أجمل مدينة في العالم، وأسعد رحلة في الحياة

منذ 2011-10-22
أجمل مدينة في العالم، وأسعد رحلة في الحياة
16 رمضان 1430هـ / 5 سبتمبر 2009م
كتبه/ إيهاب الشريف


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيختلف الناس اختلافـًا بينـًا في المعايير التي تتحدد على ضوئها أفضل وأحسن المدن في العالم؛ فمنهم من ينظر للموقع، ومنهم من يضيف إلى ذلك حالة المناخ اعتدالاً وتقلبًا، ومنهم من يستمتع بمناظرها الطبيعية الخلابة، ومنهم من يجمع كل ذلك، لكنهم يتفقون على أن كل هذه الميزات لا تعد شيئًا إذا لم يتحقق للزائر الراحة النفسية والسعادة القلبية؛ إذ هما الهدف والغاية من وراء الزيارة، والاستجمام، والارتحال.

والعجيب أن توجد مدينة لا تجمع هذه المعايير وتلك الميزات؛ بل ولا شيئًا واحدًا منها، ومع ذلك فهي أفضل مدينة في العالم كله!
إذ إنها يتحقق فيها الهدف والغاية، مع عدم تحقق شيء من معايير التفضيل التي وضعها الناس.
وإنما حوت معايير أخرى للتفضيل، واجتمعت فيها مَيزات لا توجد لغيرها من مدن العالم؛ إنها معايير تفضيل سماوية إلهية شرعية، ولم يضرها فقدها لحسن الموقع، ولم يضرها صعوبة وتقلب مناخها.

هذا ومما جعلها تحوز هذه الأفضلية بعد معايير التفضيل الإلهية: أنها تحقق لزائرها راحة نفسية ربما لا يجدها في سواها، وينقلب قاصدها بسعادة ربما تدوم معه طول حياته.

إنها مكة..
حرسها الله وزادها فضلاً وشرفا ومهابة وبرًّا، وزاد زائريها كذلك؛ تلك المدينة التي تقع داخل صحراء شبة جزيرة العرب، وتحيط بها الجبال من جميع الجهات، ندرة في المياه، وصعوبة في المناخ؛ إذ الحرارة مرتفعة تقريبًا صيفًا وشتًاء، لا أنهار، ولا مناظر طبيعية خلابة جذابة، ومع ذلك فهي "مغناطيس" أفئدة المؤمنين، وأفضل مدينة تزار في العالم؛ بل هي أحب البلاد والبقاع إلى الله عز وجل.

وقد يقول قائل: هذه مقاييسكم أنتم معشر المسلمين، وتلك معاييركم، معايير دينية ونحن لا نؤمن أصلاً بدينكم!
ونحن نرد عليه فنقول: أنت يا من أبيتَ إلا الكفر! لماذا تعيش؟ وعم تبحث؟

لا يختلف العقلاء أن الجميع المسلم والكافر إنما يبحث عن السعادة، ولكن الكثيرين أخطأوا الطريق إليها حينما ظنوا أنها في كثرة الأموال، أو بتكديس الشهادات، أو الاستزادة من البنين والبنات، أو المناصب والكراسي والدرجات، في حين أنها تكمن وفقط في القرب من رب الأرض والسماوات.
أما ما سوى ذلك فسعادة الجسد التي ربما يتفق فيها الإنسان مع الحيوان.. أما سعادة الروح.. أما انشراح الصدر.. أما طمأنينة القلب.. فكل ذلك حكر على الإسلام، على دين الله الذي لا يقبل من أحد سواه.

ونزيدك أيها الجاحد فنقول: قد تكون جربت الكثير من المدن، ورحلت للكثير من الأماكن تبحث عن السعادة، ولكنك لن تجدها أبدًا إلا عندما تزور مدينتنا، وتأتي عندنا معشر المسلمين، وتعتنق ديننا، ولا نقول لك جرِّب؛ لأن ديننا ليس للتجريب؛ وإنما نقول لك أسلم، واصدق في إسلامك، وستسعد والله سعادة ما ذقتها في حياتك قط، نجزم لك بذلك ونوقن به إن شاء الله؛ لأن إلهنا قال ذلك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، وأكد ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» [رواه مسلم]، والإيمان معه الأمن والأمان، والسكينة وانشراح الصدر.

فهل تدخل هذه المدينة مسلمًا وتعيش أعظم لذة في حياتك؟
هل تأتي إليها مؤمنًا متنسكًا في أمتع رحلة في عمرك؟
لعلك تفعل...

وهذه دعوة لغير المسلمين.. أما المسلمون فهنيئًا لكم تلك المدينة الباهرة الجميلة الرائعة: "مكة المكرمة".
مدينة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل جعلها الله أحب البلاد إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولن يتسع المقام لسرد كل ما ورد في فضلها من آثار، لكني أذكرها مجملة، ومن أراد الرجوع فعليه بتلك المدونة الروحية، وذلك الحادي الممتع لكل مسافر لتلك المدينة المباركة ألا وهو كتاب: "الرياض النضرة في فضائل الحج والعمرة" للدكتور العفاني حفظه الله.

مكة: أحب بلاد الله إلى الله، وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مكة: قبلة المسلمين في كل بلاد العالمين، بل قبلة الدنيا؛ إليها يتجهون في كل صلواتهم، وإليها يرحلون في عمرتهم وحجهم.
مكة: فيها هبط الوحي على خير رسل الله صلى الله عليه وسلم.
مكة: على ثراها نشأ خير خلق الله صلى الله عليه وسلم، وترعرع بين شعابها، ووديانها.
مكة: فيها أول بيت وضع للناس؛ البيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس.
مكة: تلك البلد الطاهرة التي لا يدخلها إلا المسلم، ولا دين فيها سوى الإسلام.
مكة: التي كرمها الله فحرم صيدها، وحرم قطع شجرها، والتقاطَ لقطتها.
مكة: التي حماها الله من كل جبار عنيد، وحبس عنها الفيل، وحين يهم الدجال بدخولها ترده الملائكة على أنقابها، ويخسف بجيش يريد غزوها.
مكة: فيها خير ماء على وجه الأرض، وفيها حجر من الجنة، وفيها مقام إبراهيم عليه السلام.

ولأجل ذلك كله ليست المعصية فيها كمعصية في غيرها؛ يقول الله عز وجل: {{C}{C}وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{C}{C}} [الحج: 25]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «{C}أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ» [رواه البخاري].
يقول ابن حجر رحمه الله: "فظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره".

ويجتمع للزائر مع كل هذه الفضائل الذاهب لأداء فريضة الحج فضل الأيام كذلك؛ إذ سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أيام الدنيا وأفضل أيام الدنيا، بل أعظم الأيام عند الله كيوم عرفة، ويوم النحر.
وليس يوم مثل الأول في عتق الرقاب من النيران؛ حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: "عبادي جاءوني شعثًا من كل فج عميق، يرجون جنتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له"..» [رواه الطبراني في الكبير والبزار، وقال الألباني: حسن لغيره].

ولا يقتصر الأمر عند ذلك الفضل فحسب؛ بل هناك من المكفرات الكثير والكثير للذنوب والسيئات، وتحمل التبعات؛ فمس الركن اليماني يحط الخطايا حطـًّا، وكذا الحجر الأسود، وبالطواف وصلاة ركعتين بعده يوهب للعبد ثواب عتق رقبة، وبالسعي بين الصفا والمروة كعتق سبعين رقبة، وبرمي الجمار مع كل جمرة تكفير كبيرة من الموبقات، وله بكل شعرة تسقط حسنة، وتكون له نورًا يوم القيامة.

وقبل ذلك كله فخروجه من بيته يؤم البيت الحرام فمع كل رفع وخفض للبعير كتابة حسنة وحط سيئة - مع اختلاف وسيلة السفر هذه الأيام -، وهو في ذلك كله - أي الحاج - يصلي في أشرف الأماكن، ويشرب خير ماء على وجه الأرض، ويلمس أو يقبل حجرًا من الجنة، ويقتدي بخير البشر وأكرم الرسل، ويكثر من ذكر الله وطاعته، وتـُضاعف له الحسنات وتحط عنه الخطيئات.. فكيف تكون رحلة بهذه الصورة؟ وكيف يكون التوافق النفسي والاطمئنان القلبي؟

أما قلت لكم: إنها أفضل وأسعد رحلة في الحياة.. حقـًا إنها رحلة المغفرة التي يكرم الله من شاء من عباده عند العودة بمغفرة ما تقدم من ذنبه فيعود كيوم ولدته أمه، ويقال له: اعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى، فكيف يكون حال عبد بهذه الصورة؟ وكم تكون سعادته وراحته؟ وكم يكون مقدار الشوق للعودة، والحنين للرجوع، وتكرار الحج والعمرة؟!

فإلى كل البشر.. إلى كل الناس.. هل لكم في سعادة أبدية؟!
هل لكم في سكينة وطمأنينة؟!
هل لكم في أفضل مدينة على مستوى العالم وأحلى رحلة في الحياة؟!

إنها دعوة لكل مسلم كي لا يكون من المحرومين، كما في قوله تعالى في الحديث القدسي: «إِنَّ عَبْدًا أَصْحَحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَأَوْسَعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ تَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لا يَفِدُ إِلَيَّ إِلا مَحْرُومٌ» [رواه ابن حبان، وصححه الألباني].

وهي دعوة كذلك لغير المسلمين؛ لكي يذوقوا طعم السعادة التي لا تكون إلا في الإسلام، وطاعة الملك العلام سبحانه وتعالى.

وأختم برائعة من روائع المتأخرين، لكنهم لربهم محبين مشتاقين، ليست من حياة السلف، بل في أيامنا هذه: وهي قصة لامرأة من دول شرق آسيا ظلت تجمع نفقة الحج طيلة ثلاثين سنة، ثم ارتحلت مستقلة طائرة إلى ميناء جدة الإسلامي، فلما نزلت أرض المطار خرت لله ساجدة فما رفعوها إلا ميتة!
يا لشوقها لربها.. يا لحنينها.. أكل هذه الفترة تجمع النفقة؟! أكل هذا شوق للمغفرة والرحمة؟! فأين نحن منها؟ وأين قلوبنا من قلبها؟!

نسأل الله أن يرزقنا حنينـًا وشوقـًا لبيته، ولرحمته ولمغفرته، وأن يرزقنا المتابعة بين الحج والعمرة.


موقع صوت السلف
www.salafvoice.com