مواقع التواصل والنقاش العلمي
الفيس بوك ووسائل التواصل عموما لم تكن - وما أظنها تكون - مكانا صالحا لتحرير المسائل العلمية ، ولا للنقاش الهادئ المثمر حولها
الفيس بوك ووسائل التواصل عموما لم تكن - وما أظنها تكون - مكانا صالحا لتحرير المسائل العلمية ، ولا للنقاش الهادئ المثمر حولها ، وأنى لها ذلك وهي سوق مفتوح يختلط فيها الحابل بالنابل ، ويعلق فيها من يعرف ومن لا يعرف ، ومن ينصف ومن يتعصب ، ومن يبحث عن الحق ومن لا غاية له إلا الانتصار لما يهواه ومناكفة الخصوم .
أقول هذا بمناسبة ما يثار حاليا حول مسألة ما هي صورة وفرع جزئي من قضية أوسع وهي تحرير مفهوم البدعة ، وأقسامها ، ولا سيما مسألة البدعة الإضافية وهل تشرع أم تذم ، وكلها مسائل كتب فيها الكثير وسالت في النزاع حولها أنهار من الحبر لكن يأبى بعض الناس إلا أن يصور مخالفيه بأنهم جهلة ومحدثون لمقالة لم يسبقوا إليها .
وإذا كان هناك من المتأخرين من سوغ البدع الإضافية ورأى أنها من قبيل البدع الحسنة ، فهناك من قرر نظريا - أو فرع عمليا - القول بأنها مذمومة مثلها مثل البدع الأصلية ، ونص صراحة على ( أن كل عبادة شرعت على سبيل الإطلاق ثم جاء من يقيدها بزمان أو مكان أو هيئة معينة واقترن ذلك بالدعوة إليها والمداومة عليها فذلك كله داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » ) وقوله صلى الله عليه وسلم «( من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد )»
وليس صعبا على من قرأ الكتب الكثيرة في هذا الباب أن يورد على صحة هذا المسلك آثارا عن الصحابة والتابعين ثم نصوصا مطولة ومتنوعة لأئمة مثل مالك وأحمد ثم تقريرات لعلماء كبار عبر مختلف العصور مثل الشاطبي وابن الحاج وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الهادي حتى نصل لمتأخرين ومنهم شخصيات أزهرية كبيرة وغير أزهرية ولهم فتاوى في تبديع أفعال من قبيل البدع الإضافية مثل : الشيخ محمد عبده ورشيد رضا وعبد المجيد سليم ومصطفى المراغي ومحمود شلتوت وحسنين مخلوف وحامد الفقي ومحمد أحمد العدوي وعلي محفوظ ومحمد خضر الشقيري ( وكتب هؤلاء الثلاثة في البدع معروفة وتقريراتهم لا تخفى على المطالع ) وأحمد محمد شاكر وعبد الرزاق عفيفي وعبد الظاهر أبو السمح ومحمد عبد الرزاق حمزة ومحمد خليل هراس وأبو الوفا درويش وعبد الرحمن الوكيل والسيد سابق صاحب فقه السنة ، ومحمود خطاب السبكي وعبد اللطيف مشتهري وغيرهم الكثير ، وهؤلاء من مصر أما من خارجها فالقائمة تطول في العراق والشام والمغرب واليمن وبلد الحرمين من أمثال المعلمي اليماني ومحمود شكري الآلوسي وجمال الدين القاسمي وبهجت البيطار وعلي الطنطاوي وعبد الحميد بن باديس وغيرهم . . نعم على الجهة المقابلة المحسنين للبدع الإضافية ثمة قائمة طويلة من فقهاء المذاهب المختلفة لا سيما المتأخرين ، وقد حفلت بذكرها الكتب التي أفردت لتلك المسألة .
وغرضي من هذا الكلام أن بعض من تراه هنا على الفيس يصور مخالفيه بأنهم شوية عيال جهلة قائلون بما لم يسبقوا إليه ، وقد جمع مع السخرية فظاظة الأسلوب ، ثم لم يكتف بذلك حتى رماهم تصريحا أو تلميحا بجفاء النبي صلى الله عليه وسلم أو كراهية الصلاة عليه وتلك والله إحدى الكبر وبهتان عظيم أن يرمى به مسلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مزيدا إلى يوم الدين .
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: