباد بن جعفر قال: سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال: "نعم ورب هذا البيت" [18].
ومثل هذا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم» [19].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فوجه الدلالة: أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
1- قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء.
2- وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين.
3- وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان.
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده.
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد، أو لا ينهى عنه كيوم عرفة وعاشوراء، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي، كما في قوله: «خالفوا المشركين» [20]، فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم، أو صلاة، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص.
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره، ويعتقد أن قيامه ليلته كالصيام في نهاره، لها فضيلة على غيرها من الليالي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص.
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم، ولا فضل فيه في الشرع، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.
وهذا المعنى موجود في مسألتنا، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها، هذا اعتقادي، ومع ذلك فأنا أخصها، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره، وإما اتباع العادة، وإما خوف اللوم له، ونحو ذلك، وإلا فهو كاذب، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد، أو باعثاً آخر غير ديني، وذلك الاعتقاد ضلال" [21].
قلت: فإذا كان هذا النهي عن التخصيص ليوم مشهود له بالفضل فكيف بغيره من الأيام التي لم يجعل لها الشارع فضلاً في الأصل بل تفضيلها حصل من عند البشر أنفسهم!!
وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: "أُتي عليٌ رضي الله عنه بهدية النيروز، فقال: ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز، فقال: "فاصنعوا كل يوم فيروز"، قال أبو أسامة: "كره أن يقول: نيروز"، قال الشيخ [أي البيهقي]: "وفي هذا كالكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به" [22].
ومعنى كلام البيهقي رحمه الله أنه لا يخص يوم بشيء لم يخصه الشارع به، فالنيروز عيد المجوس وفيه من اللعب والتهادي ما فيه، فلا يجوز للمسلم أن يشارك فيه المجوس ولو بالهدية، فضلاً عن اعتقاد الفضل، فإن ذلك لا يخطر ببال المسلم مطلقاً.
وقال أبو شامه الشافعي رحمه الله: "ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضّله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر، كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر.
فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة النبي صلى الله عليه وسلم" [23].
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون".. إلى أن قال: "ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد، وذكرى استقلال البلاد، أو الاعتلاء على عرش الملك، وأشباه ذلك، فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله، وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه" [24].
وذكر الشيخ عبد العزيز الفوزان - وفقه الله - مثالاً، وهو الأيام العالمية في الأمم المتحدة كيوم المعلم والأم والعمال والشجرة والتدخين ونحوها من الأيام.. وقال: "وذكرت أنه لا يظهر لي مانع شرعي من تخصيص يوم للوطن كما هو الحال في كل دول العالم"..
فالجواب أن الشيخ وفقه الله لم يتبين له الفرق بين الأيام الوطنية وتلك الأيام العالمية، فمن السياق السابق يتبين الفرق، وهو أن الأيام الوطنية للدول مقصود بها تعظيم (اليوم لذات اليوم)، لحدثٍ وقع فيه استوجب أن يعتنى بالزمان نفسه بالفرح فيه والاجتماع والخطب والتهاني واللعب وتعطيل الأعمال، أشبه مظاهر العيد الديني تماماً.
في حين أن من الأيام العالمية ما لا يقصد منها تعظيم الزمان في أغلبها، لكنها وضعت وحددت لاجتماع الناس في وقت محدد على معالجة أمرٍ من الأمور ليكون هذا الاجتماع أبلغ في التأثير، فتلك الأيام لا تعدوا أن تكون ظروف زمان يستفاد منها لتحديد موعدٍ معين كما هو الحال في الأيام التي يحددها الناس لاجتماعات عائلية أو درس أو لقاء أو نحو ذلك مما ذكره الشيخ في فتواه، وإن كان كثيرٌ من الأيام العالمية في الأمم المتحدة له أصل ديني يجب الحذر منها، بل حتى التي ليس لها أصل ديني يخشى مع مرور الزمن أن يحتف بها من التعظيم والإجلال ما يحولها إلى أعيادٍ معظمة فليتنبه.
فعلى سبيل المثال (عيد الأم) الذي لا يرى الشيخ مانعاً من تخصيص يوم له، قد كان يقصد به عند اليونانيين الوثنيين الاحتفال بإلهة الأمومة "هيرا" وقد تسمى "ربة القمر" لاعتقادهم أن للقمر تأثيراً على الدورة الشهرية للنساء، ويعتقدون أنها تساعد النساء على الوضع، وحضانة الأطفال، وإرضاعهم وتربيتهم، وكذلك الإلهة "أرتميس" التي كانت على حد زعمهم ربة حنوناً تحمي مواليد الحيوان والإنسان مثلها مثل "هيرا" [25].
وبعد اندثار الحضارة اليونانية وظهور الحضارة النصرانية جُعل الاحتفال بعيد (مريم) التي هي (أم) المسيح عليه السلام، في نفس توقيت عيد آلهة الأمومة عند اليونانيين [26]، في يوم الأحد 2 مايو [27]، واعترف به رسمياً في الغرب عام 1914م.
فتبين من هذا أن (عيد الأم) الذي يرى الشيخ جواز تخصيص يوم للاحتفال به إنما هو عيد نصراني وثني ديني.
فنأمل من الشيخ وفقه الله أن يصدع بالقول بتحريمه، كما صدع بالقول بجوازه، حتى لا يقيمه من يقلّد الشيخ في فتواه فيتحمل الشيخ أوزارهم نعيذه بالله من ذلك، هذا هو الظن به.
وهكذا يوم الشجرة العالمي وهو من أعياد اليهود، ويسمى عيد الظلل أو عيد الحصاد أوعيد المزروعات أو عيد الشجرة، في (15 فبراير) ولهم فيه طقوس ومظاهر دينية وصلوات ووجبة مشتملة على الخمر وأنواع من الفواكه، ويقوم فيه الأطفال في (إسرائيل) بغرس الأشجار [28].
وهكذا في يوم المعلم، فأي شيء ٍسيقوله ويقدمه الطالب المسلم احتفاءً بمعلمه المسلم؟ لا ريب أنه سيورد ما يدل على فضل العلم والتعليم، وسيحشد ما يستطيع من النصوص الواردة في القرآن والسنة لبيان فضل العلم وفضل المعلم، وكفى بذلك ارتباطاً بالدين، ويكفي ذلك أن يتحول (يوم المعلم) إلى يوم ديني يُدعى فيه المعلمون إلى الاحتساب والاقتداء بالمعلم الأول صلى الله عليه وسلم، وهذا يقع في ذكرى المولد النبوي الذي يرى المحتفلون به أن الغرض منه التذكير بنعمة الله تعالى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحث الناس على الاقتداء به وإحياء سنته، ويوردون لذلك النصوص الشرعية، فأي شيء تركنا من التشبه بالأعياد البدعية إذن!!
وأورد الشيخ - وفقه الله - إشكالاً آخر وهو قوله: "فإن قيل: إن الاحتفاء باليوم الوطني ونحوه من الأيام تشبه بالكفار لأنهم أول من سنها واحتفى بها.. قال: فيجاب عنه: بأن هذا يحتاج إلى تحديد المراد بالتشبه المحرم بالكفار"..
إلا أنه وفقه الله فاته أن التشبه بالكفار في هذه المسألة أشمل مما ذكره، ولذا كان الراسخون في العلم من العلماء يذكرون التشبه بالكفار من علل النهي عن الأزمنة المبتدعة، فإن الشريعة نهت عن التشبه بأعداء الله تعالى بصفة عامة كما هو معلوم، ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم الزمانية والمكانية.
فما يفعله بعض المسلمين من إقامة أعياد بدعية هو من التشبه بأعداء الله، وهذا واقع في الأمة لا محالة، حيث أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» [29].
ومن الاتباع المذكور في الحديث: محاكاة الكفار ببدعٍ من جنس ما عندهم من الضلال، كابتداع هذه الأعياد التي تضارع أعياد الكفار.
وبالتتبع وجد أن تشبه بعض المسلمين بالكفار في الأعياد والمواسم في أمرين:
1- التشبه بهم في نوع الأعياد، أي أن من المسلمين من تشبه بالكفار في إقامة أعياد وفيها مضاهاة لأعياد الكفار، مثال ذلك:
• الاحتفال باليوم الوطني تشبهاً بهم في الاحتفال بعيد رأس السنة.
• المولد النبوي وعيد ميلاد الشخص تشبهاً بهم في عيد ميلاد عيسى عليه السلام، فالمولد النبوي يقيمه أهل البدع على اعتبار أن محمداً صلى الله عليه وسلم أجدر وأولى بالتذكر من عيسى عليه السلام، وفيه تنشد القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وإطرائه، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن إطرائه بقوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم» [30]، فجمعوا بين سيئتين: التشبه بالكفار في عيد ميلاد عيسى عليه السلام، والتشبه بهم في إطراء محمد صلى الله عليه وسلم كما أطرت النصارى ابن مريم عليه السلام [31].
• الإسراء والمعراج تشبهاً بهم في عيد القيامة، وهو عيد الفصح عند النصارى، ويزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصلب بثلاثة أيام، وخلص آدم من الجحيم، وأقام في الأرض أربعين يوماً، آخرها يوم الخميس، ثم صعد إلى السماء.
• عيد الجلوس تشبهاً بالمجوس في عيد المهرجان، وذلك أن المهرجان عند الفرس عيدٌ لزوال ملك وتولي ملك آخر [32].
• عيد مهرجان الزهور تشبهاً بالمجوس في عيد النيروز عندهم، وذلك أن النيروز في أول يوم من فصل الربيع عند تفتح الأزهار، فجاء من المسلمين من أقام (عيد الزهور) تشبهاً بالمجوس.
وهكذا في أحداث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه التي يعتني بها بعض المبتدعة، ويخصونها باحتفالات كغزوة بدر، والهجرة النبوية، وغيرها.. شابهوا فيها اليهود والنصارى الذين اتخذوا حوادث أنبيائهم أعياداً.
ولذا قال يهودي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال عمر: وأي آية؟ قال قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.. [المائدة: 3] فقال عمر: "إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة في يوم جمعة".
زاد ابن جرير: "وكلاهما بحمد الله لنا عيد" [33].
فمن ضلال أهل الكتاب أنهم يتخذون مناسبات الأفراح أعياداً، في حين أن أهل الإسلام يلتزمون في تعظيم الأزمنة بما أذن لهم الشارع فيه.
2- التشبه بهم في توقيت الأعياد، وذلك باستعمال الحساب الشمسي في بعض الأعياد، وترك الحساب القمري الذي هو من شعائر هذه الأمة.
وإذا وقفت على أنواع هذه الأعياد التي يرفضها الإسلام، وعرفت تقسيمها حسب جهة الإصدار، وقر في نفسك بالغ حكمة التشريع للعيد في الإسلام، إذ روعي في وقت تشريعه ربط توقيت كل واحد من العيدين الحوليين بالشهر القمري، إثر أداء ركن حولي من أركان الإسلام لمواصلة إقامة العبودية، والالتفات إلى شكر المنعم على البرية، وصيانة للمسلمين عن مشابهتهم لأمم الكفر في أعيادهم المرتبطة بالكواكب وتسييرها [34].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين [35].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فوصف هذه الأمة بترك الكتاب والحساب الذي يفعله غيرها من الأمم في أوقات عباداتهم وأعيادهم وأحالها على الرؤية حيث قال في غير حديث «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» [36].
وهذا دليل على ما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من بعض المسبوقين بالإجماع من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب ولا بالحساب الذي تسلكه الأعاجم، من الروم والفرس والقبط والهند وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقد يستدل بهذا الحديث على خصوص النهي عن أعيادهم، فإن أعيادهم معلومة بالكتاب والحساب، والحديث فيه عموم.
أو يقال: إذا نهينا عن ذلك في عيد الله ورسوله ففي غيرها من الأعياد والمواسم أولى وأحرى، ولما في ذلك من مضارعة الأمة الأمية سائر الأمم.
وبالجملة فالحديث يقتضي اختصاص هذه الأمة بالوصف الذي فارقت به غيرها، وذلك يقتضي أن ترك المشابهة للأمم أقرب إلى حصول الوفاء بالاختصاص" [37].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: "المحذور الرابع (في العيد الوطني): أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية، وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك – وليس بسائغ البتة – لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك، وهذا عدول عما عليه العرب في جاهليتها وإسلامها، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة المحمدية بالنسبة إلى عباداتها وأحكامها المفتقرة إلى عدد وحساب من عبادات وغيرها هي الأشهر القمرية" [38].
ومن ضمن الإيرادات التي أوردها الشيخ عبد العزيز ثم أجاب عنها قوله: الأول: أن هذه أعياد بدعية خارجة عن الأعياد التي دلت عليها الأدلة الشرعية.. وتسميتها بالأيام لا يغير من حقيقتها شيئاً فهي أعياد تتكرر كل عام، والعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
ثم أجاب عن هذا الإيراد بجواب غريب وهو قوله: "أما الإشكال الأول فيجاب عنه أن المنهي عنه هو التشبه بالكفار في أعيادهم ومشاركتهم فيها كما يدل عليه حديث أنس رضي الله عنه: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان».. الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن التشبه بالكفار ومشاركتهم بالاحتفال في ذينك العيدين الجاهليين.. إلى أن قال: فإن قيل: من أين لكم أن الحديث يدل على تحريم الاحتفال بذينك اليومين الجاهليين وأمثالهما من أعياد الكفار؟ فالجواب كما قال شيخ الإسلام.. إلخ كلامه.
ومعنى كلام الشيخ عبد العزيز وفقه الله أن المنهي عنه هو مشاركة الكفار في أعيادهم، وليس إحداث أعياد مشابهة لأعيادهم، واستدل لذلك بحديث أنس رضي الله عنه، هذا مفهوم كلامه، وإلا كان منطوقه حجة عليه في المنع من المشابهة.
والنهي في حديث أنس ليس محل نزاع بيننا وبين الشيخ، فالكل متفقون على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، ولا حاجة للتدليل على المنع من ذلك أو سياق كلام شيخ الإسلام أو غيره من العلماء، لكن محل النزاع في إحداث أعياد مشابهة لما يفعله الكفار، وظاهر كلام الشيخ - عفا الله عنا وعنه - عدم التفريق بين المشابهة والمشاركة، ومعلوم أن المشابهة عمل شيء شبيه بعمل الآخرين، أما المشاركة فهي مفاعلة تفيد الاشتراك بين الطرفين في عمل معين.
ثم ذكر الشيخ أحوالاً ثلاثة ينحصر فيها التشبه بالكفار، وقال: الثاني: التشبه بهم فيما هو من خصائص عاداتهم التي هي علم عليهم وشعار لهم يميزهم عن غيرهم، كالاحتفال بنهاية [39] رأس السنة الميلادية، والاحتفال بما يسمى عيد الحب.. إلخ.
وما ذكره الشيخ صحيح، ويلزمه بذلك أن يطرد الاحتفال باليوم الوطني على هذه القاعدة؛ لأنه لا فرق بين الاحتفال ببداية السنة والاحتفال باليوم الوطني للدولة؛ لأن اليوم الوطني لكل دولة يعني بداية عهدها الجديد وفجرها المشرق، لكن سيراً مع التوقيت العام للعالم فإنه لا يمكن الخروج عن التاريخ العالمي في بداية العام (الأول من يناير) نظراً للمصالح المشتركة بين دول العالم، ولسيطرة الأمة النصرانية التي أرغمت العالم على تأريخها.
فبداية السنة عند المجوس في الأول من برج الحمل، وهو بداية فصل الربيع 14 أو 21 آذار / مارس، ولذا يكون عيدهم الأكبر فيه (النيروز) ولهم فيه تعبدات تبين عن عقيدتهم [40].
وبداية السنة عند اليهود في الأول من برج الميزان، وهو بداية فصل الخريف (الأول من تشرين)، ولهم فيه عيد روش هشناه، أو رأس هيشا، ومعناه عيد رأس السنة، ولهم فيه تعبدات تبين عن عقيدتهم [41].
وبداية السنة عند النصارى في الأول من برج الدلو، وهو البرج الثاني من بروج فصل الشتاء (الأول من يناير / كانون الثاني) ولهم فيه عيد رأس السنة الميلادية، وفيه بعض الطقوس الدينية [42].
وهكذا لكل دولة في بداية سنتها عيد يحتفلون فيه ببداية سنتهم يسمى: العيد الوطني، أو عيد الثورة، أو عيد الاستقلال.. على حسب المناسبات والوقائع التي حُدد العيد من أجلها.
ولو ادعى مدعٍ فقال: إن إحداث يوم أو عيد بدون قصد مشابهة الكفار في أعيادهم عند رؤوس سنيهم لا مانع منه، فإنما الأعمال بالنيات.. قلنا له: إن النية هنا غير معتبرة، لحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: "نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟» قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، وإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» [43].
فدل الحديث على أنه يستوي في ذلك أن تكون العناية بهذا المكان أو الزمان ما كان منه على سبيل التقرب إلى الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» أو على سبيل العادة واللعب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟»، إذ لا فرق بين التعظيمين، فإن العيد يجمع عبادة كالصلاة والحج والذبح، وعادة كاللعب والأكل والشرب والاجتماع، فلا فرق في تعظيم زمان أو مكان والعناية به وتمييزه وتخصيصه بشيء من (العبادات) أو بشيء من (العادات)، فكل ذلك من المنهي عنه، وليس الأمر هنا راجعاً إلى نية العامل؛ لأن المظهر العام المخوف منه تعظيم الزمان أو المكان بالنحر فيه، وإن لم يقصد ذلك التعظيم، ولذا استفصل النبي صلى الله عليه وسلم من الذي نذر أن ينحر، مع أنه لا يُظن بالصحابي أن يذبح لغير الله، أو يحيي عيداً للجاهلية، فدل على أن النية غير معتبرة هنا.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عند حديث ثابت بن الضحاك المتقدم: "التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده" [44].
قال الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله: "أي أنه لما جعل نذر الذبح في مكان عيد المشركين نذر معصية، ومنع من الوفاء به مع كون الناذر لم يقصده، دل ذلك على الحذر من مشابهتهم" [45].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله»: "هل الفعل يشعر بالنية، أو نقول المضاهاة حاصلة سواءً كانت بنية أو بغير نية؟
الجواب: الثاني؛ لأن المضاهاة حصلت سواءً نوى أو لم ينو؛ لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال: أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلاً وما أشبه ذلك.. نقول: هذا حرام؛ لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم؛ لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباساً خاصاً بالكفار إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال إنه لم يقصد المشابهة نقول: لكن حصل التشبه، فالحكم مقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم" [46].
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------------------
د. عبد الله بن سليمان آل مهنا
عضو الجمعية الفقهية السعودية
almohna9@gmail.com
[1] رابط الفتوى: http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1208
[2] لسان العرب لابن منظور (3/318-319) بتصرف.
وقال ابن فارس (4/183): "ومن الباب العيد: كل يوم مجمع، واشتقاقه قد ذكره الخليل من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، ويمكن أن يقال: لأنه يعود كل عام، وهذا عندنا أصح، وقال غيره وهو قريب من المعنيين: إنه سمي عيداً لأنهم قد اعتادوه".
وقال الفيروز آبادي (1/330): "والعيد بالكسر ما اعتادك من هم أو مرض أو حزن ونحوه، وكل يوم فيه جمع، وعيدوا شهدوه".
[3] اقتضاء الصراط المستقيم (1/441 – 442).
[4] المرجع السابق (2/512).
[5] إغاثة اللهفان (1/190).
[6] تفسير ابن جرير الطبري (11/225).
[7] الكشاف (1/655).
[8] التحرير والتنوير (5/267).
[9] تفسير ابن كثير (3/451).
[10] المرجع السابق (3/424).
[11] أخرجه البخاري برقم (952) ومسلم، نووي (6/182).
[12] الاقتضاء (1/446).
[13] أخرجه أبو داود برقم (1134) والنسائي (3/179) باسناد صحيح.
[14] الاقتضاء (2/607- 608).
[15] أخرجه مسلم، نووي (8/18).
[16] رقم (1985) ومسلم، نووي (8/18).
[17] أخرجه البخاري برقم (1986).
[18] أخرجه البخاري برقم (1984) ومسلم، نووي (8/18).
[19] أخرجه البخاري برقم (1914) ومسلم، نووي (7/194).
[20] أخرجه البخاري برقم (5892).
[21] الاقتضاء (2/608)، وانظر: الاعتصام للشاطبي (1/486 – 487).
[22] الأثر، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/235).
[23] الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 77).
[24] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/190 – 191).
[25] انظر التاريخ اليوناني لـ : د. عبد اللطيف أحمد علي (ص 226، 392، 399).
[26] انظر دراسات معاصرة في العهد الجديد، د. محمد علي البار (ص 301).
[27] الموسوعة العربية العالمية (16/723 و 27 /389).
[28] انظر: الفكر الديني اليهودي، د . حسن ظاظا ص 169 والأعياد والمواسم في الديانة اليهودية، د. صفاء أبو شادي (ص 392).
[29] أخرجه البخاري برقم (7320).
[30] أخرجه البخاري برقم (3445).
[31] ينظر: الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي للشيخ حمود التويجري رحمه الله (ص 87) من مجموع رسائل في الاحتفال بالمولد النبوي، طبع الإفتاء بالسعودية.
[32] ينظر: مروج الذهب للمسعودي (2/197).
[33] تفسير الطبري (9 /526).
[34] ينظر: عيد اليوبيل للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (ص 19 – 21).
[35] أخرجه البخاري برقم (1913).
[36] أخرجه البخاري برقم (1909) ومسلم، نووي (7/193).
[37] اقتضاء الصراط المستقيم (1/251 – 252).
[38] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/110).
[39] هكذا ورد في الموقع والصواب (بداية رأس السنة).
[40] انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (2/447)، وبلوغ الأرب للألوسي (1/350)، والخطط للمقريزي (2/33-45)، والبدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي (2/27)، والموسوعة العربية العالمية (16/723)، وفتوى اللجنة الدائمة برقم (23827).
[41] ينظر: البدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي (2/37)، وصبح الأعشى (2/463)، والخطط (4/386)، وبلوغ الأرب للألوسي (1/361)، والموسوعة العربية العالمية (11/61)، وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لـ د. عبد الوهاب المسيري (2/82).
[42] ينظر: الموسوعة العربية العالمية (16/724 – 725).
[43] أخرجه أبو داود (تهذيب 4/382 ح 3172) قال الحافظ بن حجر: بسند صحيح، التلخيص الحبير (4/180).
[44] كتاب التوحيد، باب: "لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله".
[45] التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد (ص 83).
[46] القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/208).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعـد:
فقد اطلعت على جواب للشيخ الدكتور عبد العزيز الفوزان - وفقه الله - عن حكم الاحتفال باليوم الوطني، مثبت في موقعه (رسالة الإسلام) [1] وقد كان أفتى بهذه الفتوى قبل ذلك في برنامج "الجواب الكافي" من قناة المجد الفضائية، فأحببت أن أبين للشيخ والقراء الكرام ما لعله خفي على فضيلته في هذه المسألة، وقد كنت تمنيت أن الشيخ حفظه الله حرّر المسألة قبل أن يدلي برأيه فيها، خصوصاً وأنه تمنى من المشايخ في اللجنة الدائمة أن يحسموا القول في هذه المسألة.. مع أن المشايخ قد فعلوا ذلك، ومعظمهم الآن في القبور غفر الله لنا ولهم!!
فأقول وبالله التوفيق:
عوّل الشيخ وفقه الله على جواز الاحتفال باليوم الوطني أن العبد لا يتقرب إلى الله تعالى بالاحتفال به، وأن الأعياد الشرعية يشرع فيها وجوباً أو استحباباً من العبادات ما لا يشرع في غيرها، وإنما يقصد باليوم الوطني التذكير بنعمة الله تعالى بتوحيد البلاد ووجوب المحافظة على أمنه ومكتسباته... إلى آخر كلامه.
فالجواب: أنه بالنظر إلى تعريف العيد في اللغة والشرع يتبين أن "اليوم الوطني" داخل في مسمى العيد المنهي عن إحداثه.
وهاك البيان مجملاً ثم مفصلاً:
1. خفي على الشيخ وفقه الله الفرق بين الزمان "المعظم" لذات الزمان كاليوم الوطني وأعياد الميلاد وأعياد الكفار وبين الزمان "المحدد" للقيام بوظيفة من الوظائف، فالأول من المنهي عنه والثاني كغيره من الأزمنة.
2. ليس نهي الشريعة عن خصوص أعياد الكفار فقط، بل كل ما يعظمونه من الأزمنة التي لا أصل لها داخلٌ في ذلك، نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
3. خفي على الشيخ وفقه الله أن (اليوم العالمي للشجرة واليوم العالمي للأم) الذي لا يرى مانعاً من الاحتفال بهما عيدان لهما أصول دينية لليهود والنصارى.
4. ظن الشيخ أن النهي عن الاحتفال بالأزمنة المعظمة لأجل التعبد والتشبه فقط، والواقع أنه يضاف إلى ماذكره الشيخ: "التخصيص" ومعناه أنه لا يخص زمان بأي تعظيم وإجلال إلا ما خصه الشارع، والذي خصه الشارع الفطر وعرفة والأضحى وأيام التشريق والجمعة من الأسبوع.
5. تمنى الشيخ من المشايخ في اللجنة الدائمة أن يحسموا القول في هذه المسألة ويبينوا وجه الصواب فيها.. وهو الذي نقل فتوى اللجنة الدائمة التي نصت على أن (عيد المولد وعيد الأم والعيد الوطني) بدعة محدثة ممنوعة!!
6. لا توجد بدعة زمانية عند المسلمين إلا وقد قلدوا فيها الكفار، فأصل الشر جاءنا من التشبه والتقليد للكفار كالموالد والاحتفال بالهجرة والإسراء والمعراج والعيد الوطني، كل هذه تقابل على الترتيب عيد ميلاد المسيح عليه السلام وعيد رأس السنة وعيد القيامة عند النصارى وعيد المهرجان عند المجوس.
وإليك التفصيل:
تعريف العيد في اللغة:
قال في لسان العرب: "والعيد ما يعتادُ من نوبٍ وشوقٍ وهمٍ ونحوه.
وما اعتادك من الهم وغيره فهو عيد، قال الشاعر:
والقلب يعتاده من حبها عيدُ
وقال: والعيدُ: كل يوم فيه جمعٌ، واشتقاقه من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه.
وعيّد المسلمون: شهدوا عيدهم.
قال الأزهري: والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن.
ابن الأعرابي: سمي العيدُ عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد" [2].
فتبين من كلام أئمة اللغة أن العيد هو ما اعتاد الإنسان من فرح أو ترح أو كان يوماً فيه اجتماع معتاد.
تعريف العيد شـرعا ً:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائدٌ إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك.
فالعيد يجمع أموراً:
منها: يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة.
ومنها اجتماع فيه.
ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقاً، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيداً.
فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا».
والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس رضي الله عنهما: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدا».
وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً، وإن هذا عيدنا» [3].
وقال رحمه الله: "العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة، فليس النهي عن خصوص أعيادهم، بل كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في دين الإسلام وما يحدثونه فيها من الأعمال يدخل في ذلك" [4].
وقال ابن القيم رحمه الله: "والعيد ما يُعتاد مجيئه وقصده من مكان وزمان، فأما الزمان فكقوله صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام» [رواه أبو داود وغيره].
وأما المكان فكما روى أبو داود في سننه أن رجلاً قال يا رسول الله: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة فقال: «أبها وثنٌ من أوثان المشركين أو عيد من أعيادهم؟» قال: لا، قال: «فأوف بنذرك»، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا».
والعيد مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسماً للمكان فهو المكان الذي يُقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبد فيها عيداً.
وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر، وأيام منى، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بالكعبة والبيت الحرام وعرفة ومنى والمشاعر" [5].
وقال السُدّي في قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة: 114].
قال: "نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا" [6].
وقال الزمخشري: " العيد: السرور العائد، ولذلك يقال يوم عيد" [7].
وقال ابن عاشور: "والعيد اسم ليوم يعود كل سنة، ذكرى لنعمة أو حادثة وقعت فيه للشكر أو للاعتبار" [8].
فتبين من كلام العلماء المنقول وغيره أن العيد يطلق على ما كان يعتاد من الزمان أي يعود ويتكرر، سواءً كان لفرح أو حزن أو تذكيراً بحادثة وقعت للشكر فيها أو للاعتبار بها في الوقت الذي يوافق وقوعها.
وإذا كان كذلك فإن الأعياد التي أذن الشارع بها معينة لا يزاد فيها؛ لأنها من جملة المناسك لكل أمة، قال الله تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ» [الحج: 34]، قال ابن جرير رحمه الله: "يعني لكل أمة نبي منسكاً"، وقال: "وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد عليه إما لخير أو شر" [9].
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} عيداً [10].
وقال تعالى: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا» [11].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "قوله: «إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا» فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن الله سبحانه قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48]، أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد، وللنصارى عيد، كانوا مختصين به فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم، وكذلك – أيضاً على هذا – لا ندعهم يشركوننا في عيدنا" [12].
فالمقصود أن الأزمنة التي تعود وتتكرر هي في كل أمة من جملة المناسك، والمناسك من العبادات، فعلم أن إحداث زمان معين يعظم ويعود ويتكرر يكون من الأزمنة المبتدعة بأي وصف أو مقصد كان.
فإذا تقرر هذا عُلم أن المقصود بالأعياد سواءً كانت دينية أو غير دينية تعظيمها لحدثٍ معين وقع فيها، دينياً أو غير ديني، كاستقلال، أو وحدة، أو تغلّب، أو ولادة، أو وفاة، أو نصر، أو جلوس على عرش.. أو نحو ذلك.
ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يلعبون في يومين، فسألهم عنهما فقالوا: يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم خيراً منهما: الفطر والأضحى» [13]، ولم يُذكر أن لهم في هذين اليومين تعبدات معينة، لكنه لعب مجرد، ومع ذلك منع صلى الله عليه وسلم المسلمين من تخصيص هذين اليومين بالاجتماع واللعب، وأبدلهم بهما العيدين الشرعيين الفطر والأضحى.
والتعظيم والإجلال للأزمنة نوع من التخصيص لها، فلا يخص زمان بذلك إلا ما خصه الشارع، وإلا كان في هذا التخصيص مضارعة للأعياد الشرعية التي قامت على التفضيل والتخصيص، وهذه الأيام الوطنية للبلدان قائمة على الإجلال والتعظيم، ولذا تنتظر بشوق، ويرتب لها من الترتيبات ما يجعل النفوس تجلها وتعظمها، بل وتحاط بصبغة رسمية لتثبيت الإجلال لها في القلوب، حتى إنها إذا فاتت لسبب ما قُضيت في وقت آخر لبقاء الإجلال والتعظيم لها في النفوس، فأي فرق إذن بينها وبين الأعياد الشرعية!!
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولو فُرض أن الرجل قد يقول: أنا لا أعتقد الفضل، فلا يمكنه مع التعبد أن يزيل الحال الذي في قلبه من التعظيم والإجلال، والتعظيم والإجلال لا ينشأ إلا بشعور من جنس الاعتقاد ولو أنه وهم، أو ظن أن هذا أمرٌ ضروري، فإن النفس لو خلت عن الشعور بفضل الشيء امتُنع مع ذلك أن تعظمه، ولكن قد تقوم بها خواطر متقابلة، فهو من حيث اعتقاده أنه بدعة يقتضي منه ذلك عدم تعظيمه، ومن حيث شعوره بما روي فيه، أو بفعل الناس له، أو بأن فلاناً وفلاناً فعلوه، أو بما يظهر له فيه من المنفعة يقوم بقلبه عظمته، فعلمت أن فعل هذه البدع يناقض الاعتقادات الواجبة، وينازع الرسل ما جاؤوا به عن الله، وأنها تورث القلب نفاقاً ولو كان نفاقاً خفيفاً" [14].
فالذي غاب عن فضيلة الشيخ عبد العزيز - وفقه الله - أن هذه الأيام الوطنية للدول يحتف بها من تعظيم الزمان نفسه ما يحتف من الإجلال والتعظيم - ولو لم يكن فيها شيء من التعبد لله تعالى-، وهذا المعنى لاحظته الشريعة فمنعت تعظيم أي زمان لم يعظمه الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أبيح تعظيم أزمنة من عند الناس أنفسهم لم يعد للأزمنة الشرعية من الخصوصية والاشتياق لها والفرح بها والعمل الصالح فيها ما ينبغي لها.
فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» [15].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومنّ أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده» [لفظ البخاري] [16].
وعن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال: «أصمت أمس؟» قالت: لا، قال: «أتريدين أن تصومي غداً؟» قالت: لا، قال: «فأفطري» [17].
وعن محمد بن عباد بن جعفر قال: سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال: "نعم ورب هذا البيت" [18].
ومثل هذا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتقدمنّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم» [19].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فوجه الدلالة: أن الشارع قسّم الأيام باعتبار الصوم ثلاثة أقسام:
1- قسم شُرع تخصيصه بالصيام إما إيجاباً كرمضان، وإما استحباباً كيوم عرفة وعاشوراء.
2- وقسم نُهي عن صومه مطلقاً كيوم العيدين.
3- وقسم إنما نُهي عن تخصيصه كيوم الجمعة وسرر شعبان.
فهذا النوع لو صِيم مع غيره لم يكره، فإذا خُصّص بالفعل نُهي عن ذلك، سواءً قصد الصائمُ التخصيص أو لم يقصده، وسواءً اعتقد الرجحان أو لم يعتقده.
ومعلوم أن مفسدة هذا العمل لولا أنها موجودة في التخصيص دون غيره لكان إما أن ينهى عنه مطلقاً كيوم العيد، أو لا ينهى عنه كيوم عرفة وعاشوراء، وتلك المفسدة ليست موجودة في سائر الأوقات وإلا لم يكن للتخصيص بالنهي فائدة، فظهر أن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له، كما أشعر به لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن نفس الفعل المنهي عنه أو المأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر أو النهي، كما في قوله: «خالفوا المشركين» [20]، فلفظ النهي عن الاختصاص لوقت بصوم، أو صلاة، يقتضي أن الفساد ناشئ من جهة الاختصاص.
فإذا كان يوم الجمعة يوماً فاضلاً يستحب فيه من الصلاة والدعاء والذكر والقراءة والطهارة والطيب والزينة ما لا يستحب في غيره، كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره، ويعتقد أن قيامه ليلته كالصيام في نهاره، لها فضيلة على غيرها من الليالي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التخصيص دفعاً لهذه المفسدة التي لا تنشأ إلا من التخصيص.
وكذلك تلقي رمضان قد يُتوهم أن فيه فضلاً لما فيه من الاحتياط للصوم، ولا فضل فيه في الشرع، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيه لذلك.
وهذا المعنى موجود في مسألتنا، فإن الناس قد يخصون هذه المواسم لاعتقادهم فيها فضيلة، ومتى كان تخصيص الوقت بصوم أو بصلاة قد يقترن باعتقاد فضل ذلك ولا فضل فيه نُهي عن التخصيص، إذ لا ينبعث التخصيص إلا عن اعتقاد الاختصاص، ومن قال إن الصلاة أو الصوم في هذه الليلة كغيرها، هذا اعتقادي، ومع ذلك فأنا أخصها، فلا بد أن يكون باعثه إما موافقة غيره، وإما اتباع العادة، وإما خوف اللوم له، ونحو ذلك، وإلا فهو كاذب، فالداعي إلى هذا العمل لا يخلو قط من أن يكون ذلك الاعتقاد الفاسد، أو باعثاً آخر غير ديني، وذلك الاعتقاد ضلال" [21].
قلت: فإذا كان هذا النهي عن التخصيص ليوم مشهود له بالفضل فكيف بغيره من الأيام التي لم يجعل لها الشارع فضلاً في الأصل بل تفضيلها حصل من عند البشر أنفسهم!!
وعن محمد بن سيرين رحمه الله قال: "أُتي عليٌ رضي الله عنه بهدية النيروز، فقال: ما هذه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز، فقال: "فاصنعوا كل يوم فيروز"، قال أبو أسامة: "كره أن يقول: نيروز"، قال الشيخ [أي البيهقي]: "وفي هذا كالكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصاً به" [22].
ومعنى كلام البيهقي رحمه الله أنه لا يخص يوم بشيء لم يخصه الشارع به، فالنيروز عيد المجوس وفيه من اللعب والتهادي ما فيه، فلا يجوز للمسلم أن يشارك فيه المجوس ولو بالهدية، فضلاً عن اعتقاد الفضل، فإن ذلك لا يخطر ببال المسلم مطلقاً.
وقال أبو شامه الشافعي رحمه الله: "ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضّله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر، كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر.
فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة النبي صلى الله عليه وسلم" [23].
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "ولا ريب أن تخصيص يوم من السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته المرضيون".. إلى أن قال: "ويلتحق بهذا التخصيص والابتداع ما يفعله كثير من الناس من الاحتفال بالموالد، وذكرى استقلال البلاد، أو الاعتلاء على عرش الملك، وأشباه ذلك، فإن هذه كلها من المحدثات التي قلد فيها كثير من المسلمين غيرهم من أعداء الله، وغفلوا عما جاء به الشرع المطهر من التحذير من ذلك والنهي عنه" [24].
وذكر الشيخ عبد العزيز الفوزان - وفقه الله - مثالاً، وهو الأيام العالمية في الأمم المتحدة كيوم المعلم والأم والعمال والشجرة والتدخين ونحوها من الأيام.. وقال: "وذكرت أنه لا يظهر لي مانع شرعي من تخصيص يوم للوطن كما هو الحال في كل دول العالم"..
فالجواب أن الشيخ وفقه الله لم يتبين له الفرق بين الأيام الوطنية وتلك الأيام العالمية، فمن السياق السابق يتبين الفرق، وهو أن الأيام الوطنية للدول مقصود بها تعظيم (اليوم لذات اليوم)، لحدثٍ وقع فيه استوجب أن يعتنى بالزمان نفسه بالفرح فيه والاجتماع والخطب والتهاني واللعب وتعطيل الأعمال، أشبه مظاهر العيد الديني تماماً.
في حين أن من الأيام العالمية ما لا يقصد منها تعظيم الزمان في أغلبها، لكنها وضعت وحددت لاجتماع الناس في وقت محدد على معالجة أمرٍ من الأمور ليكون هذا الاجتماع أبلغ في التأثير، فتلك الأيام لا تعدوا أن تكون ظروف زمان يستفاد منها لتحديد موعدٍ معين كما هو الحال في الأيام التي يحددها الناس لاجتماعات عائلية أو درس أو لقاء أو نحو ذلك مما ذكره الشيخ في فتواه، وإن كان كثيرٌ من الأيام العالمية في الأمم المتحدة له أصل ديني يجب الحذر منها، بل حتى التي ليس لها أصل ديني يخشى مع مرور الزمن أن يحتف بها من التعظيم والإجلال ما يحولها إلى أعيادٍ معظمة فليتنبه.
فعلى سبيل المثال (عيد الأم) الذي لا يرى الشيخ مانعاً من تخصيص يوم له، قد كان يقصد به عند اليونانيين الوثنيين الاحتفال بإلهة الأمومة "هيرا" وقد تسمى "ربة القمر" لاعتقادهم أن للقمر تأثيراً على الدورة الشهرية للنساء، ويعتقدون أنها تساعد النساء على الوضع، وحضانة الأطفال، وإرضاعهم وتربيتهم، وكذلك الإلهة "أرتميس" التي كانت على حد زعمهم ربة حنوناً تحمي مواليد الحيوان والإنسان مثلها مثل "هيرا" [25].
وبعد اندثار الحضارة اليونانية وظهور الحضارة النصرانية جُعل الاحتفال بعيد (مريم) التي هي (أم) المسيح عليه السلام، في نفس توقيت عيد آلهة الأمومة عند اليونانيين [26]، في يوم الأحد 2 مايو [27]، واعترف به رسمياً في الغرب عام 1914م.
فتبين من هذا أن (عيد الأم) الذي يرى الشيخ جواز تخصيص يوم للاحتفال به إنما هو عيد نصراني وثني ديني.
فنأمل من الشيخ وفقه الله أن يصدع بالقول بتحريمه، كما صدع بالقول بجوازه، حتى لا يقيمه من يقلّد الشيخ في فتواه فيتحمل الشيخ أوزارهم نعيذه بالله من ذلك، هذا هو الظن به.
وهكذا يوم الشجرة العالمي وهو من أعياد اليهود، ويسمى عيد الظلل أو عيد الحصاد أوعيد المزروعات أو عيد الشجرة، في (15 فبراير) ولهم فيه طقوس ومظاهر دينية وصلوات ووجبة مشتملة على الخمر وأنواع من الفواكه، ويقوم فيه الأطفال في (إسرائيل) بغرس الأشجار [28].
وهكذا في يوم المعلم، فأي شيء ٍسيقوله ويقدمه الطالب المسلم احتفاءً بمعلمه المسلم؟ لا ريب أنه سيورد ما يدل على فضل العلم والتعليم، وسيحشد ما يستطيع من النصوص الواردة في القرآن والسنة لبيان فضل العلم وفضل المعلم، وكفى بذلك ارتباطاً بالدين، ويكفي ذلك أن يتحول (يوم المعلم) إلى يوم ديني يُدعى فيه المعلمون إلى الاحتساب والاقتداء بالمعلم الأول صلى الله عليه وسلم، وهذا يقع في ذكرى المولد النبوي الذي يرى المحتفلون به أن الغرض منه التذكير بنعمة الله تعالى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وحث الناس على الاقتداء به وإحياء سنته، ويوردون لذلك النصوص الشرعية، فأي شيء تركنا من التشبه بالأعياد البدعية إذن!!
وأورد الشيخ - وفقه الله - إشكالاً آخر وهو قوله: "فإن قيل: إن الاحتفاء باليوم الوطني ونحوه من الأيام تشبه بالكفار لأنهم أول من سنها واحتفى بها.. قال: فيجاب عنه: بأن هذا يحتاج إلى تحديد المراد بالتشبه المحرم بالكفار"..
إلا أنه وفقه الله فاته أن التشبه بالكفار في هذه المسألة أشمل مما ذكره، ولذا كان الراسخون في العلم من العلماء يذكرون التشبه بالكفار من علل النهي عن الأزمنة المبتدعة، فإن الشريعة نهت عن التشبه بأعداء الله تعالى بصفة عامة كما هو معلوم، ونهت بصفة خاصة عن التشبه بهم في أعيادهم الزمانية والمكانية.
فما يفعله بعض المسلمين من إقامة أعياد بدعية هو من التشبه بأعداء الله، وهذا واقع في الأمة لا محالة، حيث أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» [29].
ومن الاتباع المذكور في الحديث: محاكاة الكفار ببدعٍ من جنس ما عندهم من الضلال، كابتداع هذه الأعياد التي تضارع أعياد الكفار.
وبالتتبع وجد أن تشبه بعض المسلمين بالكفار في الأعياد والمواسم في أمرين:
1- التشبه بهم في نوع الأعياد، أي أن من المسلمين من تشبه بالكفار في إقامة أعياد وفيها مضاهاة لأعياد الكفار، مثال ذلك:
• الاحتفال باليوم الوطني تشبهاً بهم في الاحتفال بعيد رأس السنة.
• المولد النبوي وعيد ميلاد الشخص تشبهاً بهم في عيد ميلاد عيسى عليه السلام، فالمولد النبوي يقيمه أهل البدع على اعتبار أن محمداً صلى الله عليه وسلم أجدر وأولى بالتذكر من عيسى عليه السلام، وفيه تنشد القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وإطرائه، مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن إطرائه بقوله: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم» [30]، فجمعوا بين سيئتين: التشبه بالكفار في عيد ميلاد عيسى عليه السلام، والتشبه بهم في إطراء محمد صلى الله عليه وسلم كما أطرت النصارى ابن مريم عليه السلام [31].
• الإسراء والمعراج تشبهاً بهم في عيد القيامة، وهو عيد الفصح عند النصارى، ويزعمون أن المسيح قام فيه بعد الصلب بثلاثة أيام، وخلص آدم من الجحيم، وأقام في الأرض أربعين يوماً، آخرها يوم الخميس، ثم صعد إلى السماء.
• عيد الجلوس تشبهاً بالمجوس في عيد المهرجان، وذلك أن المهرجان عند الفرس عيدٌ لزوال ملك وتولي ملك آخر [32].
• عيد مهرجان الزهور تشبهاً بالمجوس في عيد النيروز عندهم، وذلك أن النيروز في أول يوم من فصل الربيع عند تفتح الأزهار، فجاء من المسلمين من أقام (عيد الزهور) تشبهاً بالمجوس.
وهكذا في أحداث النبي صلى الله عليه وسلم وأيامه التي يعتني بها بعض المبتدعة، ويخصونها باحتفالات كغزوة بدر، والهجرة النبوية، وغيرها.. شابهوا فيها اليهود والنصارى الذين اتخذوا حوادث أنبيائهم أعياداً.
ولذا قال يهودي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال عمر: وأي آية؟ قال قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}.. [المائدة: 3] فقال عمر: "إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله، والساعة التي نزلت فيها، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة في يوم جمعة".
زاد ابن جرير: "وكلاهما بحمد الله لنا عيد" [33].
فمن ضلال أهل الكتاب أنهم يتخذون مناسبات الأفراح أعياداً، في حين أن أهل الإسلام يلتزمون في تعظيم الأزمنة بما أذن لهم الشارع فيه.
2- التشبه بهم في توقيت الأعياد، وذلك باستعمال الحساب الشمسي في بعض الأعياد، وترك الحساب القمري الذي هو من شعائر هذه الأمة.
وإذا وقفت على أنواع هذه الأعياد التي يرفضها الإسلام، وعرفت تقسيمها حسب جهة الإصدار، وقر في نفسك بالغ حكمة التشريع للعيد في الإسلام، إذ روعي في وقت تشريعه ربط توقيت كل واحد من العيدين الحوليين بالشهر القمري، إثر أداء ركن حولي من أركان الإسلام لمواصلة إقامة العبودية، والالتفات إلى شكر المنعم على البرية، وصيانة للمسلمين عن مشابهتهم لأمم الكفر في أعيادهم المرتبطة بالكواكب وتسييرها [34].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمة أمية، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين [35].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فوصف هذه الأمة بترك الكتاب والحساب الذي يفعله غيرها من الأمم في أوقات عباداتهم وأعيادهم وأحالها على الرؤية حيث قال في غير حديث «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» [36].
وهذا دليل على ما أجمع عليه المسلمون إلا من شذ من بعض المسبوقين بالإجماع من أن مواقيت الصوم والفطر والنسك إنما تقام بالرؤية عند إمكانها، لا بالكتاب ولا بالحساب الذي تسلكه الأعاجم، من الروم والفرس والقبط والهند وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وقد يستدل بهذا الحديث على خصوص النهي عن أعيادهم، فإن أعيادهم معلومة بالكتاب والحساب، والحديث فيه عموم.
أو يقال: إذا نهينا عن ذلك في عيد الله ورسوله ففي غيرها من الأعياد والمواسم أولى وأحرى، ولما في ذلك من مضارعة الأمة الأمية سائر الأمم.
وبالجملة فالحديث يقتضي اختصاص هذه الأمة بالوصف الذي فارقت به غيرها، وذلك يقتضي أن ترك المشابهة للأمم أقرب إلى حصول الوفاء بالاختصاص" [37].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: "المحذور الرابع (في العيد الوطني): أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية، وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك – وليس بسائغ البتة – لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك، وهذا عدول عما عليه العرب في جاهليتها وإسلامها، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة المحمدية بالنسبة إلى عباداتها وأحكامها المفتقرة إلى عدد وحساب من عبادات وغيرها هي الأشهر القمرية" [38].
ومن ضمن الإيرادات التي أوردها الشيخ عبد العزيز ثم أجاب عنها قوله: الأول: أن هذه أعياد بدعية خارجة عن الأعياد التي دلت عليها الأدلة الشرعية.. وتسميتها بالأيام لا يغير من حقيقتها شيئاً فهي أعياد تتكرر كل عام، والعبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
ثم أجاب عن هذا الإيراد بجواب غريب وهو قوله: "أما الإشكال الأول فيجاب عنه أن المنهي عنه هو التشبه بالكفار في أعيادهم ومشاركتهم فيها كما يدل عليه حديث أنس رضي الله عنه: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان».. الحديث، والنبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن التشبه بالكفار ومشاركتهم بالاحتفال في ذينك العيدين الجاهليين.. إلى أن قال: فإن قيل: من أين لكم أن الحديث يدل على تحريم الاحتفال بذينك اليومين الجاهليين وأمثالهما من أعياد الكفار؟ فالجواب كما قال شيخ الإسلام.. إلخ كلامه.
ومعنى كلام الشيخ عبد العزيز وفقه الله أن المنهي عنه هو مشاركة الكفار في أعيادهم، وليس إحداث أعياد مشابهة لأعيادهم، واستدل لذلك بحديث أنس رضي الله عنه، هذا مفهوم كلامه، وإلا كان منطوقه حجة عليه في المنع من المشابهة.
والنهي في حديث أنس ليس محل نزاع بيننا وبين الشيخ، فالكل متفقون على تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم، ولا حاجة للتدليل على المنع من ذلك أو سياق كلام شيخ الإسلام أو غيره من العلماء، لكن محل النزاع في إحداث أعياد مشابهة لما يفعله الكفار، وظاهر كلام الشيخ - عفا الله عنا وعنه - عدم التفريق بين المشابهة والمشاركة، ومعلوم أن المشابهة عمل شيء شبيه بعمل الآخرين، أما المشاركة فهي مفاعلة تفيد الاشتراك بين الطرفين في عمل معين.
ثم ذكر الشيخ أحوالاً ثلاثة ينحصر فيها التشبه بالكفار، وقال: الثاني: التشبه بهم فيما هو من خصائص عاداتهم التي هي علم عليهم وشعار لهم يميزهم عن غيرهم، كالاحتفال بنهاية [39] رأس السنة الميلادية، والاحتفال بما يسمى عيد الحب.. إلخ.
وما ذكره الشيخ صحيح، ويلزمه بذلك أن يطرد الاحتفال باليوم الوطني على هذه القاعدة؛ لأنه لا فرق بين الاحتفال ببداية السنة والاحتفال باليوم الوطني للدولة؛ لأن اليوم الوطني لكل دولة يعني بداية عهدها الجديد وفجرها المشرق، لكن سيراً مع التوقيت العام للعالم فإنه لا يمكن الخروج عن التاريخ العالمي في بداية العام (الأول من يناير) نظراً للمصالح المشتركة بين دول العالم، ولسيطرة الأمة النصرانية التي أرغمت العالم على تأريخها.
فبداية السنة عند المجوس في الأول من برج الحمل، وهو بداية فصل الربيع 14 أو 21 آذار / مارس، ولذا يكون عيدهم الأكبر فيه (النيروز) ولهم فيه تعبدات تبين عن عقيدتهم [40].
وبداية السنة عند اليهود في الأول من برج الميزان، وهو بداية فصل الخريف (الأول من تشرين)، ولهم فيه عيد روش هشناه، أو رأس هيشا، ومعناه عيد رأس السنة، ولهم فيه تعبدات تبين عن عقيدتهم [41].
وبداية السنة عند النصارى في الأول من برج الدلو، وهو البرج الثاني من بروج فصل الشتاء (الأول من يناير / كانون الثاني) ولهم فيه عيد رأس السنة الميلادية، وفيه بعض الطقوس الدينية [42].
وهكذا لكل دولة في بداية سنتها عيد يحتفلون فيه ببداية سنتهم يسمى: العيد الوطني، أو عيد الثورة، أو عيد الاستقلال.. على حسب المناسبات والوقائع التي حُدد العيد من أجلها.
ولو ادعى مدعٍ فقال: إن إحداث يوم أو عيد بدون قصد مشابهة الكفار في أعيادهم عند رؤوس سنيهم لا مانع منه، فإنما الأعمال بالنيات.. قلنا له: إن النية هنا غير معتبرة، لحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: "نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟» قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، وإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» [43].
فدل الحديث على أنه يستوي في ذلك أن تكون العناية بهذا المكان أو الزمان ما كان منه على سبيل التقرب إلى الله كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» أو على سبيل العادة واللعب كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟»، إذ لا فرق بين التعظيمين، فإن العيد يجمع عبادة كالصلاة والحج والذبح، وعادة كاللعب والأكل والشرب والاجتماع، فلا فرق في تعظيم زمان أو مكان والعناية به وتمييزه وتخصيصه بشيء من (العبادات) أو بشيء من (العادات)، فكل ذلك من المنهي عنه، وليس الأمر هنا راجعاً إلى نية العامل؛ لأن المظهر العام المخوف منه تعظيم الزمان أو المكان بالنحر فيه، وإن لم يقصد ذلك التعظيم، ولذا استفصل النبي صلى الله عليه وسلم من الذي نذر أن ينحر، مع أنه لا يُظن بالصحابي أن يذبح لغير الله، أو يحيي عيداً للجاهلية، فدل على أن النية غير معتبرة هنا.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عند حديث ثابت بن الضحاك المتقدم: "التاسعة: الحذر من مشابهة المشركين في أعيادهم ولو لم يقصده" [44].
قال الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله: "أي أنه لما جعل نذر الذبح في مكان عيد المشركين نذر معصية، ومنع من الوفاء به مع كون الناذر لم يقصده، دل ذلك على الحذر من مشابهتهم" [45].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح حديث: «أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله»: "هل الفعل يشعر بالنية، أو نقول المضاهاة حاصلة سواءً كانت بنية أو بغير نية؟
الجواب: الثاني؛ لأن المضاهاة حصلت سواءً نوى أو لم ينو؛ لأن العلة هي المشابهة، وليست العلة قصد المشابهة، فلو جاء رجل وقال: أنا لا أريد أن أضاهي خلق الله، أنا أصور هذا للذكرى مثلاً وما أشبه ذلك.. نقول: هذا حرام؛ لأنه متى حصلت المشابهة ثبت الحكم؛ لأن الحكم يدور مع علته كما قلنا فيمن لبس لباساً خاصاً بالكفار إنه يحرم عليه هذا اللباس، ولو قال إنه لم يقصد المشابهة نقول: لكن حصل التشبه، فالحكم مقرون بعلة لا يشترط فيه القصد، فمتى وجدت العلة ثبت الحكم" [46].
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
----------------------------
د. عبد الله بن سليمان آل مهنا
عضو الجمعية الفقهية السعودية
almohna9@gmail.com
[1] رابط الفتوى: http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=1208
[2] لسان العرب لابن منظور (3/318-319) بتصرف.
وقال ابن فارس (4/183): "ومن الباب العيد: كل يوم مجمع، واشتقاقه قد ذكره الخليل من عاد يعود، كأنهم عادوا إليه، ويمكن أن يقال: لأنه يعود كل عام، وهذا عندنا أصح، وقال غيره وهو قريب من المعنيين: إنه سمي عيداً لأنهم قد اعتادوه".
وقال الفيروز آبادي (1/330): "والعيد بالكسر ما اعتادك من هم أو مرض أو حزن ونحوه، وكل يوم فيه جمع، وعيدوا شهدوه".
[3] اقتضاء الصراط المستقيم (1/441 – 442).
[4] المرجع السابق (2/512).
[5] إغاثة اللهفان (1/190).
[6] تفسير ابن جرير الطبري (11/225).
[7] الكشاف (1/655).
[8] التحرير والتنوير (5/267).
[9] تفسير ابن كثير (3/451).
[10] المرجع السابق (3/424).
[11] أخرجه البخاري برقم (952) ومسلم، نووي (6/182).
[12] الاقتضاء (1/446).
[13] أخرجه أبو داود برقم (1134) والنسائي (3/179) باسناد صحيح.
[14] الاقتضاء (2/607- 608).
[15] أخرجه مسلم، نووي (8/18).
[16] رقم (1985) ومسلم، نووي (8/18).
[17] أخرجه البخاري برقم (1986).
[18] أخرجه البخاري برقم (1984) ومسلم، نووي (8/18).
[19] أخرجه البخاري برقم (1914) ومسلم، نووي (7/194).
[20] أخرجه البخاري برقم (5892).
[21] الاقتضاء (2/608)، وانظر: الاعتصام للشاطبي (1/486 – 487).
[22] الأثر، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/235).
[23] الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص 77).
[24] مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (5/190 – 191).
[25] انظر التاريخ اليوناني لـ : د. عبد اللطيف أحمد علي (ص 226، 392، 399).
[26] انظر دراسات معاصرة في العهد الجديد، د. محمد علي البار (ص 301).
[27] الموسوعة العربية العالمية (16/723 و 27 /389).
[28] انظر: الفكر الديني اليهودي، د . حسن ظاظا ص 169 والأعياد والمواسم في الديانة اليهودية، د. صفاء أبو شادي (ص 392).
[29] أخرجه البخاري برقم (7320).
[30] أخرجه البخاري برقم (3445).
[31] ينظر: الرد القوي على الرفاعي والمجهول وابن علوي للشيخ حمود التويجري رحمه الله (ص 87) من مجموع رسائل في الاحتفال بالمولد النبوي، طبع الإفتاء بالسعودية.
[32] ينظر: مروج الذهب للمسعودي (2/197).
[33] تفسير الطبري (9 /526).
[34] ينظر: عيد اليوبيل للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (ص 19 – 21).
[35] أخرجه البخاري برقم (1913).
[36] أخرجه البخاري برقم (1909) ومسلم، نووي (7/193).
[37] اقتضاء الصراط المستقيم (1/251 – 252).
[38] فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (3/110).
[39] هكذا ورد في الموقع والصواب (بداية رأس السنة).
[40] انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (2/447)، وبلوغ الأرب للألوسي (1/350)، والخطط للمقريزي (2/33-45)، والبدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي (2/27)، والموسوعة العربية العالمية (16/723)، وفتوى اللجنة الدائمة برقم (23827).
[41] ينظر: البدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي (2/37)، وصبح الأعشى (2/463)، والخطط (4/386)، وبلوغ الأرب للألوسي (1/361)، والموسوعة العربية العالمية (11/61)، وموسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لـ د. عبد الوهاب المسيري (2/82).
[42] ينظر: الموسوعة العربية العالمية (16/724 – 725).
[43] أخرجه أبو داود (تهذيب 4/382 ح 3172) قال الحافظ بن حجر: بسند صحيح، التلخيص الحبير (4/180).
[44] كتاب التوحيد، باب: "لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله".
[45] التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد (ص 83).
[46] القول المفيد شرح كتاب التوحيد (3/208).
عبد الله بن سليمان المهنا
إمام وخطيب جامع غادة البراهيم بحي الملقا بالرياض وهو حاصل على الدكتوراة في العقيدة، والمشرف التربوي بوزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية.
- التصنيف: