من مظاهر العنف الأسري: العنف اللفظي

منذ 2023-06-16

الزوجة ‌الصالحة تتقرب إلى الله جل وعلا بحسن قولها لزوجها، وأهلها، وأما ‌الزوجة ‌السيئة الخلق سليطة ‌اللسان، وقليلة الاحترام، كثيرة العناد، المجاهرة بعصيان زوجها... غير مكرمة لنفسها أو لزوجها وأهلها، ‌تحمل ‌زوجها ‌على كره ‌عشرتها، ورغبته مفارقتها.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:

فقد تقدم ‌في ‌مقال ‌سابق ذكر بعض مظاهر العنف اللفظي من ‌قِبل ‌الزوج، وإن شاء الله تعالى نكمل الحديث عن نفس الموضوع.

 

‌ ثانيًا: العنف اللفظي من الزوجة:

النساء سبب لإذهاب عقل الزوج اللبيب، ‌حتى ‌يفعل ‌أو ‌يقول ‌ما ‌لا ‌ينبغي؛ عن أبي سعيد الخدري، قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطْر إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال:  «يا معشر النساء، تصدَّقْنَ؛ فإني أُرِيتُكُنَّ أكثرَ أهل النار»، فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال:  «تُكْثِرْنَ اللعن، وتَكْفُرْنَ العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين ‌أذهبَ ‌لِلُبِّ ‌الرجل الحازم من إحداكن»، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:  «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» ؟ قلن: بلى، قال: « فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُمْ»، قلن: بلى، قال:  «فذلك من نقصان دينها»)[1].

 

فقوله عليه السلام: «تكثرن ‌اللعن»، وأصل اللعن: الإبعاد من الخير، ويستعمل في ‌الشتم والكلام القبيح لأحد، يعني: عادتكن كثرة ‌الشتم، وإيذاء الناس باللسان، قوله: «وتكفرن العشير»، كفر يكفر كفرانًا: إذا جحد وأنكر النعمة، وترك أداء شكرها[2].

 

وعن نكاح سليطة ‌اللسان؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله‌‌ ‌ما ‌أفاد امرؤٌ بعد إيمان بالله خيرًا من امرأة حسنة الخلق، ودودٍ، ولودٍ، ووالله ‌ما ‌أفاد امرؤ فائدة بعد كفر بالله شرًّا من امرأة سيئة الخلق، حديدة اللسان، والله إن منهن لَغُلًّا ما يُفدى منه، وإن منهن لغُنْمًا ما يُحذى منه"[3][4].

 

ورأى أبو الدرداء رضي الله عنه امرأة ‌سليطة ‌اللسان، فقال: "لو كانت هذه خرساء كان خيرًا لها"[5].

 

‌فالزوجة ‌الصالحة تتقرب إلى الله جل وعلا بحسن قولها لزوجها، وأهلها، وأما ‌الزوجة ‌السيئة الخلق سليطة ‌اللسان، وقليلة الاحترام، كثيرة العناد، المجاهرة بعصيان زوجها، ومخالفة أمره، والْمُلِحَّة عليه في طلب ما ليس عنده، غير مكرمة لنفسها أو لزوجها وأهلها، ‌تحمل ‌زوجها ‌على كره ‌عشرتها، ورغبته مفارقتها.

 

ثالثًا:‌ العنف اللفظي من الأولاد:

الإحسان إلى الوالدين واجب، والإساءة إليهما شر؛ قال تعالى:  {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

 

وعن تضجُّر وتبرُّم الولد ‌العاق لوالديه؛ قال تعالى:  {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف: 17].

 

فهذه الآية عامة "لكل من يقول ذلك لوالديه، ونزولها في شخص معين لا ينافي العموم؛ لأن العبرة بعموم ‌اللفظ لا بخصوص السبب، فالمراد من (الذي قال لوالديه ‌أفٍّ ‌لكما): كل من يقول ذلك لهما[6].

 

وسباب الوالدين من كبائر الذنوب؛ عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: («إن من أكبر الكبائر أن ‌يلعن ‌الرجل ‌والديه»، قيل: يا رسول الله، وكيف ‌يلعن ‌الرجل ‌والديه؟ قال:  «يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه»)[7].

 

فهذا الحديث "أصل في قطع الذرائع، وأن مَن آلَ فعله إلى محرَّمٍ وإن لم يقصد، فهو كمن قصده وتعمده في الإثم، ألَا ترى أنه عليه السلام نهى أن يلعن الرجل والديه، فكان ظاهره تولي اللعن، فلما أخبر أنه إذا سبَّ أبا الرجل فسبَّ الرجل أباه وأمه، كان كمن تولى ذلك بنفسه، وكان ما آل إليه فعله أنه كَلَعْنِهِ في المعنى؛ لأنه كان سببه"[8].

 

وإن من مظاهر عقوق الوالدين خاصة عند الكبر لشدة الحاجة إيذاءهما أو إيذاء أحدهما بالقول أو الفعل من رفع الصوت، والتأفف والتضجر، أو الإساءة والاستثقال أو شتمهما مباشرة، أو ‌التسبب بشتم الناس إلى ‌شتمهما، أو مقاطعتهما عند الحديث أو تكذيبهما، أو مجادلتهما، والملاحاة معهما، أو انتقاد الطعام، أو إثارة المشكلات أمامهما مع زوجته أو أولاده أو غيرهم.

 

يُؤخَذ مما سبق:

• كفران العشيرِ والإحسانِ من الكبائر.

• بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك.

• الصدقة تكفِّر الذنوب التي بين المخلوقين.

• عظم حق الأبوين.

• سب الوالدين والتسبب في سبِّهما من أفراد عقوق الوالدين.

 

ختامًا:

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 


[1] صحيح البخاري: كتاب الحيض، ‌‌باب: ترك الحائض الصوم، ج1، ص68، رقم ح304، صحيح مسلم: في كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، ج1، ص86، رقم 79.

[2] المفاتيح في شرح المصابيح للمظهري، ج1، ص100.

[3] الإشراف في منازل الأشراف، المؤلف: أبو بكر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي، المعروف بابن أبي الدنيا (ت: 281هـ)، ص228، المحقق: د/ نجم خلف، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، السعودية، الطبعة: الأولى، 1411ه - 1990م.

[4] قوله: (ما يُحذى منه): أي: ما يُعطَى منه لعزته، وقوله: (لا يُفدى منه): أي: لا يُتخلَّص منه لشدته؛ [ينظر: الترغيب والترهيب، المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة (ت: 535هـ)، ج2، ص252، المحقق: أيمن صالح، الناشر: دار الحديث، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993م.

[5] سنن الترمذي: أبواب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ‌‌باب: ما جاء في اللعنة، ج4، ص350، رقم ح1977، وقال: هذا حديث حسن غريب.

[6] التفسير الوسيط: مجمع البحوث، ج9، ص920.

[7] الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب: لا يسب الرجل والديه، رقم الحديث (5973)، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم الحديث (90).

[8] التوضيح لشرح الجامع الصحيح، المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن (723 - 804 هـ)، ج28، ص244، المحقق: دار الفلاح، الناشر: دار النوادر، دمشق، سوريا، الطبعة: الأولى، 1429هـ - 2008م.

____________________________________________________
الكاتب: سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر