الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وموقعها فى فقه السياسة الشرعية
فهذا الحب للنبي محمد وأبي الأنبياء إبراهيم وآلهما بجانب "الولاء للايمان وأهله والبراء من الشرك وأهله" سوف يمنعك من اتخاذ أى موقف يخالف شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال الله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [ سورة الاحزاب الآية 56] ، كما وردت أحاديث نبوية صحيحة وحسنة عديدة حول ثواب وفضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال: " «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا» ". [رواه مسلم في صحيحه وأحمد وابن حبان] .
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: " «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات» " [رواه النسائي وأحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه ابن حبان والحاكم، وهو حديث حسن] .
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي» " [رواه الترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم وحسنه محمد عبد الله الأعظمي] ([1]) ، وجاء نحوه عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صعد المنبر فقال: «آمين آمين آمين» قيل: يا رسول الله إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين فقال: ««إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين»» [رواه ابن حبان والبخاري في الأدب المفرد ونحوه عند الترمذي، وهو صحيح لغيره] .
و عن عامر بن ربيعة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " «ما من مسلم يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقل العبد من ذلك أو ليكثر» ". [رواه ابن ماجه وأحمد وعبد الرزاق وهو حديث حسن] .
وهذه الأحاديث وغيرها توضح عظم فضل الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ويلاحظ أن أشهر صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الواردة في الحديث النبوي ما ورد عن كعب بن عجرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". متفق عليه.
ولا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلها مثل سائر الأدعية والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها عدة آثار على الداعي والذاكر المسلم اذ بجانب أثرها الأخروي من ثواب ومغفرة ذنوب ورفع درجات الذاكر أو الداعي فإن لها آثارا دنيوية على الذاكر والداعي فمنها أثر عام وهو استشعار أن الله يسمعك ويراك ومن ثم يدفع الذاكر أو الداعي إلى مراقبته تعالى فى سلوكه عامة كما أنه يُشعر الذاكر والداعي بقرب الله ومعيته فيرفع معنويات الذاكر أو الداعي ويقوي صبره ومصابرته وعزيمته في أغلب شئونه الدينية والدنيوية، خاصة فى حالة مكابدته لبعض الصعوبات، ثم قد يكون هناك أثر دنيوي خاص بذكر أو دعاء "ما" محدد وهو أثر يختلف باختلاف هذا الذكر أو الدعاء وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد تأثير المعوذتين حيث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعوذ بهما من الحسد والعين فعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم يتعوذ من عين الجان، وعين الإنس حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما، وترك ما سواهما". رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم وهو صحيح.
و عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها". متفق عليه.
ونجد دعاءً آخر لمعالجة الألم العضوي وهناك أيضا أدعية لمعالجة أمراض وآفات نفسية تتسبب فى إخفاقات فى مجال الحياة العملية الدنيوية والدينية، وكلها معروفة ومشهورة في أبوابها في كتب الحديث.
ومن هنا يبرز لنا سؤال هذا المقال و هو ما الأثر الدنيوي للصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما علاقة هذا الأثر بالسياسة الشرعية؟؟
قد يرى البعض فى هذه الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مجرد تعبير عن حب شخصي ورد لجميل رحمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأمته فقط لكن الأمر أكبر من هذا وأبعد أثرا من هذا، فالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأغلب صيغها الواردة في الأحاديث الصحيحة تتضمن الصلاة على آل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما تتضمن الصلاة على آل سيدنا إبراهيم عليه السلام، فما هو أثر هذا على المسلم المصلي على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟؟
لو كان الأمر هو رد الجميل فقط للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أو حب له لما توسعت الصيغة لتشمل كل هؤلاء الأشخاص أهل النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل النبي إبراهيم عليه السلام، وانما يأتي هذا التوسع ليشمل أجيالاً كاملة ممتدة من زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام وحتى النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصالحي أهله إلى يوم القيامة حتى يربط المسلم معنويا ومن ثم عقيديا وسلوكيا بهذه الأجيال المؤمنة الموحدة وهذا الربط يعزز الولاء لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام وكذلك أهل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل إبراهيم وهذان الأهلان الموحدان هما بمثابة رمز لأهل التوحيد على مر الأجيال ففي التحليل النهائي فأنت كمسلم عندما تصلى على النبى محمد صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصيغة الواردة بالأحاديث الصحيحة فإنك تعزز ارتباطك وولاءك لقضية الإسلام والتوحيد وأهل الإسلام والتوحيد فى كل زمان ومكان.
إن الصلاة على النبي وآله وإبراهيم وآله هو ولاءٌ للمؤمنين وللإيمان منذ القدم وحتى قيام الساعة وهو براءةٌ من أعداء الإيمان وأعداء المؤمنين منذ القدم وحتى قيام الساعة، وإنما اهتم الإسلام بهذا الولاء والبراء الممتد من الماضي –و يجب علينا ان نهتم به أيضا- لأنه يؤثر فى مواقفنا الواقعية ولاءً أو براءً فى حاضرنا ومستقبلنا.
ولا شك أن هذا كله إنما يتحقق في حال المسلم الذي يصلي على النبي محمد صلى الله عليه و آله وسلم بلسانه وقلبه متدبرا ومتأملا لمعناها وليس مجرد مرددا لها بلسانه بينما قلبه وعقله ذاهل عنها، وهذا شرط عام يتعلق بتحقيق الآثار الدينية والدنيوية لكل الأدعية والأذكار وتلاوة القرآن.
وغني عن الذكر أن ترديد الصلاة على النبي محمد و آله وأبي الأنبياء إبراهيم وآله بالقلب واللسان لا يمثل عملا من أعمال الولاء فقط وإنما لا شك أنه يعبر عن محبة للنبيين والأجيال الموحدة المؤمنة من أهلهما، يقول ابن القيم: " «فلا ريب أن من أحب شيئا أكثر من ذكره» "([2]).
ومن قرائن هذا الاهتمام الشرعي بتنزيل أحكام الولاء والبراء على ماضي البشرية قوله تعالى {{وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}} [سورة الحشر آية 10] ، فالآية تمدح المسلمين الذين يدعون لسابقيهم من المهاجرين والأنصار وكافة أجيال المؤمنين ويستغفرون لهم وهذا ولاء للمؤمنين، وفي مقابل مدح الاستغفار للأجيال المؤمنة من قبلنا فهناك نهي عن الاستغفار لأجيال المشركين حتى لو كانوا أولى قربى، قال الله تعالى: {{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}} [سورة التوبة آية 113] ، وهذا براء.
ومن دلائل ذلك تقريع القرآن لبني إسرائيل المعاصرين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما فعله أسلافهم من عبادة العجل والشرك بالله وقتل الأنبياء ومعاندة نبي الله موسي عليه السلام والاعتداء في السبت كل ذلك إنما جاء بسبب ولائهم لأسلافهم الذين فعلوا ذلك وعدم تبرئهم منهم ومن أفعالهم، قال في التفسير الوسيط: "وإنما وبخوا على معاصي آبائهم، لأنهم يعتزون بالانتساب إليهم، ومن اعتز بآثم فهو آثم مثله، فكأنما فعل فِعْلَهُ"أ.هـ([3]).
وهكذا فهذا سيورثك البراءة من كل جماعة أو مجتمع أو عقيدة خالفت محمدا وآله وإبراهيم وآله فضلا عمن ناصبوهم العداء سابقا أو حاليا أو مستقبلا؛ لأنه من غير المقبول ومن غير المنطقي أن تجمع بين النقيضين من حب ودعاء وولاء لأهل الإسلام والتوحيد وفى نفس الوقت تمارس قبولا ومودة وركونا لأهل الشرك لاسيما إن كانوا يعادون ويكرهون أحبابك النبي محمد وآله وأبي الانبياء إبراهيم وآله.
وهذا يوضح لنا أثر هذا كله فى واقع السياسة الشرعية فهذا الحب للنبي محمد وأبي الأنبياء إبراهيم وآلهما بجانب "الولاء للايمان وأهله والبراء من الشرك وأهله" سوف يمنعك من اتخاذ أى موقف يخالف شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وملة إبراهيم عليه السلام فى سلوكك السياسي، كما سيمنعك من مباينة أهل الايمان والتوحيد والتفرق عنهم، خاصة إن كانت هذه المباينة وهذه المفارقة هي مطلب أهل الشرك أو على الأقل تخدم اهدافهم.
ويمكننا تصور عظم هذا التأثير فى مجال السياسة الشرعية عندما نتأمل قول الله تعالى: {{وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}} [سورة الأنفال الآية 46] ، فالفرقة هي من أهم عوامل إضعاف المسلمين و ذهاب دولتهم، بينما الولاء للإيمان وأهله والبراءة من الشرك وأهله يعززان وحدة المؤمنين ومن ثم يظلون أقوياء وبذلك يتضح لنا المعنى العميق لقوله تعالى: {{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍۚ إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَةٌ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}} [سورة الانفال آية 73] ، فولاية الكفار لبعضهم البعض تعطيهم قوة وإن لم يكن المؤمنون كذلك فسوف يتفرقون والفرقة تضعفهم وبالتالي تنتشر وتسود الفتنة والفساد المترتبتان على قوة الكفار في مقابل ضعف المسلمين.
([1]) في الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل ج10 ص695
([2])ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ط درا الكتاب العربي بيروت 1996، الطبعة الثالثة، ج3 ص17.
([3])مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ط الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة، الطبعة الأولى 1973-1993، ج1 ص85 بتصرف يسير.
عبد المنعم منيب
صحفي و كاتب إسلامي مصري
- التصنيف: