آكلة العقول
المسكرات والمخدرات تجمعان كل الخبائث الدينية والدنيوية، وكل موبقات الذنوب وموجبات الندم، وهي مفتاح كل شر، فصاحبها مغضِبٌ لربه، مفسد لعقله، ومنهك لصحته، مؤذٍ لأهله ومجتمعه.
الحمد لله الذي أباح لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، فحمدًا له على نعمائه وعلى حسن بلائه، ونصلي ونسلم على خير خلقه وإمام أوليائه، محمد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
عباد الله؛ يقول تبارك وتعالى في وصف رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، فهي شريعة عظيمة بما فيها من كمال وتمام وجمال، وتنظيم رائع لحياة الفرد مع ربه ومجتمعه، فإنه لم يشرع إلا ما فيه الخير للبشرية في عاجل أمرها وآجله، فأحلَّ الطيبات، وحرَّم الخبائث من أجل مصلحة الإنسان، وبقاء الدين مصونًا من الإثم والطغيان، ومن أعظم الخبائث وأكبرها جُرمًا الْمُسْكِرات والمخدِّرات التي تفتك بالدين والدنيا، والفرد والمجتمع.
وفي القرآن الكريم تحريم قاطع لهذه الآفات؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وفي السنة النبوية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يَتُبْ، لم يشربها في الآخرة»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
وأجمعت الأمة على حرمة الخمر، كما اتفق العلماء على حرمة تناول ما يؤثر على العقل من المواد والعقاقـير المخدرة، وتعاطيها بأي صورة من الصور، سواء كانت مأكولة أو مشروبة، أو عن طريق الحقن، أو الشم، أو التدخين، أو السعوط، أو الحشيشة؛ فكلها محرمة، والحبوب الضارة أو المخدرة وما يسمى "الشبو"، وكل شيء يحصل به هذا المعنى من إسكار ومضرة على متعاطيها؛ فإنه محرم ومجرَّم.
ولا شك أن المخدرات أعظم خطرًا وأسوأ أثرًا من الخمور؛ فهي أولى بالتحريم؛ لأنَّها تُسْكِر كالخمر، وهي أكثر ضررًا على الجسم والعقل والمجتمع.
المسكرات والمخدرات تجمعان كل الخبائث الدينية والدنيوية، وكل موبقات الذنوب وموجبات الندم، وهي مفتاح كل شر، فصاحبها مغضِبٌ لربه، مفسد لعقله، ومنهك لصحته، مؤذٍ لأهله ومجتمعه.
هذه الآفة الخطيرة، ضاعت بسببها عقول، وتردت أخلاق، وأُهدرت أموال، وهي أنكى أسلحة الأعداء، وصرعاها هم الشباب والفتيات، إن لم تتداركهم عناية الله.
المخدرات أودت بالبعض إلى خسران صحته وماله، ووظيفته وسمعته؛ لأنه عندما يتعاطى المخدر ولا مال في يده، يحاول أن يوفره من خلال السرقة أو البغاء أو غيرها من الطرق غير المشروعة، بل قد تُلجِئه شدة الإدمان إلى ارتكاب جرائم أكبر، فينتحر؛ فيلحقه غضب رب العالمين؛ القائل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29، 30]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بشيء، عُذِّب به يوم القيامة».
إن النشوة المؤقتة والسكرة الآنية التي توفرها المخدرات، هي سعادة ومتعة موهومة، ولا تُقاس بالأضرار التي تسببها، وهل هناك أخطر من أن يفقد الإنسان عقله؛ فيبيع كرامته وشرفه، ليحصل على لذة ساعة؟
إن العقل هو مناط التكليف، ومدار الكرامة الإنسانية، والعاقل الحصيف لا يسعى لإتلاف عقله، ودمار صحته، بهذه الخبائث والكبائر، بل يسعى جاهدًا للتخلص منها:
واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتًى ** كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ
وعندما يفقد معاقر الخمرة ومدمن المخدر توازنَه العقلي والحسي، فإنه ينزل إلى مستوى بهيميٍّ، ويكون وحشًا ضاريًا في بيته ومجتمعه، لا يمنعه من فعل الإجرام وازع ولا رادع:
شَرِبْتُ الخَمْرَ حَتَّى ضَلَّ عَقْلِي ** كَذَاكَ الخَمْرُ تَفْعَلُ بِالعُقُولِ
والواقع يشهد بهذا؛ فيُرى من حال متعاطي هذه الخبائث، فهو في شر، فلا عقل سوي، ولا خلق رضي، ولا دين قويم، عداوة وبغضاء، وضرر وضرار؛ فالزوجة تشكو من زوجها المدمن الذي يضرب ويطلق، والأبناء في ضياع وشتات، يُخْرِبون بيوتهم بأيديهم، والكل يرى حال هؤلاء المبتلين، ومع ذلك فإن البعض لا يتخذ منهم عبرة، فيقع في شراك المروِّجين المفسدين في الأرض، ليهلك مع الهالكين.
كل هذه البلايا وغيرها بسبب حبة مخدر، وجرعة مفتر، هرَّبها قوم يريدون تخريب الأوطان، وإفساد الأخلاق، وروجها خونة بلا دين وضمير، وانقاد لها شباب وفتيات في لحظة ضعف وبُعد عن الله؛ فانجروا لهؤلاء المفسدين.
إن المخدرات بأنواعها جريمة في حق الدين والوطن، وفي كل حين تطالعنا أخبار ضبط كميات مهولة عبر منافذ مملكتنا الغالية، مما يستدعي من الجميع اليقظة والحذر، والتعاون مع رجال الأمن، ومكافحة المخدرات.
متعاطي المخدرات ومدمنها جزء من مجتمعنا، فيجب احتواؤه وعلاجه، وتأهيله لعودته للحياة الطبيعية، ومن هنا لا بد أن تتكاتف الجهود الأسرية والمجتمعية على محاربة هذه الآفة، كلٌّ بما هو متاح له، وإذا لم تجد نفعًا فتبلغ الجهات المعنية التي تبذل قصارى جهدها في تطبيبه وإعادته لوضعه السليم.
معشر الشباب، اعلموا أن المخدرات طريق موحشة، بدايتها فضول وتجربة، وآخرها إدمان وتضييع حياة، وخسران آخرة، فاحذروا المخدرات والمفترات؛ فإن تعاطيها عدوان على الجسم والعقل والنفس، وإضرار بالمجتمع، وإشغال للدولة، وليس من عاقل منحه الله العقل أن يعير عقله غيره ليعبث به كما يشاء.
وَاهجُرِ الخْمَرةَ إنْ كُنتَ فتًى ** كَيفَ يَسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ
وليتذكر من ابتُلِيَ بمعاقرة الخمرة وتعاطَى المخدرات أن الله يراه، ويعلم سره ونجواه، فليتقِ الله، وليبادر بالإقلاع والعلاج، فإنه يُمْهل ولا يُهْمل، وثُبْ إلى رشدك قبل أن تُؤاخذ على ذنبك؛ فتندم ولات ساعة مندم.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى؛ أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المخدرات هي أكبر خطر يهدد المجتمع، ويرهق الدولة في العلاج والرعاية، والعاملون في أجهزة الأمن، ومكافحة المخدرات، والجمارك يقومون بدور عظيم، وعلى ثغر من ثغور الإسلام كبير، وهم في رباط وجهاد في دحر المهربين وضرب أوكار المروجين، وواجبنا التعاون معهم وإخلاص الدعاء لهم، فجزاهم الله خيرًا وأعانهم.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد بن إبراهيم السبر
إمام وخطيب جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري بالعريجاء من عام 1418هـ ، والمدير التنفيذي المكلف لمكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالبديعة بالرياض، والمتحدث الرسمي لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض
- التصنيف: