المسائل المشكلة في الحج.

منذ 2011-10-19

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:
فيأيها الإخوة الحضور والأخوات الحاضرات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله جميعًا في مجلس من مجالس العلماء، الذين لهم الفضل بعد الله عز وجل في تبيين الحق والدعوة إليه.
فمجلسنا هذا كان عنوانه: (المسائل المشكلة في الحج) وسنطرحه على فضيلة الشيخ الدكتور العلامة: (عبد الكريم بن عبد الله الخضير) مجموعة من الأسئلة التي أعدت قبل ذلك، ثم نستقبل أيضًا منكم الأسئلة التي ترد من عندكم.

نبدأ بالسؤال:
يقول: فضيلة الشيخ، هل لوقوف الحاج بعرفة داعيًا من دليل؟ الذين يقفون في عرفة ويَدْعون -يعني لفترة طويلة- هل لهذا من دليل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإجابة على هذا السؤال: النبي عليه الصلاة والسلام جَمَعَ بين صلاتي الظهر والعصر جمْعَ تقديم في يوم عرفة، ليتوفر الوقت للذِّكر والدعاء، والإلحاح على الله جل وعلا، ووقف عليه الصلاة والسلام راكبًا، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الركوب أفضل، وأن يستقبل القبلة راكبًا، ويدعو الله جل وعلا ويخلص في دعائه، ويستحضر ما يدعو به، ويصدق اللجأ إلى الله جل وعلا فإن هذا الموقف عظيم، ينبغي أن يستشعر، تستشعر عظمة هذا الموقف وقرب الرب جل وعلا.

ومن المؤسف أن نجد كثيرًا من طلاب العلم يقضونه: إما بالنوم، أو بالأحاديث المباحة، وقد يتجاوز بعض الناس في ذلك، فيقع في شيء من المحرم من الكلام وغيره، وقد يوجد من الحجاج في هذا الموقف العظيم مَن يرتكب بعض المحظورات، كإرسال النظر إلى النساء، إضافة إلى القيل والقال الذي لا ينفع بل يضر، وبعضهم يسترسل فيأتي بما حرم الله عليه من غيبة ونميمة ووقوع في أعراض الناس، ولاسيما أهل العلم..! هذا موقف عظيم ينبغي أن يستشعره كلُّ حاج، فضلاً عن طالب علم.

وبعض الناس يتشاغل بما لا ينفعه، همُّه أن ينتهي هذا اليوم ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ليعود إلى أهله ويزاول أعماله، كأن هذا النسك العظيم صار عبئًا على الناس، والمسألة مسألة أربعة أيام، كيف تستثقل هذه الأيام الأربعة؟! وقد كان المسلمون على مر العصور يقضون الأشهر، شهورًا متتابعة، شهرًا أو شهرين في الطريق قادمًا على الحج، ثم يجلس في مكة والمشاعر مدة طويلة، ليست بيوم أو يومين أو ثلاثة، يأتون قبل الحج بمدة طويلة، ليحتاطوا لحجهم، ثم بعد ذلك إذا قفلوا أمضوا الوقت الطويل في الرجوع، والله جل وعلا يقول: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7]. والآن قد يصوم الشخص في بلده يوم عرفة، وبين أهله ويفطر معهم، ثم يحج ويرجع بعد ثلاثة أيام، هذا مِن تيسير الله جل وعلا وهذه نعمة يجب شكرها.

فعلى الحاج أن يستحضر، وعلى أصحاب الحملات -وهذا شيء مشاهد بالنسبة للحملات- من بعد صلاة العصر مباشرة الذي هو وقت اللزوم، وقت تأكُّد واستحباب الدعاء، ووقت نهاية الوقت الذي ينبغي أن يحرص عليه أشد الحرص قبل فواته، أصحاب الحملات كثير منهم بعد صلاة العصر يتأهبون للانصراف، نعم لا ينصرفون إلا بعد الغروب، لكنهم يتأهبون للانصراف، وبعض الفتاوى التي سُمعت في الأعوام المتأخرة: أنه يجوز الانصراف قبل غروب الشمس، انظر: ماذا سيحدث؟ يمكن يمرون مرورًا بعد صلاة الظهر يجمعون ويصلون الظهر، ويمرون مرورًا ووقوفهم مجزئ عند عامة أهل العلم، وإن أوجب عليهم جمعٌ من أهل العلم الدمَ إذا انصرفوا قبل الغروب، فإذا انتشرت هذه الفتاوى وشاعت لن يكون للوقوف أيُّ أثر في نفس الحاج.

فعلى أهل الحملات أن يرفقوا بمن معهم، وهم مؤتمنون على هذا، إنما دفعت لهم الأموال ليتفرغ الحاج لحجه، ويؤدي حجه على الوجه المشروع، فعلى الحاج إذا جمع بين الصلاتين جمعَ تقديمٍ، وتوفر له من الوقت ما يكفي للذِّكر والدعاء، والتلاوة والتضرع، والانطراح والانكسار بين يدي الله عز وجل فهذا أمر لا بد منه، وهذا وقته، لكن مع الأسف أن الأعمال قيدتْ أربابَها وأصحابها، تجده طول العام في القيل والقال، فمثل هذا لا يوفَّق لاغتنام مثل هذه الأوقات، فعلينا أن نحرص على حفظ النفس واللسان، وجميع الجوارح نحرص أن نحفظها عما يغضب الله جل وعلا، وأن تضيع علينا سدى لنوفق لحفظها في مثل هذه الأوقات الفاضلة "تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة".

يقول السائل: ما حكم الرمي قبل الزوال؟
بالنسبة ليوم النحر فالرمي فيه من طلوع الشمس إلى غروبها، وإن رمى بعد غروبها فلا حرج إن شاء الله تعالى لكن بالنسبة لأيام التشريق فلا رميَ إلا بعد الزوال، والنبي عليه الصلاة والسلام وجميع أصحابه إنما رمَوْا بعد الزوال، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «خذوا عني مناسككم» فكانوا يتحينون الزوال، يعني ينتظرونه والرسول عليه الصلاة والسلام يحبس أصحابه حتى تزول الشمس، فإذا زالتْ رمى، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزًا لرخَّص لبعضهم، أو قال: ارموا وأنا أفعل الأفضل، لكن لما لم يرمِ أحد من أصحابه قبل الزوال، وقد رمى وانتظر وتحيَّن الزوال، وقال: «حذوا عني مناسككم». دل على أنه لا يجوز الرميُ قبل الزوال.

الذين يفتون بالرمي قبل الزوال هذا رأي أبي حنيفة، في اليوم الأخير في يوم النفر الأول، ومَن يفتي به مطلقًا -كما نسمعه في هذه الأيام- قصدُهم التخفيفُ والتيسير على الناس، وجد الزحام الشديد مما لا يوجد نظيره فيما تقدم، فرأوا أن هذه المشقة تجلب التيسير، فرأوا أن توسعة الوقت يحل الإشكال، والذي في نظري وتقديري أنه لن يحل الإشكال، كونهم يرمون قبل الزوال لن ينحل الإشكال، فالإشكال الموجود في يوم العيد -في ضحى يوم العيد- سوف ينتقل إلى أيام التشريق، لأن الناس مجبولون على العجلة: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]. فالذي يزاحم مع زوال الشمس سوف يزاحم مع طلوع الشمس، والذي يتضرر مع زوال الشمس سوف يتضرر مع طلوع الشمس، وهكذا فطول الوقت لا يحل الإشكال، فعلينا أن نلتزم بالسنة، والرمي قبل الزوال لا يجوز عند جماهير أهل العلم.

مَن سافر بالطائرة إلى جدة يريد العمرة أو الحج، فمِن أين يُحرِم؟
من سافر على الطائرة عن طريق جدة فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إلى بلده، فإن كان يمر بميقات معين إذا وازاه وحاذاه، وإلا فيحاذي أقرب المواقيت إلى بلده، ولا ينتظر حتى يأتي ميقاته، لأنه إن مر بذي الحليفة، كمَن سافر مثلاً من القصيم وميقاته ميقات أهل نجد (السيل) مرورًا بالمدينة، فإنه لا ينتظر حتى يحاذي (السيل) عليه أن يحرم إذا حاذى ذا الحليفة، فإن تجاوز وأحرم من محاذاة ميقاته الأصلي، فالجمهور على أنه يلزمه دم، والإمام مالك يقول: "يكفيه إذا أحرم من ميقاته" نقول: مثل هذا بالنسبة لمن يمر بميقات أو أكثر من ميقات، يمر بميقات ويتجاوزه.

الشامي مثلاً: ميقاته الجحفة، إذا مر بالمدينة ثم تجاوزها غير محرم إلى الجحفة الذي هو ميقاته الأصلي، فإنه يلزمه عند جمهور العلماء دمٌ، لقوله عليه الصلاة والسلام: «هُن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» (صحيح البخاري). والإمام مالك يقول: "إذا أحرم من ميقاته الأصلي لا يلزمه دم، ولو تجاوز ميقاتًا لقوله: «هن لهن». أي هذه المواقيت لأهل تلك الجهات، وقد عمل بنص صريح، نعم هو ترك جزءًا من النص وعمل بجزء، لكن عمل بالجزء الذي يخصه، فالذي يظهر أن قول الإمام مالك وجيهٌ، لكن إذا كان غير ميقاته مثلاً: تجاوز ذا الحليفة -الشامي تجاوز ذا الحليفة- ثم لما وصل إلى جدة مثلاً، قيل له: "ارجع إلى الجحفة" قال: "لا. أريد أن أحرم من السيل، أَرفق بي" هذا ليس بميقاته الأصلي، وليس بالميقات الذي مر به، فهل يدخل في قول مالك أو يخرج عليه؟ الظاهر أن التسامح في مثل هذا له وجه إن شاء الله تعالى ما دام أحرم من ميقات شرعي معتبر، محدد من قِبل الشارع ومنصوص عليه.

يقول السائل: إذا تأذى الحاج من البرد في ليلة مزدلفة وغطى رأسه، هل عليه فدية؟
لا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه ولا وجهه، للحديث الصحيح، في حديث الحاج الذي وقصتْه دابتُه، فقال: «لا تخمروا رأسه ولا وجهه» (شرح البخاري لابن عثيمين، الزيادة هذه [يعني ولا وجهه] ذكر كثير من العلماء أنها شاذة). فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه ولا وجهه، لكن إن احتاج إلى المحظور فَعَله ولا إثم عليه، وعليه فدية إن غطى رأسه وهو لا يحس بذلك أثناء النوم، عادته أن يغطي رأسه، ولا ينام إلا إذا غطى وجهه، فإذا نام وغطى رأسه ووجهه حال النوم، فقد رفع القلم عنه ولا شيء عليه.

يقول السائل: متى تكون الضرورة مستدعية للمبيت خارج حدود منى؟
المبيت بمنى: مِن أهل العلم مَن قال بأنه ركن من أركان الحج لا يصح إلا به، كالوقوف بعرفة، ولا شك أن هذا قول شديد يجعل الإنسان يحتاط لنفسه، ومنهم مَن يرى أن الوقوف واجب من واجبات الحج، يأثم بتركه ويلزمه إذا تركه دم، ومنهم من قال: بسنيَّته وأنه مستحب، لكن أعدل الأقوال في المسألة أنه واجب ليس بركن، لأن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للرُّعاة والسقاة بتركه، ولو كان ركنًا ما رخص فيه، وليس بسنة وإنما هو اجب، ولو كان سنة لما احتاجوا إلى الترخيص، فالضرورة أو المبرر للمبيت خارج منى ألاَّ يجد مكانًا، فإن كان ممن يحتمل المبيت في الطرقات ولا خطر عليه في ذلك، فالذي يتعين عليه أن يبيت لأنها من منى، أما قوله هذا المكان لا يليق به، كيف لا يليق به؟ هذا مبيت وهذا من منى، وهذا مشعر عظيم، وهو أيضًا لازم لك أيها الحاج، لكن إن خشيت على نفسك الضرر بأن تُدهس بالسيارات، أو ينالك ضرر حينئذ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

من معه نساء وخشي أن يتعرضن لأذية الناس بأنظارهم أو بمزاحماتهم، أو معه أطفال خشي عليهم من السيارات، لا يلزمه أن يبيت على الطرقات -أن يفترش الطرقات- أما إذا كان شابًّا قويًّا نشيطًا لا خوف عليه ولا ضرر، فإنه يلزمه حينئذ المبيت، فإذا بحث عن مكان، لا تكفي الإشاعة أن الحجاج كثير، ومنى ضاقت لا، لا بد أن يطلع بنفسه، وكثير من الناس يتساهل في هذا الأمر، ويستصحب الأصل: أن الحجاج كثير، ومنى تضيق بهم ولا تستوعبهم، إذًا ما له داعي أطلع، لا، لا بد أن تخرج، فإذا لم تجد مكانًا تبيت بأقرب مكان إلى الحجاج، وإن بتَّ في مكان أبعد عنه -باعتبار أن الأماكن غير المشعر المحدد تتساوى- فلا حرج إن شاء الله تعالى في حدود الحرم.

يقول السؤال: ما حكم تفصيل إزار الإحرام على هيئة ما يسمى الإزار، وتكون له جيوب، هل يكون من المخيط المنهي عنه أو لا؟
هذا النوع من الألبسة يسمى عند العرب نُقْبَة، كما نص على ذلك الأزهري في (تهذيبه) وابن سيده في (مخصصه) وغيرهم من أهل اللغة، وذكر في ألبسة العرب أنه نُقْبَة، وهو نوع من السراويل، وهو من ألبسة النساء وليس من ألبسة الرجال، وهو المستعمل الآن هو للنساء وليس للرجال -الذي يسمونه التنورة هذا هو- فلا يجوز لبسه لمنع لبس السراويل، لما جاء من منعٍ من أن المحرم لا يلبس السراويل، لكن نوع من السراويل ليست له أكمام يسمونه التبان، هذا رخصت فيه عائشة -رضي الله تعالى عنها- للذين يرحِّلون رحلها، خشية أن تظهر عوراتهم، رخصت فيه عائشة، وجمهور أهل العلم على منعه أيضًا، لأنه نوع من السراويل فلا يجوز لبسه، ولا تحت الإزار، وقل مثل هذا في لبس النقاب تحت الخمار، لا يجوز لبس النقاب للمرأة ولا تحت الخمار، لأنه في حكم لبس السروال تحت الإزار.

يقول السؤال: هل يجوز للمتمتع الخروج إلى جدة والطائف بعد العمرة وقبل الحج؟
ما يوجد إن شاء الله تعالى ما يمنع من ذلك، لاسيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإلا فالأفضل أن يمكث في الحرم، لمضاعفة الأجر، واستغلال الوقت، بدلاً من أن ينهي أو يقضي على وقته بالأسفار والغدو والرواح، لكن إذا سافر سفرًا يحتاجه، فلا يوجد ما يمنع، ويبقى متمتعًا ما لم يرجع إلى أهله.

يقول السائل: قول الفقهاء: "كلُّ من ترك واجبًا فعليه دم" ما دليلهم -رحمهم الله تعالى-؟
هذا قول ابن عباس، صح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "مَن ترك نسكًا فلْيُرق دمًا" وأهل العلم يقولون: "إن هذا له حكم الرفع، لأنه لا يمكن أن يقوله ابن عباس من كيسه -من جيبه- لا، لا بد أن يكون عنده فيه شيء عن النبي عليه الصلاة والسلام" وعمل به جماهير أهل العلم فالقول به متجه.

بعد الشوط السابع في السعي سواءً للحج أو العمرة، هل هناك دعاء، أو أنه ينصرف بدون دعاء؟
بعد الشوط السابع من الطواف ومن السعي، يفعل كما يفعل في سائر الأشواط، وانتشر وشاع بين طلاب العلم أنه لا يكبر عند نهاية الشوط السابع من الطواف، والمرجح أنه يكبرن لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلما حاذى الركن كبَّر، وجابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- يقول: "كنا نطوف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة". يعني في بداية الطواف وفي نهايته، فالمرجح أنه يكبر، وكذلك يفعل عند المروة إذا انتهى من سعيه.

ما القول الراجح في شرط الطهارة للطواف؟
جماهير أهل العلم على أنها شرط، من ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: «افعلي ما يفعل الحاج، غيرَ ألاَّ تطوفي بالبيت» (صحيح مسلم). وأيضًا ما جاء في الحديث -وإن كان مختلف في ثبوته وعدمه- أن: «الطواف بالبيت صلاة». وقد عمل به عامة أهل العلم، الاحتمالات التي أوردها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وقال: "إذا وجد امرأة حاضت وضاق عليها الوقت ورفقتها لا يوافقونها على البقاء، وإذا بقيت ضاعت، فتتحفظ وتحتاط لخروج الدم، وتطوف على هيئتها، ولا تحبس الرفقة، والمرجح أنها تحبس الرفقة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما حاضت صفية قال: «أحابستُنا هي؟» فدل على أن الحائض تحبس الرفقة... نعم ظروف اليوم، والحجز، والإتيان من بعيد قد يكون فيها مشقة شديدة، لكن هذا ركن من أركان الإسلام، يعني لا يتسامح فيه إلى حد لا يبقى منه شيء، فإذا تساهلنا في هذا الركن وتساهلنا في ركن من أركانه، ماذا يبقى منه؟ ماذا يبقى منه؟

يعني لو قلنا مثلاً: إن هذا الركن، هذه ضرورة، حسنًا ضرورة، ثم تأتي ضرورة أخرى تبيح لها ترك السعي، ثم تأتي ضرورة أخرى، ينفتح باب ثانٍ يبيح لها ترك بعض الواجبات، المقصود أن مثل هذه الأمور الاسترسالُ معها ينهي العبادة، فلا بد من الحزم، لاسيما في الأركان، والواجبات إذا اضطر إليها يجبرها بدم، وله تركها أما الأركان فلا.

ما حكم من يحجون بدون تصريح، وبعضهم يلبس المخيط بعد الميقات، حتى لا يمنع؟
أولاً التصريح هذا: التحديد بخمس سنوات مبني على فتوى من أهل العلم، ومخالفته لا شك أنها مخالفة لولي الأمر، الذي لوحظ فيه المصلحة، ولوحظ فيه أيضًا البناء على قول أهل العلم، فلا ينبغي مخالفة هذا الأمر، لكن إن رأى الشخص أن يحج، امتثالاً لما ورد من الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الحج ولم يترتب على ذلك لا كذب، ولا رشوة، ولا احتيال، ولا ارتكاب محظور، فيرجى، أما إذا أدى ذلك إلى كذب، أو رشوة، أو تحايل، أو ارتكاب محظور كما يفعل الآن بعضهم يرتكب محظورًا ويدخل ويتجاوز الميقات بثيابه هذا كله لا يجوز، ولا يسوغ له ذلك.

ما حكم طواف الحائض للضرورة، أي لأجل السفر؟ هذا أجبنا عليه سابقًا.

هل يجوز تقديم السعي على الطواف يوم النحر، استدلالاً بحديث: «افعل ولا حرج» ورواية: "سعيت قبل أن أطوف"؟
نعم في حديث أسامة بن شريك قال: "سعيت قبل أن أطوف" قال: «افعل ولا حرج» والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، لكن المرجح ثبوته، والقاعدة العامة تؤيده ويندرج فيها: ما سُئل عن شيء في ذلك اليوم قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج» فيجوز تقديم السعي على الطواف في هذا اليوم، لكن إذا كان طوافه للإفاضة في غير هذا اليوم، فأراد أن يقدم السعي، لاسيما إذا احتاج إلى تأخير الطواف ليكتفي به عن طواف الوداع، بعض الناس يؤخر طواف الإفاضة، من أجل أن يكتفي به عن طواف الوداع، ويكون آخر عهده حينئذ بالبيت، فيقول: أقدم السعي أولاً إن فعله ليس من أفعال يوم النحر، إنما هو مما يفعله بعد ذلك، فلا يتجه القول بجوازه، لاسيما وأن جماهير أهل العلم يرَوْن أن السعي لا يصح إلا بعد طواف.

يشترط لصحة السعي أن يقع بعد طواف، ولو مسنونًا وعلى هذا ماذا يصنع مَن أخَّر الطواف والسعي، ووجد الحرج والمشقة في إعادة الطواف؟ أنا عندي أنه يطوف ثم يسعى وينصرف، أسهل من كونه يقدم السعي على الطواف، يطوف ثم يسعى فإن وجد فسحة لطواف الوداع، وإلا فيكفيه لقرب العهد، لاسيما وأن عائشة -رضي الله عنها- لما أعمرها أخوها عبد الرحمن من التنعيم، طافت ثم سعت، ولم يذكر أنها طافت للوداع، لكن قد يقول قائل: إن عائشة هذه عمرة، والعمرة لا يلزم لها طواف وداع، نقول: لقرب العهد، ولوجود المشقة، يُكتفى بمثل هذا إن شاء الله تعالى من غير تقديم للسعي.

يقول السائل: كيف يستشعر المسلم مناسك الحج حين تأديتها، خاصة في هذا الزمان الذي انشغل أهله بالمال والبنين؟
استشعار العبادات عمومًا هو لبُّها، وهو روحها، شخص يصلي ولا يدري ما الصلاة، شخص يصوم ويوم صومه ويوم لهوه سواء لا فرق بينهما، يعتكف وكأنه في استراحة، يحج وكأنه في نزهة، مثل هذا لا يمكن أن يستشعر إذا لم يكن اتصاله بالله جل وعلا وثيقًا في سائر عمره، فإنه لن يعان على هذا، فإنه لا يعان على هذا، بل على الإنسان أن يتعرف إلى الله جل وعلا في الرخاء ليعرفه في الشدة، وكثير من الناس -في السنة هذه- في رمضان، في العشر الأواخر من رمضان وجد مَن يصلي من بعد صلاة التراويح إلى صلاة التهجد بدون فاصل، يصلي ركعتين ركعتين، لكن بدون فاصل، هذا توفيق من الله جل وعلا هل يوفَّق لمثل هذا مَن شَغَل أوقاتَه باللهو، ولا يعرف الوتر إلا ركعة أحيانًا، وأحيانًا لا يعان عليها؟ مثل هذا لا يعان على مثل هذا في الأوقات الفاضلة.

وقد رأينا من الصالحين من يستغل الوقت بعد صلاة التراويح إلى أن عدنا لصلاة التهجد، وهو رافع يديه يدعو الله جل وعلا، كيف يعان على مثل هذا وهو في سائر وقته لا يعرف الله جل وعلا إلا بجسده، دون قلبه وروحه؟ ندخل المسجد وكأننا داخلون ملهى -نسأل الله العافية- ويسهو الإمام ويتجاوز أحيانًا آيات، ونحن كأننا لا نشعر، والإمام نفسه أيضًا قد يقرأ الآيات المؤثرة ولا يتأثر، ولا أحد من المأمومين يتأثر، وإذا تأثر الإمام وبكى في بعض آية تجد تكملته للآية كـ لا شيء، كأن شيئًا لم يحصل، هل هذا تأثر؟ يعني قد يبكي في جزء من الآية، ثم بعد الآية ينهيها على شيء من التعتعة، لكن الآيات الثانية التي تليها كأن شيئًا لم يحصل، هل هذا تأثر؟

عُرف من حال السلف أن الإنسان إذا خشع في صلاته أو في تلاوته في الليل، يُعاد في النهار فنحتاج إلى مراجعة، الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر هذه بدون لب، الصيام الذي لا يدل على التقوى بدون لب، في قوله جل وعلا: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]. لِمَنِ اتَّقَى: فرفع الإثم لمن؟ لمن اتقى. هذا خاص بالمتأخر، أو يشمل المتأخر والمتعجل؟ لمن اتقى: يعني ممن تأخر أو الجميع؟

الجميع، لا يرفع الإثم عن الجميع سواءً تعجل أو تأخر، إلا إذا اقترن حجه بالتقوى، ورفع الإثم هنا كقوله عليه الصلاة والسلام: «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (صحيح البخاري). والذي لا يستشعر مثلَ هذه الأفعال، ومثل هذه المناسك، ولا يعظمها حق تعظيمها، فما عظم الله جل وعلا ولا وجدت تقواه في قلبه تعظيمُ الشعائر من تقوى القلوب، فالإنسان يدخل على أي هيئة؟!

وشخص يدخل المسجد وينتظر شخصًا -هو ظاهره الصلاح وملتحٍ- ينتظر شخصًا، خشية أن يخرج قبله، لأنه فاته بعضُ الركعات إلى أن سلَّم الإمام فكلمه، ثم عاد يصلي، هذا حصل، ومع ذلك يأتي شخص مثلاً وجاء من الميضأة، توضأ حاسرًا شماغه على كتفه، والعقال على يده، ويصل يصلي ركعة ما بعدُ كمل، ما بعد لبس الشماغ، ولا بعدُ عدل العقال ولا يديه، ولا شيء، مثل هذا يستشعر عظمة هذه العبادة؟! فلا بد من الاستشعار ولا بد من استحضار القلب، لتؤتي هذه العباداتُ ثمارها، لا يقول قائل: "إن هذه العبادات ليست صحيحة باطلة، لا بد من إعادتها" الصلاة -العبادة عمومًا- إذا اشتملت على أركانها وشروطها وواجباتها، صحت وسقط بها الطلب، لكن هل تؤتي الثمرة التي من أجلها شرعتْ؟ هل حقق العبودية التي من أجلها خلق على مراد الله جل وعلا؟ هذا خلل كبير، مثل هذا عرضة لأنْ ينحرف، فلا بد أن يتصل المسلم بالله جل وعلا وأن تكون صلته به وثيقة، في حال شدته ورخائه.

هذا سؤال يقول: ما حكم المسابقات الثقافية، والبرامج العامة التي تكون في الحملات، وفيها نوع من الترفيه في أيام الحج؟
بالنسبة للمسابقات عمومًا فالأصل في المسابقات أنها لا تجوز إلا في الجهاد فقط: "لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر". ما في إلا في الجهاد.
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وابن القيم رأوا -أو شيخ الإسلام بالذات الذي هو أصل في المسألة- رأى أن العلم باب من أبواب الجهاد، باب من أبواب الجهاد، فألحق المسائل العلمية بالجهاد، وجوَّز فيها السبق، وما عدا ذلك فيبقى على المنع، ما عدا ذلك فيبقى على المنع، ولا شك أن الحج جهاد وفي سبيل الله، الحج في سبيل الله، لكن هل يسوغ لنا أن مَن وقف بعرفة فله كذا، من بات بمزدلفة إلى كذا فله كذا، وإن كان في سبيل الله، ونلحقه بالجهاد؟ أبدًا. من هذه الحيثية لا، لأن هذه عبادات مطلوب عملها من المسلم، ولا يلزم أن يحث عليها، وإذا كان لا يفعلها إلا إذا شجع عليها، هذا ما جاء للعبادة.

وإلا الأصل في المسابقات المنظور فيها لا شك أنه الفائدة العلمية، سواءً كانت في الحملات أو غيره، لكن يبقى أن جانب الترفيه والتسلية ملحوظ أيضًا، وبدلاً من أن يؤمر الحجاج بالإكثار من النوافل والأذكار، والتلاوة والتدبر، وخدمة الإخوان، نلهيهم ونشغلهم ونقضي على أوقاتهم بمثل هذا..! وإن كان فيه نوع نفع لكن لكل مقام مقال، ولذا في الاعتكاف إنما شرع للعبادات الخاصة، حتى إن السلف يعطلون دروسهم وهي في الكتاب والسنة يعطلونها، من أجل أن يتفرغوا للقيام والصيام، والتلاوة والأذكار، والصلة بالله تقوية لصلتهم بالله جل وعلا، فبعض الناس الآن -بحجة أنه يتألف الشباب على الاعتكاف- يسترسل في هذا حتى إنه وجد بعض الألعاب في المسجد، من أجل أن يتألف هؤلاء الشباب، وبعض الآلات التي في بعضها شيء من المخالفات يأتي لهم ببعض الآلات من أجل أن يتألفهم، هذا ليس باعتكاف، يعني لو سماه محضن تربوي ممكن، لكن هذا مجاله غير المسجد.

هذه العبادة خاصة وجاءت على نمط خاص، والتفرغ التام فيها ظاهر من فعله عليه الصلاة والسلام، وفعل أصحابه من بعده، فلا ينبغي أن تخلط بشيء من هذا، والاعتكاف الذي لا يأتي إلا بشيء من المخالطة، هذا ليس باعتكاف، ولن تترتب عليه آثاره، وبعض الناس -ولوحظ حتى ممن ينتسب إلى العلم- يأتي بآلاته (يأتي بالمحمول، ويأتي بالجوال ويأتي بـ...) هذا اعتكاف؟! لا بد أن يتجرد الإنسان من أمور الدنيا، ليس معنى هذا أن يترهب أو يتبتل، أو يفعل فعل اليهود والنصارى ومغرقة الصوفية وغيرهم..، لا. المسألة مسألة تقوية الصلة بالله جل وعلا، كيف تكون؟ قراءة القرآن هذا وقته رمضان شهر القرآن، والاعتكاف إنما شرع لمثل هذا، فإذا قرأ القرآن على الوجه المأمور به في هذا الوقت، آتى ثماره ورزقه الله به من العلم واليقين والطمأنينة وزيادة الإيمان، ما لا يدركه إلا هو أو من فعل فعله، هذا والله المستعان.

يَذّكر في الكتب وإلا فالتجربة الظاهر أنها انتهت والله المستعان من غير تيئيس، وإلا يوجد ولله الحمد في الشباب بعض من يظن فيه الخير إن شاء الله تعالى.
شيخ كبير قد جاز المائة -وهذه كررتها مرارًا لكنها مؤثرة بالفعل قد جاز المائة- بدون مبالغة، في صلاة التهجد، في التسليمة الأخيرة خفف الإمام، بدلاً من أن يقرأ جزءًا في التسليمة خفف ورقة أو ورقتين، لأنه سمع مَن يؤذن، والعادة أنهم إذا أذنوا فهم انتهوا من الصلاة، فلا يريد أن يشق على جماعته، فلما سلم نزل عليه هذا الشائب -هذا الشيخ الكبير- بأقسى الأساليب يقول: "يوم جاء وقت اللزوم خففت؟!" عندنا لا أبدًا الساعة في كل وقت، وإذا كانت في الحائط هي الشاغل للإنسان، العادة أننا ننتهي في الساعة كذا، ينظر متى انتهت ومتى...! ولا يستشعر من صلاته شيئًا، لا شك أن القلوب مدخولة، وسببها التخليط في المأكل والمشرب، والملبس والمنكح والمركب، فضول الكلام، فضول النوم، فضول الاستماع، في الفضول كلها، هذه كلها منافذ إلى القلب، فإذا سدت هذه المنافذ بهذه الأمور التي تجعل الران يغطي القلب انتهى، ينتهي.

يقول السائل: قد لبست الإحرام الذي يكون مخاطًا من أعلى، فماذا عليَّ الآن؟
هذا لبسه سابقًا، لبسه سابقًا واعتمد فيه على فتوى مَن تبرأ الذمةُ بتقليده، هذا ما عليه شيء، لا شيء عليه، لاسيما إذا لم يكن من أهل النظر.

مَن كان عمره سبعة عشر سنة وهو يستطيع الحج، ووالده يرفض أن يحج، هل يعصي والده أو يطيعه؟
كيف يعصي والده؟ هو عاصٍ لله جل وعلا لأن الحج على الفور، وهو مكلف مطالب به، إذا كان مستطيعًا لا يجوز له أن يؤخر الحج، هو عاصٍ لله جل وعلا قبل والده.
ومع الأسف أنه يوجد من طلاب الكليات الشرعية مَن يقول: "والله تسليم البحث بعد الحج مباشرة، أنا لا أستطيع أن أحج، الاختبارات بعد الحج، أنا لا أستطيع أن أحج" بل وجد ما هو أيسر من ذلك بكثير، منهم من قال: "والله السنة سنة ربيع، ما أستطيع أن أحج والربيع ما شاء الله، لنستغل هذه الفرصة أيام الحج بالرحلات والروحات مع الإخوان" وجد هذا، واللهِ وجد ممن ظاهرُه الصلاح، هذا على قول مَن يقول إن الحج على التراخي، ممكن لكن على القول بأن الحج على الفور، وهو القول المرجح، يأثم ولو مات لا شك أن إثمه عظيم، نعم. لأنه فرط.

كثُر من الناس الحج عن الأموات نفلاً، فهل هذا مستحب؟ وهل له من ضوابط؟
الحج والعمرة مما يقبل النيابة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «حُجَّ عن أبيك واعتمِر» (سنن الترمذي، حسن صحيح). فلا أرى ما يمنع من النيابة عن الغير في الحج، إن شاء الله تعالى.

ما حكم المبيت بما يسمى منى الجديدة، أو توسعة منى، مع العلم أننا لم نتأكد هل في منى زحام أو لا؟
كيف منى الجديدة؟! وكيف تكون لمنى توسعة؟ هل هي تقبل التوسعة؟! مشعر معروف الحدود والأطوال من جميع الجهات، فلا تقبل التوسعة، يعني لو ضحكوا على مَن يقتدي بهم، وقالوا: هذا من منى الجديدة، ما معنى منى الجديدة؟ هذه لا تقبل التوسعة، من بات خارج حدود منى فهو خارج منى، سواء كان في مزدلفة أو في مكة، أو يمينها أو شمالها، هو خارج منى ومنى معروفة الحدود والأطوال، ولا شك أنه إذا فرط ولم يبحث عن مكان، أنه آثم من جهة، ويلزمه ما يلزم تاركَ الواجب.

يقول السائل: مَن كانت وظيفته في الرياض، وأهله بين مكة والميقات، مِن أين يحرم إذا أراد الحج والعمرة؟
هو مسكنه الرياض، وأنشأ النسك -سواءً كان حجًّا أو عمرة- من الرياض، عليه أن يحرم من ميقات أهل نجد، الذي هو السيل.
يقول: "من المعلوم أن جمهور العلماء يقولون: بأن من ترك الحج تكاسلاً مع إقراره بوجوبه، أنه لا يخرج من الإسلام، فما أحسن الأجوبة عن قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}" [آل عمران: 97]. والإجابة عن أثر عمر: "ما هم بمسلمين" وحديث: «مَن وجد زادًا وراحلة فلم يحج، فلْيَمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا» الحج ركن من أركان الإسلام بالإجماع.

وجاء فيه الوعيد الشديد في الآية: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. وجاء في الحديث، والكلام فيه كثير لأهل العلم، حتى أدخله ابن الجوزي في الموضوعات، ولا يصل إلى حد الوضع، بل بشواهده قد يقبل التحسين عند بعضهم، المقصود أن شأن الحج عظيم، شأنه عظيم، ومن أهل العلم، وهو رواية في مذهب الإمام أحمد، وقول لبعض أصحاب مالك: "أنه يكفر بترك الحج كتارك بقية الأركان" فالأمر عظيم، هذه نصوص وعيد، ومعلوم عند أهل العلم أن نصوص الوعيد تمر كما جاءت، لأنها أبلغ بالزجر، لا سيما على قول الجمهور الذين يرون أنه لا يكفر كسائر الأركان، ما عدا الشهادتين اللتين لا يدخل الإسلام إلا بهما، والصلاة، والمرجح أن تاركها كافر، والنصوص في هذا صحيحة صريحة.

يقول: هل يجوز للمرأة أن تستخدم مانع الحيض لأجل الحج؟
إذا كان لا يضر بها فلا يوجد ما يمنع إن شاء الله تعالى، إذا كان من غير ضرر فلا يوجد ما يمنع إن شاء الله تعالى من أجل الحج، أو من أجل الصيام، أو من أجل القيام مع الناس، لا يوجد ما يمنع إذا كان لا يضر بها، والحكم معلق بخروج الدم، فإذا لم ينزل فصيامها صحيح، وطوافها صحيح، وصلاتها صحيحة، مع أنها لو تركت الأمر كما قدر الله جل وعلا على بنات آدم ونزل في وقته لكان أولى وأحوط.

يقول السائل: كثر الحديث حول حج النبي صلى الله عليه وسلم، هل حج عليه الصلاة والسلام قارنًا أو متمتعًا؟ وأي مناسك الحج أفضل؟
أما بالنسبة لحجه عليه الصلاة والسلام فقد جاء فيه أحاديث صحيحة، وأنه حج مُفرِدًا، وجاء أيضًا ما يدل وهو صحيح أنه كان قارنًا، وجاء ما يدل على أنه تمتع عليه الصلاة والسلام، وكلها صحيحة، والشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- يقول: "تعارضها تعارض بيِّن، ولا يستطيع عالم -مهما بلغ من العلم- أن يجمع بين ما تعارض منها، لأن معارضتها ظاهرة".
ونقول: لا يوجد حديثان صحيحان صريحان، تعارضُهما ظاهرٌ إلا إذا كان أحدهما ناسخًا، والثاني منسوخًا، وإلا فلا بد من التوفيق بين هذه الأحاديث.

ومن أفضل ما يقال: بأن من قال: إن النبي عليه الصلاة والسلام حج مفردًا، إما أن يقال: إنه لبى مفردًا في أول الوقت، إلى أن قيل له: "صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: حجة وعمرة" فقرن عليه الصلاة والسلام، فمَن نظر إلى إحرامه في بادئ أمره قال: مفردًا، ومَن نظر إلى نهاية أمره، قال: قارنًا، ومنهم مَن يقول: "إن من قال: إنه حج مفردًا، نظر إلى صورة فعله عليه الصلاة والسلام، وصورة حج القارن لا تختلف عن صورة حج المفرد، فمَن نظر إلى الصورة، قال: مفردًا، ومَن نظر إلى الحقيقة وأنه جمع بين النسكين، وأهدى ومنعه هديه من أن يكون متمتعًا، قال: إنه حج قارنًا، وهو الأرجح".

الأرجح أنه حج قارنًا عليه الصلاة والسلام ومن قال: "تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقد نظر إلى المعنى الأعم في التمتع، المعنى الأعم في التمتع: "وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة" هذا تمتع لأنه ترفه بترك أحد السفرين، فهذا تمتع يشمله المعنى العام للتمتع. والمحقق في نسكه عليه الصلاة والسلام أنه كان قارنًا، ولم يمنعه من أن يتمتع إلا سوقُه الهدي، وقد صرح بذلك عليه الصلاة والسلام.

 

يقول السائل: لدي عم توفي ولم يحج، وكان يصلي تارة ويترك الصلاة تارات أخرى تهاونًا وكسلاً، فهل يجوز لي أن أحج عنه، أفتونا أثابكم الله؟
ينظر في آخر أمره، وفي آخر صلاة مرتْ عليه من حياته وهو يعقل، هل صلى أو لا؟ فإن كان صلى آخر صلاة فهو مسلم، فهو مسلم حكمًا، ومع ذلك يُحَج عنه، ويُتصدَّق عنه، ويدعى له وإن كان في آخر وقته مع ثبات عقله لا يصلي، فمثل هذا لا يحج عنه، ولا يدعى له، ولا يتصدق عنه.

يقول السائل: ما ضابط المبيت في منى؟
ضابط المبيت أن يبيت غالب الليل، لأن الحكم للغالب، وعلى هذا جمهور أهل العلم، أن يبيت غالب الليل، فإذا بات غالب الليل يكفيه إن شاء الله تعالى.
يقول: لقد حجَّت والدتي قبل سنوات، ولكنها طافت طواف الحج وهي على غير طهارة، فما الحكم في ذلك؟ هذه حجَّت قبل سنين، وقد طافت طواف الحج، يعني طواف الإفاضة، وهل طافت للوداع أو لم تطف بعده؟ طالب: طافتْ. طافت طواف الحج غير طاهرة، الطواف غير صحيح، فإن كانت قد طافت طواف الوداع بالطهارة فمن أهل العلم مَن يرى أنه يقوم مقام طواف الإفاضة، وهو معروف عند الشافعية، وعند المالكية أيضًا، يقوم مقامه أول طواف صحيح يقع بعده، لأنه دَيْن في ذمتها وقد أدتْه، ومنهم مَن يقول: "إنه ما زال ما دامت لم تنوِ". أنه طواف إفاضة الذي هو ركن الحج، فلا يزال في ذمتها، فعليها أن تذهب فتطوف للحج، وتسعى بعده باعتبار أن السعي لا يصح إلا بعد طواف، وبعد ذلك أو قبله تذبح شاة، ويكفيها عن ذلك" وأما المحظورات التي ارتكبتها وهي جاهلة، فيعفى عنها إن شاء الله تعالى... طالب: توفيت؟ لو طيف عنها يسقط إن شاء الله.

يقول: إذا جامع الرجل زوجته في الحج قبل التحلل الأول، هل يترتب على المرأة ما يترتب على الرجل من الأحكام؟
إذا كانت مطاوعة وهي حاجة يترتب عليها، لأن النساء شقائق الرجال، وإن كانت مكرهة فلا شيء عليها.

يقول السائل: ما حكم قول من يقول: إنه يصح التحلل الأول برمي جمرة العقبة فقط يوم النحر؟
المسألة بين أهل العلم فيها خلاف طويل، ومَن قال به فله دليله: "إذا رميتم فقد حللتم" والرواية الأخرى: "إذا رميتم وحلقتم" لكن كأن إذا رميتم أصح، لكن أصح من الجميع حديث عائشة، حديث عائشة أصح من الروايتين في هذا الحديث، وهي: "أنها كانت تطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولحِلِّه قبل أن يطوف" فقيدت الحل بما قبل الطواف، وقد مضى الأمران فالقول المرجح إن شاء الله تعالى أنه لا يتم التحلل الأول إلا بفعل اثنين من ثلاثة.

يقول السائل: في مخيم بعض الحملات مصلى، ولكنه لا يكفي، فهل يصح تكرار الجماعة، أو يقال: يصلي الحجاج في خيام، ويتابعون الإمام عبر مكبر؟
إن أمكن أن يصلوا ويتابعوا الإمام وهم ملتصقون بالجماعة، ويرونهم ولا يوجد ما يحول دونهم، فمتابعتهم للإمام أفضل، وإن ضاق بهم المكان أو كان هناك فواصل من طرقات وغيرها، فيصلون جماعات، يعيدون الجماعة، وإعادة الجماعة عند جمع من أهل العلم لا إشكال فيها، لاسيما وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى الداخل بعد الفراغ من صلاة الفجر، وأراد أن يصلي منفردًا، قال: «مَن يتصدق على هذا فيصلي معه» (أبو سعيد الخدري في الكافي رقم: 1/ 180). وفي هذا إعادة للجماعة.

ما حكم طواف الوداع في العمرة؟
لا يجب طواف الوداع للعمرة، لأنه لم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه طاف، وقد اعتمر مرارًا، لم يحفظ عنه أنه طاف للوداع ولا أمر به، وإنما أمر بالوداع بعد تمام نسكه الذي حج فيه حجه: "إذا أراد أحدكم أن ينفر، فلا ينفر حتى يطوف بالبيت" ليكون آخر عهده بالبيت الطواف.

ما حكم مَن حج مفرِدًا ولم يؤدِّ عمرة الإسلام من قبل؟
حجه صحيح، لكن تبقى العمرة في ذمته، تبقى العمرة في ذمته، لأنها واجبة في أصح قولي العلماء.

ما معنى قول جابر: "أهلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالتوحيد"؟
أهلَّ بالتوحيد أهل بقوله: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» (صحيح مسلم رقم: 1184). على خلاف ما كانت تلبي به العرب قبل الإسلام، فيستثنون: إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك، هذا الشرك فنقضه النبي عليه الصلاة والسلام من أساسه، واقتصر على التوحيد.. مما يؤسف له أن كثيرًا من الحجاج الذين يفدون إلى هذه البقاع المقدسة، يقع منهم شيء من الشرك، سواءً كان الأصغر، أو الأكبر أحيانًا، يقع منهم الشرك، خلاف ما شرع الحج من أجله، وخلاف ما خلق الإنسان من أجله، فيقع الشرك بينهم، فيحلفون بغير الله جل وعلا ويتداولون بعض الألفاظ التي جاء تسميتها شركًا، وقد يتجاوزون ذلك إلى الشرك الأكبر، فيَدْعون مَن يعتقدون صلاحه مِن دون الله جل وعلا وقد سمعت بأذني من يقول تحت الكعبة: "يا أبا عبد الله، جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك" والنبي عليه الصلاة والسلام أهلَّ بالتوحيد، هذا الشرك إن لم يكن هذا هو الشرك فلا شرك، نعم.

بعض الحجاج يحجون مفردين، ثم يأتون بالعمرة بعد الحج، حتى يسقط عنهم الهدي، فما حكم فعلهم هذا؟
فعلهم صحيح، والإتيان بالعمرة بعد الحج ثبت من أمر النبي عليه الصلاة والسلام (لعبد الرحمن بن أبي بكر) أن يعمر أخته عائشة من التنعيم، ويسقط عنه الهدي، وفعله صحيح لكنه فاته الأفضل، إلا على قول من يوجب التمتع.

طالب: ...
حسنًا، هذه مما اختلف فيه أهل العلم، فأوجبه كثير من أهل العلم، وأنه لا يجوز أن يدخل مكة بغير إحرام، وأن دخوله عليه الصلاة والسلام يوم الفتح بغير إحرام وعلى رأسه المغفر، هذا إنما كان في الساعة التي أحلَّت له، والاستثناء يشمل هذا، وهذا قال به جمع من أهل العلم ممن يعتد بقولهم. وأما القول الآخر فإنه لا يلزم الإحرام إلا مَن أراد الحج والعمرة، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل، لما حدد النبي عليه الصلاة والسلام المواقيت، قال: «هُن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة». فهذا صريح، وأما الاستثناء فإن ترخص أحد بفعل النبي عليه الصلاة والسلام: «فإنما أُحلت لي ساعة من نهار، وعادت حرمتُها إلى يوم القيامة» (صحيح الترمذي).

قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: «مَن ترخص بفعلي» أو اقتدى بي في هذه الساعة، فقولوا له: إن النبي عليه الصلاة والسلام إنما أحلت له في هذه الساعة، يعني أحل له القتال، وأحل له الدخول بغير إحرام، ثم عادت حرمتها، فلا يجوز القتال فيها، ولا يجوز دخولها بغير إحرام، وهذا نص عليه جمع من أهل العلم، واستدلوا بهذا الحديث على أنه يجب على كل مَن أراد دخول مكة أن يحرم، لكن الحديث الآخر أصرح في الدلالة، والقول الثاني أرجح، وأنه لا يلزم، لأن دليل القول الأول مجمل، يحتمل الأمرين معًا ويحتمل القتال فقط، وما دام مجملاً ويوجد النص الصحيح المفسر البين الواضح، فيقدم عليه، ولذا المرجح من قول أهل العلم أنه لا يلزم الإحرام، إلا من أراد الحج والعمرة.

ما حكم الإحرام للمتردد في الحج والعمرة؟
نعم هذه مسألة تحصل كثيرًا، يكون للإنسان عمل معين قريب من مكة، إما أن ينتدب إلى الطائف، أو إلى جدة، فالطائف بإمكانه أن يحرم من السيل لا إشكال فيه، إذا غلب على ظنه أو ترجح عنده أداء العمرة، لكن الإشكال في مثل جدة، ينتدب للعمل في جدة، ويكون مترددًا: إن تيسر لي، اعتمرت، ما تيسر، أديتُ العمل ورجعت، إن كان تردده على حد سواء، هل يعتمر أو لا يعتمر على حد سواء خمسين بالمائة يعتمر، وخمسين بالمائة لا يعتمر أو أقل كان عزمه على العمرة أقل من عدمه، فمثل هذا يحرم من حجة، وإن كان الغالب على الظن أنه يأتي بالعمرة، ويتمكن من فعلها بعد فراغه من عمله أو قبله، فمثل هذا يحرم من ميقات بلده، والحكم معلق بغلبة الظن.

ما حكم الإحرام قبل الميقات؟
الإحرام قبل الميقات: كثير من الناس يحرم في مطار الرياض، وليس المراد بالإحرام التأهبَ للإحرام، لا. بعض الناس يقول: "ما أدري يمكن تفوت الطيارة وأنا ما انتبهت" فيلبي في مطار الرياض، ثبت عن بعض الصحابة أنهم أحرموا قبل الميقات (وأحرم ابن عمر، وأحرم عُبادة وغيرهم من الصحابة) أحرموا قبل الميقات، ومنهم من أحرم من بيت المقدس، وإلا لو لم يثبت الإحرام قبل الميقات عن بعض الصحابة لقيل بأنه بدعة، لأن فعله عليه الصلاة والسلام هو الأصل في الباب، وأحرم النبي عليه الصلاة والسلام من الميقات وقال: «خذوا عني مناسككم». فالإحرام قبل الميقات لا شك أنه خلاف الأولى، فالذي يحرم من مطار الرياض خشية أن تمر الطائرة على الميقات وهو لا يشعر، يقول: "أرتاح، أنا الآن أضمن أني دخلت في النسك" والمراد بالإحرام نية الدخول في النسك لا التجهز له، والتجرد من المخيط ولبس لباس الإحرام، لا. هذا لا بأس أن يلبس من بيته يلبس من بيته، في بيته في الرياض يتجهز، ويلبس الإزار والرداء، لكن لا ينوي الدخول في النسك إلا إذا حاذى.

ويوجد في مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام مَن يحرم في مكان إقامته، ثم يدخل المسجد للصلاة بإحرامه، ولوحظ هذا بكثرة، يدخل المسجد النبوي بإحرامه، فمثل هذا يوقع في لبس، بعض الجهال يظن أن هذا أحرم لدخول المسجد، أو لزيارة النبي عليه الصلاة والسلام، فيظن أن هذا مشروعًا، فينبغي أن يمنع، إذا أراد أن يحرم في بيته، وهو أرفق له من الميقات، يُحرِم لكن لا يأتي إلى المسجد، لا يحرم إلا إذا انتهى من المسجد، فكونه يحرم ثم يدخل المسجد محرمًا، قد يظن بعض الجهال -ولاسيما أنه لوحظ أنه يزداد، يعني كان يوجد أفراد، لكن الآن يوجد جماعات يدخلون المسجد مُحرِمين- فيظن بهم، أو يظنون أنهم أحرموا من أجل زيارة النبي عليه الصلاة والسلام، فمثل هذا ينبغي أن يمنع، ولا يحرم إلا من الميقات، أو لا يدخل المسجد إذا أحرم، إذا لبس ثياب الإحرام.

يقول: ما حكم لبس الخف لمن لم يجد النعل؟
جاء في الحديث الصحيح أن: «مَن لم يجد النعلين، فليَلْبس الخفين». وجاء أيضًا في حديث آخر: «من لم يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفلَ الكعبين» (الراوي: عبد الله بن عباس المحدث: العيني - المصدر: عمدة القاري - الصفحة أو الرقم: 9/234). وأكثر أهل العلم على حمل المطلَق على المقيَّد في هذه الصورة، لأنه اتحد الحكم والسبب، فلا بد من القطع، النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن القطع في المدينة، ولم يشر إليه بعرفة، فقال في المدينة: «مَن لم يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين». وفي عرفة قال: «من لم يجد النعلين، فليلبس الخفين». ولم يشر إلى القطع، فمنهم مَن رأى أن هذا ناسخ للأول، ناسخ للأول، لأن الحاجة داعية إلى البيان في هذا الموطن، لأنه حضر في عرفة -حضر الموقف- مَن لم يحضر الخطبةَ في المدينة، ومنهم مَن يقول: "أبدًا، اتَّحدا في الحكم والسبب" فيجب حمل المطلق على المقيد، فيُستصحب الأمر بالقطع ولو لم يُذكَر، ويكفي في ثبوت الحكم التنصيصُ عليه مرة واحدة، والقول بالنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع.

والجمع ممكن بحمل المطلق على المقيد، ولا شك أن مثل هذا أحوط: «وليقطعهما أسفل الكعبين». ولو عمل بالقول الآخر -لا سيما وأن الحاجة ماسة إلى البيان- وتركه للبيان يدل على الجواز، وهذا ما سلكه الإمام أحمد، وأنه يلبس الخفين ولا يقطعهما، ووجد مَن يلبس ابتداءً يجد نعلين، لكن يلبس خفين أسفل من الكعبين، هو يجد نعلين، ما دام رخص في الخفين المقطوعين أسفل من الكعبين، كأنه ظن أن هذا يجوز في حال السَّعَة، مثل هذا الخف المقطوع أسفل من الكعبين، لا يُلبَس إلا مع عدم النعلين، لا يلبس مع وجود النعلين.

نرجو توضيح لبس المرأة المشروع في الحج من رأسها إلى قدميها؟
لبس المرأة المشروع في الحج: المرأة تختلف عن الرجل فتلبس ما يستر بدنَها كله، ولا يستثنى من ذلك إلا النقاب والقفازين، فلا يجوز للمحرمة أن تلبس النقاب، ولا يجوز لها أن تلبس القفازين، وما عدا ذلك يجب ستر بدنها، لاسيما إذا كانت بحضرة الأجانب، وعليها أن تغطي وجهها وكفيها بغير القفازين وبغير النقاب، لأن وجهها ويديها عورة بحضرة الأجانب، وكانت إحداهن كما في حديث أسماء، وحديث عائشة وغيرها، تكشف وجهها، فإذا حاذاها الركبان سدلت إحدانا -كما تقول-: "سدلت إحدانا خمارها على وجهها". فتغطية الوجه وسائر البدن بحضرة الرجال الأجانب لا بد منه للمحرمة وغيرها.

من كان لديه خادمة، فهل يجوز له أن يأخذها معه للحج؟
يشترط لوجوب الحج على المرأة وجودُ المحرم، فإذا لم تجد محرمًا فإنه لا يجب عليها حج، وإذا حجت بغير محرم أثمت، وأثم مَن حج بها، وحجها صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، لكنها آثمة فلا يجوز لها أن تسافر بغير محرم.

يقول السائل: إذا كانت علة ترك المحظورات هي الترفه، وإذا كان ذلك كذلك، فهل تكره الرفاهية الزائدة في بعض الحملات في المآكل والمشارب، والمراكب والفرش؟
صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في البخاري وغيره، أنه حج على رحل، ما معنى حج على رحل؟ يوضحه بقية الحديث: "وحج أنس بن مالك على رحل، ولم يكن شحيحًا". حج النبي عليه الصلاة والسلام على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل، ولم يكن شحيحًا، هذا فيه دليل على عدم الترفه، ولم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولا خيارُ هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، في حجه وفي غير حجه، لكن في أوقات العبادات والأزمان الفاضلة، ينبغي أن ينكسر الرجل ويخرج عن مألوفه بالقرب من الله جل وعلا، وكلما تواضع الإنسان وانكسر قلبه، كان أقرب إلى ربه، ولذا: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (رواه أنس بن مالك: في البدر المنير، وأبان ضعفه غير واحد).

بعض الناس يبحث عن أفضل الحملات، أفضل من أي ناحية؟ من ناحية الخدمات، وبعضهم يبحث عن أفخر الفنادق، ما أدري كيف يستحضر ويستشعر لذة العبودية، ذهب ليتعبد في العشر الأواخر من رمضان ويبحث عن أفخر الفنادق، التي لا يسكنها إلا طبقة من الناس، قد لا يناسبونه ويمر بأمور لا تناسب لا الوقت ولا الزمان ولا المكان، وينظر عن يمنيه وعن شماله وناس لا يناسبونه، فمثل هذا عليه أن يتواضع لله جل وعلا، لاسيما في هذه الأماكن المقدسة والأوقات الفاضلة، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام كادت الخميصة أن تفتنه -خميصة ثوب مخطط- فماذا عن غيره عليه الصلاة والسلام؟ وماذا عما هو أعظم من الخميصة؟

لا بد أن يبذل الإنسان كل ما يستطيع لحماية جناب العبادة، الخميصة كادت أن تفتن النبي عليه الصلاة والسلام وصلته بربه عليه الصلاة والسلام أقوى الصلات، فكيف بغيره؟
لو تحرك الباب نسي كل شيء -كما هي حالنا- وبعض المساجد الذي له أدنى ذوق بالخط والرسم لن يدرك من صلاته شيئًا، هذا إذا كان له أدنى ذوق، فكيف بمن يتذوق أمثال هذه الخطوط والرسوم والنقوش؟ وصارت مساجد المسلمين تشبه الكنائس، فما بالك بفنادق الخمسة نجوم، وأحيانًا يقولون: بعد الآن ظهر سبع نجوم، وما أدري كم؟ {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8].

ما تدري؟ هل يستشعر الإنسان الصلة بالله جل وعلا وهو بين هذه الزخارف؟ والمساجد حالها كما ترون، المساجد والنهي عن زخرفتها، وأنها من علامات الساعة معروفة، كل هذا من أجل حماية العبادة، جاء في الأثر: "لا تُحمِّروا ولا تصفروا" وإذا نظرت إلى أكثر المساجد والألوان التي فيها الأحمر والأصفر، والله المستعان.

يقول السائل: الذي يطوف بالصبي وقد ضم صدره إلى صدره، فيكون البيت عن يمين الصبي، ما حكم طوافه؟ وهل تكفي نية واحدة للحامل والمحمول؟
نعم. إذا طاف بصبي طوافًا صحيحًا، بمعنى أن يكون البيت على جانبه الأيسر، وقد نوى عنه وعن محموله أجزأه، أجزأه الطواف ولا يلزم أن يطوف به ثانية، لكن إذا حمله على الصفة المذكورة، بأن يكون البيت عن يمين الصبي المحمول فإن الطواف لا يصح، يشترط لصحة الطواف أن يكون على الجهة اليسرى، على يسار الطائف.

في قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]، قول السائل: أشكل علي الحلقُ في يوم العيد قبل ذبح الهدي، أرجو التوضيح؟
هذا من أعمال الحج التي سئل عنها النبي عليه الصلاة والسلام وما سئل عن شيء منها إلا قال: «افعل ولا حرج». ولا شك أن الذبح أيضًا فيه إشكال، هل يذبح من حين ينصرف من مزدلفة؟ باعتبار أنه يجوز له أن يرمي، ويجوز له أن يطوف، ويجوز له أن يقدم الحلق عليهما، بناء على ما ثبت من قوله: «افعل ولا حرج». فإذا جاز له أن يرمي بمجرد وصوله إلى منى يجوز له أن يطوف بمجرد انصرافه من مزدلفة، ويجوز له أن يقدم النحر عليهما، لا شك أن هذا فيه إشكال، والنحر الذي سببه التمتع أو القران عند أهل العلم حكمُه حكم الأضحية.

وإن وجد مَن يقول: "بأنه يجوز ذبحه قبل الصلاة، وقبل طلوع الفجر، بل قبل يوم النحر، بل قبل يوم عرفة من حين إحرامه بالحج، لأنه انعقد سببه، ما دام انعقد السبب فيجوز فعله ولو لم يأتِ وقت الوجوب" والقاعدة: (أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب، ووقت وجوب، فإنه لا يجوز فعلها قبل السبب اتفاقًا، ويجوز فعلها بعد الوقت) يعني بعد دخول الوقت اتفاقًا، والخلاف فيما بينهما، نظير ذلك اليمين، اليمين تنعقد بالحلف، لكن متى تلزم الكفارة؟ تلزم إذا حنث، يقول: "يجوز أن يكفر إذا حلف قبل أن يحنث" لا يجوز له أن يكفر اتفاقًا قبل أن يحلف، قبل أن يحلف -يعقد اليمين- ويجوز له اتفاقًا أن تكون الكفارة بعد الحنث، والخلاف فيما بينهما، بعد انعقاد اليمين وبعد الحنث، وجاء في الحديث: «لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرتُ عن يميني، ثم أتيتُ الذي هو خير» (الراوي: عائشة، المصدر: الألباني: في السلسلة الصحيحة) وجاء أيضًا بلفظ مغاير، فيدل على أن فيه سعة.

لكن الأحوط بالنسبة للذبح أن يقع بعد صلاة العيد، وأن يكون بعد ذبح الإمام إذا عرف وإلا فبقدره، يعني بعد الصلاة كشأن الأضحية، هذا هو الأحوط، وقد قال به بعض العلماء، فهو أحوط لكن إذا رمى ثم نحر، ثم حلق، حلَّ لكن إذا قدَّم الحلق -الحلق نسك- وهو من أعمال يوم النحر، يجوز تقديمه على النحر، "حلقت قبل أن أنحر؟" قال: «افعل ولا حرج». "حلقت قبل أن أرميَ؟". «افعل ولا حرج». "رميت قبل أن أنحر؟" «افعل ولا حرج». فبناء على هذا الحديث الخاص والعام: "ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في هذا اليوم إلا قال: «افعل ولا حرج». يدل على جواز تقديم الحلق على الرمي والطواف والنحر، منهم من يتحرج باعتبار أن حلق الشعر محظور من محظورات الحج، فيجعله آخر شيء، لا شك أن هذا أحوط، والترتيب على فعله عليه الصلاة والسلام، يرمي الجمرة ثم ينحر، ثم يحلق ثم يفيض، هذا هو الترتيب، هذا الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام وهو أكمل.

يقول السائل: هل هناك دليل على لزوم المبيت لمن تأخر في الرمي إلى بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر؟
لزوم المبيت والتأخر أيام التشريق الثلاثة، في اليوم الثالث لمن غربت عليه الشمس، لمن غربت عليه الشمس، لأنه إذا غربت عليه الشمس دخل عليه الليل، والله جل وعلا يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203]. ما قال: في ليلتين أو في يوم وليلة، أو في يومين وليلتين، لا. دل على أنه لا بد من اعتبار الأيام، فإذا شرع في اليوم الثالث لا بد أن يقع ما يجب عليه فعلُه في اليوم الثالث، وبغروب الشمس يكون شرع في اليوم الثالث.

بهذا أيها الأخوة، نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير.
نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.


--------------------

المصدر: الألوكة

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.